ومن معاناة فرق ملاعب الأحياء .اخترت نموذجا من شهادات منشورة بجريدة الاتحاد الاشتراكي , عن ملاعب الدار البيضاء التي أعطت الكثير وغدت اليوم تقاوم زحف الإسمنت كأنها تشكو ولا من يسمع شكواها
ملاعب الأحياء الشعبية , تقاوم زحف الإسمنت أكيد أن الملاعب الرياضية في الأحياء الشعبية البيضاوية تلعب دورا مهما في حياة الشباب قاطبة , لعدة اعتبارات من ضمنها أنها تشكل بالنسبة لهم فضاء مناسبا للترفيه ولممارسة رياضتهم المفضلة , خاصة كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية في العالم , إضافة إلى أن ملاعب الأحياء الشعبية ساهمت في إنجاب العديد من الأسماء اللامعة في كرة القدم المغربية وباقي الرياضات , منهم من قضى نحبه ومنهم من أرغموا على دخول خانة التهميش , وبغض النظر عن الدور الفاعل الذي تلعبه ملاعب الأحياء الشعبية في حياة الشباب إلا أن الواقع المزري الذي تعيشه والتهميش المتعمد الذي يطالها وعوائق أخرى , كل ذلك بات يطرح أكثر من علامة استفهام من قبيل أين مكان شباب الأحياء الشعبية من مخططات التنمية البشرية
- ملعب سباتة بقرية الجماعة
يطلق عليه شباب المنطقة اسم ملعب " با محمد " حارسه الدائم منذ سنين , أنشأ وكون العديد من اللاعبين البارزين في الساحة الوطنية كلاعب فريق الوداد البيضاوي الدولي السابق يوسف فرتوت ولاعب فريق الرجاء البيضاوي حاليا حميد ناظر , رغم أنه ليس في مستوى تطلعات ساكنة المنطقة ويعيش بشهادة " با محمد " ظروفا مزرية , إذ أن أرضيته الصلبة من " الحمري " عندما تهطل الأمطار تتحول إلى بركة من الوحل , جدرانه حفر فيها النسيان شقوقا بارزة آيلة للانهيار في أية لحظة , ورغم ذلك تبدو صامدة اجتهادا منها - لكن فقط إلى حين – مستودعات الملابس أضحت مأوى من خمس نجوم للجردان من فصيلة " الطوبات " ورغم ذلك فإنه بالنسبة لشباب ساكنة المنطقة , الملاذ الوحيد لهم لممارسة رياضتهم المفضلة ليس مجانا وإنما بعد تأدية ثمن غير محدد لحارسه " با محمد " هذا مع العلم أن ظروف اللعب
في هذا الملعب تبدو خطيرة على الممارسين شيئا ما ,إذ لا يتوفر على مركز للاستشفاء في حالة إصابة أحد اللاعبين , بل الأكثر من ذلك ففريق اتحاد سباتة ممثل المنطقة يلعب في هذا الملعب بدون توفير سيارة للإسعاف تحسبا لحالة طوارئ ويتم الاكتفاء فقط بدلك موضع الإصابة للاعب المصاب الشيء الذي يهدد سلامة اللاعبين , كما يرى ذلك عبد الله عذيب وهو شاب في العشرينات من عمره يقول : إن هذا الملعب يفتقر للمقومات الضرورية للممارسة ويضيف قائلا متخوفا من حالة الملعب المزرية " الله يستر من هذا التيران غير لما طاحش شي نهار على عباد الله " وأجمع جل شباب المنطقة على أنهم باتوا متذمرين من التهميش المعلن الذي يطال هذا الملعب والذي يطالهم كشباب بصفة عامة وأن الواجب يحث مسئولي المنطقة على إحداث مراكز لاحتضان طاقات الشباب وخاصة مآوي رياضية وفي هذا الصدد يقول إبراهيم حمدي في الخامسة والأربعين من عمره : إن جل شباب سكان قرية الجماعة عاطلون عن العمل ويتمنون على الأقل الخروج من الوضع النفسي الاجتماعي القابعين فيه من خلال عد توفير فضاءات ترفيهية رياضية أو خلق مساحات جغرافية وما تلزمه من تجهيزات لممارسة الرياضة . وأضاف إبراهيم قائلا : خاص المسئولين يبنيو للشباب ديالنا فين إبينو على القدرات ديالهم ما شي إيخليوهم مهمشين "
- ملعب " السخفة " بحي السالمية
" السخفة " مجرد لقب أطلقه أبناء الحي على مساحة شاسعة متربة " بالحمري " يسمونها بالملاعب وما هي بذلك , إذ تتطلب من المزاولين فيها جهدا بدنيا مضاعفا لمسايرة أرضيتها الصعبة المليئة بالحفر , والتي ترهق اللاعبين في أقل مدة زمنية , لهذا أطلقوا عليها لقب " السخفة " يقول هشام الكاضمي , شاب في العشرينات من عمره , إن هذه الملاعب تصير صيفا وكأنها صحراء قاحلة وتبدو شتاء وكأنها أحواض من طين وأضاف قائلا : " هاذو ماشي ملاعب ديال الكرة هاذو يصلحو يكونو شي سوق ديال الخضر أو رحبة ديال الغنم " ومن جهته قال علال السالمي أحد قيدومي سكان حي السالمية : إنه ليس معنى أن يأتي المسئولون بالجرارات والرافعات لدك أرضية هذه المساحة وإقامة مرمى هنا وهناك يكونون
قد أنشأوا لشبابنا فضاءات رياضية , لأنها بعد ذلك ولمدة سنوات تصير قي طي النسيان , وهذا حال هذه الملاعب التي لم يتم الالتفات إليها منذ سنين
- " الظلمي" بعين الشق
يقع الملعب في قلب عين الشق , لا تتعدى مساحته مساحة الملاعب المصغرة داخل القاعة , أطلق عليها سكان الحي اسم ملعب الظلمي أو " وسعة" الظلمي كما يحلو لهم , لا لشيء سوى أن اللاعب المبدع عبد المجيد الظلمي تلقن أصول ومبادئ كرة القدم بهذا الملعب وكان سببا في ولوجه فريق الرجاء البيضاوي . يقول الحاج عمر من قدماء سكان عين الشق " هنا فين تعلم عبد المجيد الكرة , شحال لعبت معاه وشحال قصرنا في هاذ الوسيعة " هذا الملعب الصغير أو هذه الوسيعة , هي رحم أنجب العديد من نجوم كرة القدم الوطنية , منهم من برز اسمه بشكل لافت ومنهم من اختفى عن الأنظار , ومن بين أبنائها الدوليين – النيبت – الذي يقول عنه الحاج عمر : إنه هو الآخر تعلم كرة القدم في هذا الملعب نظرا لأن منزله الأصلي يوجد بمحاذاته , ومن أبناء هذا الملعب أيضا لاعب فريق الرجاء البيضاوي حاليا – سامي تاج الدين – الذي منذ نعومة أظافره كان يجد فيه الملعب الثاني للتحاور مع الكرة بعد ملاعب فريقه ويقول السيد فاتح بوشعيب " كان تاج الدين ديما كيلعب معانا في هاذ الوسيعة , هاذي هي برنابيو ديال عين الشق " غير أن هذا الملعب لم يعد كما كان في الأمس , لم يعد كل يوم أحد يتجمهر حوله حشد غفير لمتابعة المباراة تلو المباراة , لم يعد يشتعل حرارة بمباريات فرق الأحياء كما كان في السابق , إذ صار مكانا مخصصا لوقوف السيارات , وأحيطت جنباته بشجيرات صغيرة , الشيء الذي أثار حفيظة شباب الحي لعدم وجود ملعب ثان بالمنطقة يزاولون فيه لعبتهم المفضلة وباتت الأزقة ملاذهم ومدارات الطرق المعبدة مرتعهم ليلا لممارسة كرة القدم " معندناش فين غدي نلعبوا , عين الشق كاملة ما فيها حتى شي تيران , كاين غير الزناقي هما اللي بقاو لينا , يقول فاتح بوشعيب بعصبية كبيرة متذمرا من الوضع الذي يعيش عليه حيهم , وأضاف قائلا نيابة عن عدد من شباب المنطقة الذين تجمهروا للإدلاء برأيهم , إن الفضاءات الرياضية بالنسبة لهم , الملاذ الوحيد للهروب من واقع معيشي كئيب وللترويح عن نفسهم , وإن غيابها يقتل فيهم الأمل
- فضاء بكار
توجد أمام المحطة الطرقية أولاد زيان بدرب السلطان مساحة شاسعة محاطة بسياج عال لحماية اللاعبين . أنشئت سنة 2001 وأطلق عليها اسم عبد اللطيف بكار اللاعب السابق لفريق الرجاء البيضاوي ابن منطقة درب السلطان الذي توفي خلال الأحداث الإرهابية التي ضربت المدسنة في 16 ماي 2003 . يشكل بالنسبة للشباب متنفسا استجاب بنسبة كبيرة لتطلعاتهم حسب قول كمال رزقي وهو شاب في الثانية والعشرين من عمره ,أكد أنه منذ إنشاء هذه المساحة وشباب المنطقة بكل الأحياء المجاورة يقبلون عليها , والشيء الجميل في هذا الفضاء أنه أصبح شبيها بناد رياضي , بل الأكثر من ذلك أنه يتوفر على الإدارة مما يشجع على مزاولة الرياضة ليلا بدلا من شوارع ومدارات مرور السيارات ومخاطر اللعب بالطرقات
ملاعب الأحياء خدمة ضرورية : كل هذه الملاعب ليست إلا نموذجا لعدد من ملاعب الأحياء الشعبية في مدينة الدار البيضاء , إلا أن الشيء الأكيد أن مجملها لا يرقى إلى تطلعات الساكنة حيث التهميش يطالها ولا تخضع لإدارة معينة , هذا بغض النظر على أن عددا من الأحياء لا تتوفر ولو على ملعب واحد وليست فيها فضاءات مناسبة لممارسة أي نشاط رياضي , الشيء الذي لا يتقبله الشباب الذي يعتبر أن غياب الملاعب / الفضاءات هو تهميش لمواهبهم وقدراتهم الرياضية , والأكيد أن إنشاء ملاعب في الأحياء الشعبية بمواصفات محترمة تراعي ظروف وأجواء مزاولة الرياضة , هو على الأقل خدمة رمزية للشباب البيضاوي تخفف – ولو بنسبة قليلة – من ثقل الواقع الاجتماعي الصعب الذي يثقل كاهلهم
صلاح كومري " صحافي متدرب "
المقال نشر بجريدة الاتحاد الاشتراكي تشجيعا له على التعبير, بعدد 8619 بتاريخ : 25/7/2007