المترجم الداعية .. الدور المفقود

الحضارة الإسلامية هي حضارة عريقة العلوم والمعارف، أصيلة المثل والقيم، وقد بهرت العالم كله بمنظومتها المعرفية، وقدمت للعالم أجمع نموذجًا مثاليًّا من العلم والمعرفة، كما كانت حركة الترجمة للعلوم غير العربية في أوج ازدهارها مع ازدهار الحضارة الاسلامية في العصر العباسي نوع من أنواع ذلك التقدم العلمي.
ولكن مع تراجع الحضارة الإسلامية تراجعت حركة الترجمة وانزوت أهميتها، فتقهقر دور المترجم – سواء من العربية أو إليها– وتوقف عن دفع عجلة تقدم الحضارة.
وتظهر أهمية الترجمة في نشر الإسلام، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي وطَّنها المستشرقون في نفوس الغربيين، عندما قاموا بتحريف العقائد الإسلامية بترجمة القرآن والعلوم الاسلامية حسب أهوائهم، محاولين النيل من الإسلام والحد من انتشاره في ربوع العالم.
وهنا يكمن دور المترجم الداعية، الفاهم لدوره الدعوي، الواعي للمخاطر المحيطة بالإسلام والمسلمين، ويحول ذلك إلى دور حيوي حين يقدم ترجمة صحيحة ويبني ما هدمه المستشرقون من عقائد في نفوس الغربيين عن الإسلام، حينما يتجاوز مفهوم دعوته مجرد ترجمة معاني القرآن الكريم فيستوعب في ترجمنه التراث الإسلامي الأصيل، حتى يقرأ العالم عن ديننا كما نفهمه نحن لا كما يفهمه الآخرون.
ولا يتوقف دور المترجم عند حد الترجمة الأصيلة التي يحاول من خلالها إيصال الإسلام الصحيح إلى العالم، بل يتطرق إلى محاربة الاستشراق والتنصير، ومواجهة جميع الشبهات والأغاليط التي يسوقها أعداء الإسلام، من خلال تقديم بديل واع ومدرك لواقع الإسلام والمسلمين من ناحية، وواقع أهل اللغة التي يريد أن يخاطب أهلها ويدعوهم، ويوضح لهم صحيح الدين من ناحية أخرى.
وبالنظر إلى واقع ترجمة معاني القرآن الكريم، فإنها قد استخدمت سلاح ذو حدين، حيث استخدمها أعداء الدين أداة للطعن في الإسلام وشخص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما حدث في الترجمات اللاتينية الأولى لمعاني القرآن الكريم، كما استخدمها البعض أداة لترويج أفكار الفرق الضالة، كما فعل القاديانيون، وأخرى لتعميم الأجندة السياسية كما كان في تركيا أتاتورك.
ومن هنا: تبدو أهمية القيام بحركة ترجمة دقيقة وواسعة لعلومنا الإسلامية واللغوية، بحيث نكون نحن المتحدثين باسم لغتنا وديننا بدلا من وسطاء مستشرقين خبيثي النية، يظهرون خلاف ما يبطنون، ويصبحون هم لسان الإسلام في العالم.
كذلك يقع على كاهل المترجم الداعية عبء كبير يتمثل في دقة الترجمة، فلا يقف عند حد الترجمة الحرفية للنص الإسلامي، وإنما يتعداها إلى الترجمة المعنوية والحرفية في ذات الوقت حتى لا يخرج عن سياق وروح النص المترجم. فعليه أن يستوعب المعنى باللغة العربية ويفهمه، كما عليه أن يعي ويدرك اللغة المترجم إليها، ومعنى وروح الجمل والألفاظ التي يستخدمها للتعبير عن النص الإسلامي؛ حتى يصل المعنى كافيا وافيا كأنه مكتوب – في الأصل – باللغة المترجم إليها.
ويفترض في أي ترجمة يقوم بإعدادها المسلمون أن يكون منتهاها تبليغ المعاني السامية للكتاب والسنة، ودعوة الناس إلى الدين القويم وإلى ما فيه من الخير والهداية والرشاد.
وعليه: فإن مضمون تلك الترجمة ينبغي أن يكفل صحة الترجمة وجودتها في إيصال المعاني الأصلية الموجودة في اللغة الأم، سواء في اختيار الألفاظ المعبرة عن المعاني، أو في أساليب التعبير وصِيَغِه، كما عليه أن يراعي الفئات المستهدفة من أصحاب اللغة المترجم إليها، فيوجه إليهم ما يحقق الفائدة من مضمون ما يترجم عنه، وذلك باعتبار خصائص تلك البيئات وثقافتها؛ فعليه أن يضع في اعتباره طبيعة البيئة التي يتوجه إليها بالترجمة وظروفها وثقافتها، فما يوجهه إلى البيئات الإسلامية غير ما يوجهه إلى البيئات الأخرى، من أصحاب الديانات السماوية أو الوضعية، فلكل بيئة خطابها الخاص.
ومن جانب آخر، على المترجم المسلم – عمومًا – ألا ينساق وراء المصطلحات الإعلامية الغربية التي تصف العمل الإسلامي بكل شر، وتحاول جاهدة تأطير الإسلام في مصطلحات معينة تحقق لهم أغراضهم، مثل: العمليات الانتحارية والإرهاب وتمويله وخلاياه، وغيرها من المصطلحات التي ينساق وراءها – للأسف – بعض المترجمين المسلمين دون وعي، وهذا دور بالغ الأهمية يقوم به المترجم في تصحيح المفاهيم.


بسام الحومي - مجلة الامة - العدد27