آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: رواية (نجمة النواتي) الحلم ما يزال ناصعاً.

  1. #1
    أديب وناقد| في ذمة الله الصورة الرمزية زكي العيلة
    تاريخ التسجيل
    05/01/2007
    المشاركات
    166
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رواية (نجمة النواتي) الحلم ما يزال ناصعاً.

    رواية (نجمة النواتي) الحلم ما يزال ناصعاً
    بقلم: زكي العيلة


    لعل أبلغ ما يتصف به (غريب عسقلاني) من خلال روايته الأخيرة (نجمة النواتي) تلك القدرة على التقاط اللحظة الإنسانية، استقطار أدق ملامحها .
    الحلم واليقظة، الزمان والمكان، العام والخاص، المرئيات والمخبوءات كلها خيوط تتداخل، تمتزج، تنعجن لتشكل تضاريس النص و ذاكرته.

    (نجمة النواتي) ترصد عبر عديد من النماذج الإنسانية الواقع السياسي والاجتماعي والفكري في قطاع غزة في مرحلة الستينيات، حين ساد الحلم بقرب تحقق آمال المقهورين المشدودين صوب نجمة يحفظون ملامحها ومواقيتها، حيث نجد الكاتب حريصاً على استحضار المواقع الفلسطينية المصادرة، إضافة إلى تسمية شخوصه بأسمائهم الحقيقية دون مواربة، ليس من قبيل الواقعية التسجيلية فقط، وإنما هو دليل على الوعي بالمراحل التاريخية التي استحضرتها الرواية التي يغلب على فصولها الإيقاع السريع، والكلمة الإيحائية المكثفة والاعتماد على حديث النفس والارتجاع الفني.

    فالنواتي الذي قصف بعاد وليفته (زهرة) صبابة شبابه ما زالت عيناه تبحران في ليالي القمر إلى منارة عسقلان، يتلقط أخبارها باحثاً عن لحظة متوهجة لم يخفت أوراها محملقاً في بقاياها- زوادة عمره- جديلتها المصلوبة خلف برواز الصورة، منتظراً نهاية هجرة قاسية امتدت عشرين سنة تأجل بسببها عرسه، وبقيت زهرة في شرفتها تنتظر بحَّارها الذي وجد في الارتحال إليها نوعاً من التطهر، والتشفي من الآلام "هل نلتقي يا زهرة؟ كيف وأين؟ في يافا؟ في غزة؟ من منّا يصعد؟ ومن يهبط؟ هل تهبطين من الكرمل فيما أنا صاعد إلى حيفا؟ هل يحط بنا الشوق في العجمي؟ انتظري في شرفتك واستقبلي ريح العصاري حتى يمر النواتي فارداً شاله، سرواله الأسود، وقيطانه الأصفر، ناشراً شراشيبه تلمع أسفل الخصر في وهج الشمس" ص93.

    يحاول النواتي التسلل إلى معشوقته أكثر من مرة، فترده رصاصات اليهود ولكن (رجا بدران) رمز التواصل والانصهار بالأرض يأتي بخبر عن هدم بيتها الذي تسلل إليه قبل أن يرجع بجديلة من شعرها أودعتها زهرة عند آخر عجوز نواتية، فرسخ اعتقاد لدى النواتي أن لشوشانا اليهودية ضلعاً في ذلك، (شوشانا) التي جندوها في يوم لإسقاطه فوقعت في هواه، وطاردته، وعندما رفض أن يقيم معها علاقة آثمة لا يقبلها منطق، ولا تستسيغها شرعة، حرضت عليه وعلى بحارته جند الإنجليز، لتؤكد من خلال ذلك على العلاقة الترابطية التي جمعت الانتداب البريطاني بالصهيونية التي لم تترك وسيلة من وسائل الترغيب أو الترهيب إلا واتبعتها في سبيل الاستيلاء على الأرض، وتفريغها من أصحابها الذين لم يركنوا إلى الصمت أو التراجع، فكان اختطاف (الأورفلي) قائد الجند من فراش شوشانا وقتله، فانتشر جنوده يعيثون في الأرض فساداً باحثين عن النواتي وأبو خليل ورجا بدران بعد أن وشت بهم شوشانا، ولعل تسمية الضابط الإنجليزي ب( الأوروفلي) لم تأت عفوية، فالاسم يحمل سمات تركية، وكأن الكاتب يريد أن يقول أن الاحتلال واحد، والقمع واحد وأن تعددت رموزه ومسمياته.

    ورغم مرور سنوات معفرة بالغربة والشقاء مازال (النواتي) يفتش مسترشداً بنجمته التي لا تضل عن طريقة يبحر بها إلى محبوبته (زهرة) كي تكتمل أبعاد الصورة، يكتمل حضور الجديلة بحضور صاحبتها، لتستريح نورسة ما زالت تؤرقها الرياح، وتفزعها العواصف على رمال يافا.

    وعندما تعلن حالة الطوارئ في مصر وقطاع غزة قبل حرب 1967 بأسابيع تنتشر طوابير المتطوعين، تنتصب الخنادق وتبدأ طبول الحرب في القرع لتشمخ صورة (زهرة) متطاولة على عذابات عشرين عاماً من الغربة، والمرارة، ويأبى (النواتي) أن يقبع في الملاجئ، فيتمنطق سلاحه زارعاً رشاشاً في مقدمة لنشه المتجه شمالاً حيث نورسته المنتظرة دوماً، نورسته التي اقتربت منه واقترب منها بعد أن أصبح الفعل لا اجترار الكلام أو العويل هو السائد فانفتحت كوة لابد أن تقوده إليها: "متى تستريح النورسة على رمال يافا لا تؤرقها رياح، ولا تفزعها عواصف، من يمنعني من ركوب البحر، لم يعد في اللنش شنشولة، ولا شبكة طرح، أو حتى خيط سنارة، فقط مرساة وبندقية، ورصاصات، وأنا والعيماوي الحافظ لدروب الماء يسمى الصخر، ويراوغ الدوامات، هل نخطئ السبيل إليك" ص94.

    تشتد المعارك، تسقط طائرة معادية في البحر، يأسر لنش النواتي طيارها ليسلمه إلى سيارة عسكرية تقتاده إلى قصر الحاكم.
    تبدأ أخبار الهزيمة في التسرب، يطلب ضابط من المخابرات العسكرية من النواتي أن يسلم الطيار إلى القيادة في مصر فالطريق البرية غير آمنة، يمتثل (النواتي) للأمر بعد أن يترك صرته، زوادة عمره التي تحتوي على ضفيرة زهرة أمانة في يد كوثر (أم خليل).
    "النواتي يتطلع إلى البحر، تتكسر نظراته عند المنارة، شفتاه ترتجفان.. عتمة تحط في الصدر، تتخلق دمعة في القلب تجثم عليه، ولا تصعد في العين، هو الفراق مرة أخرى" ص103 .
    ..يتم احتلال القطاع بعد مقاومة وفي أحد مراكز الإحصاء، وصرف بطاقات الهوية، تصطدم نظرات (أبو خليل) بشوشانا الواقفة خلف الكاميرا في لقاء مقلوب أطاح بما تبقى من أحلام بقرب لقاء زهرة. ولتتعمق حالة أخرى من التوهان والغربة والتشتت، فالنواتي ما زال مبحراً في دروب وعرة هدت روحه وحولت لحظات فرحه إلى معاناة، بدءاً باختناق حلمه الأول المتمثل في زواجه بزهرة الذي تأجل لأسباب الهجرة القسرية التي فرضت عليه وعلى شعبه، انتهاء بخروجه إلى "بور سعيد" حاملاً الطيار اليهودي في اللحظة التي اعتقد فيها أنه قد أصبح أقرب إلى زهرة من أي وقت مضى، فهل تغادره زهرة؟ هل يلتقي بمعشوقته؟ ذلك هو السؤال الذي تتفتح عليه نوافذ الرواية.
    "أكلتنا الغربة منذ سقت أنا اللنش جنوباً، واتجهت أنت شمالاً تحت وطأة نفوذ شوشانا، لفًّني المخيم، ودثرتك بدرية، وأهدتك هداهد يصطادها لك خصيصاً صابر الراعي، وأنا أعاشر وشيش البحر وحكايات العيماوي، وأبو خليل، وانتظر رجا بدران والآخرين" ص93.
    .. (أبو خليل)، (رجا بدران) نموذجان يشكلان المفتاح المؤدي لفهم شخصية النواتي الذي لا يكتمل نسيج عالمه إلا بحضورهما حيث يجسدون معاً علاقات مشتركة تتحرك عبر رقعة أحلام بدلالات تضيء الزمان والمكان، لتضع أصابعنا تجاه بوصلة الخلاص.
    (أبو خليل) نموذج المثقف الفلسطيني الواضح الذي عركته التجارب الحياتية، والمترع بالأمل في المستقبل، والملتصق بالنواتي ورجا بدران رفاق العمل في ميناء يافا، والذي يقيم في مواجهة بحر المخيم بيتاً يشبه بيوت حي العجمي في يافا المغتصبة، معتبراً أن البحر ملاذه ومرصده، والذي لا يرتاد مقهى المخيم إلا عندما كان ينتظر رجالاً يفدون من ضواحي المدينة والمخيمات الأخرى بينهم عمال ومعلمون وشاعر تشي الخلفية التي يتحرك عبرها أنه معين بسيسو، يقلبون أوراق المستقبل، ذلك المستقبل الذي تبدأ أولى صفحاته من خلال التواصل مع رجال الغد (الفتى حسام وصحبه) حيث يحادثهم أبو خليل عن سيرة الشهيد حسن سلامة التي تنتظر أن يحفظوها، ولعل الشقاء الذي يلفهم في المخيم يجعلهم الأقرب إلى وجدان أبو خليل الذي يهش لهم، فيتركون ملابسهم عنده، ويمضون عرايا، وقد لفوا أكفهم بالخرق، ينتزعون لقمة عيشهم من الصخور علهم يعودون بعشاء، فالوقت صعب والأولاد لا تزال تعجزهم العافية وقلة المراس:
    "من كل المطارح رحلتم، في الأرحام كنتم، وعلى صدور الأمهات الخائفات الجائعات تجمعتم في الخيام، وعندما ابتسم العالم ابتسامته الصفراء أوَيتم تحت سقوفكم القرميدية السوداء، حتى القرميد في المخيم أصبح أسود، تطاردون فراخ الداقور الأسود الذي تعافه كرام الأسماك، وتتسولون طوابير على مراكز التغذية" ص15.

    وعندما يُسجن أبو خليل ورفاقه في سجن الواحات في مصر يظل النواتي الملجأ والسند لأم خليل "كوثر" التي تناديه بالخال، والتي تعرف تفاصيل حكايته.
    "كنت ظهري يوم انقطع الأهل والسند، وها أنت ظلي وظل أولادي الذين يسألون عن أبيهم، ولا يدركون معنى السجن، لو يعلمون قصتك يا خال، ويعرفون حوريتك التي تنتظر، هل يعود (رجا) بأخبارها".

    دائماً يطل (رجا) المنتشر على امتداد النص بحضوره أو بغيابه، والذي يمثل هاجساً يستحضره الجميع في المواقف الصعبة التي تعترضهم – رجا بدران – شقيق كوثر "أم خليل" الذي عمل مع خاله النواتي في ميناء يافا، والذي اصطحب أخته معه إلى حيفا ليبعدها عن ابن عمها العريس الذي رفضته، وليشهدها على حكاياته مع ابنة خاله قمر التي فارقته بعد الرحيل، ليركب البحر متسللاً إلى صيدا يسأل عنها، فيعلم أنها قد تزوجت في برج البراجنة، فيرسل خاتم عرسه نقوطاً لابنها البكر متواصلاً معه، وليستمر ارتحاله وارتباطه بالأرض وأهلها، حيث يتسلل إلى الجليل عائداً بجديلة زهرة.
    (رجا) الذي لم تقلقه مطاردات الإنجليز له، ولا وشاية شوشانا، لكن الذي أقض مضجعه كيفية الاطمئنان على حال أخته كوثر التي انتقلت إلى بيت زهرة في رعاية النواتي، عندما يجمع رجا بين قلبي أخته وعريسها (أبو خليل).
    يستمر (رجا) في بحثه عن الوطن عبر دروب البحر تارة وعبر أسلاك البر تارات إلى أن تصرعه رصاصات على الحدود بعد أن خذله الدليل.

    وللمرأة (كوثر، صفية، سناء) دور يتعدى القوالب البيولوجية، والاجتماعية المرسومة في أذهان الكثيرين، حيث نجدها على امتداد الرواية تبحث عن سبيل تواجه به قسوة العالم الخارجي . فكوثر (أم خليل) التي عاشت فصول النكبة واكتوت بنارها تجد نفسها ملزمة بالوقوف إلى جواز زوجها – الذي اختارته – تنظف قوالبه المعدنية وأدوات مصنع قرميده مرددة معه قصائد الشاعر خاصة تلك التي أرسلها إلى زوجته من سجن الواحات.
    وعندما يؤمر خالها النواتي بالتوجه إلى مصر حاملاً الطيار الأسير، يضع بين يديها ضفائر زهرة - زوادة عمره - وكأنه ينيط بها مهمة حراسة حلمه.

    أما (سناء) الفتاة المثقفة التي تعلن عن آرائها دون مواربة، فإنها تختار معايشة الناس؛ لتدفع زوجها خميس كي يكتب القصيدة القريبة من وجدان الجماهير ونبضهم : "لمن تكتبون يا خميس، وما جدوى النظريات والدنيا تغلي وتفور، إن معايشة الناس تعطيك لغة الناس".
    وعندما تبدأ حرب 1967 تنضم إلى صفوف المتطوعين في محطة استقبال الجرحى التي أنيطت مهمتها بأبي خليل.

    أما (صفية) زوجة حمدان حارس دفة لنش النواتي التي تحلم بحوريات البحر، وحالما تتيقظ تقوم بتوزيع خيرات البحر – عندما تكون وفيرة – على الناس، والتي لا تكل من البحث عن حمدان الذي جند في موقع المنطار الأمامي الذي صمد أمام القصف الجوي، واجتياح الدبابات لغزةن وعندما تعثر عليه مصاباً بشظية في فخذه يتوكأ على كتفها في صورة تحمل الكثير من الدلالات وهما ينتظران إشارة من الفتى حسام ليعبروا معاً إلى مجهول ينتظر الجميع بأنيابه.

    ولا تكتمل عوالم شخوص الرواية إلا ببعدها المقاتل الذي يجسده ابن عائلة الديب الضابط الفلسطيني العائد من العراق بعد عشرين عاماً من هجرته مع أسرته من (أجزم) متعلقين بذيول الفيلق العراقي، تاركين عمتهم بدرية هناك في البيت الكبير تنتظرهم؛ لتظل حسرتها مشتعلة في قلب الوالد (عبد السميع) الذي أولم لأهالي (أجزم) في البصرة حينما سمع سلام "بدرية" في الراديو، وأنها قد تزوجت من الراعي صابر، ورزقت بقمر وعبد السميع. يأتي الضابط "العراقي" عندما أعلنت حالة الطوارئ قبيل الحرب؛ كي يدرب الرجال في معسكرات التجنيد في غزة، متحدثاً عن قومية المعركة منتظراً العبور من الوطن إلى الوطن، مسترشداً بخبرة حروب كثيرة خاضها.
    وعلى قبر (رجا بدران) ينز دمعاً متصلاً متوسلاً بصاحب الضريح أن يوصله إلى عمته (بدرية الديب) في أجزم، بدرية - التي تتوزع في ثنايا النص كظل معنوي لزهرة، وللأرض الفلسطينية الباقية رغم أساليب القهر والتهويد-.

    يحارب الضابط العائد من العراق الطاعون على بوابات غزة، متنقلاً من موقع إلى آخر، وعندما تحل الهزيمة يتراجع إلى الأحراش، ليعود في النهاية مع الفتى (رجا) ابن قمر الذي قدم ممتشقاً خاتم أمه نقوط الشهيد رجا الذي عبر به إلى عمته بدرية جامعاً بين جهات الوطن المسبي وبين شخوصه المنفيين في الشتات مجسداً خصوصية التوالد والنماء الفلسطيني، تلك الخصوصية التي تتضح أبعادها أيضاً من خلال الفتى (حسام) الذي يحلم بوصايا جده الشهيد "يوسف العجرمي" وحكايات الشهيد "حسن سلامة" غير المكتوبة، مستعيراً من الأستاذ خميس ديوان الشاعر- معين بسيسو- باحثاً عن دور له في المعركة، سواء بين العسكر أو في ردهات المستشفى بين المصابين والجرحى، وبذا يجسد الاثنان رجا الثاني وحسام بروحهما الغضة الوثابة استمرارية التحدي والعطاء؛ لتتحقق جدلية التلاحم بين الماضي والحاضر والمستقبل، حتى تعود زهرة وبدرية وتظل نجمة النواتي راية خفاقة تهدي المتعبين.

    *****

    * نجمة النواتي، غريب عسقلاني، منشورات اتحاد الكتاب، القدس، 1999م.
    - الروائي المعروف الصديق غريب عسقلاني (1948) نشر منذ عام 1979 عشر روايات وست مجموعات قصصية، وهو يشغل الآن منصب مدير عام الأدب والنشر في وزارة الثقافة الفلسطينية.


    *موقع الكاتب زكي العيلة http://zakiaila.net/
    *بريد zakiaila@gmail.com


  2. #2
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    04/01/2008
    العمر
    37
    المشاركات
    3,628
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي

    $vhs, kr$d, *hj Hfuh$ thwr, hgulr


  3. #3
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    04/01/2008
    العمر
    37
    المشاركات
    3,628
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي

    $vhs, kr$d, *hj Hfuh$ thwr, hgulr


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •