نصٌّ نثريٌّ :

الاستئصالُ الدائمُ
د. شاكر مطلق
عندما كنتُ يافعاً
استأصلوا لي في حمصَ
– على نهر العاصي –
الزائدةَ الدوديَّةَ
فكدتُ أُحْجِمُ عن الطعامِ ...
عندما كنتُ شاباً
استأصلوا لي في جامعة هامبورغ
– على نهرِ الإلبِهْ -
اللَّوزتينِ
فكدتُ أُمسِكُ عن الكلامِ ...
عندما عدتُ
- بعد غيابٍ طويلٍ -
إلى...
( بلادُ العُرب أوطاني ...)
- على نهر النِّفطِ والغاز ِالمُشتَعلِ والعسكَر و...-
استأصلوا منّي كلّ شيءٍ
- ما عدا جلدي -
فصرت مواطناً صالحاً
فارغاً تماماً ‘ مثل " بوذا"
لاستقبال الكُشوفِ
وجاءتْ البلاوى
والانكسارات القومية والأمميةِ ...
ولكن عندما أصبحتُ كهلاً
التقَـيتُها هناكَ ، أو خُيّلَ لي
في قريةِ الورودِ الجوريةِ
والقمر الشّاحبِ
– على نهر العَدَميةِ ، والكَيْنونة العَبثيّةِ –
فاستأصلتْ لي
- من دونِ إنذارٍ -
قـلبيَ المسكينَ
بضربةِ مِشرطٍ من أجفانِها
ومَضَتْ
فكدتُ أُضرِبُ عن الحُبِّ ...
إلى أين ذهبتْ به تلكَ الجنيةُ ؟
هلْ إلى غابةِ السَّاحراتِ
والعذراواتِ المارقاتِ مضَتْ؟
أمْ رمتهُ - يا تَرى -
في مياهِ " الفراتِ " العذبةِ
فشالهُ الطّوفانُ إلى بحر الظُّـلُماتِ
فغَرقَ في النِّسْيانِ ؟!...
اليومَ صِرتُ عجوزاً
- هكذا يقولونَ –
لكنها – واحَسرتاهُ – لمْ تَعُدْ بعدُ
ولمْ تُعِدْهُ إليَّ
ولو في علبةِ (كرتونٍ ) فارغةٍ
كانَ لحذائها الجديدِ
عندما رقَصنا - لأوّل مرّةٍ معاً -
" فالس الدّانوب الأزرق "
في " زمن الحُلم الأوّلِ " ؟ ...
أسألُ عنها رياحَ السّموم الهائجةِ
أسألُ الرّياحَ الموسمِيّةَ الماطرةَ
أسألُ حارسَ الغابةِ المقدّسةِ
وأشواكَ الجوريّ
ومشافي جرحى الأجفانِ
ومحلاّت بيع الأحذية ِ
أسألُ
وأسألُ حتى بائعَ تُنباكِ غُليوني
الذّي ذابَ في كفّي
وتركوه مُشتَعلاً هناكَ ، مَكرمَةً وتَكرّماً
ولكنّ هذا يبقى منْ دون جَدوى...
أتراها تعودُ يوماً
مع قلبيَ المسكينِ
أو حتى بدونهِ
ولكن أتَراها تعودُ
إلى قريةِ الجوريِّ
أوْ وادي القصبِ
في ليلة اكتمال القمرِ
يومَ عودة " تمّوزَ " ِ الجميلِ
منَ العالَم السّفليِّ
في عيد سيّدةِ المراعي
وإخْصابِ النّخيل العاقرِ ؟ ...
الآنَ صِرتُ شيخاً
- هكذا يقولونَ أيضا ً -
و ما أزالُ أنتظرْ عودتَها
أنتَظرُ
لو يحمِلُها طوفانُ " الفراتِ "
إلى " المعبد الأبيضِ "
في " أوروكَ " المنهارة ِ
المُبتَلاتِ المَنكوبةِ
بالجُذام الفكريّ الجديدِ
وبآلهة الظلامِ
و" ربِّ الجنودِ " الدّمويّ القاتلِ ...
هلْ يحمِلُها الطّوفانُ إليَّ
ولو جثّةً طافيةً
على مياهٍ مرَّةٍ مشتَعلةٍ
فقدَتْ الآنَ براءَتها وعذوبَتها
كما فقدَتْ روحي
هدوءَ شيخوخةٍ لعينةٍ
لا تريدُ أنْ تَهدأَ
أو تَصمتَ
أو تموتَ
وإنْ كانتْ مجرّدَ قربة جلدٍ فارغةٍ
سالَتْ مياهُها عل رمالِ
صحراءِ العربِ الكُبرى ؟! ...
===================
حمص – سورية 5 / 7 / 2009
E-Mail:mutlak@scs-net.org