آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الروح الإنسانية عند شوقى

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية عبد الحافظ بخيت متولى
    تاريخ التسجيل
    05/07/2009
    المشاركات
    12
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي الروح الإنسانية عند شوقى

    الروح الإنسانية عند شوقي





    مقدمة
    تبدو الروح الانسانية واضحة فى شعر شوقى وهوبذلك يختلف عن الشعراء المعاصرين لانه ابرز فى نصوصه الشعرية على المستوى الدلالى هذه الروح وكأنما يقصد ها قصدا ويعمد اليها وهذا يثير عند المتلقى تساؤلا محيرا :لماذا كان شوقى حريصا على هذه الروح؟ وفيم تمثلت؟ ربما كان حريصا عليها لانه ارتبط بالجمهور والشعب وذاق مرارة الحرمان فى النفى وقد تمثلت فى التعرض لقضيايا التسامح الدينى والمروءة وحب الاخر مهما كان هذا الاخر وقيم الحق والخير والجمال ولقد. أسهمت أشعار شوقي في نشر ثقافة التسامح في الوطن العربي إسهاماً كبيراً، وشاع بعضها على ألسنة الناس، ومنها البيت المشهور في مسرحية مجنون ليلى الذي يعزز الإيمان بالتعددية، وهي ركن من أركان التسامح: اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضيّة
    ومثله أيضاً الحكمة الشوقية:
    تسامح المرء معنى من مروءته بل المروءة في أسمى معانيها
    تخلّق الصفح تسعد في الحياة به فالنفس يسعدها خلقٌ ويشقيها
    وهل أجمل تعريفاً للتسامح من مساواته بالمروءة التي هي إنسانية الإنسان، والقيمة الأولى في القيم العربية بوجه عام؟
    ** شخصية شوقي
    حاول الكثيرون اكتشاف شخصية شوقي، ولكن آراءهم فيها تباينت تبايناً واضحاً.
    فقد كتب هيكل، فى مقدمة ديوان "الشوقيات"، واقفاعند ازدواج شخصية شوقي، وفي ذلك يقول في المقدمة: "كأنك أمام رجلين مختلفين... أحدهما مؤمن عامر النفس بالإيمان، حكيم يرى الحكمة ملاك الحياة وقوامها، والآخر رجل دنيا يرى في المتاع بالحياة ونعيمها خير آمال الحياة وغاياتها، متسامح مع نفسه الإنسانية، ومع الوجود كلّه، ساخر مع الناس وأمانيهم.
    وأما طه حسين فيخالف هيكل ويقول: "ازدواج الشخصية الذي يلمحه هيكل في شعر أمير الشعراء، لا يدلّ في حقيقة الأمر إلا على أن أمير الشعراء يقلد المؤمنين والمستمتعين كما يقلّد غيرهم من أصحاب الشعر."
    ويذهب طه حسين إلى أن شخصية شوقي إنما هي شخصية الداهية الماكر الذي يظهر غير ما يخفي، وفي ذلك يقول: "لم ينهض لخصومة ناقد من نقّاده، بل لم يجرؤ على أن يلقى نقّاده بالعتب، وإنما كان يعاملهم معاملة الأراقم... يغرى بهم ويؤلب عليهم ثم يلقاهم باسماً وادعاً... "(حسين، 1923).
    وفي اتجاه هيكل ذهب عبد اللطيف شرارة حيث يقول: " الواقع أن شاعرية شوقي انبثقت عن القطب الموجب في اتجاهه وهو حب الحياة، والقطب السالب، وهو الإيمان بالقيم الأخلاقية الدينية، وعاش أيامه على هذه الأرض، وهو يترجح... ولكن بهدوء واتزان بين هذين الجانبين المتعارضين، دون أن يوفَّق إلى صهرهما في وحدة متماسكة." (شرارة، 1969).
    مهما يكن القول في شخصية شوقي، وأنها شخصيات: مؤمنة ودنيوية كما يقول هيكل، أو شخصية واحدة لها نعومة الأفعى كما يقول طه حسين، أو شخصية واحدة تمتاز بالوداعة كما يقول عبد اللطيف شرارة، فإن هذه الشخصية كما تتجلى في أشعار شوقي، كانت شخصية محكومة بالبيئة إلى حدّ كبير:
    أ‌) التقى في شوقي الدم اليوناني بالدم الكردي والعربي، وامتزجت فيه عناصر المسيحية مع عناصر الإسلام، وفي ذلك يقول شوقي: "أنا إذن عربي، تركي، يوناني، جركسي بجدّي لأبي." (الكيلاني، 1963).
    ب‌) ولد شوقي بباب القصر، وقضى شبابه وكهولته في القصر، فلم يكن غريباً كما يقول طه حسين "أن يكسب شوقي في حياته الأدبية والشخصية هذه السياسية – سياسة المداورة المعهودة في القصر- التي تحمي صاحبها، وتضمن له الأمن والسلامة معاً." (حسين، 1923).
    ت‌) عاش شوقي تجربة الحياة السياسية المصرية في الثلث الأول من القرن العشرين، وهي تجربة خصبة حقاً، ولم يكن بدّ من انعكاس هذه التجربة على شخصيته وشعره.
    ث‌) كان لسيرة حياة شوقي الشخصية أثر مهم في شخصيته وشعره أيضاً، ومن الأمور المهمة التي تذكر بهذا الشأن دراسته الحقوق في فرنسا، والفترة من حياته التي قضاها في المنفى بالأندلس.
    مهما يكن من شأن هذه المؤثرات، فإنها لم تستطع أن تلغي مزاج شوقي الذي تعتقد أنه كان مزاجاً هادئاً، بل لعلّها ساعدت على تعزيز هذا المزاج، وقد تحدّث شوقي ضيف عن هذه الظاهرة في حديثه عن شخصية شوقي، حيث يقول: "اعتزل الأحزاب، وعاش مستقلاً، حتى لا يصدم أحداً بكلمة أو همسة... وكل هذا من حقّ شوقي، فالناس يختلفون في مزاجهم، منهم من يحب المصارعة... ولم يعرف شوقي المصارعة فقد جرت حياته في هدوء " (ضيف، 1963).
    وفي هذا الاتجاه، يذهب محمد خورشيد بقوله: "اشتهر شوقي بعفة اللسان، فهو لم يهجُ أحداً، ومما عرف عنه التواضع والخجل، وإحجامه عن مقارعة خصومه الذين كانوا يكيلون له من النقد ألواناً " (خورشيد، د. ت.).
    وقد تجلت شخصية شوقي هذه في شعره حيث يقول:
    وإذا الهجـــــوُ هاجــــــــــــــه لمعــاناتـــــــــــه أبـــــــى
    ورآه رذيــــــــــــــــــــــلة تســـــــــــــــتحق التجنّبــا
    ما رأى النـاس شــــــــــــــــاعراً فاضــــــــــل الخلق طيّبــا
    دسّ للـنـاشـــــــــــــــــقـيـن فـــــي زنــبــق الشـــعر عقربا
    وكأنه كان يصف نفسه في رثائه لحافظ إبراهيم:
    قلمٌ جرى الحقب الطوال فما جرى يوماً بفاحشة ولا بهجاء بل إن غزل شوقي لم يخل من مثل هذا التسامح، ومن ذلك تعليقه على محبوبه الذي أضاعت يده روح شوقي، فما كان منه إلاّ أن دعا له – لا عليه- بسلامة يده:
    مولاي وروحــــي في يـــــــــــده قــد ضـيّعها، سلمت يدهُ
    فأي تسامح بعد هذا التسامح؟
    ** مرحلتان مختلفتان
    يُجمع النقاد والدارسون لشعر شوقي – أو يكادون – على وجود مرحلتين متميزتين في شعره من حيث التوجهات والاهتمامات، وهما مرحلة ما قبل النفي إلى الأندلس في عام 1915، والمرحلة التالية لها.
    * المرحلة الأولى
    اتصفت هذه المرحلة، وبخاصة في بدايتها، بتعاطف قوي مع الترك والخلافة العثمانية، وربما كان هذا راجعاً في بعض أسبابه إلى أصله التركي، ولكنه كان، فضلاً عن ذلك، متأثراً بالخديوي عباس الذي كان مخلصاً لتركيا (ضيف، 1963).
    ولا يعني هذا أن شوقياً كان مؤمناً بالجامعة الإسلامية على الصورة التي ارتضاها الخلفاء المستبدون من الأتراك، بل كان يدعو إلى الشورى والحرية، وإصلاح نظام الحكم، والاهتمام برغبات الأمة ومطالبها (الكيلاني، 1963)؛ وهو في القصائد التي ناصر بها الأتراك، إنما كان يمجدهم بالقياس إلى أعدائهم من يونان وغيرهم، ولم يكن، بأي حال من الأحوال، يعلي شأن أحد الدينين الإسلامي والمسيحي على الآخر.
    وفي هذه المرحلة كتب شوقي قصائده المشهورة ذات التوجه الديني، مثل: "المولد النبوي" و "نهج البردة" وغيرهما، وكان في هذه القصائد يتحدث عن الإيمان باعتباره وسيلة لنزع التفرقة والتكبر من النفوس، ولمعارضة التفرقة الطائفية والتعصب المذهبي، والظلم، ولتقريب الناس جميعاً في وحدانية الله سماء، وتوحيد المشاعر أرضاً، دون تفريق بين كتاب وآخر (الجرّ، 1992).
    ولم يتغير هذا التوجه "التوحيدي" عند شوقي، في أشعاره في المرحلتين، ونكتفي بالتمثيل له، بقوله في قصيدته عن المعلم والتعليم:
    أرسلت بالتوراة موسى مرشداً وابن البتـــــول فعلّم الإنجيـلا
    وفجرت ينبوع البيان محمــــداً فسقى الحديث وناول التنزيلا
    والأمثلة في هذا الشأن كثيرة.
    * المرحلة الثانية
    تختلف هذه المرحلة التي بدأت مع نفي شوقي إلى الأندلس عام 1915، نتيجة للصراعات بين القصر والإنجليز، اختلافاً جذرياً عن المرحلة السابقة في توجهاته وانتمائه، فلم يعد شوقي ذلك التركي الإسلامي، المطالب بوحدة الإسلام في ظلّ الخلافة التركية، بل تجلى اهتمامه واضحاً بمصر والعروبة، و "أطلّ علينا بعصبية قومية تصرخ بالمستعمر لترك بلاد العرب للعرب" (الجر، 1992).
    وفي هذا التغيّر يقول مصطفى الشهابي: "دار دولاب الحرب، فثارت الحرب الكبرى، وما انقشعت غمائمها السود، حتى فصلت البلاد العربية عن البلاد التركية، وحتى طلع علينا شوقي بسينيته المشهورة في الأندلس.. ما إن قرأنا له هذه الأبيات وأشباهها حتى هلّلنا وكبّرنا، وقلنا: الآن بدأ أمير الشعراء يكون شاعر النزعة العربية الكبرى." (خورشيد، د. ت).
    وكذلك يقول شوقي ضيف: "حتى إذا رجع إلى وطنه من منفاه، وسقطت الخلافة التركية، أصبح خالصاً لشعبه المصري، والشعوب العربية، فتغنى مشاعرهم وأحاسيسهم، في قصائد تحملها صدورهم، وكأنها تعاويذ سحرية." (ضيف، 1963).
    يمكن القول هنا بأن الجانب الوطني، حلَّ عند شوقي محل الجانب الديني، بعد نفيه إلى الأندلس، أو عودته منها إلى مصر، فقد رجع إليها وطنيا يقدس وطنه، ويجعله دينه الذي يقول فيه:
    ويا وطنــي لقيتك بعد يأسٍ كأني قد لقيت بك الشبابا
    ولو أني دعيت لكنت ديني عليه أقابل الحتم المجابا
    أدير إليك قبل البيت وجهي إذا فهت الشهادة والمتابا
    ويرى عبد اللطيف شرارة أن توجهه كان إلى الوطنية المصرية، وليس إلى القومية العربية بالمعنى الدقيق، فيقول: "كان من تأثير إسبانيا إذن في تكوين شوقي الأدبي، أن ردّته إلى الحظيرة العربية من الناحية الثقافية، بعد أن كان ولاؤه للتراث والخلافة الإسلامية، غير أن إقباله على الثقافة العربية لم يحوّله نحو التفكير العربي القومي، ولكنه تحوّل مع الأحداث إلى الوطنية المصرية، وراحت هذه الوطنية تتغلب في نفسه شيئاً فشيئاً على ما عداها من نزعات وعاطفات." (شرارة، 1969).
    وفي واقع الأمر، لم يكن شوقي مختلفاً في توجهاته وتغيرها عن سواه من الأدباء والمفكرين في المجتمع المصري، الذي برزت فيه الوطنية المصرية بقوة بعد الحرب العالمية الأولى بقيادة حزب الوفد المصري وغيره من الأحزاب الوطنية، واتصف آنذاك بانتشار أفكار التسامح بين المصريين وتلاقيهم على محاولة التحرر من الاستعمار الإنجليزي لمصر، وإقامة المؤسسات الشعبية الدستورية في البلاد.
    ومن أجل تبيّن مظاهر التسامح، والتجليات المختلفة لحقوق الإنسان عند شوقي، سنقوم بتتبع هذه المظاهر من خلال القضايا الأساسية التالية التي حفلت بها أشعار شوقي في ديوانه الشوقيات، وبخاصة في المرحلة الثانية من مراحل التطور في حياته وشعره.
    ** التسامح الديني
    ليس الدين عند شوقي طقوساً وشعائر كما هو الحال عند الكثيرين، بل هو مجموعة من المبادئ والقيم الخلقية التي تهدف إلى تحسين العلاقات الاجتماعية بين الناس، فضلاً عن تهذيب علاقات الفرد بالآخرين.
    أ‌) الدين عامل توحيد في المستوى الإنساني
    الدين عند شوقي، عامل توحيد، وهو حاجة للناس يستضيئون بها بعيداً عن التعصب، والمذهبية البغيضة، ومن هذا المنطلق غنّى الدين المسيحي في شعره، كما غنّى الإسلام، لاعتقاده أنهما دين سماوي واحد، وإن اختلفا في التسمية، ولعلّ تعلمه في مدارس الغرب، ونشأته في أوروبا، أحييا فيه هذه النزعة المؤتلفة مع سائر الأديان. (الجرّ، 1992). والأمثلة على هذا الجانب من جوانب التسامح الديني عند شوقي كثيرة، منها قوله في تهنئة السلطان محمد رشاد:
    يفـديـــــك نصـرانـــــيه بصـلـيـبـه والمـنـتـمــي لمحــمــد بهــــلالهِ
    وفتى الدروز على الحزون بشيخه والموسويّ على السـهول بمالـهِ
    يجــــــدون دولتك التي سعدوا بها من رحمة المولى ومن أفضالـه
    ومنها:
    رضي المهيمن والمسيح وأحمدٌ عن جيشك الفادي وعن أبطالِـه
    ومن ذلك أيضاً قوله:
    الديــــــن لله من شـــاء الإله هدى لكل نفس هوىً في الدين داعيها
    ما كان مختلف الأديــــان داعيـــة إلى اختلاف البرايــا أو تعـاديها
    الكتب والرســل والأديـان قاطبــةً خزائن الحكمة الكبرى لواعـيها
    محبــة الله أصـــــلٌ في مراشــدها وخشـــية الله أسٌّ في مبانيـــــها
    تسامح النفس معنىً من مروءتــها بل المروءة في أسمى معانيـــها
    ب‌) الدين عامل للتآخي في المستوى الوطني
    تحظى الدعوة للتآخي بين المسلمين والمسيحيين (الأقباط بوجه خاص) بنصيب كبير من شعر شوقي؛ وهو يحارب بقوة التعصب الديني والمذهبي. يقول مخاطباً المصريين:
    لا تجعلوا الديــن باب الشرّ بينكمو ولا محـــلّ مباهـــــــــــــاةٍ وإدلالِ
    ما الديــــن إلا تراث الناس بينكمو كــــل امـــرئٍ لأبيــه تابــعٌ تــــالِ
    ليس الغــلّو أمينــاً فـي مشــــورته مناهج الرشد قد تخفى على الغالي
    ويقول في رسالة الناشئة:
    قل إذا خاطبت غير المسلمين لكمو دينٌ رضيتم وَلْيَ دينُ
    خـــــــــلّ لــلديــّان فيهم شانهُ إنــــــه خـــالـقهم سبحانــهُ
    ويخاطب شوقي القبط في مقتل بطرس غالي:
    بني القبط إخوان الدهــور رويدكم هبوه يسوعاً في البرّية ثانيـــــا
    تعالوا عسى نطوي الجفاء وعهده وننبذ أسباب الشِّقاق نواحيــــــا
    ألم تـك مصــــرٌ مهـــدنا ثم لحدنا وبينهما كانت لكلّ مغانيـــــــــا
    ألم نك من قبل المسيح بن مريم وموسى وطه نعبد النيل جاريا
    وفي الموضوع نفسه يقول:
    أعهدتنــا والقبـــط إلا أمــةً للأرض واحدة تروم مراما
    نُعلي تعاليم المسيح لأجلهم ويوقّرون لأجلنا الإســـلاما
    الدين للدّيان جـــلّ جلالــه لو شاء ربك وحّد الأقوامــا
    ج‌) تلازم الإسلام والمسيحية في شعره:
    من الظواهر المميزة لشعر شوقي تلازم استشهاده في الدعوة للتسامح بين كل من النصوص والأفكار ذات الصلة في كل من الإسلام والمسيحية في القصيدة الواحدة أو البيت الواحد، كما في قوله:
    عيد المسيح وعيد أحمد أقبلا يتباريان وضــاءة وجمــالا
    مـيلاد إحسانٍ وهجرة سؤددٍ قد غيّرا وجه البسيطة حالا
    وقوله في الهلال والصليب الأحمرين:
    جبريـل أنت هدى السماء وأنت برهان العناية
    ابســط جناحيك اللذين هما الطهارة والهدايـــة
    وزد الهلال من الكرامة والصليب من الرِّعاية
    فهمــا لربــك رايــة: والحرب للشــيطان رايـة
    ويقول في رثاء الشيخ سلامة حجازي:
    قام يجزي سلامة في ثراه وطـــــنٌ بالجزاء غير بخيلِِ
    يدفـن الصــالحين في ورق المصحـف أو في صحائــف الإنجيــلِ
    وفي حين ينتقد شوقي أتباع المسيحية بقوله:
    عيســى ســــبيلك رحمـةٌ ومحبــةٌ في العالمين وعصمةٌ وسلامُ
    يا حامــل الآلام عـن هــذا الورى كثرت عليــه باســـمك الآلامُ
    أنــت الذي جعــل العبـاد جميعهمْ رحماً وباسمك تقطع الأرحامُ
    نجده ينتقد تعصب الأتراك وسلوك خلفاء المسلمين منذ قيام الدولة الأموية، فيقول في الخلافة:
    إنّ الذيـن توارثـوك على الهـــدى بـعد ابن هــندٍ طالما كذبـــوكِ
    لم يلبســـوا بــرد النبـــــيّ وإنّمــا لبسوا طقوس الروم إذ لبسوك
    إنــي أعيــذك أن تـُـرَيْ جبـــــارةً كالبابويــة في يــدي (ردريك)
    د) السلوك الشخصي
    لم يكن شوقي ملتزماً بالشعائر الدينية، في حياته الخاصة والعامة، فقد كان يشرب الخمر سرّاً وعلناً، وهو قد أبى السّفر إلى الحج حين دعاه الخديوي إلى مرافقته في سفره إلى الديار الحجازية، وفي ذلك يقول:
    ويا ربّ هل تغني عن العبد حجّةٌ وفي العمر ما فيه من الهفوات
    وقد أكثر شوقي في أشعاره من طلب العفو والمغفرة من الله، كما فعل من قبله أبو نواس الذي اتخذه شوقي مثالاً له، وسمّى بيته كرمة ابن هانئ باسمه.
    * الديمقراطية
    إن التناقضات التي عرفتها الحياة السياسية في مصر في عهد شوقي، والثقافة التي تعرف إليها في دراسته الحقوق بفرنسا، وطبيعته النفسية، وغير ذلك من العوامل، تركت أثراً عميقاً في قلب شوقي، مما يتصل بالديمقراطية حرية المواطن، والدليل على ذلك نفوره من حكم الفرد المتسلط، ودعوته إلى حكومة الشورى، والرأي الحر، واحترام الدستور، في قصائد مختلفة، وأبيات متناثرة في شعره (الكيلاني، 1963).
    أ‌) حكم الفرد
    يقول شوقي في رثاء مصطفى كامل:
    أتذكر قبل هذا الجيل جيلاً سهرنا عن معلمهم ونامـــا
    مهار الحـــق بغَّضْنا إليهم شكيم القيصرية واللجامـــا
    لواؤك كـان يســقيهم بجامٍ وكان الشعر بين يديّ جاما
    ويقول:
    زمــان الفرد يا فرعون ولّـى ودالت دولة المتجبّرينــا
    وأصبحت الرعاة بكل أرضٍ على حكم الرعية نازلينا
    ويقول أيضاً:
    إنّ الزمـــــــــان وأهلـــــــــه فرغــا من الـفـــــرد اللعينْ
    فــإذا رأيـت مشـــــــــــــايخاً أو فتيـةً لــك ســــــــاجدينْ
    لاق الزمــــــــان تجـــــدهمو عــن ركبـــــه متخلّفيــــنْ
    هــمْ فـي الأواخــــــــر مولداً وعقـــولهم في الأوليـــــنْ
    ب‌) البرلمان والانتخابات
    يقول شوقي مخاطباً العمال:
    أيـــّها الجـــــــمع لقـــد صـرت من المجلــس قابـــــا
    فكن الحــــرّ اخـتـيـاراً وكن الحـــرّ انتخابـــــا
    إنّ للقــــــوم لـَعـَيـــْــناً ليس تألوك ارتقابــــــــا
    فتوقع أن يقـولـــــــــوا مَن عن العمــــال نابـــا
    فتخيّـر كـلّ من شــــــبَّ علـى الصـــــدق وشــــــــابا
    واذكــر الأنصــــار بالأمــــس ولا تنس الصـــــحابـا
    ح‌) الدستور
    تطالب بالحقّ في أمةٍ جرى دمه دونها وانتشر
    ولم تفتخر بأساطيلها ولكن بدســـتورها تفتخر
    ** العدل والاشتراكية
    مثلما تحدث شوقي عن الديمقراطية والحرية ممجداً لهما، تحدّث أيضاً عن العدل والاشتراكية والمساواة ممجداً لها، كما تحدّث عن الرأسمالية، وما لها من آثار عميقة في الحكم، وعن المال كيف يرفع هذا ويخفض ذاك، وتشترى به المناصب والمراكز، وتحدث أيضاً عن التجارة التي تبتلى بأقوام جشعين، يخلقون السوق السوداء، ويحتكرون البضائع، ليصبح الشعب فريسة للفقر والجوع والحرمان، وتبقى حفنة من التجار الطامعين في بحبوحة العيش الحرام والمال المسروق (الكيلاني، 1963).
    وقد اعتبر الناقد الكبير، رجاء النقاش، أحمد شوقي من المؤمنين بالاشتراكية الديمقراطية، حيث يقول: "كان أحمد شوقي المولود في أحد قصور مصر الكبيرة هو، فيما أعلم، أوّل شاعر عربي، على الإطلاق، يستخدم كلمة الاشتراكية في شعره، وذلك عندما قال عن النبي (ص):
    الاشـــتراكيـون أنـــت إمــامـــهم لولا دعاوي القــوم والغلــواءُ
    داويــت مـتَّـئـــداً وداووا طفــــرةً وأخفّ من بعض الدواءِ الداءُ
    أنصـفت أهل الفقر من أهل الغنى فالكل في حقّ الحياة ســـــواءُ
    إن شوقي في هذه الأبيات يدعو إلى الإصلاح ولا يدعو إلى الانقلاب والثورة، وينادي بالاشتراكية التي تحقق العدالة والمساواة بين الناس، ولكن دون عنف أو إسالة دماء " (النقاش، 2003).
    وفي هذا السياق، يقول شوقي، في قصيدته التي نظمها عند عودته من منفاه في الأندلس:
    أمـــَنْ أكــل الـيتـيـم لـه عقـــــابٌ ومن أكل الفقير فلا عقابا
    أصيب مـن التجـــار بكـل ضــار أحدّ من الزمان عليه نابا
    يكـــــاد إذا غـــــذاه أو كســـــــاهُ ينازعه الحشاشة والإهابا
    وفي قصيدته عن مملكة النحل يقول:
    المــــال في أتباعهـــــا لا تســتـبـيـن أثـَــرَهْ
    لا يعــــرفـون بينهــــم أصــلاً لـه من ثمره
    لو عـــــــرفوه عـرفوا من البــــلاء أكثــره
    واتخــــــــذوا نقـــــابةً لأمــــرهم مســـيّرة
    ويدعو شوقي إلى العدل والإنصاف في ميدان التربية والتعليم، فيقول:
    ربّوا على الإنصاف فتيان الحمى تجدوهمُ كهف الحقوق كــهولا
    فهــو الـذي يـبني الطــّباع قويمـة وهو الذي يبني النفوس عدولا
    كما يقول في قصيدة "نهج البردة":
    اترك رعمسيس إن المُلك مظهره في نهضة العدل في نهضة الهرمِ
    ** المرأة
    اختلفت أشعار شوقي في توجهاته نحو المرأة؛ بين المرحلتين الأولى والثانية في تطور شخصيته وشعره، وإن كان موقفه بوجه عام قد ظلّ قريباً من الاعتدال في الحالين: ففي حين دعا قاسم أمين إلى تحرير المرأة لم يشارك شوقي في تلك الدعوة مخافة أن يغضب القصر، غير أن الوضع اختلف تماماً في المرحلة الثانية حين دعا شوقي دعوة صريحة إلى تحرير المرأة، كما في القصيدة التي قالها في إحدى الحفلات برئاسة السيدة هدى شعراوي:
    أو كـــل ما عنــد الرجـــــــال له الخواطب والمهور
    والسّـــــــجن في الأكــواخ أو سجنٍ يقال له القصورْ
    ومنها:
    يا قاســـم انظــر كـــيف ســـار الفكـــر وانتقـــل الشـــــعور
    جابـت قضـيــتـك البــــــــــلاد كأنـــها مَثـَــــــل يســــــــــير
    وفي قصيدة أخرى حول النساء المتجددات في مصر يقول:
    هــــذا رســـــول الـــله لم ينـقـص حقــــوق المؤمنـــــــــاتْ
    العـــــــــلم كــــان شــــــــريعة لنســـــــائه المـتفـقهاتْ
    رُضْـــنَ التجــــارة والســــياســـة والشــــؤون الأخــــريات
    مصــــــرٌ تجـــــدد مجـــــــدها بنســـائها المتجــــددات
    النافـــــرات مــن الجــــمود كأنـــه شـــــــبح الممـــــــــــات
    هــــل بـيـنـهـنَّ جــــــــــوامدا فـرقٌ وبين الموميـــــــــــات؟
    ويعلن شوقي في أكثر من قصيدة استنكاره لاستغلال المرأة من خلال تزويجها بكبار السن، ومن ذلك قوله في قصيدته "عبث المشيب":
    المـــال حــلّـل كلّ غير محلّلً حتى زواج الشّيب بالأبكار
    وفيما بعد، عارض شوقي الحجاب كما عارض عدم مشاركة المرأة في الحياة العامة، والحياة السياسية والإصلاحات الاجتماعية، وكان للسفور من بعد الحجاب غير قليل من عنايته، كما تبين من قراءة قصيدتيه "بين الحجاب والسفور" و "ملك الكنار"؛ ولعلّ لصورة المرأة الغربية والتركية تأثيراً كبيراً في توجهاته، نحو السفور والحرية، ومن ذلك قصيدته في "كوك صو" بتركيا:
    فقل للجانحين إلى حجابٍ أتحجب عن صنيع الله نفـــسُ
    إذا لم يستر الأدب الغواني فلا يغـني الحرير ولا الدّمَقْسُ
    ** معارضة العنف
    نغمة الهدوء وعدم العنف هي النغمة الأساسية التي تسود في جميع قصائد شوقي، وهو في جميع الحالات، بل في أشدّها قوة كما في حالات النضال والتحرر الوطني، يلوم الطرف الذي يستخدم العنف، ولا يدعو إلى مقابلة العنف بالعنف إلاّ نادراً. ومن ذلك قوله في رثاء المناضل الليبي عمر المختار:
    يا ويحهم نصــبوا منــاراً من دمٍ يوحي إلى جيل الغد البغضاءَ
    ما ضــرَّ لو جعلوا العلاقة في غدٍ بيــــن الشعــوب مودّةً وإخاءَ
    وقوله في القصيدة نفسها:
    دفعوا إلى الجلاّد أغلب ماجداً يأسو الجرح ويطلق الأُُسراءَ
    ويشاطر الأقران ذخر سلاحهِ ويصفّ حول خوانه الأعداءَ
    واتجاه شوقي إلى التسامح والهدوء وعدم العنف اتجاه مميز لشخصيته، وفي ذلك يتحدث ابنه حسين شوقي، حيث يروي الحادثة الطريفة التالية: "مما زاد في محبّة أبي لسعد باشا (سعد زغلول) تفضل دولته بترشيحه (أحمد شوقي) لمجلس الشيوخ عن دائرة سيناء، وقد اختارها له لأنها مهبط الديانات ومسرى الوحي.. وكذلك لأن هذه الدائرة لا تحتاج إلى نضال حزبي (شوقي،د. ت).
    وقد برزت في شعر شوقي، في هذا السياق، معارضته لحوادث الاغتيال ذات الصلة بالتعصب على اختلاف أشكاله؛ فقد كان الاغتيال السياسي في تلك الآونة هو الظاهرة غير السليمة للمعارضة وللتعبير عن الرأي، فحمل شوقي على هذا الداء حملة شعواء، وبيّن أن رسالة الشباب، في ذلك الوقت بالذات، ليست اللعب بالسلاح، وتوجيهه إلى صدور مواطنيهم، وإنما عليهم الجدّ، وتحصيل العلم، والهوادة في المعارضة، يقول شوقي:
    أرى مصـر يلـهو بحــدّ الســلاح ويلعب بالنــار ولدانُهــا
    وراح بغيــــــــر مجـــال العقولِ يجيل السياســة غلمانُها
    وما القـتـل تحيــــا عليـه البـــلاد ولا همة القول عمرانُها
    ولكن على الجيش تقوى البـــلاد وبالعـلم تشــتدّ أركــانها
    وأيـــن مـن الخــلق حـظّ البــلاد إذا قـتل الشــّيب شـبّانها
    والاعتماد على العلم والتعليم، كوسيلة للتغير الاجتماعي، ظاهرة قديمة في الحياة السياسية المصرية، نادى بها محمد عبده وغيره من المصلحين الاجتماعيين؛ وقد برزت هذه الظاهرة في شعر شوقي أيضاً؛ يقول مخاطباً أحمد لطفي السّيد:
    لمّـا تلاحى الناس لم تنزل إلى المرعى الوخـــــيمْ
    كـم شــاتمٍ قـــــــــابلته بترفّع الأسد الشـتيم
    وشغلت نفسك بالخصيب من الجهود عن العقيـــم
    فخـدمت بالعـلم البــلاد ولم تزل أوفى خديم
    ** التعددية واحترام الآخر
    تضافرت عدة عوامل على تدعيم الإيمان بالتعددية واحترام الآخر عند شوقي، منها أصله المتعدد الأعراق، ومنها الثقافة الديمقراطية التي استفادها في أثناء دراسته بفرنسا، ومنها أيضاً الحياة السياسية والاجتماعية في مصر حيث تلاقى المسلمون والقبط في تلك الحقبة التاريخية على التحرر من الاستعمار الإنجليزي للبلاد.
    ومن مظاهر الإيمان بالتعددية عند شوقي، امتداحه وتمجيده لصفات الرحمة والمحبة الإنسانية في الإنسانية، كما في قوله عن المسيحية:
    ولـد الـرفـق عند مولد عيسـى والمروءات والهدى والحياءُ
    وسرت آيـة المسـيح كما يسـري من الفجر في الوجـود الضيــــاءُ
    لا وعـبدٌ، لا صـولةٌ، لا انتقامٌ لا حسامٌ، لا غزوةٌ، لا دمـاءُ
    وهذا موضوع متكرر عند شوقي.
    ومن مظاهر الإيمان بالتعددية عنده أيضاً، معارضته للصراعات الحزبية العنيفة، وفرحه بلقاء رجالات الأحزاب في محبة الوطن، كما يتضح من قصيدته "المؤتمر"، ومنها:
    بشــــــــرى إلى الوادي تهزّ نباته هــزّ الـربـيـــع مــناكـــب الأدواحِ
    التامــت الأحــــــزاب بعد تصدّعٍ وتصــافت الأقــــلام بعـد تلاحــي
    سحبت على الأحقـاد أذيال الهوى ومشى على الضغن الوداد الماحي
    وجرت أحاديث العتـــــابِ كأنـهـا ســـمـــرٌ على الأوتـــار والأقـداحِ
    ترمي بطرفك في المجامع لا ترى غـيـر الـتعـــانق واشـــتباك الـراحِ
    وكذلك قوله:
    جمع السلام الصحف من غاراتها وتألّف الأحـــزاب والزعماءَ
    فــي كــلِّ وجـدانٍ وكـلّ ســـريرة خلف الوداد الحبّ والبغضاءَ
    قـلبــي يحدثـنـي ولـيس بخائنــــي أن العـقـول سـتقهٍر الأهــواءَ
    وفي مثل معنى البيت السابق وفي الحوار والتعددية يقول:
    في الرأي تضطغن العقول وليس تضطغن الصدورْ
    ولا ينسى شوقي أن يبرز الجوانب الإيجابية في حياة الآخر، وإعجابه بها، كما في بعض قصائده التي تحدث فيها عن الفرنسيين والإنجليز، حيث يشيد بالعبقري الفرنسي (نابليون) وبعبقري الإنجليز (شكسبير)؛ يقول في قصيده بعنوان شكسبير:
    من كــلِّ بيتٍ كــآي الله تسكنه حقيقة من خيــال الشــــعر غرّاءُ
    وكل معنىً كعيسى في محاسنه جاءت به من بنات الشعر عذراءُ
    قُم أيّـد الحقّ في الدنيا، أليس له كتيبة منك تحت الأرض خرسـاءُ
    ولنتذكر إعجابه بفرنسا، حتى في ثورته ضد استعمارها لسورية:
    دم الثــّوار تعرفه فرنسا وتعـلم أنـّهُ نــورٌ وحـــقُّ
    وحرّرت الشعوب على قناها فكيف على قناها تسترقُّ
    ** حق تقرير المصير
    يمكننا تفسير مواقف شوقي في قصائده تجاه حق تقرير المصير، من خلال مرحلتي التطور اللتين تحدثنا عنهما آنفاً.
    ففي المرحلة الأولى – قبل عام 1915- كان شوقي متأثراً بالقصر أشدّ التأثر، وكذلك بالمناخ السياسي العام في مصر، ومن ثمّ فقد كانت الغلبة في قصائده لدعم الأتراك على حساب شعوب البلقان واليونان وغيرها من الشعوب الخاضعة لسيطرتهم، وكان يرى في ثورات تلك الشعوب حرباً ضدّ الإسلام أو الأتراك الذين كان تمجيده لهم متصلاً.
    ومن هذه القصائد القصيدة التي يخاطب فيها عبد الحميد ومطلعها:
    بسيفك يعلو الحق والحق أغلب وينصر دين الله أيان تضربُ
    وقصيدته في عبد الحميد أيضاً ومطلعها:
    بحـمد الله رب العالمينا وحـمدك يا أمير المؤمنينا
    لقينا في عدوّك ما لقينا لقينا الفتح والنصر المبينا
    أما في المرحلة الثانية التي امتاز فيها شعر شوقي بالوطنية المصرية، والوطنية العربية، فقد تجلى فيها دفاع شوقي عن حق تقرير المصير واضحاً وقويّاً، سواء أكان ذلك في الحديث عن مصر أم غيرها من البلدان العربية، وهذه القصائد كثيرة ومشهورة، ومنها قصيدته بعنوان "تكريم" لإطلاق السجناء المصريين حيث يقول:
    والله ما دون الجلاء ويومه يوم تسميه الكنانة عيدا
    وفي قصيدته عن ثورة سوريا ضدّ الاستعمار الفرنسي حيث يقول:
    وللحــــرية الحمراء باب بكل يدٍّ مضرجة يدقُ
    بل إن شوقي يفتخر بمواقفه من قضايا التحرر الوطني في الوطن العربي كلّه:
    كان شعري الغناء في فرح الشرق وكان العزاء في أحزانه
    قد قضـــى الله أن يؤلفــنا الجــرح وأن نلتقي على أشجانــه
    كلما أنّ بالعراق جريحٌ لمس الشرق جنبه في عمانـه
    والواقع أن أيّاً من الشعراء، لم يكتب، ما كتبه شوقي في دفاعه عن حق تقرير المصير ودعم حركات التحرر الوطني في عصره.
    ** الأطفال
    حَظِِيَ الأطفال باهتمام خاص من شوقي، تجلّى في نظمه عدداً من القصائد والمقطوعات على ألسنة الحيوان، وقصائد تربوية أخرى للأطفال؛ ويتبيّن في هذه القصائد وغيرها من قصائد ديوانه "الشوقيات" حرصه على المعاملة اللطيفة للطفل، وعدم تكليفه ما لا يطيق، واحترام سنّه وقدراته وتنميتها بطريقة سليمة.
    ويبرز هذا التوجه واضحاً في قصيدته التي يتحدث فيها عن حماية الجدة للطفل من بطش أبيه، وفيها يؤنب شوقي الأب لتأنيبه الطفل وتهديده له، وذلك بقوله على لسان الجدة:
    ألم تكن تفعل ما يفعل إذ أنت صبي؟
    ولا ينسى شوقي في موضوعات التربوية الحديث عن الطفل، وضرورة رعاية الوالدين له، كما في قصيدته عن المعلم والتعليم:
    ليس اليتيم من انتهى أبواه مـن همّ الحيـــاة وخلّفــــاه ذليلا
    فأصاب بالدنيا الحكيمة منهمـا وبحسن تربية الزمان بديلا
    إنّ الـيـتـيم هو الـذي تلقـى لــه أُمّاً تخـلـّـَت أو أبــاً مشغولا
    وفي محبة الطفل يقول شوقي:
    أحبب الطفل وإن لم يك لك إنما الطفل على الأرض مَلَكْ
    وفي موضوع الطفل يتحدث منتقداً سوء المعاملة التي تلقاها أحد الطلبة المنتحرين:
    لامه الناس وما أظلمهم وقليل من تغاضـى أو غفـرْ
    ويقولون جفاءٌ راعــــه من أبٍ أغلظ قلباً من حجـر
    وامتحانٌ صعبته وطأة شــدّها في العلم أستاذ نكــر
    ** الضعاف وذوو الحاجات الخاصة
    لم تخل قصائد شوقي من التحدث عن الضعفاء كالأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة، وبخاصة الموهوبين منهم، ومن ذلك قوله مخاطباً المسيح عليه السلام:
    عيسـى سبيلك رحمـة ومحبـــــــة في العالمين وعصمة وسلامُ
    ما كنت ســفّاك الدمـاء ولا امرءاً هـان الضعاف عليه والأيتامُ
    وفي رثائه لعبد الحميد أبي هيف، رجل القانون المعوّق، يقول:
    فلمحت أعرج، في زوايا الحقّ لم أعـلم عليــه ذمّةً عرجـــــاءَ
    ارتدّت العاهـــات عـن أخلاقـــــه لسموِّهن وحلّت الأعضـــاءَ
    عطفته عطف القوس يوم رمايــةٍ وثنته كالماضي فزاد مضاءَ
    وكذلك قوله في الشاعر محمود أبي الوفا الذي كان أعرج أيضاً، يدعو إلى مساعدته من أجل تزويده بأطراف صناعية:
    البلبل الغـــرد الــذي هــزّ الربـى وشجا الغصون وحرّك الأوراقا
    ســبّاق غــايات البيــان جرى بلا ساقٍ فكيف إذا اســـترد الســـاقا
    لو يطعـم الطــب الصنــاع بيانــه أو لو يســيغ لمــا يقــول مـــذاقا
    غالى بقـيمتـه فلــم يصنـــع لـــــه إلاّ الجــــناح محلِّـقاً خفـّــــــــاقا
    ** خاتمة
    تبيّن مما سبق تعدد الموضوعات التي تضمنتها أشعار شوقي في حقوق الإنسان، من مثل: التسامح الديني، والعدالة، والديمقراطية، وحقوق المرأة والتعددية، وغيرها؛ كما تبيّن أيضاً غزارة النصوص ذات الصلة بهذه الموضوعات بالرغم من اقتصار الدراسة على القصائد التي اشتمل عليها ديوان الشوقيات وحده.
    وتبيّن أيضاً أن شوقي كان ابن بيئته وعصره في كل موضوع من الموضوعات التي عالجها، وفي النغمة السائدة التي تم في سياقها تناول تلك الموضوعات أيضاً.
    ولا يفوتنا هنا التنبيه إلى أمرين مهمين: أولهما أهمية القيام بدراسات مماثلة حول حقوق الإنسان عند شوقي في مؤلفاته الأخرى من مسرحيات وغيرها، والآخر هو القيام بمثل هذه الدراسات حول حقوق الإنسان في الشعر العربي الحديث بوجه خاص، والشعر العربي بوجه عام.
    ** المصادر:
    1- الجرّ، ع. (1992). أحمد شوقي أمير الشعراء ونغم اللحن والغناء. ط1. بيروت: دار الكتب العلمية.
    2- حسين، ط. (1933). حافظ وشوقي. القاهرة.
    3- خورشيد، م. (د. ت.) أمير الشعراء شوقي بين العاطفة والتاريخ. ط1. فلسطين: مطبعة بيت المقدس.
    4- شرارة، ع. (1969). شوقي شاعر العصر الحديث. ط 13. القاهرة: دار المعارف.
    5- شوقي، أ. ( د. ت.) الشوقيات.
    6- شوقي، ح. (1947). أبي شوقي. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية.
    7- الكيلاني، ن. (1963). شوقي في ركب الخالدين. ط1. القاهرة: الشركة العربية للطباعة والنشر.
    8- النقاش، ر. (2003).تماثيل العباقرة في ميادين القاهرة. العدد . آب، 20


  2. #2
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    17/05/2009
    المشاركات
    98
    معدل تقييم المستوى
    15

    افتراضي رد: الروح الإنسانية عند شوقى

    شكرًا لكَ أستاذنا الجليل على هذه المائدة العلميَّة الدَّسمة.


    لمَّا اجى اموت ... هاكتب حروف إسمى ... و "طظ"
    إنسان ... و شاعر ... وسط عالم عاتى ... فظ
    عالم ... لكين ... حضراتكو أعلم مرتين
    و الدنيا إيه ... غير فهلوة ... و تنطيط ... و حظ !
    و عجبى !!
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    My e-mail address:
    mursihassan@yahoo.com
    My blog:
    http://profwit.blogspot.com/
    My facebook account:
    http://www.facebook.com/#!/profile.php?id=1560397445

  3. #3
    أستاذ بارز الصورة الرمزية حسن بن عزيز بوشو
    تاريخ التسجيل
    20/11/2008
    المشاركات
    1,060
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: الروح الإنسانية عند شوقى

    مقال أدبي قيم يعرض كثيرا من جوانب الشاعر أحمد شوقي وخصائص شعره.
    حياك ربي يا أديبنا ذ.عبد الحافظ بخيت متولي
    وزادك عطاء وتألقا


    متواضع سمح ،ولكنْ إن أ’ضـمْ**فأثـور’ مثـل المـارد الجبّـار
    وهواي حبّ الخيّريـن ونهجهـم**وكراهة’ الأنجـاس والأشـرار.

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •