طبقات الجمهور الفقيرة , أكبر ممول للأندية
موضوع هذه الحلقة. لا يشكل غرابة على القراء المهتمين بقطاع الرياضة ومختلف شئونها ومشاربها , لأن كل من وضع منهم يده على قلبه , سيتذكر مع كل نبضة , أن الرياضة ابتدأت فقيرة ببلادنا , وأخذ روادها الفقراء يعطونها الحياة ويضمنون لها الاستمرارية , لأنهم دمها الذي ينعشها على مر الأزمان والأحقاب التي مرت بها . فكرة ونشأة وممارسة -
فذاكرة التاريخ , لا تنسى . بل وتذكرنا أنه غير ما مرة ساهم الجمهور الفقير في خلق فرص التنافس بين الأندية التي تمثله , بالاعتماد على الصناعة التقليدية التي قدمت طبقا فضيا يمتلئ بالحلويات ليتلذذ بها الفائز وهو يتناولها جنبا إلى جنب مع الجمهور الذي هيأها وأهداها تجسيدا للتآخي والتحاب , بعد حدة في التنافس والصراع الرياضيين , وكم كا نت الفرحة تغمر قلوب الجميع وهم ينتشون باستعراض الهدية على عربة تجرها الجياد ويقودها حوذي عبر أهم أحياء مدينة فاس مثلا وشوارعها وأزقتها . والتاريخ يذكر لنا أن مثل هذا المشهد الرياضي الإنساني تم غير ما مرة على يد صناع مهرة من محبي فريق العدوة ومحبي فريق فاس الجديد بالتناوب وغيرهما من فرق المدن المغربية الأخرى
ويذكر لنا التاريخ أنه كم من مرة صادفت أحد الأندية الرياضية أزمات مالية , فالتجأ إلى جمهوره طلبا إليه العون والسند , فكان الساعد الأيمن . يجمع الاكتتاب ويتطوع للعمل إلى أن ينقذ فريقه من أزمته , وكم فريقا أو بطلا أو ناديا برمته , عزا هزيمته لغياب المشجعين له فلبى المشجعون نداءه , وأكثرهم ممن يقتسم لقمة عيشهم اليومي معهم . صاحبوه في حله وترحاله . اكتروا واستأجروا عربات النقل . وهيئوا له ظروف الفوز والانتصار
انظر اليوم إلى جنبات كل ملعب . وكل ميدان . من تراه يملأها ويتفنن في أساليب التشجيع ؟ من تراه يتسابق نحو الشبابيك لاقتناء تذاكر ولوج الملعب ؟ من تراه يقطع المسافات الطويلة مشيا وركوبا, زرافات ووحدانا ؟ ألا تجد أن معظم هؤلاء من الطبقات المتوسطة والضعيفة الفقيرة . هل فكرت يوما أو تساءلت لماذا يعطي هذا الجمهور بسخاء ؟ إنه يفعل ذلك لأنه أحب الرياضة وأخلص في حبه , ليست له نوايا مبيتة , وليست له أطماع , وعلى العكس منه تماما ترى قلة من جمهور من صنف آخر , ومستوى ثان . تشجع بأسلوبها هتافا أو رهانا أو تبرعا شخصيا مما أفاء الله عليها , وهناك صنف ثالث إذا طلب منه العطاء للفريق لن يتوانى , ولكن غالبا ما يحسبه تمهيدا ومطية للوصول , وأقل درجة من الوصول المخطط له,إذا فحصناها بإمعان أو أخضعناها للمقارنة, يمكننا أن نحكم عليها حكما واحدا هو الانتهازية , فمثلا
1 – يطلب من أحدهم مساعدة الفريق , فإما أن يساعد بدون قيد أو شرط – وهذا قليل ونادر – والنادر لا حكم له . وإما أنه يطلب بالمقابل ورقة العضوية كأضعف المطالب . فلا يكون ذلك عطية بل شراء . 2 – إذا ساهم بمبلغ ما , فإن تقسيمه على عدد مقابلات الفريق خلال الموسم الرياضي , يجعله لا يضيع في شيء , وإنما ربح الجاه والابتعاد عن الازدحام كلما حلا له أن يشاهد مباراة ودون تذكرة دخول ودون وجع في الرأس وهذا شيء جميل لكنه ليس عطية ولا تشجيعا ماديا 3 – فإذا ساهم هذا النوع مثلا بمبلغ 1000 درهم سنويا , وعلمنا أن عدد المقابلات التي يحضرها 20 مقابلة , والمنصة التي تخوله المساهمة ولوجها باحترام ومقعد مضمون في أي وقت , لاحظنا أنه يلزمه لها 2000 درهما سنويا , وهذا يوحي بأنه بقي متبرعا ولكنه في الواقع مستفيد , أما حين يصحب معه اثنين أو ثلاثة دون أداء , فتلك مهانة واستغلال نفوذ ما ضمنه المبلغ المسمى دعما أو تبرعا , فلو أن كل الجماهير من هذا الصنف . لكان الترحم على الرياضة أليق
فالفقير المحتاج , الذي ينقص ثمن تذكرته أسبوعيا من قوت يومه وقوت أولاده , يؤدي الحد الأدنى 10 دراهم , ولا يسمح له باصطحاب أي أحد معه
فالمتطفلون على هذا الأساس نوعان , نوع محظوظ بتصدر المنصات والواجهات الأمامية , ويتخير أفضل المقاعد . وهو لم يؤد أي درهم كثمن للدخول أو طفل مسكين متعطش يبقى خلف الأبواب , يتعلق بهذا ويستعطف ذاك , فان كان نصف محظوظ وجد من يأخذ بيده ليتفرج , وإلا فانه بين مد وجزر أمام باب الملعب في انتظار الربع ساعة الأخيرة , وما يقال عن الرياضات الشعبية . يقال كذلك عن كل الأنواع الأخرى . حتى تلك التي يكون الدخول لمشاهدتها مجانيا , لا يستوي الذين يتصدرون والذين يستحيون , بل ربما لم تحضر فئات من الصنف الأول , لأن المكان عمومي . وقد لا تظهر فيه الفوارق الطبقية
بعض الأحياء لا تتوفر على فرق , وما بها من أندية خصوصية غالية ثمن الانخراط , بينما أجسامهم في حاجة لرياضة , فكروا في إنشاء فريق , وأرخص الأنواع في البداية في نظرهم طبعا , كرة القدم . بعد انتهاء عملية الاكتتاب فيما بينهم لم يتمكنوا من شراء كرة , نظموا حملات . تجندوا لها زرافات . يحملون صينية عليها صورة الفريق . يستطلبون رواد المقاهي والمارة , ورغم ما في المشهد من إهانة , يضحون أمام التعطش للممارسة , ويكونون الفريق , ويتبارون على مستوى فرق الأحياء , حتى إذا كان الاعتماد على النفس والجهد المحدود , نبغ منهم بعضهم وامتدت إليه يد الفريق الكبير , وفتحت له الأبواب وتبنته , فمن كان وراء هذا البطل اليوم ؟ , و يفضل من وصل إلى ما وصل إليه ؟
ألم تكن مساهمة الجماهير وتبرعها على فريق الحي ؟
انه في جميع الحالات وفي كل الممارسات الرياضية , تجد الجمهور الفقير أول المضحين . أول المشجعين . أول من يقف في السراء والضراء , فهنيئا لنا بجمهورنا الفقير والذي لولاه لظلت جنبات الملاعب على صغرها أو كبرها فارغة , والذي لولاه لضاعت الرياضة في جانب مهم من مادياتها وتشجيعاتها وسبل تطويرها بل حتى في تنفيذ الإعداد اللوجيستيكي لإجراء مبارياتها
محمد التهامي بنيس