Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958

Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2968
من يدفع أجرة الزمار

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: من يدفع أجرة الزمار

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية السعيد ابراهيم الفقي
    تاريخ التسجيل
    30/11/2007
    المشاركات
    8,653
    معدل تقييم المستوى
    25

    افتراضي من يدفع أجرة الزمار

    من يدفع أجرة الزمار




    ترجمة رزاق الجزائري



    مراجعة طارق شفيق حقي



    بسم الله الرحمن الرحيم

    كتاب "من يدفع أجرة الزمار" للكاتبة الانكليزية فرنسيس ستونر سوندرز(born 1966 )، (Frances Stonor Saunders)
    عنوانها من دفع أجر الزمار (who paid the piper)
    وهذا العنوان جزء من مثل إنلكيزي يقول:( من يدفع أجر الزمار يختر اللحن).



    ولقد أكدت هذه الدراسة أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تقوم بدفع أجر العازف بسخاء ، و تمويل المؤتمرات الفخمة والمجلات الأدبية ( مجلة شعر اللبنانية ومجلة فصول المصرية) والسياسية والجمعيات والمنظمات التي تبدو غير سياسية ، حتى لا تكاد هناك جمعية دولية إلا وقد اخترقتها وكالة المخابرات الأمريكية

    وجدنا أنه من الضروري أن نقدم للقارىء في موقع أسواق المربد ترجمة لملخص الكتاب المثير للشغف ، فكان أن توجهنا للأستاذ رزاق الجزائري المشرف على الترجمة في موقع أسواق المربد ، وقد بادر سريعاً بتركيز اهتمامه وعمل على ترجمة هذا الملخص الذي نقدمه بين أيدي القراء لعله يسد الفراغات التي يحتار العقل في وجودها على صعيد الساحة الثقافية.






    من يدفع أجرة الزمار


    ملخص كتبه جيمس بيترا









    - يقدم الكتاب وصفاً مفصلاً عن الطرق و الأساليب التي تستعملها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في اختراق و بسط نفوذها على المنظمات الإنسانية والفعاليات الثقافية الكبيرة. حيث استطاعت اختراق العديد من المنظمات الثقافية و الإنسانية بواسطة عملائها ، و بعض المنظمات الخيرية مثل تلك التابعة لـ هنري فورد و روكفلر .


    مؤلفة الكتاب "فرانسيس ستونر سوندرز"تفصّل فيه لماذا و كيف أن وكالة الاستخبارات الأمريكية تقوم برعاية مؤتمرات و معارض و تنظيم حفلات موسيقية و ندوات و لقاءات ثقافية وفكرية ، كما تقوم بالنشر و الترجمة و الترويج للعديد من المثقفين المرموقين الذين يسوقون للسياسات الأمريكية .
    وتقوم بدعم و ترقية الفنون لمواجهة أي مضمون اجتماعي يمكن أن تقدمه هذه الفنون عكس الرؤى الأمريكية . و تقديم الدعم للمجلات و الصحف التي تنتقد الماركسية و الشيوعية و ثورات التغيير السياسية، والتي تقوم تقديم الأعذار و التبريرات للسياسات العنيفة و المدمرة للامبريالية الأمريكية، وتشرح كيف تمكنت الاستخبارات الأمريكية من الاستفادة من أبرز دعاة الحرية الفكرية في الغرب لخدمة هذه السياسات إلى حد أنها كانت تشرف مباشرة على رواتب بعضهم ،وكيف أن بعضهم كان على علم بتورطه في مشاريعها و البعض كان يدور داخل وخارج المدار منكراً علمه بتلك العلاقة بعد تسريب معلومات عن ذلك و نشرها علنا في أواخر الستينات بعد حرب فتنام و المد السياسي نحو اليسار.

    - أمريكا و أوربا الغربية المعادية للشيوعية قامتا بتمويل مباشر وغير مباشر لحملات حزبية و زعامات جديدة و منشقون و من بين من مولتهم (- إيرفينج كريستول ، لاسكي ملفين ، أشعيا برلين ، وستيفن سبندر ، سيدني هوك ، ودانيال بيل ، دوايت ماكدونالد ، وروبرت لويل ، حنا ارنت وماري مكارثي و غيرهم....)و العديد غيرهم في الولايات المتحدة وأوربا .
    و قد أولت اهتماماً خاصاً وروجت لحركة اليسار الديمقراطي و اليساريين السابقين بمن فيهم (اجناسيو سيلون. ستيفن سبندر ، آرثر كيوستل .ريمون آرون ، وأنطوني كروسلند. مايكل جوسيلسون ، وجورج أورويل(
    - كما أن وكالة الاستخبارات الأمريكية و تحت ضغط من" سيدني هوك ولاسكي ميلفن."قامت باستحداث كونغرس(مجلس) الحريات الثقافية كنوع من الترويج الثقافي للناتو كحلف للحرية والدفاع عن القيم الثقافية و السياسية الغربية ضد الستالينية "اليساريين و اليمينين"الشيوعيين و اليمين المتطرف. كانوا يركزون على مهاجمة الشمولية الستالينية للتضليل على الأساليب العنصرية الامبريالية للولايات المتحدة ، فقط كان يسمح لبعض الانتقادات بصفة هامشية في بعض المجلات المدعومة من الوكالة.
    و الغريب عن هذه المجموعات من المثقفين الممولين من الوكالة ،هو أن دعمهم يصور أنه ليس بحجة ميولهم السياسية بل بدعوى أنهم باحثون عن الحقيقة ،أحرار، متمردون ،مضطهدون ،فنانون من أجل الفن كقيمة و مبدأ ليتحولوا إلى مأجورين لمحاربة الفاشية الشيوعية.
    إنه من المستحيل تصديق جهلهم في تورطهم مع الوكالة ،إذ كيف يمكن أن نستوعب عدم وجود أي انتقاد لهم في المجلات و الصحف التي يشتغلون بها للتصفية الجسدية التي تقوم بها الوكالة خلال تلك الفترة .
    كيف يمكن تقبل التغييب في مؤتمراتهم الثقافية لأي انتقاد للولايات المتحدة للتدخلات الامبريالية في غواتيمالا و إيران و اليونان وكوريا والتي أودت بعديد ملايين .و كيف يمكن أن نبرر سكوتهم عن الأعذار و التبريرات التي كانت تقدم يومياً في الصحف التي كانوا يكتبون فيها لتلك الجرائم.
    لقد كانوا كلهم مجندون لصالح الوكالة كل حسب صفته - الانفعالي أو التلقائي مثل "هوك ولاسكي" أو الرزين اللبق مثل "ستيفن سبندر" أو الواشي المغرور مثل "جورج أوريل ".
    تصور سوندرز قائمة النخبة- WASP Ivy - في وكالة الاستخبارات الأمريكية و التي تضم نقاد يهود، يساريون سابقون، و منشقون عن اليسار ،عندما بدأت خيوط الحقيقة تظهر أواخر الستينات و سخط بعض المثقفين الزائفين في نيويورك و بريطانيا وفرنسا من استغلال المخابرات الأمريكية لهم .قامت وكالة المخابرات المركزية بالانتقام منهم ،و قام "توم برايدن" الذي كان يدير فرع المنظمات الدولية في الوكالة برفع الغطاء عنهم ،و تفصيل كيف أنه كان عليهم أن يعرفوا من يدفع لهم رواتبهم و معاشاتهم . (ص 397-404).
    وبحسب اعترافات" برايدن" فالوكالة مولت نتاجهم الأدبي كخط متشدد في مواجهة الشيوعية داعيةً مناهضي الستالينية "كهوك كريستال ولاسكي" للتعجب حول المستوى العالي للدعاية والإشهار لـ "اليسار الديمقراطي" و تمويل وتنظيم مؤتمراتهم - كزعامات جديدة - و حشد الدعم لهم .
    كتب "برايدن " أن تمويلهم كان من الوكالة وأن الوكالة صارت تعد و ترسم لهم تحركاتهم " (397(
    بحلول1953 كتب برايدن " إننا نعمل على التاثير على كل المنظمات الدولية و في كل ميدان" (39.
    - يزودنا هذا الكتاب بمعلومات قيمة تجيب على عدة أسئلة حول أساليب الوكالة في توظيف الثقافة للدفاع عن المصالح الامبريالية الأمريكية ، كما يطرح مناقشة مهمة عن التأثيرات الطويلة الأمد التي تتركها هذه المواقف الإيديولوجية و الفنية للمثقفين التابعين للوكالة .
    كما تدحض سوندرز إدعاءات "هوك" و" كريستال ولاسكي" أن الوكالة و مؤسساتها الصديقة قدمت دعماً غير مشروط ودون مقابل ،مبينة أن الأفراد و المؤسسات التي دعمت من قبل الوكالة كان من المتوقع أن تستخدم كجزء من حرب دعائية، فالدعاية الأكثر فاعلية دعمت من الوكالة لأن موضوعها كان يصب في التقاء المصالح التي كان يعتقد أنها مصلحة الوطنية . بينما استغلت الوكالة محاولاتهم للإصلاح الاجتماعي في اليسار الديمقراطي ومحاربتهم الستالينية لمحاربة المفكرين الماركسيين في الغرب و الكتاب و الفنانين السوفيت ما عبر عنه برادون "بالتحالف" بين الوكالة و اليسار الديمقراطي في أوربا ضد الشيوعية .
    - أحد أوجه هذا التعاون كان كسر الإضراب في فرنسا ،التبليغ عن الستالينيين "اورويل و هوك" القيام بحملات تشهير سرية لمنع فنانين يساريين من الاعتراف بهم و استحقاقهم "مثل ما حدث مع "بابلو نارودا" مع جائزة نوبل سنة 1964"(351(
    - الوكالة كانت معنية كجهاز استراتيجي للحكومة الأمريكية بالحرب الثقافية ضد الشرق إبان الحرب الباردة مركزة على أوربا بعد الحرب العالمية الثانية ، فبعد تجربة عقدين من آلام الحرب و الاحتلال مجمل الرأي العام في أوربا ( خصوصاً نخبة المثقفين والنقابيين) كان معادياً للرأسمالية و منتقداً الهيمنة الأمريكية ،و لمواجهة نمو الأحزاب اليسارية وحصر المد الشيوعي خصوصاً في فرنسا و ايطاليا ،ابتكرت الوكالة برنامجاً من اتجاهين:
    الاتجاه الأول
    حيث تم الاهتمام و ترقية بعض الكتاب الأوربيين كجزء من برنامج "معاد للشيوعية" وقد وضع المفوض الثقافي للوكالة معايير للنصوص المناسبة التي تضمنت "أي انتقاد للسياسة الخارجية السوفيتية و الحكومات الشيوعية عليها أن تكون بشكل مقنع هدفاً و في الوقت المناسب ".
    و في هذا كانت الوكالة حريصة على نشر أفكار لشيوعيين سابقين أمثال "سيلون .كويستلر" و "غيد " ودعم العديد من الكتاب المعادين للشيوعية و تمويل مؤتمراتهم الباذخة في باريس برلين و بلاجيو "قبالة بحيرة كامو" حيث الهدف علماء و فلاسفة و مفكرين كبار مثل "اشعيا برلين" و "دانيال بيل" و "كزيسلو بيلوز" وظفوا بثقلهم "في التغني بمزايا الحرية الفكرية و الاستقلالية الثقافية للغرب ضد الشيوعية" وفق معايير صنعت في وكالة الاستخبارات الأمريكية و بتمويلها.
    فلا أحد من هؤلاء المثقفين الكبار شكك في دعم أمريكا للمجازر والقتل الجماعي في الجزائر و الهند الصينية و ملاحقة مثقفي الرأي في الولايات المتحدة و عمليات الإعدام الغير قانونية من طرف المجموعات العنصرية الشبه عسكرية مثل "كو كلوكس كلان" في الولايات الجنوبية. فمثل هذه الأعمال هي فقط سمة الأنظمة الشيوعية في نظر هؤلاء المتلهفون للأموال ودعم أعمالهم الأدبية المفلسة، و بعض ممن يسمى الأدب الرفيع المعادي للشيوعية والصحف السياسية كان من شأنها أن تتوقف منذ أمد طويل لولا دعم الوكالة المالي لهم و التي اشترت آلاف النسخ التي وزعت بالمجان لاحقاً .
    الاتجاه الثقافي الثاني الذي عملت عليه الوكالة كان أكثر تأثيراً، حيث قامت بتشجيع الفنون من مسرح و موسيقى و باليه و إقامة معارض و الترويج للسيمفونيات، و تشجيع الأشخاص و المجموعات الشهيرة في الجاز و الباليه بهدف تحييد المشاعر المناهضة للامبريالية في أوربا.وخلق الاهتمام و التقدير للثقافة و الحكومة الأمريكية .
    الفكرة وراء ذلك كانت الترويج للثقافة الأمريكية و العالم الجديد لخلق هيمنة ثقافية لدعم إمبراطوريتها الاقتصادية و العسكرية .
    فالوكالة كانت تركز خصوصاً على إرسال الفنانين السود إلى أوربا مغنون مثل "ماريون اندرسون" كتاب و موسيقيون أمثال "لويس ارمسترونغ"لإسكات الانتقادات الأوربية ضد سياسات واشنطن العنصرية ضد السود و الملونين و غيرهم و كانوا يستبعدون من قائمتهم كل كاتب أسود لم يتماش مع خط واشنطن أو انتقد سياستها كما كان الحال مع الكاتب "ريتشارد رايت".
    و سيطرة الوكالة على أجندات هذه الأنشطة الثقافية (التي تبدو غير سياسية الظاهر) ظاهرة بوضوح في ردود فعل محرري المجلس"لاسكي و كريستول وآخرين "على مقالة لـ"دوايت ماكدونالد " "ماكدونالد هو مثقف و سياسي متفرد وفوضوي كان يتعامل منذ وقت طويل مع فرع الوكالة لمجلس الحريات الثقافية "، سنة 1958 كتب مقالة عن لقاء تحت عنوان "أمريكا أمريكا" و أبدى امتعاضه من شكل و مضمون الثقافة الأمريكية و نمطها المادي و فقرها الحضاري والدعوة إلى القيم الأمريكية والترويج لها كانت الدعاية الأساسية للوكالة و ملتقياتها الثقافية المعادية للشيوعية .
    هجوم ماكدونالد على انحلال و انحطاط الإمبراطورية اعتبر تطاولاً من الوكالة و المفكرين النافذين في المجلس. رغم تعليمات ابرايدن الموجهة للمثقفين و المنظمات التي تستلم أموالاً من الوكالة من انه "ليس المطلوب دعم كل الجوانب في السياسة الأمريكية، لكن هناك دائماً حدود خصوصاً في الجوانب التي تتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة" (314)فعلى الرغم من أن ماكدونالد كان محرراً سابقاً في المجلس فقد رفضت و حجبت المقالة .
    الآراء الملتزمة لبعض كتاب الحرب الباردة المحترمين مثل "نيقولا شيرومونت" كتب في الإصدار الثاني للمجلس ""انه من الواجب على المثقف أن لا يتهرب وينزل إلى مستوى تصنيف تزيف الحقائق على انه حقيقة أو ما يسمى بالكذب المفيد." حتماً أن الأمر لن يلقى قبولاً من المجلس و مجموعته عندما يتعلق الأمر بالتجرؤ على انتقاد الأكاذيب المفيدة للغرب .
    إحدى أهم ما تطرقت له سندورز في كتابها الرائع هو علاقة الوكالة و عملائها بمتحف الفن الحديث (MOMA)حيث تدفقت مبالغ طائلة لترقية فن التعبير التجريدي(AE) . رسماً ورسامين كمحاولة لإفراغ الفن من كل مضمون اجتماعي وفي سبيل ترقية هذا النمط من الفن قامت الوكالة بصد كل الأصوات اليمينية المناهضة له في الكونغرس حيث اعتبرت ترقيته في صالح مناهضة الفكر الشيوعي .فأيديولوجية الحرية وحرية المبادرة هي معطى رمزي وعليه أن لا يبقى صامتاً بل هو النقيض الحقيقي للواقعية الاشتراكية (245).وقد نظر إلى الفن التعبير التجريدي كنوع من التعبير الصحيح عن إرادة التحرر الوطني .متجاوزة نقد الاتجاهات اليمينية في الإدارة حول اتجاهها إلى القطاع الخاص معتبرة " MOMA و شريكها المؤسس "نيلسون روكفلر" و الذي يعود إليه فن التعبير التجريدي كواجهة لمؤسسة حرة" فالعديد من مدراء MOMA كانت لهم صلات قوية بالوكالة" أي كانت مستعدة لتقديم المساعدة إلى فن التعبير التجريدي كسلاح فعال في الحرب الثقافية في حقبة الحرب الباردة .فمعارض كبيرة لهذا النمط الفني مولت في جميع أنحاء أوربا و جند له نقاد فنيون كثر و امتلأت أسطر مجلات فنية كثيرة بمقالات مليئة بالمديح و الإشادة .وتضافرت الموارد المالية لـ MOMA مع التمويل الواضح للوكالة ضمنت تعاون كبار دور العرض في أوربا و بالتالي التأثير على علم الجمال "الاتيكيت" عبر كل أوربا .
    ففن التعبير التجريدي كفن حر (جورج كينان272 ) استخدم كإيديولوجيها لمحاربة الفنانين الملتزمين سياسياً في أوروبا ، ومجلس الحريات الثقافية "واجهة الوكالة" رمى بكل ثقله لدفع فن الرسم التجريدي أمام الفن التصويري أو علم الجمال الواقعي في فعل سياسي فاضح .و تعليق على الدور السياسي الذي لعبه فن التعبير التجريدي تقول سندورز" أحد الأدوار الأساسية الذي لعبه فن الرسم الأمريكي في الحرب الثقافية إبان الحرب الباردة هو أنه زيادة على انه أصبح جزءاً من مؤسسة دعائية بل من كونه حركة عليها أن تكون بعيدة عن الاستقطاب السياسي أصبح اتجاهه برسم منحى سياسي محدد"(275)."
    فالوكالة جمعت بين فنانين غير مسيسين ودعمت الفن من أجل الفن ضد الفنانين في اليسار الأوربي و السخرية أن هذا الموقف اللاسياسي كان فقط للضحك على اليساريين.
    وبرغم هذا فالوكالة وآلتها الثقافية كانت قادرة بشكل كبير على تشكيل وجهة النظر بعد الحرب العالمية الثانية بواسطة الفن، بعض المشاهير من كتاب وشعراء وفنانين و موسيقيين أعلنوا استقلالهم عن أي توجه سياسي ووهبوا أنفسهم للفن و من أجل الفن ،وهذا المذهب للفنانين الأحرار أو المفكرين الأحرار الغير منتمين سياسياً كان يلاقي رواجاً و انتشاراً واسعاً ليومنا هذا .
    فسندورز قدمت لنا وصفاً دقيقاً للصلات بين الوكالة و الفنانين والمثقفين الغربيين تترك غموضاً عن دوافع الوكالة الماكرة للسيطرة على المنشقين ،وإن مناقشة ذلك يدخل ضمن سياق المنافسة و الصراع السياسي مع الشيوعية السوفياتية،إذ أنه لا يمكن تحديد بصمات الحرب الثقافية للوكالة في سياق الصراع الطبقي و الثورات الأهلية في العالم الثالث،و تحديات الماركسيين المستقلون للهيمنة الاقتصادية للامبريالية الأمريكية.
    وسندرز تميل إلى بعض المدح الانتقائي لبعض مشاريع الوكالة .فبدلاً من رؤية الوكالة كآلة للامبريالية الأمريكية يفضل ساندرز إلى انتقاد أساليب التضليل و الخداع التي اعتمدتها واضعاً محاولة الهيمنة الثقافية للولايات المتحدة وحلف الناتو على أوربا في خانة رد الفعل الدفاعي ضد المد الشيوعي .فبوادر الحرب الثقافية الباردة ظهرت جذورها مبكراً في الصراع الطبقي في الغرب .أي الوكالة و عملائها "اوفر براون و جاي لوفستون "شيوعيون سابقون صبت ملايين الدولارات لتحطيم اتحادات عمالية و كسر الإضرابات عن طريق تمويل الاتحادات الاجتماعية الديمقراطية (94).فمجلس الحريات الثقافية و مثقفيه كانت تمولهم نفس الوكالة التي استأجرت أفراد العصابات المارسيلية Marseilles gangsters لكسر إضرابات عمال الموانئ سنة 1948.
    بعد الحرب العالمية الثانية والتشكيك في أوربا فيما يسمى الحق القديم "اشتباه صلاته بالفاشية وهشاشة النظام الرأسمالي" أدركت الوكالة أنه لتقويض المثقفين و النقابيين المعادين للناتو هناك حاجة لخلق ما يسمى اليسار الديمقراطي كايدولوجيا لاستيعاب الصراع الطبقي و الاجتماعي .و جند قطاع متخصص في الوكالة للالتفاف على المعارضين اليمينيين للمشروع في الكونغرس وقد استعمل اليسار الديمقراطي خصوصاً ضد اليسار الراديكالي وكستار للهيمنة الأمريكية على أوربا.
    فلم تتوانى إيديولوجيا اليسار الديمقراطي عن أي توظيف لخدمة السياسات و الاستراتيجيات الأمريكية .فوظيفتهم لم تكن في سؤال أو مطلب .بل خدمة الإمبراطورية الأمريكية تحت ستار "قيم الديمقراطية الغربية".
    فقط عندما ظهرت الاعتراضات الضخمة على حرب فيتنام في الولايات المتحدة وأوربا و انكشف غطاء الوكالة عنهم بدأ بعضهم بالخروج عن الدرب و انتقاد السياسة الخارجية للولايات المتحدة .
    مثلاً بعد إنفاقه دهراً من سيرته في خدمة الوكالة" ستيفان سبندر" أصبح ناقداً للسياسة الأمريكية في فيتنام،مثله فعل بعض المحررون .و ادعوا جميعهم البراءة، لكن بعض النقاد اعتقدوا أن علاقة بعض الصحف بالمانحين هي طويلة و عميقة و ظاهرة بدون الحاجة لمزيد من التوضيح، فتدخل الوكالة في الحياة الثقافية في أوربا و أمريكا كانت له نتائجه على المدى الطويل .فالعديد من المثقفين كوفئوا بالشهرة والاعتراف العام ومولت أبحاثهم و مشاريعهم لخدمة الأهداف الإيديولوجية التي حددتها الوكالة،البعض من الأسماء الكبيرة في الفلسفة،علم الاجتماع،و علم الايتكيت السياسي ،و الفن أصبحوا معروفين بفضل المؤتمرات و الصحف التي تمولها و تدعمها الوكالة لتأسيس القواعد لخلق جيل جديد وفق المعايير السياسية التي تخدم الإستراتيجية الأمريكية.لا استحقاق ولا كفاءة فقط من يساير خط واشنطن السياسي .مظهراً الولاء و الالتزام يصبح رئيساً لمعهد أو متحف أو أكاديمية رفيعة.
    فالولايات المتحدة و اليسار الديمقراطي الأوربي ضد آلة الدعاية الستالينية والتي يروج لها بالدعاية للقيم الديمقراطية الغربية كانت الستار والغطاء الإيديولوجي للجرائم البشعة للغرب .و نشاهد مرة أخرى كيف اصطف عديد مثقفي اليسار الديمقراطي وراء الغرب و الـ kIAفي حربها الأخيرة على يوغسلافيا و حملة التطهير العرقي وقتل الآلاف الضحايا من المدنيين الأبرياء .فإذا كانت الخوف من الستالينية كان أفيون اليسار الديمقراطي بالأمس فإن دعوى التدخل لحماية حقوق الإنسان هو المخدر اليوم و الذي يضلل الكثير من اليساريين الديمقراطيين .فقد نجحت حملات الوكالة في خلق النموذج من مثقفي اليوم الذين لا تربطهم أي علاقة بالمجتمع و الرأي العام و الذين لا يهمهم إلا التقرب من المؤسسات المرموقة .
    إن الدور المحترف و الناجح الذي لعبته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لخلق حاجز إيديولوجي لمحاربة كل النقاد الذين يكتبون عن الصراع الطبقي وصلف وهيمنة الامبريالية الأمريكية .
    و هذا التوجه الأحادي الضار لمجلس"كونغرس" الحريات الثقافية للوكالة ليس فقط في دفاعهم عن السياسات الامبريالية الأمريكية بل نجاحهم في الفرض على الأجيال اللاحقة من المثقفين أي فكرة لنقد هذه الهيمنة الإعلامية الثقافية و السياسية لها .
    فالقضية اليوم ليست في أن الفنانين أو المثقفين قد يستطيعون أو لا ،أن يأخذوا موقفاً متقدماً من قضية ما .بل الاعتقاد السائد لديهم أن أي انتقاد أو تعبير ضد الامبريالية الأمريكية و سياساتها الجائرة يجب أن لا يظهر في موسيقاهم ورسوماتهم و كتاباتهم إذا أرادوا لأعمالهم أن تنال الاستحقاق المطلوب .فالنصر الدائم الذي حققته الوكالة هو إقناع المثقفين أن إيمانهم و ارتباطهم الجدي بقضاياهم في اليسار لا يتوافق مع الفن الجدي و الاستحقاقات،فاليوم في الأوبرات ،المسارح ،و المعارض الفنية،و المجتمعات الأكاديمية ، قيم و أساليب الحرب الباردة للوكالة مرئية و مسموعة بوضوح.
    فمن يتجاسر على خلع ملابس الإمبراطور.


    النص الأصلي:
    http://findarticles.com/p/articles/m...1/ai_57815254/
    __________________
    __________________


  2. #2

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •