قراءة في مرافىء السراب

للشاعر د / لطفي زغلول

بقلم د / صافيناز يسري

مرافىء السراب .. هو الإصدار الشعري الثاني والعشرون للشاعر والكاتب الفلسطيني د / لطفي زغلول الذي أتيحت لي فرصتان كريمتان للتعرف عليه عن قرب خارج حدود وطنينا . لقد اطلعت على الكثير من أعماله الشعرية ، سواء من خلال مجموعاته الشعرية التي أهداني إياها ، أو تلك التي اطلعت عليها عبر الشبكة العنكبوتية .
د / لطفي زغلول شاعر رومانسي ، تجسدت رومانسيته في ثلاثيته الشعرية التي التزمها عبر مسيرته الشعرية الطويلة " الله ، الوطن ، المرأة والحب " .
إلا أننا نجده في هذه المجموعة الشعرية الجديدة التي حملت عنوان " مرافىء السراب " ، قد فاجأنا وأدهشنا ، وهو ينتقل بنا من عالمه الروحاني في مناجاة الذات الإلهية ، ومن صولاته وجولاته في وطنه التاريخي السليب ، فارسا لا يترجل عن صهوة نضالاته ، ومن رقة خطابه وعذوبته حينما يلج عالم المرأة عاشقا ، تارة هادئا وادعا محلقا بين النجوم والأقمار ، وتارة ثائرا غاضبا لا تنحني له قامة ، ولا تنكسر له نفس .
من هذا وذاك حملنا د / لطفي زغلول إلى عالم ملون بصفرة الموت ، تصول وتجول فيه عصابات الثعابين وقطعان الغربان السوداء وأسراب الجراد ، تخرج من أوكارها وجحورها ، وتجتاح المدى الذي هو وطنه ومحرابه .
إنه ليس مسلسل رعب . إنه واقع الوطن وراهنه الذي يعيشه شاعرنا ، وقد رسمه بكلماته العائمة ، ولا أقول الغارقة ، في بحور الرمز والرمزية ، ولا الموغلة في الأسطرة أو الطلسمة .
كل قصيدة من قصائد هذه المجموعة الشعرية تشكل لوحة ، لسنا بحاجة إلى كبير عناء لفهم ما وراء خطوطها ، وما تفرزه ألوانها من مدلولات ومرام ، وما ترمي إليه . وطن زغلول محتل ، ما زال يتخبط في نفق طويل مظلم ، لا يلوح له آخر ، ولا بصيص ضوء .
لقد صوّر الشاعر زغلول هذه المرحلة العاصفة التي تجتاح وطنه المحتل بعامة ، ومدينته المميزة بين المدن الفلسطينية تصويرا دقيقا ، وعكس ما يعتمل في جوارحه من نفور وقهر وتمرد ورفض لكل ما زلزل كيان هذا الوطن الحالم نضالا وتضحية بالتحرير ، والخلاص من عبودية الإحتلال .
شاعرنا غاضب صاخب في غضبه على محركات داخلية عكست اتجاه بوصلة النضال الأوحد والوحيد ، ونأت به خارج إطاره الأصيل . ويمكن قراءة كل هذه الصور واستقراؤها عبر التحديق مليا في مرآة كل قصيدة من قصائده التي أصبحت بلا وطن ، ترسو في مرافىء التيه .
إنها ليست قصائد بقدر ما هي ثورة عارمة ، لا يصب جام غضبها ، ولا يسكب جمار نيرانها على جهة دون سواها . زغلول الثاكل لوطنه لم يعد يستثني أحدا . إنه يشن غضبه على كل الأيادي التي شوهت المشهد العام للوطن ، وقزمت رؤاه ، فكرّت وها هي تفرّ . وأقبلت وها هي تدبر . وها هو جلمود صخرها يحطه سيل الواقع الفلسطيني المرير من عل .
الشاعر د / لطفي زغلول في هذا العمل الشعري ، متشائم على غير عادته ، حزين على ما آلت إليه أحوال وطنه الأم ، ومدينته التي يحبها جدا ، وأحيانا يغضب عليها . إلا أنه يظل مصرا على أن الوطن معشوقة لها عشاقها ، وأن العشق لا يموت ، ذلك أن هؤلاء العشاق قد خرجوا من رحم الفينيق الأبدي الذي لا يعرف الإندثار .
وأعترف إنها قراءة عاجلة لعمل يستحق مني ومن غيري التروي والتأني . وإنني أجزم أنه مع الأيام سوف ينال ما يستحقه من قراءات تحليلية .
لقد حملتنا عناوين قصائد هذه المجموعة الشعرية التي هي في الغالب مطالع هذه القصائد إلى الصدمة مباشرة ، دونما أي تمهيد أو انتظار ، حتى وكأن المتلقي ليستقرىء من خلال ما تعكسه مرآتها كل مشاهد العالم الذي يود الشاعر زغلول أن يحطنا على مرافئه الضاربة جذورها في أعماق السراب .
إلا أنني ما زلت أحتفظ لنفسي بهمسة لشاعر الهمسات ، شاعر الحب والوطن . إنني أتمنى على الله أن يكون العمل القادم من أعمال شاعرنا الملهم المجدد د / لطفي زغلول عودة إلى فضاءات الحب والجمال ، يوم يكون وطنه قد تحرر وأشرقت شمسه . محبتي وتقديري له شاعرا وكاتبا مبدعا .