"مروه الشربيني" نحن أيضاً مذنبون

ابتهال قدور

هكذا أنا أيتها الطاهرة القديسة العفيفة، يلجمني الحزن الكبير، ويخرسني الألم المر... وتبكمني الصدمة الصارخة...

فأنا التي طالما اعتدت الإسراع الى قلمي للتعبير والتفكير، وجدت نفسي بكماء عندما كان العالم يرثيك..

مررت بهذه الحالة حين كانت دماء غزة تسفك على مسرح هذا العالم الرقمي المتحضر...

وأنت وغزة لا فوارق كبيرة بينكما، بل على العكس من ذلك نقاط التقاء كثيرة ، هي ذبحت ظلماً وأنت كذلك، هي ذبحت دفاعاً عن مقدسات وأنت كذلك..هي ذبحت علنا ، نهارا ، جهارا وأنت كذلك.. هي اغتيلت بأيدي كيان صنعه الغرب المتجبر، وأنت أغتالك أحد أبناء هذا الغرب المتجبر...هي لم تلق إلا الشجب والندب والنواح وأنت كذلك...

كلاكما قضية عادلة، كلاكما ضحية...كلاكما تختزلان صورة لعجز أمة ...

لأنه لو علم ذلك الكيان الصهيوني الغاصب المحتل، أن اعتداءه على غزة سيفرز فعلا لما تطاول ولما اعتدى..

وأيضا ذلك المجرم العنصري المتطرف، لو علم أن اعتداءه عليك سينتج عنه تحرك فاعل لما سولت له نفسه هدر دماءك الزكية بهذه الطريقة الشيطانية.

نعود الى قضيتك، التي يرى البعض أنها قضية حجاب ولكنني لم أعد أراها كذلك، فليس الحجاب بذاته هو مايستفز الغرب، وإلا لكان استفزه لباس الراهبات وبعض اليهوديات، إن مايستفزه هو ما يحمله من أعلان صمود ونصر للعفة التي تستمد زادها من الإسلام . ومايحمله من إعلان بعدم الذوبان الكامل في ثقافته، ذوبان راهن عليه عندما تقبل أعداد المهاجرين في بلاده.

الحجاب بالنسبة للغرب تصريح علني بأن كل جهوده ومراهناته على انتزاع الهوية الإسلامية والعربية تبوء بالفشل!!!!

ولكن وعلى الرغم من هذا، لاتبرئة لساحتنا في هذه الجريمة، سواء جاء ذلك من جهة تهالكنا وضعفنا الذي أدى إلى استخفاف الآخر بنا، أو من جهة تقصيرنا في مجال العمل على تصحيح الصورة الخاطئة عن الإسلام، في دول الغرب بشكل خاص، وفي العالم كله بشكل عام.

ولا عذر لنا وقد أتيحت لنا كل وسائل الاتصال التي تمكننا من التأثير على الآخر وتبليغه بغايات هذا الدين العظيم، ومقاصده!!

بالأمس، كنت عائدة من بروكسيل وجلست بجانبي إحداهن كانت تتحدث بلباقة ، اشتكت لي من التوتر الذي تعيشه، ومن قلة النوم، ومن المعاناة التي تعانيها في حياتها، ثم تحدثت عن طبيعة عملها ودراستها، تحدثت عن العالم وحربه اليوم على الإسلام والمسلمين، وبينت لي أن الأسلم هو عدم الحكم على الناس من خلال اللباس أو الدين، أو المعتقد، ولكن التعامل معهم من منطلق إنسانيتهم...وأضافت بأن لكل امريء أن يفعل مايحب، من يحب العري فليتعرى، ومن يحب الإباحية فليمارسها، ومن يحب المخدرات فليتناولها، ومن يحب أن يغطي جسمه أو يترهب فليفعل...وافقتها على هذا القانون الذي وضعته بهزة رأس وابتسامة ، لأنني لم أكن راغبة في أن أخوض معها حواراً وقد رأيتها تطلب خمراً... ولكنني رأيت أنه قانونهم فلا بأس إن احترموه، وأنجزوه !!

بعد أن قدم لها مضيف الطائرة ثلاثة أقداح من الخمر المخفف، تغيرت اللهجة، وراحت تسب الإسلام وكل الأديان السماوية... التفتت الي وسألتني: هل أنت مسلمة؟ قلت لها: نعم.. شتمت الإسلام بكلمة هي عندهم معتادة وعندنا عظيمة، ابتسمت لها، فهي فاقدة لكمال العقل وجماله، ثم سألتني ثانية، لماذا أنت مسلمة؟ قلت لها مبتسمة، أذكرها بقانونها الذي وضعته منذ لحظات: لأنني أحب الإسلام ...

ثم بادرتني أتحبين الإسلام؟ قلت لها: نعم ... أيضا بهزة رأس وابتسامة، فقالت : أنا لا أحب الإسلام ، رجالكم يحبون الزواج بالكثير من النساء... وحدثت نفسي بأن الجواب عندي أيتها السيدة ولكن هل سأحاور نصف مخمورة..!!!

لزمت الصمت ورحت أسبح الله وأحمده في سري، ولربما لاحظت علي ذلك ، سألتني: هل أنت تصلين ؟ قلت لها : نعم

قالت: لا أحب صلاتكم، قلت: لها هل جربتها؟ قالت: لا قلت لها : جربيها قد تحبينها فإن فيها حركات مفيدة للصحة ولإزالة التوتر...

شتمتني ثانية بتلك الكلمة المنحطة، فابتسمت، قالت لي أعلم أن وضع الرأس على الأرض يزيل التوتر، ولكنني لن أصلي مثلكم، أنا أحاول أن أطلع على البوذية ربما أقتنع بها فأنا أحب أن أمارس اليوجا... قلت لها : ذاك حسن...

ثم راحت تشتم ثانية كل الأديان، وكل الرسل، بادئة بمحمد عليه الصلاة والسلام منتهية به...ثم تعود وتطلب مني أن أتخلى عن الإسلام ونصبح أصدقاء لأنها أحبتني!!

لم أغضب، ولم أحزن، ولم تتحرك عندي إلا مشاعر الحزن والإشفاق عليها، يالها من مسكينة إنها لاتعلم ...لاتعلم شيئاً عن دين عظيم فيه الراحة والسكينة والطمأنينة...وهل بعد الجهل بالشيء مصيبة!!!

جاء في الأثر أن الانسان عدو مايجهل، وهذه حقيقة ..

هم يجهلون ديننا فلهم العذر في عدائهم له، هم يجهلون نور الإيمان ، ويجهلون عظمة الاسلام ، ويجهلون مواقع النقص والعجز في معظم مايذهبون إليه...

ولكننا نعلم بجهلهم ذاك، وهذا أمر يحملنا الكثير من المسؤولية تجاههم؟!

ترى من الأكثر إجراماً في هذا الموقف أنا أم هي؟؟؟

أنا التي أمثل أمة تحمل ديناً عظيماً انتمت إليه بالوراثة، أي بإرادة الله تعالى، ثم نامت على دينها ذاك ولم تبلغ به كما شاء الله لها، أم هي التي تمثل أمة جاهلة بكل مايتعلق بهذا الدين العظيم إلا بعض ماتراه من سلوكيات المنتسبين له، وماتسمعه من الدعاية الإعلامية الموجهة؟؟

من يحمل القدر الأكبر من المسؤولية؟؟؟

أرى أنه إن كان عذرهم الجهل، فلا عذر لنا لأننا نعلم بجهلهم ذاك ...من هذا المنطلق وجدتني أنظر إليها بعين الأسى، تسب نبيي وتسب ديني، وتشتمني، وأبتسم لها...إنها مخمورة وإن لم تكن مخمورة فهي جاهلة ..

أنت يامروه ، أنت يامن لحقت بركب "سمية" عليها وعليك وعلى شهداء الحق السلام، غادرتي عالمنا على يدي واحد شبيه بهذه المرأة، غادرتي و التحقتي بالركب الشريف على يدي واحد ممن صاغتهم النظريات المادية المجحفة بالحقيقة الانسانية، هذه الحقيقة الانسانية التي لايحييها إلا توازن رشيد بين الروحي والجسمي، لم تُعِنهم صياغتهم الثقافية على أن ينعموا بالتوازن المنشود...

يتحدثون عن نظريات، ثم سرعان ما يكتشفون أن تلك النظريات يجب أن تتلاشى حين يتعلق الأمر بالإسلام. لأن الإسلام حين يقف شامخاً عزيزاً على رأس فتاة محجبة طاهرة، يكون الشيطان بارزاً في الطرف الآخر بكامل عدته وعتاده...مستغلا جهله بمقاصد دين عظيم ارتضاه الله لبني البشر..

صدقيني يامروه، أرى أنك ستتحولين إلى أسطورة للقوة الشامخة، ورمز لوجه الحق المضيء، ومنك سينبع الإلهام الذي سينشر الستر والحشمة على أجساد بنات هذه الأمة...ولكن هذا لايكفي فلا بد من إعادة ترتيب لمسؤولياتنا تجاه الأمم الأخرى ، هذه الأمم التي تغط في جهل حالك سواده... إنهم لايعلمون، إنهم ليسوا صياغة أنفسهم، إنهم صياغة حضارة مادية لاروح فيها، تروج للجهل وتحث عليه، وتصر على إبقاء جانب مهم من المعلومة مظلماً، ومخفياً...

لقد سارع قومي يامروة الخير في اختيار لقب لك يبعدون به التهم عن أنفسهم فجعلوك شهيدة الحجاب، ولكنك دفعت ثمن تقصيرنا، أنت لست شهيدة الحجاب، أنت ضحية الضعف والتقاعس والتهاون...لأمة لم تأمر بالمعروف ولم تنه عن المنكر، ولم تبلغ ماأمرها الله بتبليغه...

عن موقع رابطة أدباء الشام