المنذر بن محمد الأموي


التعريف به ونشأته

المنذر بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي ولد سنة 229هـ، يكنى بأبي الحكم، بويع يوم الأحد لثمان خلون من ربيع الأول سنة 273، وهو ابن أربع وأربعين سنة، وسبعة عشر يومًا[1].
نشأ المنذر بن محمد على حب الجهاد فقد كان والده يرسله في معارك كثيرة فقد خرج مع القائد هاشم بن عبد العزيز؛ فقصد الثغر الأقصى، وحطم سرقسطة، وافتح حصن روطة؛ ثم تقدم إلى ألبة والقلاع، وافتتح حصونا كثيرة.
ووجهه أبوه في عام 242 بالجيوش إلى طليطلة؛ فحاصرها، وأقام عليها ينسف معائشها؛ فقد رغب والده أن يجعل منه قائدًا قويًّا يستطيع الصمود أمام أعدائه والحفاظ على الدولة ولم يشأ أن ينشئه على الدعة واللهو كباقي أبناء الملوك[2].

جهاده أهم المعارك ودوره فيها

يقولون الولد صنو أبيه ومن شابه أباه فما ظلم، على خطى الأمير محمد بن عبد الرحمن سار ابنه فرفع راية الجهاد وفتح البلاد وقضى على ثورات الخوارج ونشر الأمن في بلاده رغم قصر مدة خلافته.
شارك المنذر بن محمد في كثير من المعارك سواء أكان ذلك في حياة والده أم في ولايته فقد كان يخرج على رأس الجيوش عندما كان أميرًا، ففي سنة 262هـ خرج المنذر بن الأمير محمد إلى ابن مروان؛ وكان القائد هاشم بن عبد العزيز.
وفي سنة 263، خرج المنذر بن الأمير محمد، وجعل طريقه على ماردة فلما انتهى ذلك إلى ابن مروان، زال عن بطليوس؛ واحتل بها قائد المنذر الوليد بن غانم؛ فخرب ديارها. وتقدم ابن مروان إلى بلاد العدو.
وفي سنة 264، حارب المنذر سرقسطة، وأفسد ما ألقى من زروعها؛ ثم تقدم إلى تطيلة والمواضع التي صار فيها بنو موسى؛ فانتسقها، وأجال العسكر عليها.
ومن أهم المعارك التي خاضها مع ابن حفصون الذي خرج على الدولة وقام بثورات عدة ليفتك بهذه الدولة وقد تصدى له المير محمد بن عبد الرحمن بن الحكم ولكنه مات قبل أن يقضي عليه، ولما بلغ ابن حفصون موت الأمير محمد، وانصرف عنه المنذر، نهض من فوره؛ فراسل الحصون التي بينه وبين الساحل كلها؛ فأجابته وطاعت له. ونهض إلى باغة وجبل شيبة؛ فأخذ من الأموال ما لا يوصف، كل ذلك منه بلا قوة، ولا كثرة من مال، ولا عدد؛ ولكنه كان عذابا من الله ونقمة انتقم بها من عبيده.
وخرج الأمير المنذر بجيوشه إلى عمر بن حفصون؛ فافتتح حصونه البرية، والحصون التي بجهة قبرة؛ ثم توجه إلى بربشتر؛ فحاصره فيها، وأفسد ما حواليه، وضيق عليه؛ ثم انتقل عنه إلى أرجذونة، وبها عيشون؛ فأقام عليها محاصرًا لها ومضيقا على أهلها، إلى أن نبذوا عيشونا وأهله، وأسلموه بذنبه؛ فدخلها الأمير المنذر، وقبض على عيشون وأصحابه. وظفر أيضًا ببني مطروح، وهم: حرب، وعون، وطالوت، وافتتح حصونهم بجبل باغه، وأتى بهم إلى الأمير أسارى؛ فبعث ببني مطروح إلى قرطبة، وأمر بقتلهم وصلبهم؛ وكانوا اثنين وعشرين رجلاً؛ فصلبوا بأجمعهم؛ وصلب مع عيشون في الخشبة خنزير وكلب. وكان السبب في ذلك أن عيشونا كان يقول: إذا ظفر بي، فليصلبني وليصلب عن يميني خنزيرا وعن يساري كلبا! وكان يثق بنفسه في القتال ثقة شديدة، ويأمن من أن يؤخذ لشدته وشجاعته. فلما يئس الأمير منه، دس إلى بعض أهل أرجذونة بأن يتحيل في أخذ عيشون؛ فأجابه، ووعده بأخذه. فلما كان في يعض الأيام، دخل بيت أحدهم بغير سلاح، وقد استعد له بكبل؛ فأوثق به وبعث به إلى الأمير المنذر.
وكان من شأن عمر بن حفصون في أيام المنذر - رحمه الله! لما كان في العام الثاني من ولايته، خرج في عديده الأكثر، وقصد بربشير. فحل عليها أحفل احتلال، وقاتل ابن حفصون بها أشد قتال؛ وانتشرت خيله في تلك الأقطار، واستولت على السهول والأوعار.
وسار المنذر إلى الأجذونة ليفتحها بعد أن دخلت في طاعة عمر بن حفصون فتلقته بالسمع والطاعة وأسر عامل ابن حفصون، ولما وجد عمر ابن حفصون نفسه محاصرًا لجأ إلى المكر والخديعة فطلب الصلح من الأمير المنذر فرضي بالصلح وبعد أن عقد الصلح بين الأمير المنذر وبين عمر بن حفصون وكان المنذر قد بعث إليه بثياب وأموال وبعد أن اخذ الأمان هرب من الحصن ولحق بربشتر واخذ الدواب والموال وقتل العرفاء المرسلين مع الموال وناصب المنذر العداء وقد عاد إلى سيرته الأولى، وقال لشيعته: "أنا ربكم الأعلى!" فأقسم الأمير المنذر أن يقصده ويحل عليه، ولا يقبل منه أو يلقى بيده إليه؛ فأعمل الغزو إلى بربشتر، وجمع لها الجمع الأكبر. فلما احتل عليها، أمر أن يحدق بها، ويحاط بجوانبها، وأن يعتزم لقتالها اعتزامًا، ويلتزم محاصرتها التزامًا[3].

وفاته

لقي المنذر ربه وهو على قلعة يقال لها بباشتر محاصرًا لعمر بن حفصون: خارجي قام هناك وتحصن. وكان موته في سنة خمس وسبعين ومائتين؛ وقد انقرض عقب المنذر[4].



[1] البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب 1/188.
[2] البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب 1/181، بتصرف.
[3] البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب بتصرف.
[4] جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس 1/4.

عن موقع قصة الاسلام