الأشرف برسباي


التعريف به

السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر برسباي الدقماقي الظاهري سلطان الديار المصرية.
والملك الأشرف جراكسي الجنس، جلب من البلاد فاشتراه الأمير دقماق المحمدي الظاهري نائب ملطية، وأقام عنده مدة، ثم قدمه إلى الملك الظاهر برقوق في عدة مماليك أخر.
وجلس على تخت الملك يوم خلع الملك الصالح محمد ابن الملك الظاهر ططر في يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة، والأشرف هذا هو السلطان الثاني والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، والثامن من الجراكسة وأولادهم[1].

أهم المعارك ودوره فيها

(فتح قبرص)

في عام 767 استولى الفرنجة ومعهم ملك قبرص على الإسكندرية ، وذلك أن الحروب الصليبية لم تنته بطرد الصليبيين من عكا عام 690 والانتهاء منهم من كل بلاد الشام أيام الأشرف صلاح الدين خليل بن المنصور.
لقد تم طردهم من جزيرة أرواد عام 702 أيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، واستمرت الحروب الصليبية بعد ذلك لأن كثيرًا من الصليبيين قد لجئوا إلى جزيرة قبرص بعد طردهم من بلاد الشام ، واتخذوا هذه الجزيرة مستقرًا لهم ، وأخذوا يقومون بالإغارة على بلاد المسلمين كلما وجدوا الفرصة سانحة لهم .
وكانت أسرة ( لوزجنان ) التي حكمت الجزيرة في تلك الآونة تقوم بهذه المهمة ، وقد تولى أمر هذه الأسرة وحكم الجزيرة عام 760 بطرس الأول ، وقد زار غربي أوروبا ، ودعا البابا لمساعدته للقيام بحرب ضد المسلمين ، فحصل على بعض التأييد ، وسار مع من جاءه من الصليبيين ووصل إلى شواطئ الإسكندرية عام 767 في يوم جمعة والمسلمون في المساجد ، فاستطاع أن يعيث في الإسكندرية فسادًا ولكنه فر لما تحرك المماليك إليه ، وقد أخذ معه قرابة خمسة آلاف أسير ، وفرحت بذلك أوروبا وهنأ ملوكها بعضهم بعضًا ، كما هنأهم البابا.
وفي عام 827 أرسل الأشرف برسباي حملة استطلاعية إلى جزيرة قبرص ، وقد اتجهت إلى ميناء ( ليماسول ) كرد فعل على تلك الحملات التي قام بها ملوك تلك الجزيرة على الإسكندرية ودمياط في أثناء اشتداد حملات تيمور لنك على بلاد الشام ، فلما تصدعت دولة تيمور لنك بعد وفاته ، قام السلطان الأشرف برسباي بهذا الرد .
وفي العام التالي 828 أرسل حملة ثانية وكانت جهتها في هذه المرة مدينة ( فاما غوستا ) ، وقد أحرزت النصر ، ومكثت أربعة أيام ، ثم اتجهت إلى مدينة (ليماسول ) ، وتمكنت من فتحها بعد جهد ، ثم رجعت الحملة إلى مصر .
وبعد عام خرجت حملة جديدة سارت نحو ( ليماسول ) ففتحها ، ثم اتجهت نحو الداخل فالتقت بجيش كبير يقوده ملك قبرص ( جانوس ) بنفسه فجرت معركة طاحنة بين الفريقين انتصر فيها المسلمون انتصارًا كبيرًا ، وأسروا الملك ، وحملوه معهم ، وساروا نحو( نيقوسيا ) فصلوا الجمعة في كنيستها ، ثم رجعوا إلى مصر والملك معهم أسير ، وفي القاهرة فدى الملك نفسه ، ووافق على أن تكون قبرص تابعة لدولة المماليك ، وبقيت بعدها كذلك مدة بقاء الدولة المملوكية ، وبذا انتهى الأثر الصليبي نهائيًّا إذ بقي في قبرص بعد طرده من بلاد الشام[2].
ويقول صاحب المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي أن النصر كان في ساعة واحدة، والعجب من كثرة جيوشه، وقلة مقاتلة المسلمين؛ لعدم اجتماعهم، فإنه جاءهم بعساكره بغتة، وكان غالب فرسان المسلمين في المراكب لم يتأهبوا للقتال[3].

وفاته

توفي سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، ومدة ولايته ستة عشرة سنة وثمانية أشهر وأيام[4].

قالوا عنه

كان - رحمه الله - ملكًا جليلاً، مهابًا، عارفًا، سيوسًا، حازمًا، شهمًا، فطنًا، له خبرة بالأمور، ومعرفة، وتدبير، محبًّا لجمع المال.
وكان يحب الاستكثار من المماليك حتى بلغت عدة من اشتراه من المماليك زيادة على ألفي نفر. وكان يقدم الجراكسة على غيرهم من الأجناس، ويشره في جمع الخيول والجمال، وما أشبه ذلك.
وكان يتصدى للأحكام، ويباشر أحوال المملكة، غالبها بنفسه، وكان متواضعًا، حسن الخلق، غير سباب، لين الجانب، طوالاً، دقيقًا، ذا شيبة نيرة، وهيبة حسنة، متجملاً في حركاته، حريصًا على ناموس الملك.
وكان يميل إلى فعل الخير، ويكثر من الصوم، ولا يتعاطى شيئًا من المسكرات. وكانت أيامه في غاية الحسن من الأمين، والخير، ورخاء الأسعار، وعدم الفتن مع طول مكثه في السنة.
وفي فتح قبرس يقول الأديب البليغ زين الدين عبد الرحمن بن الخراط، أحد كتاب الإنشاء بالديار المصرية قصيدة أنشدها بين يدي السلطان بحضور أركان الدولة، وفرغ عليه بعد فراغها بالحضرة الشريفة، أولها:

بشراك يا ملك المليك الأشرف ... بفتوح قبرس بالحسام المشرفي
فتح بشهر الصوم تم له فيا ... لك أشرف في أشرفٍ في أشرف
فتح تفتحت السموات العلى ... من أجله بالنصر واللطف الخفي
واللهُ حفَّ جنودَه بملائكٍ ... عاداتها التأييد وهو بها حفي
الأشرف السلطان أشرف مالكٍ ... لولاه أنفس ملكه لم تشرف
هو مكتفٍ بالله أحلم قادرٍ ... راضٍ لآثار النبوة مقتفي
حامي حمى الحرمين بيت الله والـ ... ـقبر الشريف لزائر ومطوف[5].



[1] النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 4/102.
[2] التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 7/66،77- 80، والغزو الصليبي والعالم الإسلامي لعلي عبد الحليم ، ص 214.
[3] المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي 1/253.
[4] سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 2/301.
[5] المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي 1/254- 255.



عن موقع قصة الاسلام