أطفال الصحابة وأطفال فلسطين بين الإرث والواقع
من منا لم يشاهد المجازر التي كانت تبث مباشرة على شاشات الفضائيات؟!
ومن منا لم يذرف دموعا ، ويتوسل لرب العزة أن ينصرأهل غزة ...؟
كانت المأساة ولازالت تبعث قشعريرة في جسد التاريخ ...
من هول ما ارتكبه العدوالصهيوني من مجازر وقتل ودمار في حق شعب أعزل ، حوصر ومازال محاصرا لايملك سوى قوة إيمان زرعت فيه عبر السنين ، وإصرار على التشبت بالأرض مهما كانت الحرب تلهبهم بسياطها المجنونة .
أطفال غزة الأبية ، تعلمنا منهم عبر الشاشات دروسا ،تكفي لتعلم الحجر الأصم كيف ينطق ، وكيف تكون العزيمة وحب البناء ...
أطفال لم يعيشوا طفولتهم ، بل هم ولدوا رجالا ، ويعيشون بعزيمة الرجال
لقد دمر العدوالصهيوني بآلته الحربية المتوحشة معالم غزة وشوه بنيتها التحتية ، ولم يترك إلارائحة الموت تصول وتجول في الشوارع وغبار البيوت والمساجد المهدمة على رؤوس المصلين يتصاعد مع تصاعد أرواحهم الزكية لجنات عرضها السماوات والأرض .
على الرغم من هذا الدمار إن أطفال غزة مازال ماء الحياة يجري مع أنفاسهم في الأوردة ، ما زالوامتمسكين بالعيش ، مصممين على الاستمرار في البناء وإكمال مسيرة العطاء لوطن يعيش فيهم أكثر مما يعيشون فيه ....
طفلة فلسطينية ، آلة الحرب الهمجية الصهيونية، تسببت في بتر ساقيها ، إلا أنها لم تستطع أن تبتر من روحها حب الحياة ، وحب العطاء والإصرار على المضي في بناء الوطن : وبكل صمود وكبرياء نطقت : " سأبني الدمار "
عزيمة منقطعة النظير يتوارثها أطفال غزة ، وأطفال فلسطين عبر الأجيال ....
إنهم حقا رواد قد علمونا معنى الإصرار ، ومعنى الصمود ، ومعنى العزيمة على المضي لإكمال مسيرة عمارة الأرض .
وهناك ، حيث الرعيل الأول يسطر في ذاكرة التاريخ شموخا وعزة ، وبطولات ، نرتشف منهاالدروس لنقوى على الاستمرار في العيش في عصر عولمي اختلط فيه الحابل بالنابل ،وأصبح الرجل مراهقا ، والمرأة

طفلة قياسا بمن كانوا حقا رجالا وهم في عمر الزهور
أطفال الصحابة رضوان الله عليهم ، كانوا رجالا وأي نوع من الرجولة تلك التي نسجت الشجاعة وشاحا يرتديه الطفل ليصبح رجلا في زمرة الرجال الذين صنعوا التاريخ
غلامان صغيران هما معاذ بن عمرو الجموح ومعوذ وفي إحدى الروايات معاذ بن عفراء :
هذان الصغيران ، بل هذان العملاقان قاتلا " فرعون هذه الأمة "
هما من قتلا أبا جهل رأس الكفر ، لعنه الله الذي كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
معاذ ومعوذ تزاحما مع الرجال في قلب المعركة ، وصمما أن يقتلا رأس الكفر الذي يسب خير خلق الله ..
أي شجاعة هذه يا معاذ ويا معوذ من أين رضعتماها؟!
تزاحما ولم يخشيا الموت وهو يلوح في بريق السيوف بل عزما على المضي إلى هدفهما
سألا عبد الرحمن بن عوف ... أن يدلهما على أبي جهل

أخرج الإمامان البخاري ومسلم – واللفظ له – من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : بينما أنا واقف في الصف يوم بدر . نظرتُ عن يميني وشمالي . فإذا أنا بين غلامين من الأنصار . حديثة أسنانُهُما . تمنيتُ لو كنت بين أضلعَ منهما . فغمزني أحدهما. فقال : ياعم ! هل تعرف أبا جهل ؟ قال : قُلتُ : نعم . وماحاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أُخبرتُ أنه يَسُبُّ رسول اللهr والذي نفسي بيده لئن رأيته لايُفارق سوادي سواده حتى يمُوت الأعجلُ منَّا. قال: فتعجبت لذلك . فغمزني الآخر فقال مثلها .قال :فلم أنشبْ أن نظرتُ إلى أبي جهل يزُول في الناس . فقُلتُ : ألا تريَان ؟ هذا صاحبُكُما الذي تسألان عنه . قال: فابتدراهُ , فضرباهُ بسيفيهما , حتى قتلاه . ثُم انصرفا إلى رسول الله r . فأخبراهُ . فقال "أيُّكُما قتلهُ ؟ "فقال كُلُّ واحد منهما : أنا قَتَلتُ . فقال : هلْ مسحتُما سيفَيْكُما ؟ " قالا : لا . فنظَرَ في السيفين فقال"كلاكُما قَتَلهُ" وقضى بسَلَبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح . (والرجلان : مُعاذ بن عُمرو بن الجمُوح ومُعاذُ بن عفراء) .
ومضى الفتيان إلى الهدف ليقضيا عليه.
وفيما يرويه معاذ بن عمرو عن الواقعة...

وقال ابن إسحاق قال معاذ بن عمرو بن الجموح سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحرجة - والحرجة الشجر الملتف، أو شجرة من الأشجار لا يوصل إليها، شبه رماح المشركين وسيوفهم التي كانت حول أبي جهل لحفظه بهذه الشجرة - وهم يقولون أبو الحكم لا يخلص إليه، قال: فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطنت قدمه - أطارتها - بنصف ساقه، فواللَّه ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها. قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها )
ياالله ... أي شجاعة هذه ، وأي جرأة في أن يقطع هذا الصبي يده التي كانت تتدلى بوضع قدمه عليها ...ثم يسحب فتنقطع ، لا مخدر ولا مطهر ولا عملية جراحية بل قدم ويد اتحدتا أن ما وراء المعركة خير من الدنيا وما فيها ، فما كان الشعور بالألم ولكن كانت شجاعة وإصرار على مواصلة المعركة ....
أي علاقة تلك التي تربط فتاة بترت ساقيها ، بهذا الفتى الذي قطع يده بنفسه ليواصل المعركة ، وليكون

لبنة شموخ في صرح الإسلام .

يواصل رغم الألم من أجل أن ترفع راية الإسلام
وتلك تواصل رغم الألم ورغم الإعاقة التصميم والإصرار على أن تكمل مسيرة بناء وطن ، يقاوم أشرس مستعمر على وجه الأرض ، وتمضي لتبقى راية الإسلام مرفوعة دائما في سماء وطنها الحبيب ...وتقول " سأبني الدمار "
وفي المقولة المشهورة " هذا الشبل من ذاك الأسد " خير دليل على أن أولئك الصحابة الذين استشهدوا ورووا أرض فلسطين بدمائهم الطاهرة الزكية ، أولئك الذين آثروا العيش على تراب فلسطين حتى توفتهم المنية أنهم زرعوا في أحفادهم جيلا بعد جيل جينات الشجاعة والإصرار على رفع راية الإسلام
مهما كان الثمن
وأي إرث ورثتموه ياأطفال فلسطين ...!
وإنهم المرابطون إلى يوم القيامة

عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزال طائفة من أمتيظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء فهمكالإناء بين الأكلة حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك" قالوا: يا رسول الله وأين هم؟قال: " ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس". الطبري في
(تهذيب الآثار ج2/ص823

وإن غدا لناظره قريب والنصر قادم قادم إن شاء الله