نشرت المقالة في جريدة المسلمون الجزائرية
بتاريخ14جويلية2009 العدد23

ماذا يعني
أن تمتلك قلما رفيقا-غير عنيف؟
إعداد الأستاذ أحمد بوعبدالله
مدرب تنمية بشرية


القلم لسانك الثاني ورسول المعاني و بصمة البنان والناطق الرسمي للجنان والمرء بأصغريه: بلسانه وقلبه. كما قال معلم البشرية صلى الله عليه وسلم وهو في منتهى القوة وتكمن قوته في انك تخاطب به المئات بل الآلاف و مئاتها في المرة الواحدة ولذا فخطأ القلم أعظم من خطأ اللسان إلا إذا بث خطؤه على الأثير فإذا كانت الكلمة باللسان قد تهوي بالإنسان سبعين خريفا في مهاوي الجحيم وقد ترفعه أعالي الدرجات فما قولك في كلمة القلم ؟
فكتابة القلم هي: ما يسطره على الورق تحت تأثير الجهاز العصبي وما يدور في المخ من معلومات يهتم بها ويطوف حول معانيها وما تتفاعل به خلاياه العصبية لتكشف لنا شخصية المرء وميوله وطبعه وعقده وتجاربه الماضية وقيمه وكل نشاطه النفسي والذهني والجسدي... فهي إذا ذات أبعاد خطيرة جدا أخطرها على الإطلاق بعد التأثير في الناس وفي الحياة على حد سواء ومن هنا تعظم مسؤولية قلمك وما تخطه بيمينك ولذاك أقسم الله بالاثنين معا عندما قال جلّ في علاه (نون والقلم وما يسطرون). هل عرفت - عزيزي القارئ- بمفهوم المخالفة لماذا يوزن مداد العلماء بدماء الشهداء يوم القيامة؟



وباء الأقلام العنيفة
تجنح الأقلام العنيفة إلى إبراز المساوئ مع ستر المحاسن وإظهار العيوب مع كفر المناقب ودينها وديدنها أنها تشيع الفاحشة وتثير الرعب وتنشر التوتر وتعد بالفقر وتبشر بالتخلف و تولع بالنقد وتتسلى بالفضائح وتطير بها فرحا وتظنها خبطة إعلامية, تشهِّر بالأخطاء والخطايا حقدا وانتقاما وتحسبها سبقا إعلاميا تروِّج للرذيلة وتسلط الضوء عليها و تخالها احترافية عالية تواري الفضيلة (ويالها من موءودة) وتتوارى عنها.
تقرع طبول الحرب وتنفخ في أبواقها قبل بدئها, تتطيّْر بالشؤم وتنذر بالويل وتدع به وتنزعج من جهود الصلح وتنحى باللائمة على المصلحين تقطر سموما وتزرع شرورا وتمشي بالنميمة وتوقظ الفتنة وتسعى بالدسيسة, يخنقها الوئام ويحزنها السلام و يؤلمها تصالح الأخوال مع الأعمام, تسقم المجتمع وما هو بمعلول تشد من أزر العنف وتخذل سواعد الرفق وما هو بمخذول.
القلم العنيف "حجم الدمار"
نظرة في الحروب الأهلية الحديثة تنبئك بحجم الدمار التي خلفته الأقلام العنيفة عندما أوقدت نيران الفتنة فحرقت بها خيرات البلاد واستأصلت بها أخيار العباد, فحمدا لله إذ تعهد بإطفائها (كلما أوقدوا نارا للفتنة أطفأها الله), لتتوجه أصابع الاتهام في الأخير إلى كل جهة ما عداها ويحمِّلون المسئولية كل طائفة ما خلاها, ونظرة في أحداث بلدي وبلدك "الجزائر" وعمق جراحها وما عانته في عشريتها الصعبة ستقف على خبيث مكرها وشنيع دورها في صنع اليباب وتخليف الخراب ثم تشرئب عنقا لنيل وسام البطولة للصمود في وجه نيران هم أوقدوها وفتنة بتفنن صنعوها. يؤسفني قول هذا ولكنها الحقيقة - وأنا أتناول الموضوع وإياك- من وجهة نظر تنموية بحتة لا علاقة لها بالسياسة فللسياسة أهلها وميدانها. فإن بدا لك أن قلمي كان عنيفا على هذه الأقلام, فأقول إنني عكست عنف تلك الأقلام على مرآة الواقع لنرى بشاعتها وإن قلبي قبل قلمي ليقطر رأفة ورحمة على أصحاب تلك الأقلام وهم في كل الأحوال قومي وعشيرتي وإني أدعوهم بكل قوة إلى كسرها واستبدالها بأقلام رفيقة تزين ولا تشين تبني ولا تهدم وذاك قصدي ومرادي فعنف الأقلام يسبق ويفوق عنف الألغام وفي ما مضى عبرة لمعتبر.
تقنيات قلمك الرفيق
هلا نظرت إلى عمق الفكرة وقوة الطرح في قول معلمنا صلى الله عليه وسلم :"ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه" فالرفق خير وبركة ومكرمة يصلح معايب أي شيء ويجمله بينما يشين العنف محاسن أي شيء ويقبحه.
وإذا انتقلنا من التنظير إلى التطبيق وهو غايتنا نقترح عليك وعلينا الأمور التالية لنفوز بقلم رفيق ويراع رحيم وبالله التوفيق:
1)- أن تكون كتابتنا استجابة واعية ومدركة لما نريد الكتابة عنه ونترفع عن ردة الفعل والموقف الدفاعي والهجوم الإستباقي فهي ما يؤدي إلى بطر الحق وغمط الناس, ولنعتمد عمليا على:
- ملاحظة الأشياء التي تحدث أمامنا (جمع المعلومات) والإشارة إليها دون تقييم لأنك إذا قدمت الملاحظات وقرنتها بالتقييم سيفهم الآخر أنك تنتقده. فأوكل له هذه المهمة.
- إيصال رؤيتنا لما يحدث مع الحرص على إيصال الصور الكاملة بوضوح و بنزاهة ليتمكن من (النقد الذاتي).
- ملاحظة مشاعرنا تجاه ما يحدث ثم التعبير عنها دون تثريب لأنك إن عبرت عن مشاعرك وأتبعتها سيلا من اللوم وكيلا من العتاب سترسخ فيه ذات السلوك كما تؤكد الدراسات العلمية والقوانين النفسية بل وكما بينه الله تعالى: ('فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)
- التعبير عن احتياجاتنا عوضا عن إصدار الأحكام فعندما تصدر أحكامك على أحد تقطع بينك وبينه حبال المودة وتغلق قناة التواصل وتشعل فتيل العنف بينكما وصدق الله سبحانه عز من قائل: (قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم).
وهذه المقومات وغيرها مما تعذر ذكره هي أساس التواصل الرحيم بين أفراد المجتمع بكل مؤسساته وفي كل نزاعاته الأسرية والإدارية والدبلوماسية وغيرها.
2)- تعاطف مع الأشخاص الذين لهم علاقة بما تريد الكتابة عنه وأظهر لهم المرحمة وتحلى بالصبر والتحمل والاحتساب لتقليل حجم الخطر المتوقع وحتى تتسع منطقة الآمان بينكما ولإضفاء مزيد من الحيوية لدى قرائك.
3)- تقديم مقترحات واختيارات عملية بديلة مرضية ومشروعة للطرف الآخر بدل إملاء واجبات وشروط فعملية وضع قائمة الاختيارات السلوكية الصحيحة البديلة عن سلوكه الحالي تجعله يشعر بالحرية (النفسية والفكرية) لكونه يفعل ذلك لأسباب موضوعية اختيارا لا إجبارا.
وحينما نحدد – عزيزي القارئ- ما هو المطلوب بالضبط لتصحيح الوضع وتدارك الأمر نكون قد قدمنا النصح (أخرجنا إخواننا من دائرة الخصومة إلى روضة الأخوة)وأبرأنا الذمة (تحملنا المسئولية) وتجنبنا حظوظ النفس وشرورها في التشهير وغيرها من المساوئ.

4)- ولنعزز إدراك القارئ لدوافعه واحتياجاته ضمن إطار قيمه وقيم المجتمع الذي ينتمي إليه بما يوافق رضا الله سبحانه التي تجعله يختار اقتراحا من المقترحات دون غيره,(موازنة وترجيحا) كتحسين وضعه الاجتماعي أو الارتقاء بمستواه الخلقي أو المادي أو الروحي أو غيره. فالأمور بمقاصدها.
5)- وعند الإشادة بالأشياء الإيجابية والتنويه بصانعيها يمكننا اعتماد القاعدة الثلاثية لإظهار التقدير:
- تحديد تلك المنجزات التي شيدت.
- تحديد الاحتياجات التي لبيت من جراء تلك المنجزات.
- التعبير عن المشاعر الإيجابية السارة التي تولدت من جراء تلبية الحاجيات.

وإني أعهد إلى ذكاءك ضرب الأمثلة لما قدم من مقترحات فالمقام لا يتسع وإذا بقي لي من حديث فالحق أقول بمعونة الله تعالى:
- ينشأ العنف حينما نعتقد أن الآخرين هم سبب معاناتنا و يترعرع حينما نعتقد أنهم يستحقون العقاب.
- و يحرق الأخضر واليابس حينما ننشر ذالك بين أفراد المجتمع.
- وأقول حينما يكون لصرير الأقلام تذمرات كثيرة وشكاوى مريرة وانتقادات خطيرة فبشر بل فأنذر أهل تلك البلاد بالكوارث الطبيعية أو الفتن الداخلية أو الغزو الخارجي لأن قانون الجذب يعمل دائما فلنتق الله في حصائد أقلامنا(وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) وإنما وكل القدر بالمنطق وبما تبثه النفس من ترددات متشائمة أو متفائلة وتفاءلوا بالخير تجدوه وفي قصة إبراهيم الخليل مع زوجتي إسماعيل تأكيد على تأثير الأفكار والكلمات في صنع الواقع سلبا و إيجابا وكل هذه التوجيهات كما ترى هي من صميم الوحي ومن مشكاة النبوة.
- وأقول في الأخير إن قلمك ينضح بما في إنائك من النضج وينفق بما عندك من الخير فهو عاكس لحقيقة أفكارك ونبل مشاعرك وعظيم طموحاتك فليقطر قلمك عطفا ورحمة وتفهما وصلة للرحم البشرية وتوثيقا للعروة الإيمانية وتثبيتا للرابطة الوطنية وليكتب من هذا المنطلق وليجر به فتلك هي عناصر البناء وعوامل الإصلاح ومحاسن الإنجاز وقد آن الأوان أن نشعر بمسئولياتنا تجاه ما نخطه بأيماننا وما تلفظه أقلامنا والله تعالى يقول:(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) لقد آن الأوان حقا ونحن فرسان الكلمة وأرباب الأقلام وأحبار البيان والله المستعان.

amedelmohib@yahoo.fr