يأتي تأكيد وليد جنبلاط على أن كتلة حزبه المؤلفة من ثلاثة وزراء وهو ما يسميه (حصته) في الحكومة اللبنانية الجديدة القادمة التي يحاول سعد الحريري تشكيلها منذ أكثر من شهر، لن تنحاز للمعارضة (الثامن من آذار) أو للأكثرية (14 شباط) بل ستقف إلى جانب مجموعة الرئيس ميشال سليمان المؤلفة من خمسة وزراء محايدين، الأمر الذي يدفعنا إلى القول بأن وليد جنبلاط بات يبحث عن دور جديد يكون مشرفاً على الأقل، ومختلفاً عن الدور الفاشل الذي مارسه سابقاً عندما تصدر ما سمي بالموالاة اللبنانية في تصريحاته وممارساته مندفعاً مع الـ(حريري وجعجع – وجميل) باتجاه مناهضة سوريا والمقاومة الوطنية اللبنانية، والتيار الممانع بالمنطقة العربية برمتها، والتهجم الشخصي على كل من هو ممانع دون التفريق بين ما يمكن أو لا يمكن أن يقال، الأمر الذي أفقده الشعبية التي حققها حزبه بزعامة أبيه كمال جنبلاط، الذي كان يمثل التيار القومي الاشتراكي التقدمي في لبنان.
ما قاله وليد جنبلاط مؤخراً حول عدم التحيز لأي طرف لبناني يعني في نهاية المطاف أن (كتلة وسط) جديدة أراد إيجادها ضمن الحكومة اللبنانية المزمع تشكيلها، تتألف من ثمانية وزراء (خمسة منهم للرئيس ميشال سليمان وثلاثة منهم للحزب التقدمي الاشتراكي) وهذا يعني أن وليد جنبلاط يطمح للوقوف على الحياد، واتخاذ القرارات ضمن الوزارة القادمة وفقاً لطبيعة الموضوع أو الظرف المطروح على الحكومة.
لم يكن موقف وليد جنبلاط مفاجأة كما يقال، فعدا عن كون الشارع اللبناني قد تعود على التقلبات الجنبلاطية المستمرة، فهو بكل تأكيد كان قد اتخذ قراره قبل عدة أشهر، ومنذ اجتماع الدوحة الذي نتج عنه اتفاقاً بين الطرفين (موالاة ومعارضة) وتراجعت الموالاة بقبولها الثلث الضامن، بعيد انتخاب الرئيس ميشال سليمان رئيساً توافقياً للبنان، الذي قرر السير باتجاه تحسين وتعزيز العلاقات السورية اللبنانية، إضافة إلى التراجع عن قرار الخامس من أيار، وهذا يشكل بمجموعه الخروج الجذري عن الخطاب السياسي لمجموعة (14 شباط)، وبالتالي فشل المشروع الأمريكي الذي تبنته هذه الكتلة، والذي خطط له في البيت الأبيض وبحضور وليد جنبلاط الذي وعدته إدارة الرئيس غير المأسوف عليه جورج بوش بإسقاط النظام السياسي في سوريا مقابل ثباته على موقفه المعارض لها وتحديه للمقاومة الوطنية اللبنانية والمطالبة بنزع سلاحها.
ورغم سعي وليد جنبلاط إلى التخفيف من حدة المخاوف التي أثيرت حول خطوته بمغادرة كتلة (14 شباط) التي تشكل الأكثرية في البنان بأنه غادر شعاراتها فقط، فإن الحقيقة تقول:
بعد قراءة وليد جنبلاط المستجدات في المنطقة، وإدراكه للدور الخاطئ الذي لعبه خلال أربع سنوات، وبعد ذهاب المحافظين الجدد من البيت الأبيض، وهم يجرون خيبة أملهم، وإدراك إدارة الرئيس باراك أوباما للدور السوري الهام في المنطقة، وإعلانه عن ذلك صراحة، وعمله على تعزيز الموقف الأمريكي من خلال زيارات ميتشل المتكررة لدمشق، كان على جنبلاط أن يختار، إما الاستمرار مع مجموعة (14 شباط) التي بنت توجهاتها على موقف الإدارة الأمريكية السابقة التي فشلت ورحلت، أو التقدم باتجاه التيار الرابح وهو تيار الممانعة، الذي يلتف حوله الشارع العربي، مع إدراكه بأن الاستمرار مع الأكثرية لن يفضي إلا إلى الخيبة، وأن تبديل (البوصلة) السياسية باتجاه قوى الممانعة، قد يكون أمراً غير مقبولاً منها، خاصة بعد أن شخصن الخلافات السياسية، فكان خياره النهائي (حتى الآن) الوقوف على الحياد مع كتلة الرئيس اللبناني، آملاً بدور مؤثر جديد، من خلال (كتلة وسط) يضمن فيها الخروج من عباءة الفشل، ومستبقاً رفض المعارضة له إن حدث ورفضت، لكنه على أمل القبول بالتوبة، وهذا ما دفعه لتوجيه رامي الريس المتحدث باسم الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه ليقول: (بأن خروج جنبلاط من الكتلة المؤيدة للغرب نهائي وقطعي، لكن ليس رغبة في الانضمام لكتلة أخرى).
المفضلات