المرأة والمجتمع : أية علاقة؟
بديعة بنمراح
(هذه المقالة قدمت كمداخلة في ندوة المرأة المغربية : واقع وآفاق بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بفرع الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بابن الطيب/ الناظور بمناسبة اليوم العالمي للمرأة سنة 1995، وذلك قبل صدور قانون الأسرة الجديد. أعيد طرح هذا الموضوع لمناقشته على ضوء المستجدات القانونية في علاقةٍ بالبون الشاسع بينها وبين الواقع القائم، و في أفق تفعيل البنود المتقدمة لقانون الأسرة )
تحية إلى كل امرأة تواقة إلى غد غير الأمس
غد يحمل في طياته بذرة التغيير
تحية إلى كل امرأة تأوي إلى فراشها
لتمسح في صمت دمعة القمع والهوان
وتحلم بإعصار يهز العروش الخاوية
عروش الجبروت والتسلط
كما تحلم وتعمل من أجل هدم مخلفات الماضي
وخلق أعمدة المستقبل
غد تكون فيه المرأة والرجل متحدين في مواجهة الستغلال
في هذه المساهمة سأحاول ملامسة علاقة المرأة بمجتمع ذكوري متأخر مثل مجتمعنا من خلال العناصر التالية : المرأة داخل الأسرة ـ المرأة و العمل ـ المرأة والقانون تم كلمة أخيرة.
المرأة والأسرة
ما تزال المرأة تعيش أوضاعا مزرية ، وما يزال الكثيرون يعتبرونها كائنا دونيا، أو إنسانا من الدرجة الثانية، والأدهى من ذلك أن المرأة لا تزال في الغالب تعتبر نفسها كأنثى لخدمة الأب والإخوة ثم الزوج بعد ذلك. فهي تعيش داخل أسرتها وتحس تمييزا غير عاد في تعامل الأسرة معها ومع أخيها الذكر، ويكبر هذا التمييز وينمو عند ولوج الفتاة المدرسة ، ويستمر بعد ذلك حتى عند ولوج المرأة مبدان العمل ، ذلك أن أفراد ومؤسسات المجتمع الذكوري لازالو يعتبرون المرأة مجرد تابع للرجل كل ماعليها هو طاعة الرجل والانصياع لأوامره دون نقلش اوإبداء للرأي. ومع أن الرجل المثقف في الغالب يحبذ أن تكون رفيقة دربه متعلمة واعية ، تناقشه وتشاركه حياته ومشاكله ، لكن تقاليد مجتمعه وعلاقته بالناس تفرض عليه أفكارا ومسلكيات كثيرة يريد أن يتخطاها ، دون جدوى ، فينجر إلى الخلف. فالمرأة في المجتمع الذكوري آلة للطبخ ولإنجاب وتربية الأطفال ،ولا بأس بعد ذلك أن تساعد زوجها بالعمل خارج البيت ، فيحاول هذا النوع من الأزواج أن يوفقوا بين ما يريدونه وبين ما يفرضه عليهم مجتمعهم ، وتكون المرأة هي الضحية ، ذلك أنه حيثما وجد قهر واستغلال لابد ان يصيب المرأة منهما القسط الأوفر، وترحع الإديولوجيا السائدة هذا التعامل إلى طبيعة المرأة ، مع أن طبيعتها لا علاقة لها بهذا القهر ، كما ترجعه إلى عاطفتها المفرطة مع أن تلك العاطفة هي نتاج لحرمان المرأة من فرص تنمية طاقاتها الذهنية ، والاحتكاك بالواقع الذي تنمي المعرفة به إمكانية السيطرة عليه. لذلك أصبحت بعض النساء وليس كلهن يصررن على متابعة الدراسة ، والعمل لأنهن من خلالهما يطللن على الواقع ويحتككن به ويحققن ذواتهن ولونسبيا.
المرأة والعمل
إن العمل ليس ضرورة اقتصادية فحسب ، بل ضرورة سيكولوجية كذلك لأنه يساعد المرأة على تحقيق ذاتها
ويجعلها أكثر تفتحا وفهما للحياة ، فلقد ولى العهد الذي كانت فيه المرأة قابعة في المنزل تنتظر أن يمدها الرجل بلقمة العيش
.. فبفضل التحولات الاقتصادية ، الاجتماعية و الثقافية التي عرفتهاالمجتمعات الذكورية في العقود الأخيرة ، وعت المرأة نسبيا أن عليها أن تقدم ثمن التحرر الذي تنشده ، لأن النساء اللواتي يردن التحرر والمساواة لكنهن يتشبثن بقوانين يتمتعن في ظلها ماديا ، رغم اندماجهن في الحياة العملية ، يعشن تناقضا صارخا ، لايمكن إلا أن يؤدي إلى تناقضات داخل البيت.
لذلك نجد بعضهن يدركن هذه المسألة ، فلا يفرقن بين مدخولهن ومدخول أزواجهن ، فيعتبرنه مدخولا واحدا ويحاولن مشاركة الأزواج تصريفه بطريقة عقلانية ، وهذا هو أرقى موقف بالنسبة للتعامل مع المشكل المادي ، لكن ممارسته تستوجب قناعة مشتركة فيما يخص الرغبة الحقيقية في المعاشرة الصادقة والتعاون ، والوعي بأن الحب الخالص والهادف يتجاوز المشاكل المادية ليطرحها في إطارها الحقيقي . هناك مسؤولية مشتركة وأزمة مادية ، لذا وجبت من وجهة نظر متقدمة محاولة التغلب عليها. لكن مع الأسف نجد الكثير من الأزواج يستغلون نساءهم داخل البيت وخارجه ، مستغلين كل الحقوق التي يمتعهم بها الفانون على حساب المرأة. فكيف هو القانون الذي يربط الرجل بالمرأة في مجتمعنا ؟
المرأة والقانون
قد يتبادر إلى ذهن الإنسان وهو يقرأ بعض فصول المدونة ، أن هذه الأخيرة لا تضع أي تمييز بين الأشخاص على أساس الجنس بل تشترط فقط بلوغ سن الرشد والتمتع بقوى عقلية سليمة ، ذلك أن كل شخص بلغ سن الرشد ولم يثبت سفهه يكون كامل الأهلية ، لمباشرة حقوقه المدنية ، إلا أن المسألة ليست بهذه البساطة ، ذلك ـأن الإلمام بفصول مدونة الأحوال الشخصية يبين أن المرأة لاتكتمل أهليتها بمجرد بلوغها سن الرشد القانوني لأنها تعتبر قاصرا ولو بلغت الخمسين ، وهذا يستنتج أولا من الفصول المتعلقة بالحضانة والنفقة ويستنتج ثانيا من مسألة الولاية على المرأة في الزواج. أما بالنسبة للطلاق فرغم التعديل الطفيف الذي حصل ، فلا زال الرجل يطلق متى شاء ولا من رادع . وهناك مشكل التطليق أيضا الذي يخلق مشاكل كبرى بالنسبة لكثير من النساء بالإضافة إلى مسألة التعدد. فإلى متى ستظل تنزف كرامة المرأة بهذا الشكل ؟
كلمة أخيرةوضعية اللاتكافؤ واللامساواة بين الجنسين لم تكن أبدا في صالح المجتمع .. ولا يمكن أن تكون في صالحه ، لأن مجتمعا يهدر نصف طاقاته أو يجمدها لا يمكن إلا أن يكون مجتمعا ضعيفا ومتأخرا عن مسايرة الركب الحضاري ، فالرجل ليس عدوا للمرأة على الإطلاق ، ولا المرأة أبضا بل العدو هو التأخر والاستغلال كيفما كان نوعه(طبقي، جنسي)
وقد أصبح اليوم مقياس تقدم الأمم هو مدى تحرر طاقاته ، ومهما بلغ الرجل من تقدم في الميدان الاجتماعي والسياسي والوظيفي فإن مدى وعيه ونضجه الثقافي لايتبين إلا من خلال تعامله مع المرأة ، فيعمل جادا لفهمها عن طريق مناقشتها والحديث معها عن كل ما يهمهما.
فلنغير المفاهيم لحذف كل الادعاءات حول" الدور الطبيعي للمرأة " وليقتنع الرجال و النساء أننا في عالم السياسة والتصنيع في عصر اثورة التيكنولوجية في حاجة إلى الرجال والنساء معا .. وليتقاسم كلا الجنسين المسؤوليات وكذا التحديات ، وليتجاوز النتائج الخطيرة التي تنبثق عن الدور الإديولوجي الذي يميز فيه الإنسان بين الجنسين حتى نتمكن من التمتع بحياة أفضل.
المفضلات