المرحلة الثانية


المرحلة الثانية


المرحلة الثانية

المرحلة الثانية من
(محاور في المقام العراقي)

2009

محاور في المقام العراقي
دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي
يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعـيل الاعـظمي


الاردن / عمـَّان
كانون الثاني January 2009
اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المرحلة الثانية من (محاور في المقام العراقي) التي تم نشر تسعة عشر محورا في المرحلة الاولى من العام الماضي 2008 ، وها نحن نستهل عامنا الجديد 2009 بالمحور رقم (1) والمحور رقم (2) والمحور رقم (3) والمحور رقم (4) والمحور رقم (5) والمحور رقم (6) والمحور رقم (7) والمحور رقم (8) تكملة لمحاور المرحلة الاولى واستهلالاً للمرحلة الثانية .. وهذا المحور رقم (9) مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحاور في مرحلتها الاولى والثانية أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم
***
أو الذهاب الى موقع كوكل google والبحث عن (محاور في المقام العراقي) او (محاور في المقام المرحلة الثانية) حيث تجدون كل المحاور منشورة في المواقع والشبكات الالكترونية مع الشكر والتقدير لكل اخوتنا واصدقائنا في هذه المواقع والشبكات


المرحلة الثانية
من المحاور المقامية


المحور رقم
(9)


Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112


المحور رقم
(9)
********
بعض المغنين المقاميين من اتباع
الطريقة القبانجية

*****
عبد الرحمن خضر
(1925 – 1984)م

- نشأته
- تحوّلات في غناء المقامات
- محاولات اولى لمنحى القبانجي
- تسجيلات عبد الرحمن خضر
- اخفاقاته في التسجيلات
- تجاهله للنقد
- تقليدية عبد الرحمن خضر
- مقاماته

نشـــــأتُه
ولد المطرب المقامي عبد الرحمن خضر في محلة الفضل من بغداد عام 1925 وتوفي فيها عام 1984 – درس في مقتبل عمره بالكتاتيب (1*) ثم دخل المدرسة ، لكنه لم يحصل على شهادة دراسية أكثر من الابتدائية وربما لم يتعداها وهو الأَرجح ..! وفي بداية شبابه أخذ يتردَّد للاستماع الى المناقب النبوية الشريفة والأَذكار والتهاليل ، وفي هذه الفترة من حياته بدأ يخطو أُولى خطواته في سلسلة تعلـُّمه أُصول غناء المقام العراقي ، وتأثرَ شديدَ التَّأثر بأُستاذ الاجيال محمد القبانجي بصورة تكاد أَن تكون مهيمنة تماماً على شخصيته وخصوصيته الادائية .. وفي عام 1948 دخل الاذاعة العراقية لأول مرَّة ، وسجل أول مقام له في الاذاعة وكان مقام الاورفة مع اغنية (ربيتك إزغيرون حسن) ..


أُغنية ربيتك إزغيرون


ومن هذه البداية بدأت مسيرة عبد الرحمن خضر الفنية بوصوله الى مايكرفون الاذاعة ، ومنها إستمر في تسجيل مقامات كثيرة جاءت تباعاً سواء في الاذاعة أو في التلفزيون بعدئذ ..

تحوّلات في غناء المقامات
هناك أشياء كثيرة في شأن أداء المقام العراقي لا توجد على الاقل من حيث خصائصها البيئية المحلية فيما يمثل تراث الغناء والموسيقى للشعوب بصورة عامة .. حقاً لقد إتجه المقام في العراق الى الوجهتين الاجتماعية ، أي التعبير عن خصوصية المجتمع البغدادي ، والفنية التي بدأ تطورها يزداد بعد إنشاء المعاهد والمدارس الاكاديمية للموسيقى منذ العقد الرابع من القرن العشرين .. غير أن إعتبارات أُخرى ايضاً أثَّـرت في التصوير الدقيق لهذه التعابير البيئية المحلية في الغناء والموسيقى المتصلة بالحياة الاجتماعية الى حد يزداد إضطراداً .. ومن تلك الاعتبارات تطور وسائل الاتصال بين الشعوب الذي أخذ في الإتساع والتنوع بحيث تحدى وقهر الانغلاق البيئي ، فتداخلت الخصوصيات مع بعضها حسب ظروف المجتمعات الثقافية والاقتصادية .. الأمر الذي جعل محاولات الإحاطة بها أو الوصول الى دقــَّتِها أمراً يعود الى مدى الاتصال والاحتكاك بالآخرين وسهولة سماع غنائهم وموسيقاهم والعكس صحيح ..! حتى أصبحت الحالة عمومية وأمراً واقعاً ومسلماً به .. وعليه نرى أن سلطة المحلية والبيئة في الاداء المقامي العراقي قد تزعزعت منذ ظهور المغني الكبير محمد القبانجي الذي يعتبر رائد الابداعات الحديثة في غناء المقام العراقي ومثيرها الاول ..! ثم بدأنا نرى النزوعات الابداعية لدى الآخرين من المؤدين المعاصرين ومن اتباع الطريقة القبانجية تظهر وتؤثر على نقاء التعبير الخصوصي لأداء المقام العراقي ، فلو إستمعنا الى مقام الرست لمحمد القبانجي بهذه القصيدة ومطلعها ..
بوصال إِليك هل من وصول --- لك اشكو ما شفني من نحول

سنلاحظ أُسلوب الليالي العربي وقد تأثر به القبانجي وأدخله في هذا المقام الكلاسيكي ..! ولو إستمعنا اليه مرَّة اخرى في مقام الاورفة (سلَّمه بيات حسيني) فسنجد نفس المنحى في التأثر موجوداً في هذا المقام ايضاً خاصة في بيْتي القصيدة الثالث والرابع ..

كف الملام فما يفيـد ملامي --- الداء دائي والسقــام سقامي
جسد تعوده الضنى وحشاشـة --- ملئت بلاعج صبوة وغـرام ِ
حتى اذا حار الطبيب بعلتـي --- وقف القيـاس بها على الايهام
ما يدري ما مرض الفؤاد وما --- الذي اخفيته عنه مـن الالام
فاذا اخذت الكاس قلت لصاحبي --- العيش في دنياك كأس مدام


صورة / مطرب المقام العراقي عبد الرحمن خضر


محاولات اولى لمنحى القبانجي
مقامات اخرى إستخدم فيها القبانجي هذا الاسلوب من التأثيرات الادائية العربية .. حتى نحى منحاه بعض المؤدين اللاحقين ، ولكن الملاحظة الجديرة بالاهتمام في هذا الموضوع .. هي أن هذه المسارات اللحنية العربية التي أدخلها القبانجي في أدائه للمقام العراقي ، كان قد أدّاها بروح عراقية مقامية ، أي أنه أخذها مجرَّدة من تعبيرها ، أو في الحقيقة هو الذي جرَّدها من تعبيراتها الأصلية فقام بتعريقها (*2) .. وهكذا نجد أن مقام الرست ايضاً المُؤدّى بصوت حسن خيوكة الذي تصرَّف في بيت القصيدة الاول ولكن بروح تعبيرية عراقية مقامية ايضاً (3*) ..

نشرتُ في موكب العشاق أعلامــي --- وكان قبلي بـُلي في الحب أعلامــي4*
وسرتُ فيه ولم أبرح بدولتــــه --- حتى وجدتُ ملوك العِشقِ خدّامــي
ولم أزل ، منذُ أخذِ العهد في قـِدَمي --- لكعبة الحسن ، تجريدي وإحرامي5*
وقد رماني هواكم في الغرام الــى --- مقام حب شريف شامخ ســـــام
جهلتُ أهليَ فيه ، أهلَ نِــسبـَتـِهِ --- وهمْ أعـزّ أخِلاّئي وألـْـــزامي6*
قضيتُ فيه الى حين إنقضــا أجـلي --- شهري ودهري وساعاتي وأعوامـي
ظنَّ العذولُ بأنَّ العذلَ يوقـِفـُـــني --- نامَ العذولُ ، وشوقي زائدٌ نـــام
إن عامَ إنسانُ عيني في مدامِعــــِه -- فقد أُمـِدّ بإحسانٍ وإنـــــعام
يا سائقاً عيسَ أحبابي عسى مـهلا --- وسرْ رويداً فقلبي بين أنعـــــام7*
سلكتُ كل مَقامٍ في محبـــــتكم --- وما تركتُ مَقاماً قطُّ قـَّدامـي
وكنتُ أحسَبُ أني قد وصلتُ إلى --- أعلى ، وأغلى مَقام ، بين أقوامي
حتى بدا لي مَقامٌ لم يكن أرَبي --- ولم يمُرّ بأفــــكاري وأوهامي
إن كان منزلتي في الحبِّ عنــدكمُ --- ما قد رأيتُ فقد ضيَّعتُ أيامــي
أُمنيةٌ ظَفِرتْ روحــــي بها زمناً --- واليوم أحسبها أظغاثَ أحــلام8*
وإن يكن فرطُ وجدي في محبتكمْ --- إثماً فقد كثرتْ في الحب آثامي
ولو علمتُ بأن الحــــب آخره --- هذا الحِمامُ لما خالفتُ لـُوّامي9*
أودعتُ قلبي الى من ليس يحفـَظُهُ --- أبصرتُ خلفي وما طالعت قـُدّامي10*
لقد رماني بــــسهمٍ من لواحِظهِ --- أصمى فؤادي فوا شوقي الى الرّامي11*
آهاً على نظرةٍ منهُ أُسر بها --- فإن أقصى مرامي رؤيـــةُ الرّامي
إن أسعدَ اللهُ روحي في محبتِهِ --- وجِسمَها بين أرواح وأجـــــسام
وشاهدتْ واجتَلَتْ وجهَ الحبيبِ فما --- أسنى وأسعدَ أرزاقي وأقسامي12*
ها قد أظلَّ زمانُ الوصلِ يا أمَلي --- فامنُنْ وثبـِّتْ به قلبي وأقدامي13*
وقد قـَدِمتُ وما قـَدَّمتُ لي عملا --- إلا غرامي وأشواقي وإقـــدامي
دارُ السلامِ اليها قد وصلتُ إذن --- من سُبْلِ أبوابِ إبماني وإسلامي14*
يا رَبنّا أرني أنظرْ اليكَ بِها --- عندَ القدومِ وعامِلــــني بإكرام
ا
وبهذه التطلعات فقد وجد الحافز الابداعي للتطلعات الجديدة للاجيال التي جاءت بعد القبانجي ، وهكذا نرى المطرب عبد الرحمن خضر ايضاً ينحو هذا المنحى ، ولكنه لا يجتهد فيه لأنه يقلـِّد استاذه بصورة تكاد أن تكون متطابقة ..!!

تسجيلات عبد الرحمن خضر
لقد سجل عبد الرحمن خضر كثيراً من المقامات العراقية في الاذاعة والتلفزيون ، التي كان فيها إتكاليا لم يجتهد في إنجاز أي إبداع شخصي جديد يسجل له فيها ..! وبقي يرث ممتلكات أُستاذه القبانجي الابداعية دون أن يحاول عمل شيء جديد .! ورغم كل هذه الممتلكات الادائية الجاهزة ، فقد كان كثيراً ما يؤدي المقامات وهي ناقصة من حيث شكلها المقامي (form) وهو أمر عجيب ..!! ونستطيع أن ندرك ذلك عندما نستمع مثلاً الى مقام الحجاز ديوان في قصيدة عمر إبن الفارض (15)*

أبرقٌ بدا من جانب الغور لامــــــع
أم إرتفعتْ عن وجه ليلى البراقــع
نعمْ أسفرتْ ليلاً ، فصار بوجهِهـــا
نهاراً , به نورُ المحاسنِ ساطــــع16ُ*
ولما تجلـَّتْ للقلوبِ , تزاحمـــــــتْ
على حُسنِها , للعاشقينَ مطامـــِـــع
لِطلْعتِها تعنُو البدورُ ووجهُها
لهُ تسجدُ الاقمارُ وهيَ طوالع17*
تجمَّعَتِ الاهواءُ فيها وحُسنـُها
بديعٌ لأنواعِ المحاسنِ جامع18*
سَكِرتُ بخمر الحبِّ في حانِ حيِّها
وفي خمرهِ , للعاشقينَ , منافـــــع19*
تواضعتُ ذُلاً وانخفاضا لعـِزِّهـــــا
فشرَّفَ قدْري في هواها التواضع
فإن صرتُ مخفوظَ الجنابِ فحبّها
لقدْرِ مقامي في المحبة رافع
وإن قسَمَتْ لي أن أعيش متيـَّماً
فشوقي لها بين المحبـِّينَ شائع
يقولُ نساءُ الحيّ أين ديارُهُ
فقلتُ ديارُ العاشقينَ بلاقع20*
فإن لم يكنْ لي في حِماهنَّ موضعٌ
فلي في حِمى ليلى بليلى مواضع
هوى أُم عمرٍ وجدَّدَ العُمرَ في الهوى
فها أنا فيه بعد أن شبتُ يافع21*
ولما تراضَعـْنا بمهدِ ولائها
سقتـْنا حُميّا الحبّ فيه مواضع
وألقى علينا القـُربُ منها محبةً
فهل أنت يا عصرَ التراضُعِ راجع
وما زِلتُ مذ نيطتْ عليَّ تمائمي
أُبايعُ سلطانَ الهوى وأُتابع22*
لقد عرَفـَتني بالوَلا وعرفـْتُها
ولي ولها في النشأتين مطالع23*
وإنيَ مذْ شاهدتُ فيَّ جَمالَها
بلوعةِ أشواقِ المـــــــــحبةِ والع
وفي حضرةِ المحبوبِ سرِّي وسرّها
معــــــــاً ومعانيها علينا لوامع
وكلُّ مَقامٍ في هواها سلَكْتـُهُ
وما قَطَعتـْني فيه عنها القواطع24*
بـِوادي بَوادي الحبّ أرعى جمالَها
ألا في سبيلِ الحبّ ما أنا صانع25*
صبرتُ على أهوالِهِ صــــبرَ شاكر ٍ
وما أنا في شيئ سوى البُعدِ جازع26*
خليليَّ ، إني قد عصيتُ عواذلـــي
مطيعٌ لأمرِ العامرية ، سامـــــــع
فقولا لها ، إني مقيمٌ على الهـــوى
وإني لسلطانِ المحبة ، طائـــــــع
وقولا لها يا قرةَ العينِ هل الى
لقاكِ سبيلٌ ليس فيه موانع؟
ولي عندَها ذنبٌ برؤيةِ غيرِها
فهل لي الى ليلى المليحةِ شافع
سلا : هل سلا قلبي هواها وهل له
سواها اذا إشتدّتْ عليه الوقائع
فيا آلَ ليلى ضيفُكمْ ونزيلـُكمْ
بحيـِّكُمُ يا أكرمَ العربِ ضارع27*
قـِراهُ جَمالٌ لا جـِمالٌ وإنهُ
برؤية ليلى منية القلب قانع28*
اذا ما بدتْ ليلى فكلـِّيَ أعينٌ
وإن هي ناجتني فكـُلـِّي مسامع
ومِسكُ حديثي في هواها لأهلهِ
يصوغُ وفي سمعِ الخليـِّينَ ضائع29*
تجافتْ جنوبي في الهوى عن مضاجعي
ألا أنْ جفتني في هواها المضاجع
وسِرتُ بركبِ الحسنِ بين مخامِلٍ
وهودَجُ ليلى نورُها منه ساطع30*
وناديتُ لمَّا أن تبدَّى جمالـُها
لعمرُكَ يا جمَّالُ قلبيَ قاطع31*
فسيروا على سيري فإني ضعيفـُكُمْ
وراحلتي بين الرَّواحل ضالع32*
ومـِلْ بي إليها يا دليلُ فإنني
ذليلٌ لها في تيهِ عِشقيَ واقع
لعلي من ليلى افوز بنظرة
لها في فؤاد المستهام مواقع
وألتذُ فيها بالحديث ويشتفي
غليلُ عليلٍ في هواها ينازع
فيا أيها النفسُ التي قد تحجـَّبتْ
بذاتي وفيها بدرُها لي طالع
لئنْ كنتِ ليلى إن قلبيَ عامرٌ
بحبكِ مجنونٌ بوصلـِكِ طامع33*
رأى نُسخةَ الحسنِ البديعِ بذاتهِ
تلوحُ فلا شيئٌ سواها يطالع
فيا قلبُ شاهدْ حسنـَها وجمالـَها
ففيها لأسرارِ الجمالِ ودائع
تنـَقـَّلْ الى حقِّ اليقينِ تنزُّهاً
عن النـَّقلِ والعقلِ الذي هو قاطع
فإحياءُ أهلِ الحب موت نفـُوسِهمْ
وقوتُ قلوبِ العاشقينَ مصارع
وكم بين حذ َّاقِ الجدالِ تنازُعٌ
وما بين عشاقِ الجمال تنازُع
وصاحبْ بموسى العزمِ خِضرَ ولائها
ففيه الى ماء الحياة منافع34*
فأنت بها قبل الفراق منبـِّئٌ
بتأويلِ علْمٍ فيك منه بدائع
لقد بسَطتْ في بحرِ جسمكَ بسطةً
أشارتْ إليها بالوفاءِ أصابع
فيا مُشتهاها أنت مقياسُ قدْسِها
وأنت بها في روضة الحسن يانع35*
فقرِّي به يا نفسُ عيناً فإنه
يحدِّثني والمؤنسون هواجع
فما أنتِ نفسٌ بالعُلا مطمئنـَّةٌ
وسرُّك في أهل الشهادة ذائع36*
لقد قلتَ في مبدا ألستُ بربـِّكمْ
بلا قد شهـِدنا والوَلا مُتتابع
فيا حبـَّذا تلك الشهادةُ إنها
تجادلُ عنِّي سائلي وتدافع
وأنجو بها يومَ الورودِ فإنها
لقائـِلِها حِرْزٌ من النار مانع37*
هي العروةُ الوثـْقى بها فتمسَّكي
وحسبي بها أني الى الله راجع
فيا ربُّ بالخلِّ الحبيبِ نبيـِّنا
رسولـِكَ وهو السيد المتواضع
أنِلـْنا مع الاحبابِ رؤيتـَكَ التي
إليها قـُلُوبُ الاولياءِ تسارع
فبابُكَ مقصودٌ وفضلك زائدٌ
وجودُكَ موجودٌ وعفوُكَ واسع

اخفاقاته في التسجيلات
في هذا المقام الرئيسي ، نرى أن عبد الرحمن خضر يخفق في أدائه للجلسة التي تأتي قبل الميانة الاولى المسماة بـ (الآجغ) حيث يؤديها ناقصة الشكل .! إضافة الى أن قطعة الحسيني التي سبقت الجلسة لم يوفق فيها كل التوفيق عند عودته الى الحجاز ، إذ كان الرجوع مرتبك العلاقة ، وعندما نستمر حتى نهاية المقام نستمع الى التسليم ناقصاً هو الآخر ..!!! وهكذا شأن عبد الرحمن خضر في معظم مقاماته المسجلة بصوته ، وهكذا ايضاً ندرك ، أن عبد الرحمن خضر لا يهتم بدقة أداء الشكل المقامي , فلم يكن مطرباً تقنياً ..! ولكنه من ناحية أُخرى ، يمتلك خامة صوتية غاية في الروعة والجودة من فصيلة (التنور) ولكن هذه الخـــــــــامة الجيدة لم تستغل كما يُفْترض ..!!

تجاهُلُه للنَّقد
في عموم هذه الحالة من عدم الاهتمام الدقيق ، يبدو أن عبد الرحمن خضر لم يكن يتبيـَّن ما يريد على وجه التحديد ..! فهو من ناحية يغني مقامات عديدة ، صغيرة كانت أم كبيرة ، يؤكد فيها طموحاته في أنه يستطيع تأدية عدة مقامات , بل وأصعبها من حيث المساحة الصوتية التي يمتلكها ، إنه جريء حقاً ..! ، ولكنه من الناحية الأُخرى ، لا يعبه بالشكل ولا يعير له إهتماماً ملحوظاً .. ولم يلتفت ايضاً الى النقاد الموسقيين المقاميين ، ولم يصغ لهم ..! وظل يؤدي المقامات على هواه وكما عرفها .. لقد أراد عبد الرحمن خضر أن يصل الى شيء في أدائه يقرِّره هو .!؟ ويأمل ايضاً أن لا ينقده النقاد المتخصصون ، لفائدته أو غير ذلك ، لقد غنى مقامات كثيرة وخدم التراث المقامي بما إستطاع ، ولكن لم يكن بالامكان تحاشي اللاّمبالاة للنقد ..!!

تقليدية عبد الرحمن خضر
إن الامتلاك الاصيل المحرك للتعابير البغدادية في غناء المقام العراقي ، كان وثيق الصلة بدوافع وطموحات كل مؤدّي المقام العراقي التقليديين ، فمن المسلّم به أن تعميمات كهذه أمر طبيعي ، ولما كان من الضروري للأداء المقامي أن يعبِّر عن خصوصيته إنطلاقا من كونه موروثاً حضارياً يعبـِّر عن هوية العراقيين ، فلا ضير من إضافة مسارات لحنية أو إبداعات جديدة أُخرى ، على أن ينطلق من أصالة الأداء المقامي وأن يعبـِّرَ عن هذه المسارات اللحنية بأُسلوب وروح عراقية ، وهذا ليس إلا وجهاً واحداً من أوجه وأساليب الابداع الادائي للمقامات العراقية ، فالابداعات لها أَوجه عديدة متنوعة ، فيجب على الفنان ان ينتزع من هذه الحياة ويستوحي منها الخيال من خلال أَحداثها وتجاربها ، فعالم الفن هو عالم الابداعات الكبيرة ، أما التقليدية الخالية من كل إبداع أو أي إضافة ، فلا مكان لها في حياتنا المعاصرة ..!


صورة / في حدائق بيت المقام العراقي 2/7/2003 مجموعة من مطربي المقام العراقي ، من اليمين
حارث العبيدي وابراهيم العزاوي وحسين الاعظمي وصلاح السراج وعبد الجبار قلعلي

إن عبد الرحمن خضر لم يكتف أن يكون تقليدياً كشأن التقليديين الذين يقلـِّدون الطرق القديمة أو الطرق السائدة ، بل انه قلـَّد فناناً فرداً ومشخصاً هو محمد القبانجي ..! والاكثر من ذلك لم يغرف من طريقته ولم يتعمق فيها ولم يستق ِمن إشعاعاتها ، وربما لم يفهمها ولم يفهم جمالياتها وذلك أرجح الظن ، تلك الطريقة التي إستفاد منها أكثرُ التقليديين ، وهذا الحال يشابه أو يتناظر في زاوية ما مع حال المطرب حمزة السَّعداوي الذي كان مقلـِّداً ببَّغاوياً هو الآخر للمطرب يوسف عمر ..

مقـامـاتـُه
في مقام المدمي (سلَّمه حجاز) يبدو عبد الرحمن خضر بصورة جيدة نسبياً ، حيث يغنيه بهذا الزهيري ..

يا نجمة الصبح ما بين النجــــم ليلــــه
ما مر جفوني الكرى وامساهــــرة ليله
ناديت ليله وجاوبني الصــــدى ليلــــه

سهم التجافي ابدليلي وبضلوعي سمر
طعنات قلبي ما بين بيض وسمــــر
يا قمر لتغيب يحلالي معاك السمـــر

انت وحبيبي وانا , نسهر سوة ليلــــه

ويؤكد لنا عبد الرحمن خضر اللامبالاة في ادائه العادي جداً ، وهو يغني مقام الحليلاوي (سلَّمه يستقر على الرست وتشترك فيه اجناس الحجاز والسيكاه) بهذا الزهيري ..

يازين الاوصاف يا من بالوجن شامــلة
ذول العواذل غفوا وبشملنا شاملــــــة
قصدك تودي الحبيب اليلهوني شاملــة

من يوم فركاك ابدا ما بطل ونــــــي
حتى لبحمان اطربن من نغمتي ونـــي
يا حادي العيس يا غادي الجدم ونـــي

بلجي الينوح يسمع شملنا وشاملــــــة

ومن الغريب ان نستمع الى مقام الجحاز كاركرد (38*) الذي يبدو فيه عبد الرحمن خضر لا يدرك معنىً للشكل المقامي ، ولا وجود لأي نظام في توزيع المواد الاولية المكونة لشكل هذا المقام ، وبدون أي محاولة للتخلُّص من التقليد المُشوَّه لأُستاذه محمد القبانجي ، لكنه لم يوفق حتى في هذا التقليد وهو يكشف لنا من جديد عن فكر غنائي موسيقي بائس ..

مكتوب عن صحتك يا هاجري وَدِّ لـــــي
اعرف بقلبك بعد شوق وبعد وِدِّ لـــــــي
بعيوني طول العمر دارين الك ودِّ لـــــي

لكن اشبيدي انا وانت ابعدت عنـــــي
لا تسل قلبك عتب لاحن الك عنـــــي
لو عزف ناي الهوى دمعي يصب عنــي

حتى السعى ابفركتك لحظة وصل ودِّ لي

ثم نلاحظ تحسن اداء عبد الرحمن خضر في غنائه لمقام المثنوي (سلَّمه حجاز) حيث يؤديه بهذه الابيات الشعرية ..

يا ديارَ الشوقِ باللهِ اجيبــــــــي
اين غاب اليومَ عن عيني حبيبـــــي
اين راحت ضَحِكاتٌ حـــــــلوةٌ
قد غمرناها بعطــــــــــرٍ وطيب
وزرعناها هُياماً وهــــــــوىً
وسقيناها متدن القطــــرِ الرطيب
هو آمالي واحــــــــــلامُ الصِبا
وهو دائي وهو يا صاح طبيبـــي
كيف ارضى ان اقاسي هجــــرَهُ
ويكونَ الوجدُ في الدنيا نصيبـــي
بلغيه انتِ يا ريحَ الصَبــــــــا
شوقَ قلبي يتلظى باللهيــــــب
واساليه الوصلَ وقولــــــــي له
اين ميعادُكَ يا اغـــــلى حبيب

ويستمرعبد الرحمن خضر البياتي في تحسن ادائه في مقام الحديدي (سلَّمه صبا) الذي يغني فيه هذا الزهيري ..

يلي بخصال الوفى وبمحاسنك يمنـــــة
قربك رياض الهنا خف الجدم امــــــنة
بحبك وحكي ِالعذل لا تعتقد همنــــــــة

مخلص لعهد الهوى لا تفتكر ناسلــــــه
يامن بمي الورد تاج الشعر ناسلــــــه
مفقود ----------------------

كل ضحكة منه بسنة تجرب لها منــــة


صورة جامعة لبعض مطربي المقام العراقي والجالغي البغدادي ، في اليمين عبد الرحمن خضر وحمزة السعداوي وعبد الرزاق الشبلي والممثل علي حسين الناصر والحاج هاشم الرجب وشعوبي ابراهيم والناقد الموسيقي عبد الوهاب بلال وجميل حجازي الاعظمي وحمودي الوردي ..
وفي مقام البهيرزاوي (سلَّمه بيات) نرى أن عبد الرحمن خضر في أحسن حالاته وهو يغني هذا الزهيري ..

إصروح الوفا يا حلو قلبي الك شادهــــــــة
تمنع وصالك وانا احبال الوصل شادهـــــة
يلي بجفاك الفكر صبح ومسى شادهــــــــة

متكلي ياهو الذي بيني وبينك حـــــال
روحي بغيابك صفت يا حليو بس لاحـال
قلبي الكرهته يون سويلة صورة حــال

ذبلت ارياض الصبا وعكبك سكت شادهة

وفي مقام المخالف يتردى غنائه لهذا المقام حيث يغنيه بهذا الزهيري ..

يا ولفي شبه الغصن قلبي الــــوفي ما سله
وجدمي لغيرك أبد يا منيـــــــتي ما سله
يصبح بوجهك جنت يا سلــــــوتي ما سله

ليش اهجرتني وقلبك للعـــــــواذل هوه
والجسم مني نحل اوتداعــــــــى وهوه
ألهج بذكرك أنا كلما ينـــــــــسم هوه

تنسى ودادي عجب ليش لسة القلب ما سله
حمزة السَّعْـداوي
(1928- 1995)م

- نشأتُه الاولى
- مقهى المتحف البغدادي
- تقليدية السَّعداوي
- مقاماتُه


الصورة في بهو معهد الدراسات النغمية العراقي اثناء احدى زيارات الفنانين الى المعهد عام 1975 يظهر فيها ، الجالسون من اليمين الطالبةعائدة الخطيب والحاج هاشم الرجب وعبد الرحمن خضر ومحمد عبد الجبار ومحمد زكي , الواقفون باسل كامل وفاضل خيوكة وميسان عارف ومختار وحميد وهيثم شعوبي ونبيل وحمزة السعداوي بالنظارات ود. صباح عبد النور وجمال توفيق و.......... وحسين الاعظمي في اقصى يسار الصورة

نشأتُه الأُولى
ولد المطرب المقامي حمزة السعداوي في كربلاء من محافظات وسط العراق عام 1928 وقد أنهى دراسته الابتدائية فيها ، ومنذ نعومة أظفاره كان محباً للغناء والموسيقى التراثية وخاصة غناء المقام العراقي .. وفي شبابه إنتقل ليقيم في العاصمة بغداد التي أتاحت له فرصاً طيبة للتعرف والاتصال بأصحاب الشأن المقامي ، امثال المطرب الخبير مجيد رشيد الذي علـَّمه عدة مقامات ، وكذلك المطرب السيد جميل الاعظمي والمطرب يونس يوسف والمطرب حسن خيوكة والمطرب احمد موسى وآخرين .. ولكنه في هذه الفترة من بدايات مسيرته الفنية كان قد تأثر تأثراً كبيراً بالمطرب الكبير يوسف عمر الذي سيطر على كل ذوقه وجمالياته , وأصبح حمزة السعداوي بالتالي مقلداً ليوسف عمر بصورة تكاد أن تكـــــون متطابقة ..!! وفي عام 1956 إفتتح السعداوي مقهىً شعبياً أسماها (مقهى الجزائر) *39 في جانب الكرخ من بغداد والتي أصبحت ملتقى لعشاق المقام العراقي ، وفيها إلتقى بالخبير المقامي الكبير الحاج هاشم محمد الرجب الذي إستمع الى صوته ورأى فيه خيرأً فأعطاه الكثير من الملاحظات والارشادات الفنية ، وبعد حين تحدث السعداوي الى الرجب راجياً منه المثول أمام اللجنة المقامية في الاذاعة للاختبار ، التي كان الرجب أحد أعضائها والارجح أنه كان رئيسها ، وبعد مثول حمزة السعداوي أمامها نجح في الاختبار وتمت الموافقة على تسجيله أول مقام عراقي له وكان مقام الاوشار مع اغنية (بالحاجب ادعي بخير) تلاها بعد ذلك غناء شكل – الشعر مع الأُبوذية – ثم استمر الأمر في تسجيل المقامات لحين وفاته عام 1995 ..

صورة / كاتب المحاور يتوسط زملائه المقاميين في حدائق بيت المقام العراقي يوم 2/7/2003
من اليمين محمد المرسومي وحسين سعد وحسن جباري ومجدي حسين

أُغنية – بالحاجب –

بالحاجب ادعي بخــــــــير يا ربـــــي تمم
بالوجنه اجلـــــــــي الليل بالعــــين اسـلم
حلو حلو وبوجنـــــته شامه
عليك الليــــــــل ما نامه
ترف بيك الخلــــــك هامه
عليك الــــــــليل ما نامه

*****************
خلي اليقـــــــــول يقول قلبــــــي يحبه
شعليهه بــــــــينا الناس كلمن بـــــدربه
حلو حلو وبوجنـــــته شامه

*****************
دكم ســـــــــترتك زين لا عــــــاد اشتم
بالســـــــوق الك عدوان كم دوب اعــــلم
حلو حلو وبوجـــــنته شامه
******************

صورة / مقهى المتحف البغدادي يظهر في يمين الصورة بعض المطربين الشباب خالد القيسي وصلاح السراج وعبد الله المشهداني والمخضرم محمد العاشق ونجم عبود وحمزة السعداوي صاحب المقهى وبجانبه حسين الأَعظمي – المؤلف –الذي صادف اول صعوده على المسرح هذا اليوم 23/3/1973 وهو يغني مقام المخالف وبجانبه عازف القانون عبد الاحد جرجيس وباقي الموسيقيين ..

مقهى المُتحف البغـدادي
وبعد مرور أكثر من خمسة عشر عاماً ، أي في مطلع السبعينات ، إفتَتَحَ حمزة السعداوي مقهىً جديداً في بناية المتحف البغدادي الكائن عند رأس جسر الشهداء من جانب الرصافة ببغداد ، ولكن هذه المرَّة جعلها مقهىً خاصاً لغناء المقام العراقي إذ أقام فيها بصورة منتظمة ومستمرة حفلات أُسبوعية لغناء المقامات وذلك مساء الجمعة من كل أُسبوع ، حيث غنى فيها الكثير من مُغنّي المقام العراقي من المعاصرين لهذه الفترة ، منهم عبد القادر النجار و عبد الرحمن العزاوي و محمد العاشق و حسن البناء وشباب آخرين ممن أُتيحت لهم فرص الغناء ، فضلاً عن مشاركة صاحب المقهى حمزة السعداوي بإِستمرار ، وشارك في مرَّات قليلة المطرب الكبير يوسف عمر .. وقد شهد مسرح المتحف البغدادي هذا في مقهاه المقامية ضمن إحدى حفلاته الأُسبوعية بدايتي وصعودي عليه لأول مرَّة حيث غنَّيتُ (مقام المخالف) في ذلك اليوم الذي صادف يوم الجمعة 23 / 3 / 1973 بتشجيع من المطرب حمزة السعداوي .. (*40)



صورة / حسين الأعظمي – كاتب المحاور – وهو يغني مقام الحكيمي في مقهى المتحف
البغدادي وبجانبه المطرب حمزة السعداوي يوم 30/3/1973


تقليديَّة السَّعداوي
لقد كان حمزة السعداوي بكل ما تلقــَّاه من تعليم مقامي وعلى يد أكثر من أُستاذ كما مرَّ بنا ، تقليدياً صرفاً ..!! ولم يستطع أن يصهر كل هذه المعلومات والتأثيرات المقامية وتنوع أساليب أساتذته الادائية في أُسلوب خاص به يمكن أن يتميَّز به عن معاصريه ..! اذ يبدو لنا بصورة واضحة وأكيدة ، انه إستسلم جمالياً في التلذذ التام بسماع وتذوق المقامات التي أداها الفنان الكبير يوسف عمر بأُسلوبه المعروف الذي سيطر به على كيان حمزة السعداوي في نواح فنية عديدة ، ورغم كل ذلك كان السعداوي أكثر وعياً من معاصره المطرب عبد الرحمن خضر في تقليد أُستاذه محمد القبانجي .. فقد كان حمزة السعداوي كثيرَ الإِهتمام بالشكل المقامي والأُصول التقليدية لمسارات اللحن المقامي متفهماً ومدركاً لأهمية وقيمة هذه الأُصول في الأُداء المقامي ، وله قدرة جيدة في الحديث عن المقام العراقي وأُصوله الأَدائية بصورة جيدة تدلُّ على وعي بتفاصيل المسألة ، يصلح أن يكون معلـِّماً بجدارة ..! ولكن رغم الطبقات الادائية المختلفة في صوته وسعته كمساحة من فصيلة (التنور) ، إلا أنه لم يمتاز بجمال هذا الصوت ..! إذ يشعر السامع لمقاماته المسجلة وكأن الصوت يأتي من بعيد ، أو أن صوتَه عند الأَداء يبدو وكأنَّه مضغوط ٌعليه ..!!


صورة / حمزة السعداوي

لقد كان المطرب حمزة السعداوي من حيث شخصيته المقبولة في المجتمع المقامي ، في وضع يساعده على التواجد دائماً في الاوساط المقامية ، والافادة من كل هذه الخبرات التي جعلته مستمراً في عطائه كمطرب للمقام العراقي ، ذلك أن بداية حياته الفنية كانت مشجعة كما يبدو لنا ، بافتتاحه المقهى ولقائه بالحاج هاشم الرجب وغيره من المؤدين والمتخصصين في شؤون المقام العراقي ، ومن خلال هذه الاجواء تشبَّع بجماليات المقامات بحيث جعلت منه مطرباً مقامياً معروفاً في ولاء تام وحب مخلص له .. وقد لاقى إستجابة لابأْس بها من قبل الجمهور ، خاصة بعد أن لاقت مقاماته الاولى التي سجلها في دار الإِذاعة العراقية صدىً جيداً ..


صورة / حسين الأَعظمي – كاتب المحاور– يغني مقام الكرد في تخرج الـــــدورة الاولى
لمعهد الدراسات النغمية العراقي يوم 13/6/1977 في قاعة الشعب ببغداد ..

مقــامــاتــُـه
وإِليك عزيزي القاريء بعضُ القصائد والزهيريات والأُبوذيات التي أدّاها المطرب حمزة السعداوي .. ففي مقام الدشت غنّى هذه الأَبْيات العروبية ..

وطن العروبة موطني وبـــــلادي
لا فرق بين حواضر وبـــــــوادي
قوْمي اذا فاخرتهم بجدودهـــــــم
ذكروا الحما ومفاخر الاجــــــداد
وصحيفة خُطَّتْ بسيل دمائهـــــم
للمجد مشرقة بيوم جهـــــــــــاد
في كل منعطف سجل حافـــــــــل
بالتضحيات وصولة الآســــــــــاد

ومن سلَّم مقام اللامي غنى هذه الابوذية ..

زمان الخير إنا عاد يــــــــــاصاح
بعد ذاك الظلم هيهات ياصــــــــــاح
طير السعد عالاغصان ياصـــــــــاح
بنعمته وبشر بخير البريــــــــــة

*************
محمد منزلة بالكرم منــــــــزال
على صدره كتاب الله منــــــــزال
قلب اليوده دوم مـنــــــــــزال
الالم منه ولا تجيسه الاذيــــــــة


صورة / المطرب حمزة السعداوي وبجانبه المطرب عبد الرحمن خضر


وفي مقام الأَورفة غنّى هذه الأَبيات

نور من الله في العلياء يبتســــــــم
ووجه طه قد انجابت به الظلــــم
ملائك الارك في رحب السما هتفت
هذا البشير وهذا الطاهر العلـــــم
يا اشرف الخلق يا نور الاله ومــن
تعتز في ذكره الاجيال والامــــــم
انت الملاذ اذا مكروهة نـــــــــزلت
وانت منقذنا ان مسَّنا ألـــــــــم

وهذا الزهيري من نظم الفنان شعوبي إِبراهيم غناه السعداوي في مقـــــــام المدمي ..
ريم الخطفني برمشاته سهم ماضـــــــــي
لحشاي طرها وخلاني بسقم ماضـــــــــي
مثله ابد منوجد بالحاضر وماضـــــــــــي

العيون وسعة وشفت فوق الوجن شاملة
ويفوح طيب ومسج لمن يمر شاملـــــــة
اهيف عزيز النفس كل الحسن شاملــــــة

كامل الاوصاف بعيونه السحر ماضـــــي

وأخيراً هذا مقام الراشدي بهذا الزهيري ..

يا موطن العرب قلبي هلهتف باسمـــــاك
راية ترفرف الك بعز زنصر باسمـــــــاك
دجلة وفرات ابتسم او شاركت باسمـــاك

حبك بقلبي ثبت ملكيت غير وجـــــــــد
غنيت من فرحتي بيك بمسرة وجـــــــــد
اهل الشجاعة العرب معلوم ابا وجـــــــد

تاريخ يشهد لها وبنيانها باسمـــــــاك
*************


الهوامش
1* مرَّ ذكرها وشرحها في هوامش الفصل الاول من الباب الاول ..
2* التعريق : مسارات لحنية غير عراقية تـُجـَرَّد من تعبيرها الاصلية واعطائها تعابير عراقية ..
3* اثبتت هذه القصيدة في ديوان ابن الفارض وليس له فيها إلا ستة أبيات أولها ،
إن كان منزلتي في الحب عــندكمُ ما قد رأيت ، فقد ضــــيعت أيامي
وآخرها البيت السادس ..
لقد رماني بسهم من لواحظــه أصمى فؤادي فوا شوقي الى الرامي
وما بقي منها فهو لسبطه ، أي إبن بنته الشيخ علي ، أضافه الى أبيات جده ..
4* أعلامي : الاولى واحدها علم ، راية : والثانية واحدها علم أي سيد القوم
5* التجريد والاحرام : من شعائر الحج
6* ألزامي : أي ملازمي
7* الانعام : العيس ، الابل ، المواشي
8* أضغاث أحلام : أي أحلام مختلطة ماتبسة لا يصح تأويلها لأختلاطها
9* الحمام : الموت ، اللوام : واحدها لائم
10* طالعت : نظرت
11* أصمى : أصاب مقتلا
12* أقسامي : أي ما قسم له من الحظوظ
13* أظل : دنا
14* دار السلام : أي الجنة
15* اثبتت هذه القصيدة في ديوان ابن الفارض وليس له فيها الا مطلعها ، اما ما بقي منها ذيل لهذا المقطع ، نظمه الشيخ علي سبط الشاعر ، لان القصيدة الاصلية كانت مفقودة ولم يجدها الا بعد نظمه هذا الذيل (ديوان ابن الفارض ص209)
16* أسفرت : كشفت عن وجهها
17* تعنو : تخضع
18* الاهواء : الواحد هوى ، الحب
19* الحان : حانوت الخمار ، الحانة
20* بلاقع : الواحد بلقع ، القفر
21* اليافع : الذي ترعرع وناهز البلوغ
22* نيطت : علقت ، تمائمي ، الواحدة تميمة ، خرزة تتقي بها العين ، أبايع السلطان ، أعاهده وأعاقده على الطاعة لأحكامه
23* النشأتان : أي نشأة الدنيا ونشأة الآخرة
24* قطعتني : منعتني ، القواطع : الموانع
25* بوادي الاولى : في وادي ، بوادي الثانية : ظواهر ، أو جمع بادية : القفر
26* جازع : غير صابر
27* ضارع : ذليل
28* قراه : ضيافته
29* يضوع : تفوح رائحته ، الخليون ، الواحد خلي : الخالي من الحب ، ضائع : مفقود
30* مخامل ، مفردها مخمل : النسيج المعروف الذي له خمل وهو ما يكون كالزغب على وجهه
31* قاطع : مقطوع ، استعمل فاعل للمفعول مجازا عقليا
32* ضالع : معوجة
33* عامر : مأهول ، وعامر : قبيلة تنتمي اليها ليلى العامرية حبيبة قيس بن الملوح العامري الملقب بمجنون ليلى
34* موسى العزم : أي عزم كعزم موسى النبي ، خضر ولائها : أي ولاء كولاء الخضر ، والخضر : هو عند المسيحيين القديس جرجيس ، ويكتبه المسلمون بأبي عباس النبي
35* المشتهى : مكان بمصر ، يانع : مخصب
36* أهل الشهادة : المسلمون
37* يوم الورود : يوم الدين
38* مقام الحجاز كار كرد : هذه التسمية لهذا السلَّـم هي تسمية تركية ، وهو نفسه الذي نسميه في الوطن العربي بمقام الكرد ، والاختلاف هنا بالتسمية فقط ، ولكون الاتراك يستهلون هذا السلم بالحجاز ، فقد اطلقوا عليه سلـَّم مقام الحجاز كار كرد ، ومفردة الكار هنا هي ليست الكار الفرنسية التي تعني – الربع – بل انها في اللغة التركية تعني – عمل – وعليه فهم يعنون بالحجاز كار كرد أي – عمل الحجاز بالكرد - وهكذا فإن التسمية هذه بالنسبة إليهم صحيحة ، ومن جانب آخر ، فإن العرب لا يستهلون سلـَّم مقام الكرد بالحجاز ، ولهذا السبب فإن الإكتفاء بتسميته بسلـَّم مقام الكرد صحيحة هي ايضا ..
39* مقهى الجزائر : إنطلاقا من أن العراق من أكبر القلاع القومية العربية على مدى تاريخه الوطني والسياسي ، فقد انتشرت الكثير من المسميات باسم الجزائر للامكنة الشعبية والرسمية في عقدي الخمسينات والستينات عشية ثورة استقلال الجزائر الحرة ، فقد كان الدعم في كل شيئ ماديا ومعنويا للجزائر ، ليس في العراق لوحده فحسب ، وانما في كل الوطن العربي الكبير ..
40* في مطلع عام 1973 نبـَّهني احد ابناء محلتي ومن اصدقائنا فيها ، هو فاروق قاسم الاعظمي ، الذي كان يحترف قراءة الشعائر الدينية ، ثم اصبح مطربا للمقام العراقي بعدئذ ، الى وجود مقهى المتحف البغدادي التي تؤدى فيها حفلات المقام العراقي كل اسبوع بإدارة مطرب المقام العراقي حمزة السعداوي ، وقد شجـَّعني وألح عليَّ بالذهاب الى هناك في محاولة لتجربة حظنا في الظهور على مسرح المقهى وغناء احد المقامات العراقية ، فذهبنا يوم الثلاثاء 20/ 3/1973 .. مكثنا في المقهى بعض الوقت ننتظر السعداوي ولكن دون جدوى .. وفي محاولة اخرى من فاروق الاعظمي ، ألح عليَّ لأعادة الكرة ثانية علــَّنا نلتقي بالسعداوي ، فذهبنا يوم الخميس 22/3/1973 .. والتقينا بالسعداوي لاول مرة ، وقد قدمني اليه بعض الحاضرين ، فأسمعته بعض المقامات ، وكان من ضمنها مقام المخالف ، فأبدى إعجابه الشديد بمعرفتي وادائي وقال لي غداً تأتي وتغني مقام المخالف ، وهكذا صعدت على المسرح لاول مرة في حياتي يوم الجمعة 23/3/1973 .. ومن هذا التاريخ تقرر مصير حياتي ..!


ملاحظة / كل الاغاني ونوطاتها التي وردت في هذا المحور موجودة في كتابي الموسوم (المقام العراقي باصوات النساء) الصادر في كانون الثاني January 2005 في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر .. وكتابي (الطريقة القبانجية في المقام العراقي واتباعها) الصادر في بيروت عن نفس المؤسسة مطلع عام 2009