" لِتعد رائحة الخبز في الصبح "
احن إلى خبز أمي

كلمات رددها درويش قبل سنوات مضت ،، ولكنها عادت لتكون حاضرة بيننا اليوم،
حقا إنني اليوم صرت أحن إلى خبز أمي، وقهوة أمي، وأي شيء أستطيع أن المسه لمسته أمي ، نعم صرت احن اليوم إلى تلك الأيام البالية من سنوات عمري التي مضت ، عمر الطفولة الشقية ــ ليس لآني اشتقت لطفولتي ..لا ، بل لأني اشتقت للايام التي عشتها في عهد طفولتي ، تلك الأيام التي كنت ولا زلت اعتبرها عصر التطور الانساني الحضاري .. نعم هي ..... كذلك..
قد يقول قارئي كيف يحل الماضي بدلا من الحاضر ، ليصبح عصر التطور ..
كلمات قليلة أقولها لأثبت ذلك ..
إن من ينظر للماضي يرى فيه عزا وشرفا ، محبة وإخاء ، عملا وعطاء ..هذه الكلمات التي كانت تمثل الماضي ـ لا نجد منها اليوم ما يمثل الحاضر ..
نظرة سريعة للماضي،، لا أرى سوى السعادة .. والراحة .. والأمان ..
رغم شقاوة تلك الأيام ، إلا أنني أحن إليها ،، أحن لأيام الماضي بالرغم من قساوتها وضنك الحياة فيها إلا أنها أجمل ..احن للماضي بالرغم من الشقاء لكن شقاء الماضي أحلى وأجمل ..
أحن للماضي بصدقه بأمانته بوفائه بتسامحه أحن للماضي بحسن السلوك، فإن ما أكل رجلٌ في بيت آخر فانه يأمنه ... لانه إذ أصبح بينهم، كما يقول المثل: عيش فلا يمكن أن يخون البيت الذي أكل فيه
أحن للماضي لتقارب الناس مع بعضهم هذا يسأل عن جاره وذاك يسأل عن أخيه، هذا يزور جاره وهذا يسأل عن فلان أين هو؟ ولماذا هو غائب؟ ..أحن للماضي حيث كنا نأكل من صحن واحد بالرغم من ضنك الحياة ...
أحن للماضي للكرم والجود وحسن الترحيب بالآخرين وملاقاتهم بوجه بشوش .. أحن للماضي بكل تفاصيله ...
أين نحن الآن من الماضي ؟!
كم تمر أيام وشهور لا أحد يسال عن أخيه ،
أين نحن من الماضي إذن ؟! أصبحنا لا نعرف الجار الملاصق فكيف بالجار البعيد ..
من منا اليوم يتقاسم لقمة العيش مع جاره، بل مع أخيه؟!
أحن للماضي لأنه أجمل وأحلى ،، هي الحقيقة ولكن الأغلبية يجهلونها أو يتجاهلونها !
اليوم لا يساوي مثقال ذرة من البارحة ،، وغدا لا يساوي مثقال ذرة من اليوم ،، هنالك سر ،، الكل يجهله .. أو يخفيه !!
هي فقط القادرة على كسر هذا الواقع ،، حالة من التمرد الإنساني من أجل الحصول على الإنسانية، هي الحل الأمثل.. والكل قادر على يفعلها .
يجب علينا أن نجد المعادلة التي تستطيع الربط بين الثنائي "الحداثة والتراث" ،،
إذ أنه لا يمكن أن نترك كلا منهما يهوي في وادي العولمة ،، فلا أحد يستطيع أن ينقذهما .
إن الاختلاف بيننا وبين الأولين أنهم وظفوا أشياءهم بنظرتهم، و غَرّبنا نحن و استشرقنا في أشيائنا المعادة إلينا من هنا وهناك معلبة بغير ثقافتنا ، لقد وظّفت ‎- محليتنا ‎- من طرف غيرنا فأنتجت للإنسانية روائع كثيرة، بينما تـُهنا نحن في ارض الحضارات، والتي هي الأصل والمرجع .
إن حنيننا للماضي ينبع من عدم تمكننا من حاضرنا و لأن صفحات الماضي المشرقة أنصع من أن يغطيها سحاب الحاضر، فأضحى الماضي قمة و الحاضر سحيقا يهوي بنا إلى ما لا نعلمه ..
وبالرغم من أنه لم تعد للخبز رائحة في الصبح .. ولا للحياة كلها أية رائحة ..لكن يبقى هناك حنين للماضي مع بقاء الذاكرة الإنسانية الحية ، ذاكرة تشتاق للرجوع للوراء لتشتم رائحة الماضي الرائعة بصدقها ، والتي تمثل القوة الخارقة لأصحابها في كثير من الأحيان .
احمد جودي القصراوي
22/8/2009