أحد عشر شاعرا
________________________________________


أحد عشر شاعرا

(دراسة عن شعر العامية المعاصر في دمياط )

د . إبراهيم محمد منصور
أستاذ مساعد الأدب الحديث والنقد
كلية الآداب – جامعة طنطا


" يا شعرا .. يا شعرا
فكوا إيدين الحروف
خلوا كلامكم يقلع " الجرفته "
جوه الحواري يطوف "

سمير الفيل

" الدنيا سحابة
لا هي عايزة تمطر تروي الحلم
الناشف في ملامحي
و لا راضية تبين لحظة شمس "

شاكر المغربي


مدخل :

يمثل شعر العامية في الوقت الحاضر ، ملمحا مهما من ملامح الإبداع الأدبي في مصر ، و الدراسة الحالية تعنى بشعر العامية في إقليم واحد من أقاليم مصر( مع التحفظ على مصطلح أدباء الأقاليم ) هو محافظة دمياط ، ولقد نشرت الهيئة العامة لقصور الثقافة كتابا بعنوان:سامر الأشجان ( القاهرة 1996م ) تضمن مختارات لاثني عشر شاعرا وشاعرة واحدة من شعراء العامية في دمياط . و المؤكد – على أية حال – أن هؤلاء الشعراء الأحد عشر- الذين تتناولهم هذه الدراسة - يمثلون شعر العامية في ذلك الإقليم تمثيلا صادقا ، أعني مزايا هذا الشعر و عيوبه ، و قد نشرت هذه الدواوين على مدى 7 سنوات ( من 1998إلى 2004م ) و صدرت عن ثلاث جهات حكومية هي :
المجلس الأعلى للثقافة
الهيئة العامة لقصور الثقافة
إقليم شرق الدلتا الثقافي ( النشر الإقليمي )
و يمثل هؤلاء الشعراء ثلاثة أجيال من الشعراء و هم :
أولا : جيل الرواد ( محمد العتر و محروس الصياد )
ثانيا الجيل الأوسط ( سمير الفيل و محمد الزكي و أحمد الشربيني )
ثالثا الجيل الأجد ( أحمد راضي و أيمن عباس هاشم والسيد عامر و شاكر المغربي وأبو الخير بدر و ضاحي عبد السلام )
و الدراسة الحالية تعنى بأهم ملامح هذا الشعر ، من حيث : المستوى اللغوي ، و الصورة الشعرية ، و التوظيف الفني للمؤثرات و النصوص ( التناص ) و لاسيما توظيف المأثور الشعبي .

1 – 1
يمتد تاريخ " شعر العامية " في مصر إلى مئات السنين ، منذ ابن عروس ، و الشيخ الشربيني ( صاحب هز القحوف ) في العصر العثماني ، وصولا إلى عبد الله النديم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ثم بديع خيري و يونس القاضي في الثلث الأول من القرن العشرين . ثم كان عصر الأربعة الفحول : بيرم التونسي ( 1893 – 1961م ) و فؤاد حداد ( 1927 – 1982م ) و صلاح جاهين ( 1930 – 1986م ) وعبد الرحمن الأبنودي . وعاصرهم كل من : فؤاد قاعود و سيد حجاب ، وأما أحمد فؤاد نجم - صاحب الموهبة المتفردة و الموقف السياسي العنيد - فقد أصبح نسيج وحده طوال عقد السبعينيات .
و لقد اتخذ الشعر الشعبي العامي السيرة الشعرية قالبا ، أبدع فيه شعراء الشعب المجهولون الملحمة الشعبية ( السيرة الهلالية ) و أما الشعراء المذكورون فقد أبدعوا في قوالب أخرى منها : الحكمة و المثل الشعبي ، و الموال ، و الأغنية ، و القصيدة ، و الرباعية .... إلــخ

1 – 2

و لقد كان منطقيا - في عرف التاريخ الأدبي - أن يظهر جيل جديد من الشعراء يحتذون حذو هؤلاء حتى استقر تراث سمي بـ " الشعر المصري " و الذي " تطور في العامية المصرية إلى أعلى ذروة ممكنة سواء في تجاربه الشكلية ، أو افتتاحه لمناطق جديدة في النفس البشرية و الواقع المعاش و الحياة بشكل عام "(1) .
و لم يكن النشر و لا المتابعة النقدية مما عول عليه الشعراء لخدمة شعرهم و إذاعته في الناس وتقييمه ، لكنهم وصلوا إلى مستمعيهم بطريق رئيسي هو الأغنية ، وطريق آخر فرعي هو الإلقاء . و أما الجيل الحاضر من الشعراء فقد وقع في المفارقة التالية : اعترفت الأوساط الرسمية و الأكاديمية بشعر العامية (2) ، و أخذت دور النشر الرسمية و الخاصة تنشر نصوصه على نطاق واسع ، لكن بقيت " المسألة اللغوية " قائمة تحول دون اتساع دائرة النقد لهذا الشعر، و تعوق الشعراء الجدد عن الإجادة و الاستمرار كما تعوقهم عن التجويد و اجتناب الأخطاء اللغوية .
والمسألة اللغوية التي أعنيها هنا هي المسألة المعروفة باسم " الفصحى والعامية " فلقد حالت هذه المسألة دون دراسة العامية باعتبارها " مستوى " لغويا جديرا بالدرس والتحليل . و كانت المحاذير القومية - التي لفت إليها عبد الله النديم نفسه منذ أيام ويلكوكس(3) Welckoks قد حالت دون هذا الدرس ، و اليوم " فإن المحاذير القومية الخاصة بدرجة الانتشار و صعوبة التوصيل لم تعد قائمة ، بعد أن أصبحت العامية المصرية ( لغة الفن العربي ) " (4) .
إننا لا نسمع شكوى شعراء العامية من الطبقة الثانية والثالثة ، لكننا سمعنا شكوى أكبر شاعر عامية بين الأحياء ، فقد قال عبد الرحمن الأبنودي " صمت شعر العامية ، و رحل شعراؤه أحياء و أمواتا ، فعلى ما يبدو أن هذا النوع من الشعر معلق بمصائر الكون و مفارقاته ، و تربطه بتلك المصائر أواصر . " (5) و أنا لا أتفهم هذه الشكوى إلا على وجه واحد هو مسؤولية النقد الأدبي و التحليل اللغوي الذي يضع هذا الشعر في مكانه من الإبداع الأدبي المعاصر . و يكفي أن نشير إلى أعمال الشاعر الفحل فؤاد حداد التي تبلغ آلاف الصفحات و لم يكتب عنها شيء من النقد الأدبي يعد حتى بعشرات الصفحات ، حتى كتب الشاعر فاروق شوشة يقول " فؤاد حداد لم تكتشف حقيقة عبقريته الشعرية حتى اليوم " (6)
و هذه حقيقة مؤكدة ، وهي مؤلمة كذلك .

1 – 3

إذا شرعنا في مقاربة المسألة اللغوية - و كانت هذه الأعمال الشعرية أمام أعيننا - فإن أول ما يستوقفنا مسألة لغوية هي"المستوى اللغوي" و هو مصطلح مرتبط بمصطلح آخر هو " العرف
اللغوي " أما العرف اللغوي فيعرف بأنه " نظام اللغة : أصواتا و صيغا و مفردات وتراكيب ، حسب أصول استعمالية خاصة بالمستوى الاجتماعي الذي يتداولها فيه أفراده ، إذ يجيدها هؤلاء الأفراد بالمشاركة و المران "(7) فالعرف اللغوي يراعي الصواب اللغوي مقرونا بالبيئة الاجتماعية و الزمن ، و من مظاهر هذا العرف اللغوي ظاهرة لغوية تسمى الاقتران اللفظي col******** ، و من مظاهره التكرار المشترك للألفاظ co-occurrence و معناه : " المصاحبة الاعتيادية لكلمة ما في اللغة بكلمات أخرى معينة " مثل :
طويل = رجل
شاهق = جبل
و قد يتواتر هذا الاقتران في الاستعمال حتى تصبح هذه الصورة هي الصواب ، مثل قولنا :
طاف حول الكعبة
و سعى بين الصفا و المروة (8)
فإذا قلنا : سعى حول الكعبة أو طاف حول الصفا و المروة كان خطأ في العرف اللغوي .
و الشعراء المتمرسون يراعون هذا الاقتران اللفظي ، يقول أحمد الشربيني :

ولا تقدر تفرد صلبك
و لا طايل كلمة .. تبل الريق
تتحجر دمعة عينك ..
وقت العوزة ، (9)

فقوله " تفرد صلبك " و" تبل الريق " و " وقت العوزة " من المصاحبة اللغوية المعتادة في العامية ووظفها الشاعر ببراعة .
وكذلك يصنع سمير الفيل إذ يقول :

أصحى و ابات
التقي الكون بلا بوابات
و حتى كل الصور
مرمية في الطرقات
أنا دمي مية
و لا لسه دمي حامي
وريني كشف الأسامي (10)

فقد استخدم الاقتران اللفظي ( = المصاحبة اللغوية ) في " أبات و اصحى " و " دمي حامي " ووظفه في سياق مناسب .
و أما أيمن عباس هاشم فإنه ينجح في استعمال كثير من المصاحبات اللغوية و قد يخفق في بعضها أيضا ، يقول في قصيدة " العصافير الجريحة " :

ما بتطرش العصافير الجريحة
و لا بيفرح القلب السجين
و لا بنت البنوت البريئة
........................
و البدر مخنوق في السما
و الهجر مكتوب على الجبين
ما بتطرش العصافير الجريحة
لما دمانا ، ما بتلحقش تنشف
من صهد اللهيب
و لما الأرض الشراقي بتعطش (11)

فهنا ثلاث مصاحبات لغوية موافقة للعرف اللغوي هي : بنت البنوت ، ومكتوب على الجبين ، و الأرض الشراقي . و أما قوله " موت حزين " و " العصافير الجريحة " فلم تكن على المستوى نفسه .
أما الشاعر السيد عامر فقد كان انحرافه عن العرف اللغوي أكثر وضوحا :

اركب حصانك وامتطيه
شد اللجام
واغرس في صدر الأرض سيفك
وانطلق
شرف العروبة المرمي فوق ضهرك
زمن
هده التعب (12

فقد وفق في " شد اللجام " و " هده التعب " و لكنه لجا إلى معجم الفصحى دونما وعي بالفروق التي يلزمه بها العرف اللغوي ، فاستخدم " امتطيه " و " انطلق " و " صدر الأرض " ، و لربما جره إلى هذا المنزلق اقتباسه من المتنبي في السطور السابقة .

1 - 4

و نعود إلى "المستوى اللغوي " ******** Strata و معناه " اللغة التي يستخدمها الفرد لمناسبة معينة ، بما في هذا المستوى من مفردات و تراكيب و لهجة تناسبه ، مثل المستوى العامي أو المستوى المهني ، أو المستوى غير الرسمي ، أو المستوى الكلامي أو المستوى الكتابي " (13) و لن يغيب عن ذهننا قط أن المستوى العامي في الشعر ليس هو نفسه المستوى العامي في الحديث الكلامي ، كما أن المستوى الفصيح ينقسم إلى عدة مستويات يتمايز فيها مستوى الشعر عن مستوى النثر الفني وعن اللغة العلمية .
و لكي نقف على مثال تطبيقي واضح ، نبين به كيف يلتزم الشاعر بالمستوى اللغوي برغم حاجته إلى " كسر اللغة المعيارية " ، سوف نلجأ إلى عبقرية شعرية في قامة صلاح جاهين ، الذي لجأ إلى حيلة عجيبة - و هي حيلة لغوية صرف – للخروج من " مأزق " المستوى اللغوي في قصيدة " الذئب و الحمل " :

كان ياما كان ، يحكوا زمان دي الحكاية ..
إن الحمل – يعني الخروف الطفل –
وقف في يوم يشرب من الغدير
- يعني القناية -
و الغابة خضرا و الطيور بتغني ... حواليه ،
الذئب - يعني الديب - عوى من فوق عليه ،
قال له : يا مخلوق يا حقير
عكرت لي الميه و انا باشرب
لابد من أكلك جزاء لعملتك ! (14)

فالقصيدة إعادة صياغة لـ " خرافة " من خرافات أيسوب AESOP ( القرن السادس ق . م )
و قد فطن الشاعر إلى أن كلمات : الذئب و الحمل و الغدير ، هي من مستوى لغوي آخر ، فلجأ إلى وضع تفسير لها ، داخل النص نفسه ، و لا شك أنه قد أكسب القصيدة قدرا من الطرافة ، زاد من روعتها .
و لا يخلو شعر العامية على ممر تاريخه الحديث ، و عند أهم شعرائه من الخروج عن المستوى اللغوي ، و يكثر هذا في عناوين القصائد و عناوين الدواوين الشعرية ، و لكن بعض الشعراء الذين ندرسهم الآن ، يخرجون إلى مستوى الفصحى ، فصحى التراث ، مما يبعدهم عن المستوى المقبول في اللغة العامية ، يقول أحمد الشربيني :

الحزن متن الرؤى و البسمة على الهامش
و الضحكة صفرا و كافرة
بالكامن المكنون
أنا كنت بيك مفتون (15)

إن " متن الرؤى " و " الكامن المكنون " مغرقتان في مستوى الفصحى التراثية .
و هناك ديوانان – من بين الأحد عشر ديوانا محل الدراسة – يندرج عنواناهما داخل مستوى الفصحى التراثية ، هما " توتة الحلم القديم " لـ أيمن عباس هاشم و " مرثية الولد المفتون " لـ شاكر المغربي الذي لجأ إلى تضفير مستوى العامية مع مستوى الفصحى بالتناوب في قصيدة واحدة يحمل الديوان عنوانها ، يقول:

قال الولد المفتون بماء الموت
للصدفة فلسفة و لي
لي أن أغير تاريخ ذاتي
لي أن أموت

ثم يقول الشاعر :

الصدفة زي النار و النار
مليها الحطب
و انا قلبي مني اتسلب
بالصدفة جاني الولد
عيشني على غنوته
بالصدفة سابني و مات
يا هل ترى برغبته (16)
و فد يكون الشاعر في مرحلة اختيار بين الفصحى و العامية ، و قد يكون على غير دراية بما بين المستويات اللغوية من فروق فيقع في هذا المستوى على الأعراف بينهما .
و قد يلجأ بعض الشعراء إلى استخدام المستوى العامي في درجته الدنيا ، فيبتعد تماما عن
" المستوى الشعري للغة العامية " ، و قد يقع في هذا المنزلق كبار الشعراء ، وقد وجدت مثالين في شعر أحمد فؤاد نجم ، الأول في قصيدة " حالة " حيث يقول :

و الحلو في رأيك
يعمل نفسه نام
و تدور تلاقي
شرقه زي غربه
كله مش تمام
يائس من حياته
من صدمة غرام
حاجة تقرف (17)

فقد جاءت عبارة " حاجة تقرف " تعليقا ختاميا ، لم يكن الشاعر بحاجة إليه ، و لو استخدمه في السياق ، لربما كان مقبولا ، لكنه هنا جاء نشازا مفسدا لجمالية القصيدة ، و في قصيدة " تاجر" ختم الشاعر القصيدة بقوله :
إخص
إخص
إخص .. على كده (18)

لم يكن الشاعر مضطرا أبدا لاستخدام هذه العبارة " المأثورة " من المستوى العامي ، المغاير للمستوى الشعري . و من الشواهد التي وردت في شعر هؤلاء الشعراء ، قصيدة " كحة " للشاعر ضاحي عبد السلام ، يقول في مطلعها :

بلغم ع الصبح
و ضوافر طوبة بتنهش لحم جديد
و بتضرب عضم عجوز (19)

إن وضع العبارة " بلغم ع الصبح " في مطلع القصيدة جاء في غاية القبح و الركاكة .
لقد أدرك المناصرون للإبداع بالعامية ، أن العامية ليست مستوى واحدا أبدا ، و أن الشاعر الواحد يلجأ إلى استخدام عدة مستويات في خطابه الشعري ، بحسب القالب الفني و السياق اللغوي ؛ و لهذا ذكر الدكتور لويس عوض أن" لغة صلاح جاهين في الرباعيات شيء و لغته في الليلة الكبيرة شيء آخر ، نفس الكلام يقال عن بيرم التونسي ، كانت هناك لغتان : العامية الشعبية و العامية الراقية " (20)
و من اللافت أن يكون الرائد الثائر عبد الله النديم ( 1854- 1896م ) مدركا لوجود هذه المستويات اللغوية ، فقد امتلك القدرة على التحول الأسلوبي Style Shift ، من النثر إلى الشعر ، ومن العامية إلى الفصحى ، و من العامية الدنيا إلي عامية أرقى بحسب النوع الأدبي الذي كان يكتبه (21) .
إننا على أية حال أردنا أن نرصد هذه الظاهرة التي تكثر في شعر شعراء الطبقة الثانية و الثالثة ، و لا يخلو شعر الطبقة الأولى منها كما ألمحنا .


تمثل الصورة الفنية Imagery ذروة المقدرة الفنية في الشعر الغنائي ، لا فرق هنا بين شعر الفصحى و شعر العامية ، ولقد مضى زمن طويل و الشعر العربي يجتر صوره الفنية من نبع واحد هو الشعر القديم و التراث الأدبي ، ولذلك تجرأ الدكتور لويس عوض ، و صرخ صرخته القديمة في مقدمة ديوانه " بلوتولاند " ( 1947م ) قائلا " .. فقول القائل :

و رمش عين الحبيــــــب يفرش علــــى فــــــــدان

يعدل عندي كل ما قدم المستعربون من قريض بين الفتح العربي عام 640هــ و محمود سامي البارودي " (22) . و لا شك أن كثيرين سيرفضون مقولة لويس عوض ، و لأسباب متعددة ، و لكني أثبتها هنا ، لهدف واحد هو القول بأن قوة الشعر و قيمته الفنية مبدؤه و مرتكزه أن يكون هذا الشعر قد ملك تراثه من الصور الفنية المبتكرة ، فهذا المثال من الإبداع الفني الأصيل الذي توارثه الشعب المصري على مدى مئات السنين ، قد امتلك من سحر البيان وروعة الخيال قدرا عظيما ( رمش عين الحبيب يفرش على فدان ) و الفدان كلمة مصرية (23) ،لا يحتاج الفلاح المصري إلى البحث عن معناها ، إنها الأرض التي عليها يحيا ، و قوة الصورة هنا مستمدة من تحليق الخيال و ملامسة الأرض في الوقت نفسه .
و الشعراء المجيدون ما يزالون يفعلون هذا الذي فعله جدهم المجهول صاحب الصورة المذكورة ، يقول الشاعر محمد العتر :

القلب وادي ..
بس فين اللي يلاقيه
و يمد خيط الانصهار ،
دا نهار ما يجي يدلها ..
و يبل ريق صمتها ..
تبني له على سطح الهوى ..
بنية حمام . (24)

هذا الشاعر يعرف تراثه جيدا ، ولست أدري إن كان يعرفه لأنه يردده ويحفظه عن ظهر قلب ، كما كان الشعراء العرب يصنعون ، أم أنه يعرفه بالفطرة ، فسواء أكان الشاعر مطبوعا أم متصنعا ، فإنه قد حقق للصورة ذلك المستوى الفني الجامح فـ ( القلب وادي ) و( الصمت له ريق محتاج للبلل ) و (سطح الهوى تبنى عليه بنية حمام) لكن ( بنية الحمام ) وحدها أعطت للصورة هذا البعد الواقعي ، الذي يقابل الفدان هناك في الصورة الشعرية التي أبدعها الجد من مئات السنين .
و أما الشاعر محروس الصياد فيستمد من فرع آخر للنبع نفسه ، يقول :

أدي حكاية زماني :
صياد و عاشق
لاكن معنديش قصور
غير عش فوق الجزيرة
حواليها م الحب سور
مفروشة ضلة و حصيرة
و رموش حبيبتي ستاير (25)

هو حفيد آخر ، ولكنه مسافر عبر البحر ، يسكن على جزيرة سورها من الحب ، فرشها ضلة و حصيرة ، ستائرها من تلك الرموش التي عرف الجد كيف ينسج منها فرشا ، فاستعملها الحفيد لزوم الستائر ، و الستائر إذا كانت تخفف من قسوة الشمس ، فإنها لا شك ستحمي العاشقين من عيون الحساد و العزال .
و أما أيمن عباس هاشم فهو شاعر الأرض بامتياز وصوره مستمدة من هذا النبع :
الأرض غرقانة من دمي
باجري عليها و اضم
تفرد لي قلبها كفن
و تضمني
و تاخدني في سدرها
و تغني (26)

إن صورة العاشق الذي يفنى في المعشوق هي صورة صوفية ، و العاشق و المعشوق هنا برغم أنهما طينيان إلا أن أحدهما خالد مقيم هو الأرض و الآخر فان ، سرعان ما ينتهي به المطاف مدفونا في قلب المعشوق .
أما الشاعر أبو الخير بدر فينسج الصورة الشعرية المركبة على النحو التالي :

شجر الكلام فـ الحلق صابه الخريف
سقط الورق ع البلاط إندش
إتنتورت كل الحروف أشلاء
و المعنى لما انشرخ
أصبح هش
يا مين يلم الحروف
يبدرها من تاني( 27)

إن طرافة الصورة و تركيبها لن يخدعنا عن حقيقة المصدر الذي استقى منه الشاعر معجمه
( إتنتورت كل الحروف ) و ( الكلام إندش حين سقط الورق على البلاط) و ( يا مين يلم الحروف ) إن الكلام قد تحول إلى حب الحصيد الذي انتثر على الأرض ، و الشاعر يستنجد بمن يلم حروفه فيبذرها لتنبت كلاما جديدا ، هي الأرض دائما و أهلها من الفلاحين و الصيادين
و زارعي الكلام ، كلام المواويل و الشجن و الحنين و العشق .
و يلوذ أحمد الشربيني بحضن أبيه - الذي يدعوه صديقي الطيب - فيقدم صورة تطفح بالدفء العائلي المشتبك مع تراث الأسرة المصرية في الريف :

مشتاق و دين النبي
دقنك تشوكني
و ارجع لحضنك صبي
و إديك بتفركني
و بوشي أغطس في عبك
أهرب
و تمسكني
و تسمي لما اتعتر
و بلهفة تدركني
و بلمس حجر البجامة
تناولني حتة حمامة
و تقوللي هم م م يا جمل (28)

إن الحنين إلى الطفولة ارتبط عند الشاعر بهذا الدفء الذي كان يستشعره في حضن الأب الحاني ، كما يرتبط بالحركة التي كانت تحدث داخل البيت يتشارك فيها الأب و الابن و كأنهما ندان يجمع بينهما شقاوة الصبيان و حاجتهم للعب و الجري و القفز ، لكن دور الأب في النهاية كان يربو على دور الابن ، فالأب يسمي ( باسم النبي ) حين يعثر الابن و هو كذلك يطعم ابنه
( حتة الحمامة ) قائلا هم يا جمل ، و لا أحد سيقول لأحد و هو يأكل هذه العبارة المأثورة سوى الأب الحاني الودود ، إنها صورة غير تقليدية ، لطقس مصري صميم ، قد يكون اليوم مهددا بالاندثار و التلاشي ، وللشاعر فضل تسجيله و الإمساك به من الماضي حتى لا يضيع .
كذلك يعود ضاحي عبد السلام إلى زمن الطفولة و تختلط في مخيلته صورة الطفل و الجدة و الحواديت بشخوصها المأثورة ، يقول :
و أما المطرة ترخ ..
تزأطط و تبلبط زي عيال حواديتها
و كنت باموت فـ حديتها
و ريحة طرحتها
لما بتحكيلي عن سعد
بشنباته في وسط أصحابه
- يسلم من جابه -
و أنا واقف متحير
بين خوفي على لحافها
و ريحة طرحتها (29)

إن الصورة المستمدة من عالم الطفولة هي غالبا صورة مبهجة ، فيها الحركة ، و طزاجة الإحساس ، و وبراءة الطفل في مواجهة العالم المتجهم ( لما المطرة ترخ ) و دراما التاريخ ( سعد زغلول في الصورة بشاربه المميز ) لكنها صورة الخيال المجنح في شكل الحدوتة و لاسيما إذا كانت شخوص الحدوتة من العيال ( تزأطط و تبلبط ) فيتلاشى الفرق بين الشاعر في طفولته ، و الشاعر في حاضره ، و شخوص الحدوتة أنفسهم .

2 - 2

و قد يميل الشاعر إلى نمط من الصورة الحداثية ، التي تشخص عالمه في نهاية القرن العشرين و بداية القرن الحادي و العشرين ، بما فيه من صدام للأفكار و أزمات نفسية و هموم لا يحصيها عد و لا يحيط بها حصر . و الشاعر شاكر المغربي يبدأ ديوانه بمقطوعة اتخذ لها عنوان " مدخل " :
و انا لسه صغير
بلعب في الحارة اللمسة و بجري
كان كل عيال الحارة يبجروا ورايا
ففضلت اجري
لا انا قادر أوقفني
و لا لاقي الأمية (30)

أما "اللمسة" فهي لعبة " الاستغماية " وأما "الأمية" فهي نقطة العودة التي يؤوب إليها اللاعبون في تلك اللعبة ، وهذا الشاعر الحداثي ، يصور حاله في الحياة العصرية في صورة لعبة ، تبدو في الظاهر معروفة وسهلة ميسورة ، و لكنها في نهاية المطاف أفضت إلى متاهة ، فلا هو قادر على الوقوف في محله ، و لا هو يرى نهاية الطريق ، و الشاعر منقسم على ذاته من فرط الحيرة و الضياع . و مرة أخرى يأخذنا الشاعر مع ذاته المنقسمة في مدارات الشعر البعيدة إذ يقول :

كان في الأوضة كتاب و مراية
و كان فيه واد مولود ويايا
كان بيخدني القهوة الصبح
يطلب نكتة و أطلب شاي
كان بيقلب في الجرنان
و بعد مايقرا البخت يسيبه
كان بيسبني و يا بيكاسو
و رامبو و إليوت و الأحلام
و يغرق جوا اللحظة الصافية
و يا النكتة و القفشات (31)

كيف استطاع الشاعر أن يكشف لنا عن هذين الولدين المختبئين بداخله ؟ كيف جعل ذاته المنقسمة تبدو لنا في صورة مقابلات :
1- الكتاب مقابلا للـمراية
2- واحد شاي مقابلا النكتة
3 - قراءة صفحة البخت و طرح الجريدة جانبا مقابلا التأمل في أعمال بيكاسو و قراءة
شعر رامبو و إليوت
4 - جو اللحظة الصافية و النكتة و القفشات مقابلا للانشغال بـالأحلام
هل يستطيع صنع هذا إلا شاعر يملك موهبة فذة ؟
أما سمير الفيل فإن صوره تمتاز بالقدرة على الجمع بين الموروث الحضاري و اللغوي و بين الطزاجة و الابتكار و الوعي السياسي - إذا شئت - يقول في قصيدة " شعاع " :

يا اهل الكنانة
بلدنا دكانة
آدي الشباب عاجز
آدي الشيوخ بيموتوا فـ امبارح (32)

هذه الصورة وردت في تلك القصيدة المكتوبة منذ عام 1987م ، كما أثبت الشاعر في ديوانه ، لكنها تشخص حال " بلدنا " اليوم في عام 2007م ،أي بعد عشرين عاما ، و كأنها النبوءة ، فـ " الدكانة " هي اللفظة المناسبة تماما لوصف بلد كل شيء فيه معروض للبيع و الشراء ، لكن الشاعر لا يكتفي بالوصف المحايد ، بل ينتقل إلي ذكر النتيجة التي تترتب على تحويل الوطن إلى " دكان " : عجز الشباب ، مع أن الشباب رمز القدرة و الفعل ، و تطلع الشيوخ إلى الماضي و هيامهم به حد أن أصبحوا " بيموتوا فـ امبارح " ، فهاتان "مصيبتان سوداوان " .
و الصورة الرومانسية لدى سمير الفيل لا ترتكن على الموروث الرومانسي في الشعر الغنائي العربي وحده ، بل هي صورة مبتكرة أيضا :

لما شفتك
قلبي اتوضا و صلى
وعذابي زاد في قربك (33)

فهذه توطئة للـ " صلاة في معبد الحب " ، و يضاف إليها تلك المفارقة paradox التي طالما لجأ إليها الشاعر قد أصابته لوعة الحب ، فكان أبو نواس يخاطب حبيبته قائلا :

تعجبين من سقمي صحتي هي العجب

هذه المفارقة سيلجأ إليها أيمن عباس هاشم أيضا ، في قصيدة حب عنوانها " فضفضة " :

البنت فاكراني
هاضمها و هاطير
و مهيش عارفة إن انا
فارد جناحاتي مـ الألم
و بخاف فـ عز الشتا مـ البرد
و بخاف في عز الصيف من الأعاصير (34)

المفارقة في أن الشاعر يجب أن يصيبه الزهو ، و الرضا طالما أن محبوبته ترى فيه فارسها المغوار ، لكنه لا يرى نفسه كذلك ، إن ثقتها في قدراته وهم ، هو يخبرنا بحقيقة قدراته ، إنه يرفرف "بجناحاته " لا من وفرة الصحة ، بل من فرط الألم ، ألا يذكرنا بأبي نواس في مفارقته المذكورة آنفا ؟!


أما التراث الشعبي بمأثوراته المتعددة ، و معجمه المميز ، فهو مصدر آخر من مصادر التفاعل النصي عند هؤلاء الشعراء .
و ها هو الشاعر أبو الخير بدر ، يقول في قصيدة عنوانها " وهم " :
قعدت تقصقص فـ الورق
تصنع عرايس
و تشك بالإبرة في عين البصاصين
تقرا فـ ورد طه
و عدية ياسين
و تلم من شعر البنات الخصل
بتحط ع الفحم شبة
و تطلق بخور
ليه يا ضنايا
معدتش حنون ؟! (40)
إننا نأسى لحال هذه السيدة التي لجأت إلى حيلة العاجز ، حينما مال ولدها إلى الجحود ، فأرادت أن تستعيد حنانه المفقود ووده المنتظر تجاه أمه ، فاصطنعت أعداء وهميين ثم أخذت تسومهم عذابا من نوع خاص ، جزاء تعديهم بالحسد ، و تسببهم في لفت ولد -كان حنونا - عن بر أمه ، و لكن ذلك لم يكن إلا وهما كما أخبرنا الشاعر بذكاء في العنوان ، و سواء أكانت هذه سيدة من لحم و دم أم كانت وطنا ، فإن اختيار الشاعر للتناص مع هذا النموذج من المأثور الشعبي كان موفقا غاية التوفيق ، و خاصة إذا قرأناه في إطار التضاد ، أي أن النص الحالي لا يقبل من النص القديم استراتيجيته المبنية على التوهم ، و لكنه يرفضها كلية ، ذلك أنها لن تجدي فتيلا في استرداد حق ضائع ، و لن تضمن أبدا عودة الحنان المفقود .
أما الشاعر أحمد راضي فيختار التناص مع المأثور الشفوي الخاص بالحنين و الإحساس بلوعة الغربة عند المصريين من قديم الزمان :

أمانة يا اهل الهوى روحوا ابعتوا الغايب
خلوا ليالي اللـــقا تمسح دمــوع العيــــــن
و الفرح بعد الضنا يرجع لنا تانـــي (41)

و يلجأ الشاعر شاكر المغربي إلى أغاني الأطفال و التي تصاحب اللعب في أغلب الأحيان ، لكنه - كعادته - قادر على خلق "تكنيكه " الخاص و هو يمسك بالنص الآخر
الذي استحضره ، أراد أن يمتصه داخل الرسالة الشعرية فقال :
كيلو بامية ما كنت انا
القطة عامية ما كنت انا
وما كانش غير إحساسها بغرور ضدنا
معجون يا ليل الأسئلة بسكة سفر
لعيون بتهرب م الإجابة و همنا
كيلو بامية ما كنت انا
القطة عامية ما كنت انا
القطة عامية
عشان كده أكلت ولادها
و ليس ع الأعمى سؤال مننا (42)

هذه القصيدة وضع لها الشاعر عنوان " طراطيش " و لعلي ظننت أنه إنما أراد أن يسميها " خربشات " أو خرابيش و لعلي أخطأت في الظن ، و لكني على يقين أنه قد صنع شيئا فذا ، لقد لجأ الشاعر لحيلة ماكرة مع القطة ، فحينما رسخ في يقين الشاعر أن القطة عولت على عاهتها - التي يعذرها بها المشرعون و أصحاب الضمائر الحية - و تمادت في غيها حتى أكلت أولادها ، قال لها الشاعر " ليس ع الأعمى سؤال مننا " .
فهل قصد الشاعر أن يقول " ليس على الأعمى حرج " ؟ فيسقط عن القطة التكليف و العقاب ، أظن أنه قصد عكس ذلك تماما ، فليس للأعمى أن يأكل أولاده في أي شريعة من الشرائع ، ولو فعل لكان قد فقد البصيرة لا البصر ، و الشاعر متيقن من هذا ؛ و لذلك هو لا يعفو و لا يسامح ، بل هو يتمادى في تجهمه مع القطة حتى رفض أن يسألها عن السبب . لكن شيئا مريبا ما يزال يشككني في حقيقة هذا الحزم من الشاعر تجاه القطة ، إنه " الضمير " أقصد ضمير المتكلم الفرد في قوله "ما كنت انا " - وقد تكرر أربع مرات - ثم آل في نهاية القصيدة إلى ضمير الجمع " ليس ع الأعمى سؤال مننا "
لقد كان الشاعر في مواجهة القطة طوال الوقت ، لكنه حينما آن أوان النطق بالحكم البات القاطع و النهائي لاذ بضمير الجماعة ، و انتدبها لتتكلم ؛ ولذلك أنا أشك كثيرا في النوايا الحقيقية للشاعر ، و أظن أنه سيعود للقطة ، مخالفا ضميره ، الذي أكد له على أن القطة قد أجرمت ، و سيكون الشاعر حينئذ وفيا لأحكام العشق ، مزريا بأحكام الشرع و القانون ؛ و لأنني نسيت أن أقول لك إن القطة هي محبوبة الشاعر ، و على هذا فالحب هو الأعمى و ليس القطة ؛ لأن القطة كانت مجرد لعبة اسمها " كيلو بامية ".
و يلجأ سمير الفيل إلى العادات الشعبية ، بحسبانها " خطابا " سواء في قوله :

الإيد البضة مرصوصة خواتم
و مياتم في خميس الرحمة
حسنة للمرحوم
محروم مـ السوق (43)
أو في قوله :
هنا حبيت ... و بكيت
" عبده الحسودي " دكانه ما عادشي ليه أثر
و ده كان يبص البصة
يجروا يبخروا
بعد ما ياخدوا من كمه أتر ! (44)

فالخطاب الشعبي هنا موظف داخل النص توظيفا جيدا ؛ لأنه " ممتص داخل الرسالة الشعرية ".
و يختار الشاعر محمد العتر طقس " الحنة " عنوانا لقصيدة يقول فيها :

يا بلح الشام
ملهي الأيام
ما بقتش تهدهد وجداني
و فرات حبيبتي
عباله كفوفه و سقاني
..............
و بقيت الود في كف المنديل ،
ديل الحمامة المتحني
بدم قتيل (45)

و القتيل هنا هو قتيل العشق ، الذي شفه الهوى ، و أهلكه الغرام ، و لكنه يغني ، فالطرب من شأن المحزون و المبتهج على السواء ، و لكن الغناء الشعبي يميل إلى الحزن غالبا ، يشكو لوعة الفراق ، سواء أكان فراق الموت أم فراق الهجر و الجحود .
أما الشاعر السيد عامر فقد اتخذ من اسم " ناعسة " عنوانا لديوانه " ناعسة و أنا " ، و في قصيدته " رؤيا " يعود للحكاية الشعبية المعروفة " ياسين و بهية " :

يا حبيبتي صدقيني
يا اللي روحك ساكنة فيا
يا أم رمش كتير سحرني
يا أم طرحة و جلابية
فكي أسرك فكي قيدك
هدهديني ريحيني
من همومي المدارية
يا حبيبتي صدقيني (46)

التناص هنا مركب لأنه لا يكتفي بالإحالة على الحكاية الأصلية لـ " ياسين و بهية " بل يعود إلى أشهر من غنى هذه الحكاية أحمد فؤاد نجم ( يا أم طرحة و جلابية ) فيقع في أسره ، حيث يقرن بين بهية و القضية الوطنية كما فعل نجم .

خاتمة :

قدمت في هذه الدراسة قراءة في أحد عشر ديوانا شعريا ، كتبت كلها في مستوى لغوي واحد هو العامية المصرية ، و أصحاب هذه الدواوين هم : أبو الخير بدر و أحمد راضي و أحمد الشربيني و أيمن عباس هاشم و سمير الفيل و السيد عامر و شاكر المغربي و ضاحي عبد السلام و محروس الصياد و محمد الزكي و محمد العتر . و كلهم من الأحياء ، و يعيشون في محافظة دمياط بين الريف و المدينة و إن كان أغلب من يعيش في المدينة منهم يعمل في حرف يدوية ، وبرغم ما يملكونه من مواهب فإن النقد الأدبي لم يلتفت إلى إبداعهم بما يليق به من تميز و تفرد ؛ و لذلك نأمل أن يكون لكلية الآداب الوليدة في دمياط (بدأت الدراسة بها في 2005م ) دور في دراسة الأدب المعاصر ، و منه هذه الذخيرة من شعر العامية .
و لقد عالجت هذه الدراسة ثلاث موضوعات داخل النصوص المدروسة هي :
أولا : المستوى اللغوي ، بين الفصحى و العامية و داخل المستوى العامي نفسه ، وذلك بالوقوف على نماذج من : 1- المصاحبة اللغوية 2- العرف اللغوي .
ثانيا :الصورة الفنية ، ووقفت على نماذج استمدت من التراث ، و نماذج أخرى حداثية الطابع .
ثالثا : التناص : و قد وجدت أنه يتنوع بين التناص مع خطاب التراث العربي التقليدي والخطاب الشعبي المصري ، بمأثوراته و ألعابه و أغانيه و طقوسه .




الهوامش:

(1) خيري شلبي : بورتريه ( المفتون ) ، نشرت مقدمة لكتاب "مختارات عبد الرحمن الأبنودي" ، المركز المصري العربي ،القاهرة 1996م ، ص2 .
(2) كان المجلس الأعلى للفنون و الآداب ( حتى ما بعد وفاة بيرم التونسي 1961م ) يرفض نشر مؤلفات مكتوبة بالعامية ، و في عام 1993م عقد المجلس الأعلى للثقافة ( وريث المجلس السابق ) ندوة موسعة بمناسبة مرور خمسة و ثلاثين عاما على وفاة بيرم التونسي بعنوان ( بيرم و قضايا شعر العامية ) كما منح الشاعر عبد الرحمن الأبنودي جائزة الدولة التقديرية .
(3) ألقى وليام ويلكوكس مهندس الري الإنجليزي محاضرة (نشرت في مجلة الأزهر فبراير1893 م ) دعا فيها إلى إهمال اللغة العربية الفصحى واتخاذ العامية لغة للكتابة و التعليم .
(4) د . صلاح فضل : أشكال التخيل ، الشركة المصرية العالمية للنشر – لونجمان ، القاهرة 1996م ، ص51 .
(5) عبد الرحمن الأبنودي : مقدمة المختارات ( 1994م ) نشرت في مكتبة الأسرة ، القاهرة 2006م ، ص10 .
(6) فاروق شوشة : الشعر أولا ... الشعر أخيرا ، مكتبة الأسرة ، القاهرة 2002م ، ص 95.
(7) د . محمد عيد : المستوى اللغوي ، للفصحى و العامية و النثر و الشعر ، عالم الكتب ، القاهرة 1981م ، ص19.
(8) د. سامي عياد و د . حسام كريم الدين و د . نجيب جريس : معجم اللسانيات الحديثة ( إنكليزي – عربي ) مكتبة لبنان ناشرون ، بيروت 1997م ، ص21 .
(9) أحمد الشربيني : مواسم الأحزان ، إصدارات رواد ، دمياط 2000م ، ص 50 .
(10) سمير الفيل : نتهجى الوطن في النور ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، أصوات أدبية (289) القاهرة 2000م ، ص108 .
(11) أيمن عباس هاشم : توتة الحلم القديم ، إصدارات الرواد ، دمياط 2000م ، ص 44.
(12) السيد عامر : ناعسة و أنا ، إصدارات الرواد ، دمياط 1999م ، ص 63 .
(13) د. محمد علي الخولي : معجم علم اللغة النظري ( إنكليزي – عربي ) مكتبة لبنان ، بيروت 1982م ، ص 149 .
(14) صلاح جاهين: أشعار بالعامية المصرية ، مركز الأهرام للترجمة والنشر، الطبعة الثالثة،
القاهرة 2002، ص 110 .
(15) أحمد الشربيني : مواسم الأحزان ، ص 65.
(16) شاكر المغربي : مرثية الولد المفتون ، إصدارات الرواد ، دمياط 2000م ، ص 52.
(17) أحمد فؤاد نجم : الأعمال الكاملة ، دار الأحمدي للنشر ، ط2 ، القاهرة2002م ، ص 77 .
(18) أحمد فؤاد نجم : المصدر السابق ، ص 169 .
(19) ضاحي عبد السلام : بريزة فضة ، مكتبة الأسرة ( أدباء مصر في الأقاليم )، القاهرة 2004م ، ص 41 .
(20) د . لويس عوض : بلوتو لاند و قصائد أخرى ( تذييل بعنوان : بعد نصف قرن ) الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1989م ، ص149 .
(21) راجع مقال الدكتور عبده الراجحي :التحول الأسلوبي عند النديم ( ضمن الكتاب التذكاري : عبد الله النديم ، قراءات و أبحاث ) الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة 1996م ، ص ص182 – 193 .
(22) د . لويس عوض : بلوتولاند وقصائد أخرى ، ص 12.
(23) الفدان في الفصيحة : المحراث و النير على عنق الثورين للحرث ، أما الاستعمال الحديث فيعني في كل من مصر و السودان مساحة من الأرض مقدارها :4201 م2 . راجع المعجم الوسيط ( فدن ) و الكتاب التالي بالإنجليزية :
Joan Wucher King ; Historical Dictionary Of Egypt ( Feddan ),AUC, Cairo,1989 p.292.
(24) محمد العتر : الطالع ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة 2004م ، ص ص 38- 39 .
(25) محروس الصياد : فارس البحر ، إصدارات الرواد ، دمياط 1998م ، ص ص 16-17 .
(26) أيمن عباس هاشم : توتة الحلم القديم ، ص 74 .
(27) أبو الخير بدر : طقوس ، إصدارات الرواد ، دمياط 2002م ، ص7.
(28) أحمد الشربيني : مواسم الأحزان ، ص ص 18- 19 .
(29) ضاحي عبد السلام : بريزة فضة ، ص 79 .
(30) شاكر المغربي : مرثية الولد المفتون ، ص 7.
(31) شاكر المغربي ، نفسه ص17.
(32) سمير الفيل: نتهجى الوطن في النور ، ص 113.
(33) سمير الفيل: نفسه ، ص 130 .
(34) أيمن عباس هاشم : توتة الحلم القديم ، ص 69 .
(35) Jeremy Hawthorn ;A Glossary Of Contemporary Literary Theory, Arnold ,
London 2001, p.182.
(36) جوليا كرستيفا : علم النص ، ترجمة فريد الزاهي ، دار توبقال للنشر ، ط 2، الدار البيضاء 1997م ، ص 78 .
(37) أحمد الشربيني : مواسم الأحزان ، ص ص 110 – 111.
(38) محمد الزكي : المنتخب من باب أحوال الرعية ، مكتبة الأسرة ، القاهرة 2002 ، ص13 .
(39) محمد الزكي : المنتخب من باب أحوال الرعية ، ص 23 .
(40) أبو الخير بدر : طقوس ، ص23.
(41) أحمد راضي :من غير سلام، دمياط 2000م ، ص 52 .
(42) شاكر المغربي : مرثية الولد المفتون ، ص44.
(43) سمير الفيل: نتهجى الوطن في النور ، ص 155.
(44) سمير الفيل ، نفسه ، ص 179 .
(45) محمد العتر : الطالع ، ص 59 - 60 .
(46) السيد عامر :ناعسة و أنا ، ص 24 .

المصادر والمراجع :

أولا المصادر : -
-
(1) أبو الخير بدر : طقوس ، إصدارات الرواد ، دمياط 2002م
(2) أحمد راضي :من غير سلام، دمياط 2000م
(3) أحمد الشربيني : مواسم الأحزان ، إصدارات رواد ، دمياط 2000م
(4) أحمد فؤاد نجم : الأعمال الكاملة ، دار الأحمدي للنشر ، ط2 ، القاهرة2002م
(5) أيمن عباس هاشم : توتة الحلم القديم ، إصدارات الرواد ، دمياط 2000م
( 6) سمير الفيل : نتهجى الوطن في النور ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، أصوات أدبية (289) القاهرة2000 م.
(7) صلاح جاهين : أشعار بالعامية المصرية ، مركز الأهرام للترجمة و النشر ، الطبعة الثالثة، القاهرة 2002 م.
(8) ضاحي عبد السلام : بريزة فضة ، مكتبة الأسرة ( أدباء مصر في الأقاليم )، القاهرة 2004م .
(9) السيد عامر : ناعسة و أنا ، إصدارات الرواد ، دمياط 1999م
(10) شاكر المغربي : مرثية الولد المفتون ، إصدارات الرواد ، دمياط 2000م
(11) محروس الصياد : فارس البحر ، إصدارات الرواد ، دمياط 2001م
(12) محمد الزكي : المنتخب من باب أحوال الرعية ، مكتبة الأسرة ، القاهرة 2002م .
(13) محمد العتر : الطالع ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة 2004م .
ثانيا : المراجع العربية : -
(14) جوليا كرستيفا : علم النص ، ترجمة فريد الزاهي ، دار توبقال للنشر ، ط 2، الدار البيضاء 1997م .
(15) خيري شلبي : بورتريه ( المفتون ) ، نشرت مقدمة لكتاب "مختارات عبد الرحمن الأبنودي" ، المركز المصري العربي ،القاهرة 1996م .
(16) د . سامي عياد و د . حسام كريم الدين و د . نجيب جريس : معجم اللسانيات الحديثة ( إنكليزي – عربي ) مكتبة لبنان ناشرون ، بيروت 1997م .
(17) د . صلاح فضل : أشكال التخيل ، الشركة المصرية العالمية للنشر – لونجمان ، القاهرة 1996م
(18) عبد الرحمن الأبنودي : مقدمة المختارات ( 1994م ) نشرت في مكتبة الأسرة ، القاهرة 2006م
(19) د . عبده الراجحي : التحول الأسلوبي عند النديم ( ضمن الكتاب التذكاري : عبد الله النديم ، قراءات و أبحاث ) الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة 1996م .
(20) د. محمد علي الخولي : معجم علم اللغة النظري ( إنكليزي – عربي ) مكتبة لبنان ، بيروت 1982م
(21) د . لويس عوض : بلوتو لاند و قصائد أخرى ( تذييل بعنوان : بعد نصف قرن ) الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1989م
(22) د . محمد عيد : المستوى اللغوي ، للفصحى و العامية و النثر و الشعر ، عالم الكتب ، القاهرة 1981م .
ثالثا المراجع الأجنبية :
1- Jeremy Hawthorn ;A Glossary Of Contemporary Literary Theory, Arnold ,
London , 2001
2- Joan Wucher King ; Historical Dictionary Of Egypt (art : Feddan), AUC