ما الــتــســامــح ؟
التسامح لغة من مادة ( س م ح ) ؛ وهي مادة لغوية غنية بالمعاني والدلالات . منها : العطاء ، والجود .. والمسامحة تعني : (( المساهلة )) .. وتسامحوا : بمعنى : تساهلوا .. وبناء عليه فالتسامح هو التساهل .. والتسامح : هو مصدر مَقِـيسُُ ُ لِـتَـفَـَاعَـلَ ، يؤشر لذلك (( ألف المشاركة )) .. والتسامح يدل على كل من اتصف بخلق كريم يتجاوز به نفسه ، ويسامح في حقه .
وعلى ضوء ماسلف ؛ فالتسامح هو التساهل . أي السهولة / واليسر ، والاتساع كما في شريعة الإسلام السمحة أيضا .
والتسامح مصطلح قديم في ديننا عرف باسم ( السَّـمَاحَـة ) و ( الـسَّـمْـحَـةِ ) .. وقد استعمل في سياقات لغوية متعددة . وهو - في ديننا - مبدأ أصيل له معاني عدة ؛ أذكر منها :
- إحسان فوق العدل .
- الجود .
- التسامي عن السفاسف .
- مسامحة الناس ، والعفو عنهم ، وتجاوز زلاتهم .
- ظن الخير في الناس .
- حمل الناس على أفضل المحامد .
- التجاوز عن الحقوق للآخر ...
القرأءة النفسية للمفهوم تفيد : أن التسامح شعور بالمشاعر الإيجابية فينا .. وكبح ُ ُ للمشاعر السلبية - مهما فـُـعـِـلَ لنا - وذلك بالتعاطف ، والرحمة ، والحنان نحو من آذانا : أخا ، أو صديقا ، أوجارا ، أو عضوا ، أو رئيسا ، أو مرؤوسا ، أو مارا ببابنا في الحياة .. دون كره له ، أو غضب منه .. وإن اسـتـُعْمـِلَ للممارسات الفردية هكذا ، فإنه استخدم للممارسات الجماعية .
وفوق كل هذا ؛ فالتسامح فوق مانظن . فهو إحساس بالسلام الداخلي في النفس .. ومع الآخر ما لم يكن طرد من الأرض وهو جاثم عليها اليوم ، أو منتهكا للعرض ، والحرمات !!! .
وقد ثبت علميا أن الشخصية المضطربة ، القلقة ، لاتعرف التسامح أبدا .. وأنها لم تجرب لذة العفو ، ونسيان الإساءة .. ويالها من لذة !!! .
والتسامح - أصلا - يأتي من إنسان قادر على إيقاع العقوبة ، لكنه يحجم عنها إلى تمتيع من أساء إليه بهدية ( العـفـو ) .
ومما لامراء فيه أن مبدأ التسامح عظيم ، لأننا جميعا نطلبه ونريده .. فنحن جميعا نرتكب الأخطاء بدرجات متفاوتة مع الغير .. وتكون لنا الحاجة لمن يصفح عنا ، ويحلم ، ويعفو علينا ، ويسامحنا ، ليصنع لنا بذلك معروفا ندين له به ماحيينا .
من الأدلة الساطعة النيرة على أن ديننا الحنيف قد احتفى بالتسامح أذكر :
1 ) في القرآن الكريم : رب العزة والجبروت قد دعانا في نصوص قرآنية طافحة بالسمو إلى التسامح / العفو : في سورة الأعراف : 199 لما قال : (( خذ العفو وأمرهم بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) . وفي سورة النور : 22 لما قال : (( وليعفوا وليصفحوا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم )) . أما في سورة المائدة : 13 فهو يأمر ؛ وأمره مطاع : (( فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين )) . وفي سورة الشورى : 40 أجده يؤكد على أجر من عفا : (( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ))
2 ) في الحديث النبوي الشريف : الرسول الأعظم قد أشاد بمن عفا ، وسامح قائلا : (( مازاد الله عبدا بعفو إلا عزا )) . وأيضا يقول : (( لايعفو عبد عن مظلمة إلا زاده الله عزا يوم القيامة )) . وهاهوذا - عليه صلوات الله وسلامه - يذكر بالعاقبة ، ويدعو إلى التسامح يقول : (( اسمح يسمح لك )) .
3) فهؤلاء نبهاء الأمة ، وعقلاؤها ، وحكماؤها ينثرون الدرر نثرا وشعرا ؛ في أزمنة مختلفة : فهذا علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - يؤكد حقيقة سلفت بقوله : (( أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة )) . وهذا عبد الله بن المقفع - لله دره - يدعو إلى التسامح مهما عظمت الإساءة يقول : (( أحسن العفو ماكان عن عظيم الجـُرم )) . أما الشاعر الغلايني ؛ فهو يبصم بالعشرة على المعاني السابقة بقوله :
سامــح صديــقـــك إن زلـــت بـه قــدم ********** فلـــيس يسلم إنسان مـن الـــزلل
وهذا الشافعي - رحمه الله - ألتقط من ديوانه هذا البيت الشعري النفيس يدعو فيه إلى التسامح وغيره :
وعـاشر بمعروف ، وسامح من اعتدى ********** وفارق ، ولكن بالتي هي أحسن
وهل هناك ماهو أشفى للغيظ ، وأعمق في الدلالة من قول سيدنا عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه - حين قال : (( من يغفر يغفر الله له ، ومن يعف يعف الله عنه )) .
4) وهؤلاء عظماء الشرق والغرب يبصمون ببصمة الإسلام على هذه المبدأ الأصيل : : يقول ( غاندي ) : (( إذا قابلت الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة ؟ )) . ويقول ( آل نهرو ) : (( النفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح )) . ولله در ( ساكي ) حين قال : (( العفو عن الإساءة انتقام رقيق !! )) .
فهل أنتَ / أنت ِ مستعد / مستعدة لأن تسامح / لأن تسامحي ؟
***
.
المفضلات