تعليقا على المقال بعنوان (شهادة مثقف صيني في مواجهات شينغيانغ...)
د. عز الدين الوردانى
ردا وتعليقا على مقال الأستاذ سوى تشينغ قوه 6/8/2009 فى جريدة الحياة اللندية بعنوان "شهادة مثقف صيني في مواجهات شينغيانغ وملاحظات على ردود الفعل العربية"
بداية لا بد أن نسلم بأنه بقدر ما يوجد من ظلم توجد مقاومة، ودائما ما يولد الكبت التمرد والثورة والانتفاضة.
وإذا ما نحينا جانبا الأحداث الأخيرة فى أرومجى والتى تنبىء وبلا شك عن تجاوزات ولكل طرف روايته وتقديره لعدد الضحايا ولأسلوب تعامل الشرطة الصينية مع المتظاهرين.
ومن المعلوم أن هناك صعوبة واضحة لمعرفة الحقائق داخل الصين ولنتناول بعض النقاط التى وردت فى المقال:
- قولكم أن الاقليم لم يقع عبر تاريخه المديد تحت السيادة التركية ولو يوما واحدا. ومن الواضح أنكم تقصدون دولة تركيا الحالية أو سابقتها الدولة العثمانية، وأتصور أن أحدث الكتاب أو الدارسين وأكثرهم سذاجة لا يقصد ذلك مطلقا، وإنما يقصد سيادة العرق التركى بقبائله المختلفة ومنها الأويغور- أليس كذلك؟- على تركستان الشرقية.
وماذا عن الدول التركية التى حكمت المنطقة مثل الهون (220 ق م -216 م)، ودولة توكيو أو توركوا فى المصادر البيزنطية، والتى أشارت إليها نقوش أورخون الشهيرة، وكذلك دولة الأويغور، والدولة القاراخانية، والدولة السعيدية- خلفت الحكم المغولى الجغتائى- والتى أدت الصراعات الداخلية إلى تفتتها وتمكن الصين على تركستان الشرقية عام 1760م.
- ومن المعروف أن لدى المصادر الصينية رؤيتها وتسميتها الخاصة للآخر فالهون مثلا (هيونغ- نو) وبلاد العرب (داشى)، الحكم المغولى داخل الصين الأصلية (1271-1368م) يسمونها أسرة يوان، حكام الدولة القاراخانية تعتبرهم تلك المصادر نواب الامبراطور الصينى.
فمن المنظور الصينى أن كل الشعوب التى عاشت فى أي وقت على الأراضى التى تعرف الآن بالصين حتى ولو لم تعد موجودة فهم صينيون.
- ذكرتم أن الحكومة الصينية تطبق نوعا من التمييز الايجابى فى تعاملها مع الأقليات القومية فى سياسة تنظيم الأسرة مثلا وحقهم فى انجاب طفلين أو ثلاثة.
أولا: هذا الحق مقيد بحصة مواليد لكل قرية أو منطقة لا يتم تجاوزها، بمعنى أن منطقة ما محدد لها مثلا عدد يقدر بخمسة آلاف نسمة زيادة سكانية خلال ثلاث سنوات، وبذلك يمكن الالتفاف على هذا التمييز الايجابى المزعوم، ومن ثم يتم التضييق على حالات الحمل الجديدة بهذه الحجة وترتكب مآسى الاجهاض الاجبارى ولو فى الشهر التاسع بل وقتل المواليد والتعقيم الاجبارى وعدم السماح للمتزوجين حديثا بحدوث حمل لسنوات بحجة عدم سماح الحصة فى المنطقة، ويمكن الرجوع لتقرير العفو الدولية 1999، والخارجية الأمريكية 2002.
- ثم ماذا عن التمييز ضدهم فى التوظيف، امكانية التعليم الدينى وحيازة الكتب الدينية والعربية والسفر للخارج، وصعوبة استخراج وثيقة السفر إلا بالرشوة وبعد أشهر طويلة قد تصل إلى سنوات وبتكاليف فادحة، وماذا عن امكانية دخول وفود عربية أو اسلامية وبعثات تعليمية من خارج الإقليم؟.
- أشار الأستاذ/ شوى إلى بعض السلبيات فى سلوك الإدارة الصينية داخل الإقليم وبالفعل مطلوب إحداث تحسن حقيقي وعملي لحياة الأويغور (التركستانيين) وأوضاعهم الإقتصادية والدينية والثقافية والتعليمية، وضرورة أن يمتد التحسن والتغيير إلى كافة مناطقهم وأن يستفيدوا ماديا وفعليا من التنمية داخل الصين ككل.
- إن من أهم مبادىء علم النفس السياسى أن تخلخل الانتماء لا يتوقف فقط على حجم الظلم الواقع على أعضاء الجماعة بل أيضا بمدى اليأس من امكانية التغيير.
-إن أحدا لا ينكر أن الشعوب العربية والاسلامية وحكوماتها منذ أمد بعيد تشعر بتعاطف وتقدير للشعب الصينى، وهو الأمر الذى يجب ألا تضحى به الحكومة الصينية بطريقة تعاملها مع التركستانيين، كما أن أحدا لا ينكر الدعم الرسمى والشعبي المتبادل بين الطرفين فى المحافل الدولية منذ نشأة جمهورية الصين الشعبية بل إن بعض المفكرين مثل هنتنجتون رشح الحضارة الاسلامية والصينية للتحالف معا فى مواجهة الحضارة الغربية.
ولا داعى للقلق لدى القيادة الصينية من انفتاح الأويغور- التركستانيين- على العالم الإسلامى وتمسكهم بهويتهم الدينية والثقافقة، إذ أن التمسك الصحيح بالإسلام يدفع لقبول الآخر والعيش معه فى ود وسلام وصولا لتحقيق الرفاهية المشتركة وتبادل المنافع فى حين أن قمع الهوية الاسلامية والقومية التركية، وكبت حرية التعبير عن الآراء يدفع بالفكر والرأي بعيدا عن الصواب، فضلا عن أنه يرسخ لدى صاحبه قناعة بصحة هذا الفكر، كما يقتل الانتماء للوطن ويدفع لمحاولة تفجيره من الداخل.
-إن موقف الحضارة الإسلامية من الآخر يتلخص فى قوله تعالى :( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) وكذلك قوله تعالى (ولقد كرمنا بنى آدم).
- إن الإنتماء أساسه الواقع وما تحصل عليه الجماعة وأفرادها من حقوق وهو عملية تراكمية وليست افتراضية، ولا يمكن إيجادها بقرار من الحزب الشيوعي الصينى.
- فى النهاية أقول وأؤكد أن التركستانيين البالغ عددهم 25 مليون نسمة لا تمت ثقافة ولا حضارة ولا لغة ولا دينا ولا تقاليدا للثقافة الصينية والحضارة الصينية.

د. عزالدين الوردانى
باحث وكاتب فى شؤون تركستان الشرقية والصين
10/08/2009
القاهرة.