الانتخابات الإيرانية مجرد تساؤلات ؟

د.طارق عبدالله ثابت الحروي .
d.tat13@yahoo.com
استنادا إلى عنوان هذا المقال و وصولا إلى محاولة تكوين رؤية خاصة، نستطيع من خلالها أن نفسر بعض ما جرى و سيجري في الساحة السياسية الإيرانية من تطورات، تثار جملة من التساؤلات هل نحن حقيقة أمام ظاهرة جديدة في الحياة السياسية الإيرانية بشقها الديمقراطي، تمهد الطريق إلى ولادة تجربة فريدة من نوعها في المنطقة- كما- يحلو للكثيرين ترديد ذلك بسبب وبغير سبب سوء تجاوبهم العاطفي مع ما تبثه معظم وسائل الإعلام الداخلية والخارجية من أخبار وتقارير مفتعلة وموجهه في آن واحد، يغلب عليها- في نهاية المطاف- الطابع الدعائي، التي يتم من خلالها الترويج من قريب أو بعيد بقصد أو بدون قصد للمشروع السياسي- الديني الإيراني ، سواء باعتبارها أخر دول الممانعة العربية-الإسلامية لإستراتيجية المحور الأمريكي- الغربي وحلفائه الإقليمين وعلى رأسها(إسرائيل)إزاء المنطقة، أو طوق النجاة الوحيد للأمة العربية وكذا الإسلامية أثناء أية مواجهة محتملة مع أعدائها أكثر منه تجاوبا ذو طابع موضوعي لحقيقة ما يحيط بهذا المشروع على أرض الواقع من تعقيد وتشابك ومن ثم من غموض حاد ومخاوف متنامية، ليس بسبب ما لحق- وما زال- ببعض- هذا إن لم نقل معظم- فئات الشعب الإيراني والعرب السنة في إقليم الأحواز المحتل منهم- بوجه خاص- من تغيب وصهر وإلغاء وتهميش عن واقع الحياة العامة لم ولن يتكرر حتى على أيدي الصهاينة المحتلين فحسب، بل ما لحق- ومازال- بالأمة العربية من نكسات وخسائر جسيمة مادية كانت أم معنوية طالت ماضيها وحاضرها و من ثم مستقبلها ؟ أم نحن تحديدا أمام محاولة إيرانية جريئة أخرى لكن بطابع جديد لم تشهد مثلها الساحة السياسية؛ تهدف- بالدرجة الأساس- إلى تغطية أو تقليل حجم الأضواء المسلطة- بصورة نسبية- عن كل ما يكتنف واقعها الداخلي من أزمات سياسية-أمنية واقتصادية واجتماعية مستفحلة، تنبئ عن استمرار حالات العجز المتنامية التي يعيشها النظام السياسي بحكوماته المتعاقبة في ظل تنامي قوة تيارات الإصلاحيين المعبرة عن احتياجات معظم الشعوب الإيرانية، بصورة أصبحت بموجبها أكثر تهديدا ليس لبقائه فحسب، بل وبقاء كيانها القومي- أولا- ثم إلى محاولة دغدغة مشاعر وأحاسيس الجزء الأكبر والمهم من فئات الشعب والشابة منها- بوجه خاص- وصولا إلى مغازلة بعض دول المحور الأمريكي- الغربي، والتي راهنت عليها أثناء الحملات الدعائية وما بعد انتهاء العملية الانتخابية في تنفيذ السيناريو المتفق عليه في قمة الهرم السياسي بين مرشحي الحزب الحاكم، لا سيما في ظل عمليات الحشد لعشرات الألوف من الإيرانيين القاطنين في دول أخرى- ثانيا؟ وأخيرا هل كان القصد من وراء تبني مثل هذا السيناريو بما يتوقع أن يرتبط به من تطورات؛ هو امتصاص الاحتقان في الشارع وإعادة خلط معظم الأوراق على قواه السياسية لصالحه أو هي مجرد محاولة داخلية ذات طابع استكشافي ومن ثم استئصالي، تستهدف إعادة تقييم السيرة الذاتية لأنصاره وقياداته في جميع تيارات السلطة، من حيث درجة ومستوى ومن ثم مدى التزامها بخط الثورة وتوجهات المرجعية الشيعية في مدينة قم والمرشد الأعلى منها- بوجه خاص- في اتجاه إعادة تصفية ومن ثم بلورة ورص صفوفها، استعدادا منها للتهيئة لدخول مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي الرسمي على دول المحور الأمريكي- الغربي -من جهة أخرى ؟ أم الاثنين معا؟
وإلا ما الجديد الذي طرأ على الواقع السياسي الإيراني ؟ هل كان متوقعا- في الأصل- أن تحسم النتيجة لغير صالح المرشح أحمدي نجاد قبل أن يستكمل دورته الرئاسية الثانية مثل نظرائه؟ ثم هل كان النظام الإيراني مستعدا لتبني مثل هكذا خطوة في أول سابقة خطيرة لا يحمد عقباها، لا سيما في حال أرتبط مثل هذا الأمر بما أحاط بشخص أحمدي نجاد من هالة إعلامية-دعائية مفتعلة منذ ترشيحه للانتخابات عام2005م، شارك فيها الإعلام الأمريكي- الغربي بدور رئيس لكن غير مباشر، بصورة أسهمت في تعزيز مكانة النظام القائم في الداخل قبل الخارج في واحدة من أصعب وأدق المراحل التي عاشها، نظرا للأوضاع الاستثنائية التي اكتنفت العلاقة سواء بين تياراته بما تتضمنه من قيادات وسطى وقواعد مع بعضها البعض أو بينها وبين التيارات الإصلاحية التي يعج بها الشارع الإيراني في الداخل والخارج؟
إذا كان كل المرشحين هم من كبار أعضاء الحزب الحاكم ؟ إذا ما خفايا ما يجري في إيران من تطورات نسبية، هي في حقيقتها- من وجهة نظرنا- أقل كثيرا مما تهول له وسائل الإعلام ؟ ثم أصحيح إن المرشد الأعلى فقد السيطرة على أعضاءه (نجاد، كروبي، موسوي، رافسنجاني...)و أنصارهم ؟ وهل كان النظام مضطرا إلى اللجؤ إلى خطوة استدعاء- هذا إن لم نقل السماح- لعشرات الألوف من المصوتين القاطنين في الخارج للعودة إلى إيران في خطوة غير مسبوقة ؟ وأين موقع تيارات الحركة الإصلاحية الشعبية من الانتخابات ؟ ثم من ما يجري في الوقت الراهن ؟ وإلا كيف نفسر ماهية وطبيعة عملية الحراك الحاصلة داخل النظام؟ وكيف نفسر محاولة إقدام المرشح موسوي المدعوم من قبل أحد أهم أركان النظام هاشمي رافسنجاني إشعال فتيل الأزمة الحالية، عندما خرج أمام أنصاره والعالم معلنا النتيجة بفوزه، ثم تدخل الإعلام الرسمي مباشرة في محاولة لتكذيب ذلك ؟ ولا سيما في حال أرتبط ذلك بتساؤل أخر مهم هو كيف استطاعت اللجان الانتخابية من استكمال عملية الفرز لقرابة37 مليون نسمة في ظرف ساعات قلائل ؟
وفي الأخير يصبح من الأحرى على جميع المهتمين والمختصين بالشأن الإيراني أن يعيدوا تقييم أطروحاتهم السابقة- استنادا- إلى ما يمكن أن يحصلوا عليه من إجاباتهم لكل هذه التساؤلات .

والله من وراء القصد.