بسم الله الرحمن الرحيم


طارق عبدالله ثابت قائد الحروي، التوازن الاستراتيجي في منطقة (غرب المحيط الهندي) وانعكاساته على مستقبل الأمن القومي العربي، أطروحة دكتوراه(غ.م)، أ.د محمود إسماعيل محمد (إشراف) ،(جامعة الدول العربية: معهد البحوث والدراسات العربية،2008).
الخلاصة التنفيذية
بقلم د.طارق عبدالله ثابت قائد سلام الحروي.
باحث يماني في العلاقات الدولية.
سعت الدراسة وراء إعادة تشخيص طبيعة واقع المنظومة الإقليمية التي تمثلها منطقة (غرب المحيط الهندي) بأقاليمها الفرعية الثلاثة الرئيسة (الخليج العربي، البحر العربي، البحر الأحمر)، وبعض الأجزاء المتاخمة لها في استراتيجيات القوى الدولية والإقليمية الفاعلة ، من خلال محاولة البحث في طبيعة وواقع الصيغ التوازنية الرئيسة(القائمة/ المقترحة) بشقها الثنائي ومتعدد الأطراف، التي تربط القوى الفاعلة مع بعضها البعض- بوجه خاص- من جهة- وفيما بينهما وبين القوة الأمريكية - من جهة أخرى- و مدى انعكاس ذلك- في المحصلة النهائية- على محصلة الفعل الاستراتيجي(الإدراكي/ الحركي) للقوي العربية الفاعلة المعنية في المدين القريب والمتوسط، بما يتماشى مع دواعي تحقيق الأمن القومي.
في حين تكمن أهمية الدراسة في عدة اعتبارات- يأتي في مقدمتها- إنها تناولت المنطقة بقواها الفاعلة في دراسة واحدة عالجت جدلية أنماط التفاعلات المعقدة الحاصلة بين أقاليمها الفرعية الثلاثة، من خلال تتبع مسارات تأثير أية حدث يبرز في جزء معين منها على عموم المنطقة، أو أجزاء واسعة منها والأجزاء العربية منها- بوجه خاص- استنادا- لرؤية لدى- الباحث- مفادها " إن القوى الخارجية وفي مقدمتها القوة الأمريكية ما زالت تنظر إلى هذه المنطقة أو أجزاء واسعة منها من منظور واحد- وفقاً- لمصالحها الحيوية المتنامية؛ جراء تنامي سمة الترابط العضوية النسبية وثيقة الصلة بين هذه الأجزاء، وكذا باعتبارها محاولة للتصدي لبعض أهم المعضلات التي تواجه دول المنطقة ـ معضلة الأمن- من خلال إعادة تشخيص وإبراز بعض القضايا الخلافية العالقة التي تمثل محور مجمل الصراعات الدائرة فيها، وخاصة تلك المؤثرة في طبيعة وواقع الصيغ التوازنية (القائمة / المقترحة)؛ نظراً لما لها من تأثير رئيس على طبيعة أية أدوار مستقبلية متوقعة أو محتملة للقوى الفاعلة المعنية على المستويين (الداخلي / الخارجي) .
أما النطاق الزمني للدراسة (1990-2003م)، فقد تزامن مع بدء الإرهاصات الأولى- لمرحلة ما بعد انتهاء (الحرب الباردة) (1986-1991م)- إثر دخول المنطقة مرحلة، لها سماتها الخاصة وسياستها الجديدة، فضلاً عن تناول مدخل تأريخي غطى الفترة الواقعة بين عامي(1945-1985م)، في حين تحدد النطاق المكاني لهذه الدراسة في المجال الجغرافي الذي تشغله منطقة (غرب المحيط الهندي)- بأقاليمها الفرعية الثلاثة الرئيسة(الخليج العربي، البحر العربي، البحر الأحمر) وبعض الأجزاء المتاخمة لها.
واستعان- الباحث- بمنهجي النظام الإقليمي والتحليل المستقبلي (الإستشرافي) في اتجاه مسح الماضي وتشخيص الحاضر واستشراف المستقبل، باعتبارهما الأنسب لموضوع الدراسة، فضلاً عن منهج التحليل التاريخي.
وتقع الدراسة في 690 صفحة، تضمنت قرابة ألـ 550 مرجعاً متنوعاً ، ونظراً لطبيعة موضوع هذه الدراسة، فقد تمت معالجته في مقدمة ومتن؛ تضمنت مدخل تمهيدي وثلاثة أبواب؛ من خلال عشرة فصول، اشتملت على اثنان وثلاثون مبحثاً بـ85 مطلباً، وخاتمه توزعت بين عرض تحليلي لبعض أهم التطورات السياسية- في هذا الشأن- منذ عام 2003م حتى مطلع عام 2007م، وجملة من الاستنتاجات العامة، بالإضافة إلي بعض التوصيات الهامة- في هذا الشأن .
أهتم الفصل التمهيدي بوضع الإطار ألمفاهيمي للدراسة؛ الذي يؤصل للعديد من المفاهيم الرئيسة التي وردت في ثنايا الدراسة، حيث أمكن إعادة بلورتها إلى جزئيين: ركز الأول-على تناول مفهوم التوازن ضمن الإطار السياسي وأخذ صيغة (توازن القوى) على الأغلب آنذاك- بصفة عامة- والتوازن الاستراتيجي على وجه الخصوص، وخلص منه إلى إعادة بلورة تعريف خاص لمفهوم التوازن الاستراتيجي تضمن أبعاداً متعددة أشارت إليها بعض الأدبيات مجتمعة ؛ بغاية توفير الإمكانية اللازمة؛ للتعامل مع الآثار التي أوجدتها مرحلة نهاية (الحرب الباردة) على الأمن القومي لدول المنطقة والدول العربية المعينة- على وجه الخصوص- مفاده " إنه محصلة فعل (إدراكي/حركي)، يعنى بإعادة توجيه الموارد الذاتية (المتاحة/الكامنة) للقوى المؤثرة في النسق الإقليمي- في إطار صيغ (توافقية/تكاملية) متعددة- تأخذ أشكال تكتلات وتحالفات ومحاور قوى (متكافئة/شبة متكافئة)، لبناء أوضاع وترتيبات إقليمية ؛ تتماشى مع المصالح الحيوية لهذه القوى (منفردة/مجتمعة) - بما يضمن لها توافر قدرة احتواء نسبية لمصادر التهديد الرئيسة، وأداة ردع حاسمه، تحول دون بروز أية بوادر حقيقية لهيمنة إقليمية عليها من (داخل/خارج) المنطقة ؛ نظراً لتوافر الأساس الموضوعي لوحدة الخطر المحدق بها، كي تتمكن من خلالها من تحسين آفاق احتمالات الوصول إلى حالة (التماثل/التناظر) سواءً بين عناصر القوة الشاملة داخل كل دولة ومستوى على حده، أو فيما بين بعضها البعض، ومدى انعكاس ذلك على مرونة وحركية مجمل الصيغ التفاعلية القائمة ، من حيث إعادة بناء حالة التكافؤ النسبية في العلاقات المتبادلة فيما بينها..)، فضلاً عن انه ناقش بعض المفاهيم التي وردت في ثنايا هذه الدراسة كـ(النظام الإقليمي، الأمن القومي العربي، المستقبل، القوى الفاعلة، الدور الإقليمي)، في حين إن الجزء الثاني- قد أختص بوضع إطار تعريفي لمنطقة الدراسة؛ من خلال تحديد مصطلح منطقة (غرب المحيط الهندي)، الذي شمل مجمل الحيز الجغرافي المستهدف في هذه الدراسة، الذي يغطي مجمل المساحة المائية للجناح الغربي لمنطقة المحيط الهندي بجزئها الآسيوي والأفريقي، واستناداً إلى المعيار الجغرافي أكثر منه الاستراتيجي الذي تبنته الدراسة في تحديد مكونات المنطقة، فقد خلص منه إلى أنها تضم 29 وحدة سياسية؛ هي(إيران ، العراق ، السعودية ، الكويت ، البحرين ، قطر ، الإمارات ، عمان ، الهند ، باكستان ، اليمن ، الصومال ، كينيا ، تنزانيا ، موزمبيق ، جنوب إفريقيا ، مدغشقر ، موريشيوس ، جزر القمر ، سيشيل ، المالديف ، الأردن ، فلسطين ، إسرائيل ، مصر، السودان ، إرتريا ، إثيوبيا ، جيبوتي )- هذا من جهة- والتعريف العام بخصائص المنطقة الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية- من جهة أخرى.
أما الباب الأول فقد أهتم بمعالجة طبيعة واقع التوازن الاستراتيجي في منطقة (غرب المحيط الهندي) في مرحلة ما بعد انتهاء (الحرب الباردة)، وهدف من وراء ذلك إلى محاولة إعادة قراءة معطيات البيئة الأمنية الدولية للفترة الواقعة بين عامي(1947-2003م)؛ من خلال السعي وراء تقديم عرض دقيق لسياسات القوى الدولية المؤثرة في واقع التوازن على مدار أكثر من أربعة عقود- تبعاً- لمنهاجيه تدريجية استندت إلى تتبع خط سير اتجاهات الأحداث الرئيسة التي ميزت المنطقة، بحيث أعيد بلورة وتصنيف هذه المرحلة إلى ستة فترات رئيسه، وعلى مرحلتين انحصرت في الأعوام (1945-1971م)،(1972-1985م) - هذا أولاً- ثم دراسة بعض المعالم الرئيسة المحددة للبيئة الدولية الأمنية الجديدة وانعكاساتها على واقع التوازن القائم في المنطقة؛ من خلال عدة مفردات- يأتي في مقدمتها- (تضاءل قدرات الاتحاد السوفيتي ومن ثم انهياره، زيادة الهيمنة الأمريكية على الشأن الدولي ، الدور الأمريكي)- ثانياً- وخلص منه إلى العديد من النتائج الأساسية- يأتي في مقدمتها- ما يلي:-
• إن بعض أهم المعالم الرئيسة للسياسة الدولية في منطقة (غرب المحيط الهندي) لم تخرج عن هذا السياق...، فطبيعة سياسات الاستقطاب الثنائية الحادة، التي تبناها محوري واشنطن – لندن، وواشنطن – بكين في مواجهة محور موسكو – (برلين – هافانا)، قد مثلت المحرك الرئيس الذي تدور حوله مجمل صيغ التفاعلات في هذه المرحلة، وكذا الأداة الرئيسة؛ لضمان بقاء الهيمنة الدولية على شئون المنطقة، والسيطرة على قواها الفاعلة، واحتواء أية اتجاه معادي لهما...، وهو ما تأكد أكثر من خلال نوعية الأساليب التي لجأت إليها القوى الدولية؛ من أجل إحكام سيطرتها على المنطقة وقواها الفاعلة- يأتي في مقدمتها- أولاً-عملية التقسيم الدقيقة للمنطقة إلى مجموعة دول ومناطق نفوذ دولي، والعمل على إبقاء دوله مرتبطة بها، تدور في فلكها على الدوام، وهو الأمر الذي أفقد معظمها وجود أية قدرة حقيقية على تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي، وبالتالي أبقى قدرات الفعل الاستراتيجية لدولها- على الأغلب- محصورة عند حدود ردود الأفعال، وليس الأفعال نفسها- بصورة أو أخرى..، ثانياً-إغراق المنطقة- بموجة حادة وواسعة من الصراعات والمنافسات، بصورة أدت إلى استنزاف مواردها وقدراتها الضعيفة، وهو الأمر الذي هيئ الفرص أمام هذه القوى؛ لاختراقها تحت شتى الذرائع..، ثالثاً- الاعتماد على منظومة متكاملة من الأدوات- في هذا الشأن- مثل (الوكلاء والحلفاء الإقليمين، التحالفات الإقليمية الثنائية ومتعددة الأطراف، المنظمة الدولية، المساعدات والمعونات، تقديم أو منع المعونات الخارجية للتيارات والحركات السياسية والمسلحة ؛ سواء أكانت في إطار المعارضة السياسية أو السلطة، وكذا الحركات الانفصالية...)، رابعاً- لعبة تبادل الأدوار وتغير التحالفات الإقليمية، التي تناوبت على أدائها القوتين العظميين في المسائل- ذات المساس المباشر- بمصالحهما الحيوية المشتركة.
• أما ما يتعلق- بمنظومة التحالفات الإقليمية، فإن ما شهدته المنطقة من بروز واسع وكثيف لأنماط مختلفة من صيغ التحالفات الإقليمية الثنائية ومتعددة الأطراف طوال مرحلة (الحرب الباردة)، قد أقترن- بشكل وثيق- بواقع سياسة الاستقطاب الثنائية التي قادها المحور الغربي- الأمريكي- على وجه الخصوص- حيث لم يقتصر دوره على مجرد التأثير في شئون المنطقة، بل تعداه إلى محاولة أن تكون له اليد الطولي في إعادة بلورة أو التأسيس للعديد منها، والتي أخذت شكل منظومات أمنية متكاملة من صيغ التحالفات الإقليمية الثنائية ومتعددة الأطراف، مثلت نقطة ارتكاز رئيسة له، أعتمد عليها- بشكل كبير- في إدارة صراعاته الأيديولوجية مع الخصم السوفيتي، الذي ركز بدوره - في مجمل تحركاته- على بناء شبكة واسعة من التحالفات الثنائية- على أقل تقدير- والاكتفاء- بتقديم الدعم والتأييد للاتجاهات المناوئة للمحور الأمريكي- الغربي- في هذا الشأن- بحيث أصبحت تمثل- بمجملها مجرد امتداد للصراع الخفي الدائر بين القوتين العظميين، بصورة أفقدت المنطقة سمة الاستقرار والهدوء المنشودة ، وأخلت- بموازين القوى القائمة بين دولها.
• وأتضح من دراسة المحددات الرئيسة، التي حكمت واقع العلاقات الدولية القائمة منذ النصف الثاني من عقد الثمانينيات، وخاصة في المسائل التي لها علاقة- بالإطار الاستراتيجي الذي ميز حركة القوتين العظميين في البيئتين الدولية والإقليمية، وما طرأ عليها من تغييرات لها علاقة وثيقة الصلة بطبيعة المضامين الفكرية وأبعاد النظرة الجديدة- من جهة- وطبيعة النموذج السياسي الحركي المتبع من قبلهما، وانعكاسات ذلك على واقع العلاقات القائمة في المنطقة- من جهة أخرى- ما يأتي :-
- إن دخول القوة الأمريكية- بصورة مباشرة- في تفاعلات المنطقة، باعتبارها طرفاً رئيساً وفاعلاً، قد أفضى إلى إيقاف- نسبي- لحالات التدهور الحادة؛ ومن ثم إلى ترجيح قوي في مواقف محور الدول غير العربية ( إسرائيل، أثيوبيا)، ومن ثم محور الدول الإسلامية (إيران)- تحديداً- على مواقف محور الدول العربية، وهذا- ما بدأ واضحاً- في تأسيس وتطوير شبكة واسعة من العلاقات الثنائية؛ سواء بين الأطراف الفاعلة والطرف الأمريكي، أو فيما بين الأطراف الفاعلة مع بعضها البعض، غطت المنطقة في الفترة بين عامي (1985-1992م)- هذا من جهة- وفي بناء أو إعادة تفعيل صيغ التحالفات متعددة الأطراف التي غطت أجزاء واسعة من المنطقة، وخاصة تلك التي لها علاقة وثيقة- بدواعي الأمن القومي للدول العربية المعنية ؛ مثل (الإعلان عن بدء التمهيد لقيام نظام شرق– أوسطي على أنقاض (جامعة الدول العربية، مجلس التعاون العربى...)، في ضوء نتائج العدوان على العراق، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط...
- إنه على الرغم من إن انتهاء مرحلة (الحرب الباردة)، قد أدى إلى تغيرات جوهرية شملت المعالم الرئيسة للنظام الدولي، الذي برز في أعقابها، إلا أن ذلك لم يؤدي إلى بزوغ نظام دولي جديد بذاته ، بقدر ما أفضى إلى بروز وضع استثنائي جديد (مرحلة انتقالية) تهيمن عليه الإرادة الأمريكية- بشكل غير مسبوق- وفقاً- لآليات وأنساق تفاعلية قديمة، بلغت ذروتها مع التحولات الجوهرية التي اكتنفت سياستها عقب أحداث سبتمبر2001م، التي وفرت لها مزيداً من قوة الدفع لتوجهاتها وفعالياتها- في هذا الشأن- وذلك؛ من خلال دمج العمل السياسي- بالعمليات العسكرية، إلى جانب العمل على استمرار إشاعة أطروحة (التحدي الدائم..)؛ بسبب التغير الحاصل في مفهوم الأمن القومي الأمريكي- من جهة- وطبيعة مصادر تهديد الأمن الدولي والأمريكي- من جهة ثانية- حظيت بموجبها الاعتبارات الاقتصادية- أولاً- ثم الإيديولوجية والعسكرية – الأمنية- ثانياً- على أقصى درجة من الاهتمام المطلوب لدى صانع القرار الأمريكى طوال هذه المرحلة، باعتبار إن النظام الدولي المنشود، هو الذي تضمنه بلاده، بحكم إنها المسئولة لوحدها عن تطبيقه؛ سواء أكان ذلك عبر بوابة الرضا وإشراك القوى الأخرى، أو من خلال العمل بصورة منفردة، إذا ما اقتضت الحاجة ذلك.
وعليه فقد خلصنا إلى إن جهوده الساعية وراء الحفاظ على مركزه المتميز، حتى بعد تقهقر قواه مستقبلاً، قد أخذت السياق الأتي:-
 التركيز على مناطق وأقاليم، وكذا دولاً- بعينها من العالم، تتمتع- بميزات اقتصادية وعسكرية مهمة، وربطها- بمتطلبات المصلحة والأمن؛ نظراً لما تحمله الاضطرابات المتنامية في هذه الأجزاء من محاذير؛ تكمن خطورتها سواء في احتمالية تأثيرها المدمر على الاقتصاد والاستقرار الدولي، أو في مدى التزاماتها الأمنية إزاء دولها؛ ومن ثم وضعها ضمن تقسيمات جيوبوليتيكية جديدة؛ تقوم على تفكيك الكتل الإقليمية والوحدات السياسية، وإعادة دمجها في مجالات جيوبوليتيكية جديدة أو مستحدثة على هيئة كتل جيوسياسية- لا تشكل- بالضرورة أية تجانس عرقي أو ديني أو قومي، باستثناء تحقيق مصلحة الرأسمالية المركزية الأمريكية في استمرار الهيمنة والسلب المنظم للثروات، وهذا ما يؤكده الانتشار الواسع لظاهرة الكتل الاقتصادية والسياسية..، وهو- ما بدأ واضحاً- في عملية خلق منظومة للهيمنة الدولية والإقليمية- بكل أبعادها، في إطار جهودها الرامية إلى إقامة نظام دولي وإقليمي محوري؛ تقوم فيه كل قوة فاعلة- بدورها المرسوم- بشرط أن تبقى مستجيبة- بصورة دائمة- لدوافعه وسياساته، باعتبارها منطلقاً مهماً للتغيير والتدخل، مع وجود إمكانية لإقحام حلفائه الغربيين وبعض دول المنطقة؛ كشركاء تابعين له في إدارة هذه النظم، بصورة تضمن له مصادر التمويل النقدي؛ لتحمل أعباء هذه المشاريع الضخمة، وتحقق له إمكانية احتواء شركائه، الذين يتوقع لهم أن يتحولون إلى خصوم دوليين وإقليمين في المستقبل في آن واحد. لذلك فقد شهدت هذه المرحلة سعي الطرف الأمريكي وراء الانخراط - بقوه في المنظمات والتجمعات الدولية والإقليمية، باعتباره قائداً وموجهاً رئيس لها، مع محاولاته المتكررة، إحياء المبادئ العامة، والمفاهيم المرتبطة بها، وتعديل أنشطتها، أو خلق أهداف أخرى وغربلتها بصورة تتماشى مع مصالحه القومية، وهذا- ما بدأ واضحاً- في الاستخدام المكثف للمنظمات الاقتصادية الوطنية والدولية، والمؤسسية الإنسانية غير الحكومية، وشركات متعددة الجنسيات..، إلى جانب الدخول في مشاريع الاستراتيجيات الأمنية عبر العالم، التي ميزت السياسة الأمريكية في هذه المرحلة أو في الإيعاز أو مجاراة دول المنطقة في التجمع والتماسك، وإحياء مؤسساتها الفئوية والإقليمية؛ لدوافع ذاتية وموضوعية.
جـ - وفيما يتعلق- بالتحولات الجوهرية؛ سواء تلك التي لها علاقة- بطبيعة الرؤية الأمريكية لدورها ومصالحها الحيوية المتنامية، والنموذج السياسي الحركي المعتمد إزاء البيئتين الدولية والإقليمية، فقد توصل- الباحث- إلى ارتباط وتأثر طبيعة ومستوى؛ ومن ثم اتجاهات السياسة الأمريكية بـ :- (مدى الحيز الذي تحتله المنطقة- بمجالاتها الجغرافية المختلفة، صاحبة التأثير الرئيس والفاعل في مجريات الشئون الدولية، وخاصة إن تنامي مصالحها الحيوية، قد عظم من القيمة الجيوستراتيجية لها، وكذا لما يجاروها من مناطق حيوية في مدركات صانع القرار الأمريكي- الغربي ، طبيعة (قوة/ مستوى) الأحداث نفسها، ومدى ارتباطها- بطبيعة التغيرات الحاصلة في أجندة السياسة الأمريكية (مرحلياً/استراتيجياً)- تبعاً- لتنامي مصالحها الحيوية ومصادر التهديد الرئيسة المحيطة بها، في إطار ما دأبت عليه السياسة الأمريكية من عملية إخضاع مجمل علاقاتها الإقليمية- في هذا الشأن- بصورة دائمة إلى طبيعة واقع صيغ التوازنات القائمة بين البيئتين الدولية والإقليمية- بقدر تأثيرها على توجهاتها إزاء المجالات الجغرافية المجاورة).
في حين يعالج الباب الثاني: موضوع البيئة الإقليمية الأمنية الجديدة وانعكاساتها على واقع التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وذلك من خلال تناول بعض أهم معطيات البيئة الأمنية الإقليمية في كل من (الخليج العربي ، البحر العربي، البحر الأحمر) كلاً على حده؛ من حيث إبراز بعض أهم المحددات الرئيسة الحاكمة لها وبؤر التوتر الاستراتيجية المزمنة التي من خلالها
أمكننا تحديد طبيعة وواقع الصيغ التوازنية (القائمة/المقترحة)، إضافة إلى الإشارة إلى بعض أهم صيغ التحالفات الإقليمية الجديدة القائمة ، وهدف من وراء ذلك تقديم رصد دقيق وموضوعي لطبيعة واقع الشبكة الإقليمية القائمة في منطقة (غرب المحيط الهندي)، من حيث إعادة تناول هذه الأحداث بالتركيز على العوامل المنشئة لها والدوافع والملابسات التي أحاطت بها مع إبراز تأثير العامل الدولي(الأمريكي) – بوجه خاص- وكذا الآثار والتداعيات المباشرة لها على عموم المنطقة أو أجزاء منها، بصورة نستطيع أن نستشف منها نطاق حدود وأبعاد المعضلات التي تعاني منها دول المنطقة، وخلص منه إلى إن هنالك علاقة ارتباط عضوية وثيقة الصلة بين الإطار الاستراتيجي لحركة القوى الدولية- صاحبة المصلحة إزاء المنطقة- بأقاليمها الفرعية الثلاثة وما يجاورها من مناطق حيوية أخرى؛ من حيث مدى شمولية النظرة، وطبيعة الأدوات الموظفة في كل جزء منها على حده- تبعاً- لما تفرضه أولوياتها (المرحلية/الاستراتيجية)- استنادا- لما قد يطرأ عليها من تغيرات جذرية على المستويين الداخلي والخارجي، وبين مدى زخم الأحداث الرئيسة التي تعج بها المنطقة؛ من حيث (النوع / الكم)، وهو أمر أرتبط - في الأصل- بما توصل إليه- الباحث- من استنتاجات عديدة- في هذا الشأن- يأتي في مقدمتها- وجود اتساق نسبي أتسمت به معظم الأحداث الرئيسة، التي اجتاحت أجزاء واسعة من المنطقة في شبكة إقليمية واحده؛ نظراً لوحدة المسرح ألعملياتي الذي تدور- بشأنه الأحداث المنضبطة بخصائصه والمتأثرة- بمعالمه الرئيسة، حيث بدأت منذ الوهلة الأولى، كأنها أكثر تناغماً؛ من حيث طبيعة ومستوى القوة، وكذا الأبعاد والنتائج والتداعيات...، مع ملاحظة إن هنالك أجزاءً- بعينها أريد لها أن تأخذ نفس السياق العام؛ من حيث طبيعة الحدث، وتطوره- على مدار نصف قرن- والكيفية التي على أساسها تم إدارته...- ولو بصورة نسبية- وكذا وجود صلة ارتباط بين مجمل الأحداث الرئيسة، التي تناولتها الدارسة، والصيغ التوازنية الدولية والإقليمية القائمة.
ومن هنا يمكن القول- إن ما توصل إليه- الباحث-- فيما يتعلق- بشبكة التحالفات الإقليمية الجديدة التي ميزت المنطقة في هذه المرحلة، فهي- بقدر ما جاءت كي تمثل مخرجاً اقتصادياً ومن ثم سياسياً – أمنياً مهماً ورئيساً- على الأغلب- لمجمل الأوضاع المتدهورة، التي تعاني منها دول المنطقة- في هذا الشأن- ومسايرة للمناخ الدولي العام في آن واحد، فإنها لم تتعدى- في الأغلب- عن كونها مجرد انعكاس غير مباشر للإرادة الدولية- الأمريكية، بصورة جعلتها تتخبط في دائرة الإملاء الأمريكية-على وجه الخصوص- بعيداً عن مقتضيات مصالحها القائمة، حتى وإن بدء الظاهر منها غير ذلك؛ جراء قوة الحضور الأمريكي- الغربي الذي أصاب النسيج الإقليمي والمحلى- بحالة من الشلل شبة التام- وخاصة في ضوء حالات الخلل الحادة التي أصابت هذه الصيغ من جراء اتساع دائرة المصالح الأمريكية على حساب المصالح الدولية الأخرى- هذا من جهة- وبقاء مستوى نمو المصالح المشتركة بين دول المنطقة في أدنى درجاته؛ نظراً لأنها مازالت تغلب الاعتبارات الخارجية- استناداً- لرؤى مرحلية، على الرغم من تنامي صيغ التحالفات الثنائية ومتعددة الأطراف- من جهة ثانية- بصورة أخلت- بطبيعة، وواقع ومن ثم اتجاهات هذه الصيغ، وقلل من كفاءاتها وإنتاجها- بشكل أثر سلباً على مردداتها المتوقعة.
أما الباب الثالث ، فقد تناول مستقبل التوازن الاستراتيجي في منطقة(غرب المحيط الهندي) والأمن القومي العربي؛ من خلال تناول بعض جوانب التأثيرات المستقبلية المحتملة لأدوار القوى الإقليمية الفاعلة فيها على ثلاثة محاور (عربي، إسلامي، غير عربي)، من حيث تحديد الإطار الاستراتيجي الحاكم لحركة هذا الدولة أو تلك في نطاق حدود المنطقة وما يجاورها- وفقاً- لمعطيات ظرفية تدور حول واقع هذا الدور، الذي تتفاعل فيه شبكة معقدة من المصالح القائمة والمحتملة، مع الرؤية التي تضعها كل دوله لنطاق حدود دورها الإقليمي- استنادا-ً لمعطى واقع عناصر قوتها القومية، ثم محاولة التعرف على دائرة الخيارات التي يمكن للأطراف العربية المعنية أن تتعامل معها؛ حفاظاً على أمنها القومي وصيانة لمصالحها العليا؛ من خلال تقديم رؤية تحليلية محدده لطبيعة خط سير الأنماط التفاعلية المستقبلية في المنطقة ، ثم وضع إطار عام لبعض المشاهد المستقبلية لهذا التوازن وانعكاساتها على الأمن القومي العربي، هي (الاستمرارية، التقاطع ،الالتقاء)، ناقشت مجمل الصيغ التوازنية(القائمة/المقترحة) بشقها الثنائي ومتعدد الأطراف- وفقاً- للمحاور المقترحة، مع التركيز على محور الدول العربية، باعتباره المحور الرئيس في موضوع الدراسة، وهدف من وراء ذلك توضيح مقدار ما يمتلكه كل طرف من مقومات (متاحة/ كامنة)، يمكن البناء عليها للوصول إلى مستوى بناء نموذج حركي جمعي، يتوقع له أن يرتقي بفعلها الاستراتيجي إلى مستوى المرحلة، ويؤهلها للنجاح في إعادة بلورة طبيعة واقع التحالفات الإقليمية الجديدة، وخلص منه إلى أن:-
أ- ما يتعلق- بطبيعة واقع الأطر الاستراتيجية الحاكمة للحركة الإقليمية لهذه الدولة أو تلك، فقد وجد- الباحث- إنه على الرغم من إن تنامي مظاهر التطبيع في العلاقات السياسية و(الاقتصادية/التجارية) بين هذه الأطراف، يدخل ضمن دائرة رد الفعل أكثر من الفعل نفسه، وتحديداً محور الدول العربية، مقارنة- بالمحاور الأخرى؛ مثل (إسرائيل، الهند، ج.أفريقيا...، إيران...)، إلا أن نطاق حدود وأبعاد الدور المنشود، مازال يغلب عليه سمة القصور؛ من حيث ( وجود صعوبات حقيقية في تجاوز عناصر العداء التقليدي ، تعارض وتقاطع جوهري نسبي للمصالح العليا بين بعضها البعض سواء (داخل/خارج) كل محور؛ جراء افتقارها لرؤية واضحة لـ(حدود/أبعاد) هذا الدور؛ تنطلق من المصالح الوطنية في تكاملها مع المصالح العربية، ومن ثم المصالح الإقليمية؛ بسبب النظرة الضيقة التي يوليها كل طرف لماهية و نطاق حدود هذه المصالح أو الأدوار- استناداً- لما يوظفه من إمكانات وأدوات..علاوة على ما لديه من قدرات، دون مراعاة حتى للحد الأدنى من الاعتبارات المشتركة بينها، مقابل محاولة الانفتاح النسبية على دوائر أوسع خارج نطاق حدود المنطقة، تفوق قدراتها الحالية على مسايرتها، على الرغم من وجود بعض المكاسب المتحققة والمحتملة، وهو الأمر الذي يجعل منها مجرد ترس صغير في عجلة النفوذ الدولي الضخمة- هذا من جهة- وتنامي سعة الفجوة بين حجم المصالح القائمة والمنشودة، وبين افتقادها للأدوات المتطورة اللازمة؛ لممارسة مثل هكذا أدوار، والحفاظ على هذه المصالح- بما يحقق لها الاستفادة القصوى منها، دون الاكتفاء- بما يلقى إليها منها الآخرين، إلى جانب محدودية الرؤية الأمنية التي يضعها كل طرف حيال المنطقة؛ بسبب تركيز أغلب هذه الأطراف على الحيز الجغرافي الذي تشغله وما يجاوره من مجالات أخرى- في بعض الأحيان- من جهة أخرى.
ب- أما فيما يتعلق- بمعطيات الواقع الداخلي ذات الصلة الوثيقة- بعناصر القوة القومية لدي كل طرف- من جهة- أو بين أطراف كل محور مع بعضها البعض أو فيما بينها وبين المحاور الأخرى- من جهة ثانية، فقد توصل- الباحث- إلى وجود حالات من التباين والاختلال الحادة الحاصلة بين عناصر القوة القومية لدى كل طرف؛ جراء استمرار حالة التآكل التدريجية- لقدراته التقليدية، وانتفاء القدرة الذاتية عن استنهاض ما يمتع به من مقومات رئيسة؛ من أجل بناء النموذج السياسي والاقتصادي المحلي، الذي يفي باحتياجاتها الداخلية، ويكون له تأثيراته وإشعاعاته الإقليمية، وهو ما يمكن ملاحظته في طبيعة وعمل شبكة التحالفات الإقليمية القائمة؛ من حيث إن المجموع الكلي للقدرات والإمكانات التي تنعم بها هذه الأطراف، قد رجح من كفة محور الدول غير العربية؛ ومن ثم الإسلامية على حساب محور الدول العربية- في هذا الشأن- وعزز من قوة تأثير أدوارها الإقليمية- بفضل ما تمتلكه من مميزات إستراتيجية، بصورة تجعلها في موقع الصدارة، إلى جانب سمة التداخل والتشابك بين مصالحها ومصالح القوى الخارجية- صاحبة المصلحة في المنطقة، وهو الأمر الذي أنعكس بدوره على آليات وطبيعة عمل، وكذا تطور معظم الأشكال الإقليمية التي غطت أجزاء واسعة من المنطقة؛ من حيث إن سعى الأطراف الفاعلة وراء محاولة تفعيل أدوارها في إطار بيئتها الإقليمية، باعتبارها الدولة الأكثر حظاً نسبياً- وفقاً- لما تمتلكه من قدرات- في هذا الشأن- مقارنة بباقي الدول التي تشغل نفس الحيز الجغرافي من خلال محاولة خلق تنظيم إقليمي، يغطى المجالات الجغرافية التي تشغلها، كأحد أهم الأدوات المتاحة أمامها؛ لتطويق عناصر التشتت والتشرذم الإقليمية، ويقربها من لغة الحوار اللازمة؛ لمواجهة الحاجات والتحديات المعاصرة- بقدر ما أرتبط بطبيعة ومدى طموحاتها الإقليمية، وما توظفه من موارد- في هذا الشأن- إلا أنها لم تفضي إلى إيجاد تنظيمات إقليمية؛ يمكن التعويل عليها- في هذا الشأن-
وعن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة- في هذا الشأن- نورد منها مايأتي:-
- إن التوازن الاستراتيجي سيظل محوراً رئيساً في اهتمامات صناع القرار للمرحلة القادمة، غير إن إدارة هذا التوازن بنجاح، يعد بحد ذاته تحدياً كبير تعاني منه كل دول المنطقة- تقريباً- والدول العربية- على وجه الخصوص- بصورة تتمكن من خلالها هذه الدول من الارتقاء بمستوى فعلها الاستراتيجي (الإدراكي/ الحركي) إلي الحد الذي يكفل لها إمكانية الوصول إلي حالة التكافؤ النسبية المنشودة في القدرات على المستويين (الداخلي/الخارجي)، بما يؤهلها (منفردة/ شبه مجتمعة) على أداء أدوار إقليمية فاعلة ومؤثرة، بدلاً من أن تبقى رؤاها وموقفها مجرد ردود أفعال آنية .
- إن موضوع مستقبل الأمن القومي العربي والحفاظ عليه، باعتباره أساس تحقيق عملية التنمية المنشودة ، يرتبط بمنظومة متكاملة من المصالح الوطنية والقومية- من جهة- والمصالح الإقليمية ثم الدولية- من جهة أخرى- لذا يتوقع له أن يبقى مرهون بقدرة القوى العربية الفاعلة على تقليص سعة الفجوة فيما بينها، وتقريب ثم توحيد رؤاها ومواقفها الرسمية إزاء معظم القضايا المصرية- ذات الاهتمام المشترك ـ أولاً- ثم بينها وبين بعض القوى الفاعلة الأخرى ـ ثانياً- بصورة تضمن لها توفر قدرة حقيقية على تثوير إمكاناتها في إطار صيغ (توافقية / تكاملية)- وفقاً- لأسس (ذاتية / موضوعية)، تؤهلها (منفردة / شبه مجتمعة) على التأسيس للخطوة الأولى- في هذا الشأن- والتي من خلالها تستطيع أن تعيد صياغة أدوارها الإقليمية، بما يتناسب مع نطاق حدود ما توظفه من إمكانات وأدوات، وكذا ما تمتلكه من مصالح حيوية ( قائمة/ منشودة) .

والله من وراء القصد

ملاحظة
حصلت هذه الدراسة على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى ، وتشكلت لجنة المناقشة والحكم من السادة(أ.د محمود إسماعيل محمد(مشرفا ورئيسا)عميد كلية التجارة/جامعة6 أكتوبر وأستاذ كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة، أ.د إسماعيل صبري مقلد (عضوا) عميد كلية التجارة ورئيس قسم العلوم السياسية/ جامعة أسيوط سابقا ، أ.د أحمد يوسف أحمد(عضوا) عميد معهد البحوث والدراسات العربية ورئيس قسم العلوم السياسية)