العدالة لمسلمي الصين .. وليس الإنفصال

ياسر الزعاتره

لم تعد الصين مقطوعة عن عالمنا كما كانت من قبل ، فالطائرات التي تتحرك من بعض العواصم العربية إلى عاصمتها أو بعض مدنها الأخرى تزدحم بالتجار العرب ، تماما كما تزدحم بسواهم من البشر ، وبالطبع بعد الصعود الاقتصادي الصيني المذهل خلال العقدين الماضيين ، والذي جعل البضائع الصينية سيدة الأسواق في نيويورك والعواصم الأوروبية ، تماما كما هو حالها في عواصم العالم الثالث ، مع فارق الجودة بين النوعين تبعا لحقيقة أن الصينيين يصنعون للتجار بضائع ذات مستوىً يرتبط بالأسعار التي يدفعونها.
نقول ذلك بين يدي ما وقع في مقاطعة شينجيانغ (تركستان الشرقية) خلال الأيام الأخيرة ، وحيث لم تعد أخبار المسلمين الصينيين وما يتعرضون له من تضييق بعيدة عن أعين المسلمين ، ليس فقط في المقاطعة المشار إليها ، والتي تعرف تاريخيا بتركستان الشرقية، بل في مختلف أرجاء الصين ، أعني حيث يتواجد مسلمون ، بخاصة في المناطق الصناعية التي تستقطب عمالا من سائر أنحاء البلاد.
القادمون من الصين يروون كيف يخشى الصينيون المسلمون من التعبير عن تدينهم ، أو التبشير بأفكارهم ، وأيما رجل قادم من الخارج ضبط يمارس نشاطات تبشيرية ، حتى لو بين المسلمين ، فسيرحّل مباشرة إذا لم يتعرض لما هو أسوأ.
الصين دولة شمولية لم تغادر موقعها ضمن هذا الإطار رغم الانفتاح المحدود الذي تبلور خلال السنوات الماضية ، ونظامها يتعامل مع مواطنيه جميعا بروحية الوصاية ، أكانوا من المسلمين أم سواهم ، وفي أي حال فهو نظام بالغ الحساسية حيال أي نشاطات تأخذ طابع التميز داخل الدولة ، فضلا عن أن تشتم منها رائحة الانفصال ، ويلاحظ ذلك بوضوح في الموقف من ملف التيبيت ، فضلا عن الموقف من قضية تايوان ، إلى جانب قضية مسلمي شينغيانغ أو تركستان الشرقية.
من الواضح أن وضع المسلمين هو الأكثر تعقيدا ، والسبب هو وجودهم في منطقة شاسعة (حوالي خمس مساحة الصين) وغنية بالموارد، ما يعني قابليتها للانفصال لو توفرت الظروف المناسبة، وهو ما دفع النظام الصيني إلى تغيير طبيعتها على الطريقة الستالينية ، عبر نقل أعداد من قومية الهان الصينية إليها، ما أوجد قدرا من الحساسية العرقية في المنطقة.
لا خلاف على أن المسلمين في الصين يعانون كثيرا من منظومة القمع السائدة ، وحتى مسلسل الانفتاح النسبي خلال السنوات الماضية لم ينسحب على التعامل معهم ، وبدا الموقف أكثر سوء عندما أحسّ النظام بأن المد الديني قد وصلهم كجزء من ظاهرة انتشار التدين بين المسلمين في كل مكان.
لا يتوقف الأمر عند هذا البعد ، بل يتجاوزه إلى تهميش سياسي واقتصادي ، حيث يحرمون من التمتع بالثروات التي تزخر بها مناطقهم الغنية بالنفط واليورانيوم والفحم ، حتى ضمن منطق العدالة الجمعي لكل الصينيين.
لا قيمة لحديث النظام الصيني عن دور خارجي في الأحداث الأخيرة ، لكن ذلك لايعني أن الخارج سيبقى بعيدا عن التدخل في الشأن الصيني في هذا الملف وسواه ، ولا شك أن الولايات المتحدة ستتدخل أكثر خلال المرحلة المقبلة كجزء من آليات تعطيل التقدم الصيني نحو منافسة نفوذها في العالم ، وليس لنصرة المسلمين.
على هذه الخلفية تبدو تلك المنطقة مرشحة لمزيد من الاضطرابات خلال السنوات المقبلة ، وهنا ينبغي القول إنه ليس من مصلحة مسلميها، ولا من مصلحة عموم المسلمين تحريك نزعات الانفصال العنيفة بين أهالي تركستان الشرقية، والسبب هو لا جدواها مقابل كلفتها الباهظة تبعا لمواجهتها لنظام قمعي وقوي لن يتسامح مع نزعات من هذا النوع، في ذات الوقت الذي لن يكون من مصلحة المسلمين بشكل عام تعطيل التقدم الصيني نحو منافسة الولايات المتحدة التي كانت الأكثر عداء لنا ولقضايانا من أي أحد آخر.
لذلك كله يبدو النضال السلمي المطالب بالعدالة هو الأجدى لمسلمي الصين، لا سيما إذا حظي بدعم من مسلمي العالم عبر بوابة الحوار وليس التحدي مع الدولة الصينية التي تبدو في حاجة لتطوير علاقاتها مع الأمة الإسلامية. والخلاصة أن من الخطأ تكرار مأساة الشيشان، وقبلها بكثير مأساة مسلمي الهند ، وليكن المسلمون دعاة عدالة وأصحاب رسالة خير للناس أجمعين.

المصدر/ جريدة الدستور
14/7/2009