ربيعة قدير "أم الأويغور" مثال للتضحية

د.فاطمة إبراهيم المنوفي

لقد كانت للمرأة المسلمة في مهد الدعوة إنجازات عظيمة، و لعبت المرأة المسلمة دوراً هاماًً في تاريخ نشر الرسالة الإسلامية والذود عنها، و تحملت في سبيل ذلك الكثير من الصعاب و المتاعب بل و حتي الإيذاء و القتل.
ومن هؤلاء:
- السيدة خديجة رضي الله عنها ، التي كانت تخرج من بيتها بعد أن تجهز الطعام لزوجها صلى الله عليه وسلم وتذهب به إلى غار حراء حيث يتعبد، وتسير كل هذه المسافة لتطعمه وتطمئن عليه وتصعد إلى الغار وقد أشرفت على الستين ، وقد بشرها جبريل ببيت من قصب لا نصب فيه ولا وصب، ولو كان في خروجها من بيتها شيء لما بشرها الله تعالى بهذا الجزاء الوفير.
- أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما التي كان لها دور بارز ومؤثر في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، تلك الهجرة التي كانت نقطة إنطلاق وتحوُّل في مسار الدين الجديد، فكانت هي التي تحمل الطعام و الشراب للرسول الكريم و لوالدها في غار ثور و نالت شرفا عظيما و لم توكل مهمتها الي رجل بدلا منها و لم يتم منعها عن نصرة دين الله. كما شاركت أسماء بنت أبي بكر في معركة اليرموك مع زوجها الزبير. وكان لها دور في الصراع الذي دار بين ابنها عبدالله و الحجاج، وكانت تشجع ابنها عبدالله على استمرار قتاله للحجاج حتى قُتل، وقالت قولتها المشهورة عندما صلبوا جثة ابنها: "وما يضير الشاة سلخها بعد ذبحها؟! وذكر الذهبي أن أحاديثها متفق عليها في الكتب الستة.
- أم سليم بنت ملحان 'الغميصاء' أم خادم النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك. و قد خرجت مع الرسول صلي الله عليه وسلم مقاتلة مدافعة عن دين الله ؛ قال محمد بن سيرين: كانت أم سليم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعها خنجر. وفي صحيح مسلم بشرح النووي [ج10 ـ 12] باب بعنوان غزوة النساء مع الرجال عن أنس: أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرًا فكان معها، فرآها أبو طلحة 'زوجها' فقال: يا رسول الله: هذه أم سليم معها خنجر فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الخنجر؟ قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرتُ به بطنه 'أي شققته' وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.
- أم عمارة الأنصارية التي أبلت بلاءً حسنًا في القتال يوم أحد حتى أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم, وفي حروب الردة شهدت المعارك بنفسها، حتى إذا قتل مسيلمة الكذاب عادت وبها عشر جراحات.
- رفيدة الأسلمية كانت خبيرة بمداواة الجرحى، وكان لها يوم الخندق خيمه عرفت باسمها حمل إليها سعد ابن معاذ لما أصيب. كما خرجت نساء النبي صلي الله عليه وسلم معه في الغزوات ؛ فقد كُنّ يسقين الماء ويجهزن الطعام ويضمدن الجراح.
و في عهد الخليفة عمر ابن الخطاب شغلت المرأة منصب القائم على شؤون الحسبة والسوق، فقد إختار أمير المؤمنين رضي الله عنه -الشفاء بنت عبدالله العدوية- للتولي الحسبة و ذلك بناءا علي الكفاءة و ليس الأنوثة أو الذكورة . كما ذكر الإمام ابن عبدالبر - رحمه الله - في (الإستيعاب) أن (سمراء بنت نهيك الأسدية) كانت تتولى مراقبة الأسواق و تأديب المخالفين.
و قد شاركت المرأة فيما يتعلق بإصلاح المجتمع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من الأعمال الإجتماعية الأخرى، و قد أجمع المسلمون علي صحة إجارة المرأة و أمانها ؛ فقد قالت أم هانئ للنبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : "إنني أجرت رجلين من أحمائي" ، فقال صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" .
هذا هو حال المرأة في عهد النبوة؛ فالإسلام قدم لنا مشروعًا حضاريًا للتعامل مع المرأة فالنساء شقائق الرجال كما قال رسولنا صلي الله عليه وسلم.
و في الآونة الأخيرة ذاع اسم إحدى المناضلات الاويغوريات وهي المناضلة ربيعة قدير التي أوصلت صوت الشعب الأويغوري في تركستان الشرقية إلى العالم بأسره.
السيدة ربيعة قدير لهما من الأولاد احد عشر ولدا ، و هي زوجة للمناضل "صديق راضي" استاذ أصول التدريس والأدب في تركستان الشرقية وهو بالإضافة إلى ذلك كاتب مرموق مهتم بحقوق الشعب الاويغوري.
اضطرت ربيعة إلي اقتحام سوق العمل سعيًا على أسرتها الكبيرة العدد بعد فرار زوجها إلي الولايات المتحدة في بداية عام 1996 بعد أن سُجن سياسيًّا في الصين بسبب أنشطته، خاصة تعليقاته الإذاعية عن أوضاع تركستان الشرقية. فأسست في البداية مكانًا متواضعًا لكيِّ وغسل الملابس، ثم تحولت إلى بيع أزهار وبذور عباد الشمس، واستطاعت في فترة قصيرة أن تنجح في عملها لدرجة أنها أصبحت من أصحاب الملايين.
استغلت وسائل الإعلام الصينية نجاح ربيعة لمصلحة النظام؛ محولة هذا القهر والنفي إلى نجاح سياسات الدولة تجاه القوميات المسلمة وخاصة من الأويغور.
اشترت ربيعة محلاًّ لها في وسط عاصمة تركستان الشرقية أورومتشي وأسست شركتها التجارية، وكانت مثالاً ناجحًا للتاجرة المسلمة؛ فقد بدأت أعمالها في وطنها تركستان الشرقية، ثم توسعت إلى الأقاليم الصينية الأخرى. ولقربها الثقافي والديني كمسلمة من دول آسيا الوسطى امتدت اتصالاتها التجارية إلى تلك الدول، ثم إلى إيران، و تركيًا.
حققت ربيعة نجاحا كبيرا في سبتمبر 1994 حين اختيرت من ضمن أغنى 10 أقطاب تجارية في الصين من قِبل مجلة "فورتشون" الأمريكية المعروفة
و استخدمت ربيعة كل ما تملك لتدريب وتوظيف نساء قومها؛ فأسست "حركة الألف أم" عام 1997 لتوفير فرص العمل للنساء الأويغوريات وفتح مركز لتعليم اللغات ومحو الأمية لفتيات قومها، و هو ما تسبب في إثارة مخاوف الحكومة الصينية من أي تحرك اجتماعي اقتصادي مستقل بين القومية الأويغورية و جعلهم ينظرون إليها كشخصية اجتماعية مؤثرة بدأت العمل الاجتماعي والخيري الذي سيقودها لتكون شخصية رأي عام وقيادية بين المسلمات الأويغوريات.
لذلك لم يدم هذا الحال طويلا ؛ فضيقت الصين عليها تحركاتها، ثم سحبت منها جواز السفر؛ لمنعها من زيارة زوجها.
و في مايو 1999 أرسلت ربيعة لزوجها عددا من الصحف المحلية التي تباع في شوارع تركستان، فأخذتها الحكومة الصينية ذريعة لاتهامها بإرسال معلومات حكومية لجهات أجنبية بالبريد العادي إلى الخارج، وفي 11 أغسطس 1999 اعتُقلت ووجهت لها مباشرة تهمة "تسريب أسرار الدولة وتوفير معلومات لمنظمات أجنبية" واعتقلت السلطات أيضًا ولديها عبد الكريم وعليم ومساعدتها قهرمان عبد الكريم.
و استنكرت منظمة العفو الدولية في أكثر من تقرير لها ما حدث لربيعة، ولحقتها لجنة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية.
لم يجد زوج ربيعة قدير صديق راضي بُدًّا من مخاطبة الرئيس بوش لتبني إطلاق سراح زوجته، وقد استخدم بوش قضيتها كورقة ضغط على الحكومة الصينية، لا كدفاع عن مبدأ.
و بعد ضغوط أمريكية تم الإفراج عن ربيعة قدير عام 2005 بشرط الرحيل الي الولايات المتحدة في غضون 3 أيام.
و بهذا استحقت ربيعة بكل جدارة ان تصبح " أم الاويغور" ذلك اللقب الذي أسبغها الشعب الاويغوري عليها.

المصدر/ أخبار العالم 02.09.2009