عفوا فخامة الرئيس ؟
د.طارق عبدالله ثابت الحروي .
نعم أقولها عفوا نيابة عن الكثيرين ممن استوحيت ردود أفعالهم بعد المقابلة التلفزيونية لقناة الجزيرة التي وقف فيها أحد أبنائك ممثلا بـ" الأخ حميد الأحمر" يكيل لشخصكم الكريم سيل من الاتهامات الواحدة تلو الأخرى ما أنزل الله بها من سلطان، محاولا من خلالها- بشتى السبل- استهداف تاريخكم السياسي وصولا إلى نجلكم الأكبر قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، لإرضاء نزعات فردية وجماعية وأحقاد وأطماع محلية وإقليمية فاحت روائحها لدرجة أزكمت العقول والقلوب قبل الأنوف، وطارحا نفسه وحزبه كبديل سياسي رئيس لا مفر منه، وفي نفس الوقت مخولا نفسه نيابة عن الأمة وقواها الوطنية وعني شخصيا للحديث باسمها وباسمي ، ومتناسيا-عن سبق قصد وتعمد- ما يمر به وطن الـ22 من مايو العظيم من محن والآلام حادة يئن تحت وطأتها منذ فترة ليست بالقصيرة، جراء أزمات متعددة متنامية ألمت به من كل حدب وصوب، شارك في نشوئها وتأجيجها الكثير من أبنائها أصحاب القلوب القاسية، أولئك الذين لم تهتز لهم شعرة واحدة من رؤوسهم ماداموا ينعمون بخيرات الأمة ويزادون ثراء وتكبرا وتجبرا يوما بعد يوم على حساب المصلحة العليا للأمة، والذين يصعب عليهم التفكير أبعد من مؤاطئ أقدامهم، فلا احتياجات الأمة وقضاياها ولا مشاكل الوطن وأزماته محورا ومحطة لاهتماماتهم-على الإطلاق- إلا من تلك الزاوية الضيقة وثيقة الصلة بمصالحهم الذاتية المحضة والضيقة، ودليلي على ذلك هو ما حدث ويحدث كل يوم على مرأى ومسمع أبناء هذه الأمة دون حياء ولا خجل، بحيث يتمالكني على مر الدوام ذلك السؤال الذي لم أجد له إجابة شافية لحد الآن الم يدرك هؤلاء أبدا محصلة كل ما يمارسونه من سياسات شكلية نفعية في القول والفعل على سلامة وأمن هذا الوطن وكذا الأمة الجريحة المبتلاة بأبنائها العاقين ، يا أخواني ألم ندرك حتى الآن إننا نعيش على شفا كارثة إنسانية محلية وإقليمية، إذ لم نضع جميع إمكاناتنا ومواردنا في مقدمة أفعالنا قبل أقوالنا ومن ثم ضمائرنا وقلوبنا وعقولنا لتدارك ما يمكن تداركه قبل ما تحل بنا الطامة الكبرى التي لن تستثني أحد منا على الإطلاق .
نعم تناسى الأخ حميد الأحمر ومعه الكثيرين طبيعة حقيقة الأطر العامة الحاكمة للمفاصل الرئيسة في الدولة اليمنية الحالية والنظام السياسي منها- بوجه خاص- من حيث إننا لسنا أمام ملامح رئيسة لدولة عصرية يحكمها نظام سياسي متقدم، يحق لنا تقيمه أو محاسبته بنفس أو بعض المعايير التي درج الجميع على تناولها بدون وعي أو عن قصد، وإنما نحن مازلنا نعيش أمام ملامح أشلاء دولة تقليدية تعيش إرهاصات المنطقة الرمادية شديدة الضباب، مازالت تتهيأ لدخول إرهاصات مرحلة دولة النظام والقانون- من جهة- ونظام قبلي مسيس وليس نظام سياسي متقدم، يُحكم بعقلية شيوخ القبائل بما تتضمنه من عادات وتقاليد قبلية تحت أسم النظام والقانون- من جهة أخرى- وبالتالي فأن طبيعة واقع ومن ثم حقيقة الحياة السياسية والتطور الديمقراطي-الحزبي منها-بوجه خاص- الذي أرُسيت معظم جذوره ورسمت أهم معالمه الرئيسة طوال الـ19عاما الماضية من عمر دولة الوحدة، هي أيضا- بالمثل- كانت ومازالت تعاني خللا حادا وكبيرا على المستويين النظري والتطبيقي، جراء سلسلة التغييرات الجذرية الرئيسة كانت أم الثانوية التي مازالت تطالها بين الفينة والأخرى، ليس بسبب تلك الحاجة الملحة التي تفرضها أولويات المصلحة العليا للبلاد في ضوء سلسلة التغيرات الحاصلة في البيئتين الداخلية والخارجية، وإنما بسبب طبيعة وواقع الحاجة التي تفرضها المصالح الفردية والفئوية وأحيانا المناطقية والمذهبية.. لبعض الأطراف في السلطة وخارجها على أخرى، بحيث أصبح-أيضا- مصيرها معلقا على كف عفريت .
نعم أقولها بالفم المليان متفقا فيها مع أراء الكثيرين أن بلادنا بحاجة ماسة إلى منظومة تغييرات جذرية سريعة تطال معظم نواحي الحياة العامة بشقها المادي والمعنوي، تأخذ الشكل التدرجي الذي يركز فيها على الأهم ثم المهم، بشرط ألا تكون على حساب أمن وسلامة الوطن ووحدة ترابه الوطني، فهذا هو المستحيل بعينه.
أرجع فأقول إن ما سمعته بأذني في هذه المقابلة من طروحات لم يكن جديدا على مسامعي بالمطلق، وإنما هي طروحات تعج بها الحياة السياسية، لكن المفارقة العجيبة تكمن فيما دار بخلدي من خواطر وهواجس وأنا أتأمل ما يجري حولي محاولا أن لا أفقد توازني قدر الإمكان سائلا نفسي جملة من التساؤلات غير الخافية على أحد منكم أهي سياسة تجهيل وتصغير جديدة تستهدف عقولنا وقناعاتنا...؟ أوصل حال الأمة بمثقفيها وقواها الوطنية إلى هذا الحد، ولاسيما إن الأخ حميد الأحمر هو الناطق والمتحدث الرسمي باسم التجمع اليمني للإصلاح واللقاء المشترك ولجنة الحوار التشاوري؟ أهو حق أريد به باطل ؟ وإلا كيف أستطيع أن أرد على جملة من التساؤلات، مازالت تأخذ حيزا مهما من تفكيري وتعصف بذهني أين هي مواقع أبناء الشيخ الأحمر و كل من يمت لهم بصلة في هذه الدولة المنهكة التي يتباكون عليها ليل نهار؟ و ما هي مؤهلاتهم العلمية والمهنية- في الأساس- كي يتسنى لهم الأمر لتبؤ مثل هكذا مواقع حساسة فيها هنالك من لديه القدرة ليشغلها وخدمة قضايا الأمة بلا مقابل ؟
ولماذا اختير هذا اللقاء من حيث الشكل والمضمون في مثل هذا التوقيت تحديدا؟ وما هي الغايات المبتغاة منه؟ ثم أين هم فطاحله قناة الجزيرة في إدارة مثل هكذا لقاءات تحمل هذا الزخم من الآثار بمردوداتها الإيجابية والسلبية ؟ ثم ألستم معي إن اللقاء كان يوحي بمزيج من المفرقات ذات الطابع الإعلامي- الدعائي- استنادا- لما تشير الخطوط العامة الحاكمة له، حاول من خلالها الأخ حميد الأحمر بصفته الشخصية أو الاعتبارية أن يوحي لكثير من المستمعين من أبناء هذه الأمة إنه دون أخوته، قدر له أن يحمل بين جنباته مشاكل هذا الوطن وتطلعات أبنائه وهموهم، بحيث إنه أصبح مستعدا لرهن مصيره وتجارته مقابلها، فقلت في نفسي إذا هو بذلك صاحب قضية وطنية ومبدأ غير قابل للمساومة، إلا أني تراجعت للوراء قليلا عندما أراد أن يختتم طروحاته بقوله إن من سيحمي ظهره عندما يعود هي قبيلته، فقلت في نفسي كيف يتسنى لرجل يتكلم ويعمل تحت سقف الثوابت الوطنية وراية الديمقراطية- الحزبية التي وضعته فيما هو عليه الآن، أن يقول ذلك، لاسيما أن حملة قضايا الأمم والشعوب والأوطان هم أصحاب مبادئ وقيم، يطلبون النذر القليل لأنفسهم والكثير الكثير لأوطانهم، مستعدون لبذل الغالي والنفيس من أجلها، إذا فكان الأولى به إن يؤمن بقضايا هذه الأمة والوطن مثلما حاول أن يوحي بذلك، بأن يقول سأحتكم إلى دولة النظام والقانون- المغيبة ظلما وعدوانا- وسأحتمي بالأمة، فأنا مثلما تجاوزت حدودي أثناء كلامي بقصد أو بدون قصد عندما أعود إلى بلدي سأسلم نفسي للسلطات اليمنية كي يأخذ النظام والقانون مجراه فقد أصبحت مستعدا للمخاطرة بكل شئ من أجل وطني وشعبي، ومن هذه النقطة المحورية كان يمكن لك أن تبدأ رحلة نضال طويلة في هذا الدرب الشاق بحثا لك عن مجد شخصي ووطني لا يضاهى.
والله من وراء القصد
المفضلات