مسلمو الأويغور.. ومحنتهم مع الحكم الشيوعي!
(1/2)
بسام المسلماني

المسلمون في الصين من الأقليات الإسلامية الكبيرة التي يبلغ تعدادها ما يزيد عن 100 مليون مسلم – وفق مصادر إسلامية صينية - أي أكبر من تعداد العديد من البلدان الإسلامية ، لكنها للأسف من الأقليات التي طواها النسيان على الرغم من المحن التي يتعرض لها المسلمون هناك والتي كان أخرها المذابح التي وقعت خلال الأيام الأخيرة أدت إلى مقتل مئات المسلمين وجرح الآلاف.
بدأت هذه المذابح عندما نظم عدد من الطلاب المسلمين مظاهرة احتجاج في دونج كوروك الواقعة في منطقة أورومتشي. للتعبير عن سخطهم على التراخي الذي أبدته السلطات الصينية تجاه قيام جموع من عرق الهان المسيطر على البلاد بقتل عدد من الأويغور المسلمين وسحلهم في مصنع للعب الأطفال في شاو جوان في مقاطعة جواندونج الصينية الجنوبية ،معبرين عن تعاطفهم مع عائلات القتلى والجرحى... لكن التظاهرة السلمية التي نظمها الطلاب انقلبت إلى مذبحة مروعة عندما فتحت الشرطة النار بصورة وحشية دون تمييز أو رحمة على المتظاهرين العزل .. ليسقط ما يقرب من 600 قتيل وآلاف الجرحى... هذه المجزرة ليست الأولى التي يتعرض لها شعب الأويغور المسلم .. فمنذ احتلال الصين لإقليم تركستان والمسلمون يتعرضون بشكل شبه يومي لصنوف من العذاب والقتل والاضطهاد.
لمحة تاريخية:
يعود وصول الإسلام إلى الصين إلى عهد الخليفة الثالث "عثمان بن عفان"- رضي الله عنه- في عام 29 هجرية حيث تشير بعض المصادر إلى أنه أرسل وفدا برئاسة "سعد بن أبي وقاص" إلى إمبراطور الصين يدعوه إلى الإسلام ، وقد أعجب الإمبراطور الصيني بالإسلام فأمر ببناء مسجد كانتون الذي مازال قائما منذ 14 قرنا.
بعد ذلك وفي عهد الخليفة الأموي" الوليد بن عبد الملك" فتح المسلمون مدينة كاشغر، وهي مدينة من أشهر مدن تركستان الشرقية وأهمها، وكانت عاصمة تركستان الشرقية ، بقيادة القائد المسلم"قتيبة بن مسلم الباهلي " .، يقول ابن كثير : في كتابه البداية والنهاية :( ثم دخلت سنة ست وتسعين وفيها فتح "قتيبة بن مسلم " رحمه الله تعالى كاشغر من أرض الصين وبعث إلى ملك الصين رسلا يتهدده ويتوعده ويقسم بالله لا يرجع حتى يطأ بلاده ويختم ملوكهم وأشرافهم ، فرد عليه ملك الصين يلاطفه وبعث إليه بمال جزيل ، فلما انتهى إلى قتيبة ما أرسله ملك الصين قبل ذلك منه وذلك لأنه كان قد انتهى إليه خبر موت "الوليد بن عبد الملك" أمير المؤمنين فانكسرت همته لذلك)( انظر البداية والنهاية، الجزء 9 ص 140) ، زاد التواجد الإسلامي في الصين عندما تعرض الإمبراطور الصيني "سو" لثورة وتمرد، فاستغاث بالخليفة العباسي "أبو جعفر المنصور" سنة (139هـ - 756م) فأرسل إليه أربعة آلاف جندي مسلم، وقد نجح الإمبراطور بمساعدتهم في القضاء على التمرد واستعادة عرشه، الأمر الذي أدى إلى استبقاء الإمبراطور لهؤلاء الجنود؛ فتزوجوا من صينيات، وأسهموا في غرس بذور الإسلام في البلد البعيد، وتشير بعض السجلات الصينية إلى أن الحكومة الصينية كانت تدفع بعض الأموال السنوية لأسر هؤلاء الجنود.وتشير بعض المصادر إلى أنه في سنة 332 هـ في العصر العباسي اعتنق الخاقان "سلطان ستوق بغراخان" - مؤسس الدولة القاراخانية - الإسلام, وتبعه أبناؤه وكبار رجال الدولة.. ومنذ ذلك اليوم أصبح الإسلام دينًا رسميًا في تركستان, وتمت ترجمة معاني القرآن الكريم, وأقيمت المساجد بدلاً من المعابد, وتم بناء 300 مسجد في مدينة كاشغر وحدها... كما كان للتجار بأخلاقهم وتمسكهم بالإسلام دورهم في نشر الإسلام في تلك الأصقاع البعيدة ، فقد استقر بعض التجار ورجال الدين على ساحل الصين الجنوبي في منطقة خوان فو (كانتون ) حالياً ووصل المسلمون إلى عاصمة (تشانغ إن ) وأخذوا ينتشرون في مناطق عديدة يدعون إلى الإسلام ويؤثرون فيمن حولهم بأخلاقهم وأمانتهم الأمر الذي ساهم في زيادة عدد معتنقي الإسلام.
وخلال عهد المغول(676هـ - 769هـ): نهض المسلمون نهضة سريعة ، وزاد نفوذهم وشغلوا مناصب عديدة في الصين وتقلد "شمس الدين عمر" عدة مناصب منها (حاكم ) ولاية يونان في سنة (673 هـ - 1274 م ) وعمل أثناء حكمة على تثبيت أقدام المسلمين بهذه الولاية ، وكذلك عمل أولاده ، الذين تولوا مناصب مهمة بالدولة ، وبلغ عدد الحكام المسلمين 30 حاكما ، وتولي المسلمون حكم 8 ولايات ، وكانت الصين في ذلك الوقت مقسمة إلى 12 ولاية ، وبقيت تركستان دولة إسلامية تنعم بالاستقلال حوالي عشرة قرون، وكانت - ولا تزال - تشكل الامتداد الطبيعي للأمة الإسلامية في آسيا, وهي جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي. حتى قام المانشور (وهم حكام الصين) باحتلال تركستان الشرقية في عام 1759, ويقدر عدد المسلمين الذين قتلوا آنذاك بمليون مسلم ، وفي عام 1863 نجح الشعب التركستاني في طرد الغزاة المانشوريين والصينيين وتشكيل دولة وطنية مستقلة برئاسة " يعقوب خان با دولت " الذي أعلن مبايعته للخليفة العثماني " السلطان "عبد العزيز خان" ، ولكن تدخل انجلترا صاحبة النفوذ القوى داخل الصين في ذلك الوقت شجع الصين على احتلال تركستان مرة أخرى عام 1875 م ، وفي عام 1931 ثار المسلمون مجددا ضد الاحتلال الصيني، واستعان الصينيون بالروس لإخماد ثورة المسلمين ، وفي عام 1933 أعلن المسلمون قيام " الجمهورية الإسلامية في تركستان الشرقية " وقد أختير "خوجا نياز" رئيسا للدولة، لكن التحالف الصيني الروسي أجهض تلك الدولة الوليدة في عام 1937 م ، وفي 1946 م حصلت تركستان الشرقية على الحكم الذاتي، لكن صعود الشيوعيين للحكم أعاد الأوضاع إلى نقطة الصفر.
تركستان الشرقية في ظل الحكم الشيوعي:
مع تمكن الشيوعيين من حكم الصين عام 1949م ، زادت معاناة المسلمين ، حيث بدأ الشيوعيون حكمهم بمجازر دموية فظيعة ، أعقبها استقدام مهاجرين صينيين بأعداد ضخمة في عملية احتلال استيطاني واسعة؛ وذلك للتقليل من عدد أهل البلاد المسلمين، وتذكر المصادر عدد المسلمين الذين تم قتلهم في الفترة من سنة 1949م إلى سنة 1972م بلغ 360 ألفا مسلم ، وأن الذين سيقوا إلى المعسكرات التعذيب والأشغال الشاقة بلغ عددهم 500 ألف مسلم، وأن الذين هربوا من ديارهم بسبب ذلك العدوان بلغ 100 ألف مسلم .( راجع مجلة الإصلاح عدد 219 ص35 ، ومجلة المجتمع الكويتية عدد 967 ص28)
وتتلخص سياسية الشيوعيين تجاه المسلمين في النقاط التالية:
1- محاربة كل ما يمت للدين الإسلامي بصلة : فقامت الحكومة الصينية الشيوعية بإغلاق الكتاتيب الملحقة بالمساجد، كما أغلقت نحو 29 ألف مسجد، وأجبر المسلمين على إدخال أبنائهم للمدارس التي تربي على الإلحاد والتنقيص من شأن الأديان ،واعتقل 54 ألف إمام، تعرضوا داخل المعسكرات الصينية للتعذيب والأشغال الشاقة وتنظيف المجاري وتربية الخنازير، وألغى الشيوعيون الكتابة بالعربية التي كان المسلمون يستخدمونها لمدة ألف عام، وأتلفوا 730 ألف كتاب بالعربية، بما في ذلك نسخ من القرآن الكريم.
2- تغيير التوزيع السكاني بإقليم تركستان: فإلى جانب حملات الإبادة العرقية التي كانت تمارسها السلطات الشيوعية ضد المسلمين والتي راح ضحيتها مئات الآلاف ، بذلت الحكومة الصينية كل جهدها لتطبيق نظام 'طفل واحد لكل أسرة' على الإيغور, بينما لم تطبقه على بقية الأعراق التي تعيش في الإقليم نفسه, وتتبع السلطات الصينية أبشع الطرق لتنفيذ تلك السياسة؛ فعلى سبيل المثال يقوم الأطباء بقتل المواليد المسلمين بعد ولادتهم مباشرة بضربهم أو كتمان أنفاسهم, وتحقن الأم بحقنة منع الحمل دون إشعارها بذلك, ولا تتمكن من رؤية مولودها لأنهم يفيدونها بأن الجنين ولد ميتًا, ثم تشحن هذه الأجنة إلى معامل في بكين وشنغهاي ، هذا فضلا عن التهجير القسري للمسلمين عن الإقليم ومصادرة أراضي المسلمين لتوطين الصينيين من قومية الهان فيها ، ويتم تنفيذ هذا التوطين الصيني بمنح المهاجرين إعفاءات ضريبية شاملة، مع توفير المساكن والأراضي التي يتم مصادرتها من الإيغور المسلمين ، وتشير المصادر إلى أن اتجاه الحكومة الصينية خلال الأعوام القادمة هو توطين مائتي مليون صيني في إقليم تركستان نتيجة لهذه السياسات الحكومية، ارتفعت نسبة "الهان" في الإقليم من 7% إلى أكثر من 40%، حسب إحصاءات رسمية.
3- إفساد الشباب المسلم : وذلك بتشجيع الانحلال والفجور بين الشباب المسلم والعمل على -ترويج المخدرات والكحول, فعلى سبيل المثال يوزع الخمر مجانًا على الإيغور المسلمين في مدينة 'قراماي', وفي مدينة 'إيلي' وعندما حاول الطلاب المسلمون توعية الشباب بمخاطر الكحول وضرره على الإنسان، مطالبين محلات الخمور بالتوقف عن البيع، قامت السلطات الصينية بقمع حملتهم بالقوة, فنتج عنها مقتل 200 طالب مسلم في عام 1997م.
4- هدم كيان الأسرة المسلمة : بتشجيع العلاقات غير الشرعية أو وترويج للزواج المختلط أي زواج الصينيين والصينيات البوذيات بالمسلمين بضغوط اقتصادية وإغراءات مادية و إجبار النساء على خلع الحجاب, وإلغاء العمل بالأحكام الشرعية في الزواج والطلاق والمواريث, وفرض الاختلاط, و تخريب العلاقات الأسرية الإسلامية.
5- العمل على هدم أي كيان اقتصادي للمسلمين: فقضى الشيوعيون على الأوقاف بمصادرتها والتي كانت توفر الكثير من الخدمات الخيرية للفقراء وينفق منها على التعليم ، ومصادرة الأموال والأراضي والمؤسسات الإسلامية حتى حلي النساء استولى الشيوعيون عليه ، وانتهجوا سياسة تفقير المسلمين من خلال التمييز في الوظائف حيث يسيطر الهان على الوظائف الرئيسية والمرموقة بينما الوظائف الهامشية هي للمسلمين و حسب صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" فإن "الهانيين" صاروا يسيطرون على كافة الوظائف الرئيسة والنشاط السياسي للإقليم الذي ضمته الصين عام 1949 بعد أن كان دولة مسلمة مستقلة تسمى: "تركستان الشرقية".، كما نهب السلطات خيرات الإقليم الغني بالنفط والغاز- تقدر مساحة الأراضي التي تحتوي على البترول والغاز الطبيعي في تركستان بحوالي740 ألف كيلو متر مربعًا؛ أي ما يعادل مساحة فرنسا وألمانيا مجتمعة.

المصدر/ لها انلاين
16/7/2009