" هو الذي رأى كلَّ شيء "

د.شاكر مطـلق
( إلى الصديق المرتحل الشاعر محمد عمران )
الكشفُ الأولُ:
تتكسَّرُ الأمواجُ – في غضبٍ-
على الصّخر الطّريِّ
تَدقُّ أبوابَ المدينـةِ
تسـأل الشّطآنَ – في عَجبٍ-
لمـاذا
شـاعرُ الأنـواءِ والـرُّؤيا
عن الأصـدافِ
في عجَلٍ ذهَبْ
من دون أن يطوي الشِّراعَ
ويطفئَ المصباحَ في أعلى السَّفينهْ
وكأنَّـهُ – فـوراً- يعودْ ؟!
هلْ أزعجِته الرِّيحُ
- آنَ المَـدُّ جـاءَ –
وكان يحكي للنَّوارسِ
عن حـواري الماءِ
أسـفاراً غـريبـهْ ؟
يحكي لنَحْلاتِ البنفسجِ
عن أساطيرِ الجُدودِ
ويقرأ الأيَّامَ في فصْل الخَرابِ
وطالَعَ الشِّعر العجيبْ؟
فيرى القوافي قادماتٍ
تسْتَحقُ الأحلامَ في بحر الَّتجلِّي
والمواني مُقـفلاتٍ
والمناراتِ انطفاءْ
ويرى – على الأمواج – وجهاً
آنَ يّشتَدُّ الضّبابُ
ولا يُداني كي نراهْ
إبانَ تنفـَلتُ الحَواسُ
من القيود الأربعهْ
وتخطُّ ، من نورٍ مُصفّى
وردةَ الكشْفِ البَهيِّ
على المياه الدَّاكناتِ
بدونِ شكْلٍ أو مكانْ
من غير أن يَلقى على الألواحِ
بَـدْءَ الدَّائـرهْ
إلاَّ ظلالاً حائرهْ
ترنو بصمتٍ
بَـلْ تعانـي
والشَّيخُ شيخُ البحرِ
يدنو بالمعاني
من طيور الرُّوحِ في دَغْل القصَبْ!
هَلْ كان كالعَرَّافِ
في الطُّور المقدَّسِ
يُشعل النّيرانَ في الكَلماتِ
يُهـدي التَّائهيـنْ
لصَبوح كشفٍ أو قصيدهْ؟
وكأنّه السـاقي ولا يدري
بكأسٍ قد تدَنـَّسَ
في أكُفِّ الجاهلينْ
فيَهيمُ – مَكْسورَ الجناحِ-
على مياه الحلْم للجُزر البعيدةِ
في ثَباتِ العارفينْ؟!
** ** **
الكَشْفُ الثَّاني:
آخرُ النَّجوى غناءٌ في الرَّمَـلْ
فليكنْ منه الغناءْ
وعتابُ الأصدقاءْ!
أيّها الرَّائـي الذي عنّا نأى
قلْ لنا ماذا رأيتْ ؟
عندما غلَّقتَ – من دون ضجيجٍ-
حانةَ العشقِِ وما كنتَ ارتويتْ؟!
ما الذي أبقاكَ في " شُعب بُوانٍ"
في " جدارٍ من جليدٍ " – هائماً-
حتى انتَشـيتْ؟!
كنتَ في الرُّؤيا ؟
أمْ الرُّؤيا سرابٌ
لا تُري الشَّاعرَ إلاَّ
ظِلَّ أسرار الحياةْ
وعذابَ الكائناتْ
عندما الطينُ على " بَّوابةِ الهند " ينادي
لخلاصٍ مُرتَقَبْ
كيْ يظلَّ الشّعرُ مِصباحاً
ينيـرُ الـدَّائـرهْ
ويواسي المُتعبيـنْ
في كهوفِ الذَّاكرهْ؟!
كنتَ في الحُمَّى تُصلَّي
لخلاصِ الرّوح من فَصل الوباءْ
أمْ تَرى كنتَ تغنّي
لغزالِ الرّوحِ كي يَدنو إلينا
سيّدُ العشقِ بطَوْقِ الياسمينْ؟
يُبعدُ الأشبـاحَ عنـّا والمُدى
كيْ يظلَّ الحبُّ فينا
صافيـاً مثلَ النَّـدى
فنرى في " الأزرقِ "
" الأحمرَ "
يمتـدُّ شـراعـاً
لفضاءٍ لا يرانا فنراهْ
بين شَـكٍّ ويقينْ
بعد أن صارتْ طيورُ الشّعرِ
نهباً كالطّريدهْ
وانتهى دربُ الوعولْ
- لينابيعِ القصيدهْ –
تحت ظلِّ المـقْـصَلهْ
أيُّها البحرُ!
أما زلتَ حزيناً؟
نحن ما زلنا كما الموجِ
ندقُّ، الآنَ، أسوارَ المدينهْ
نسأل الشاعرَ لو يُلقي التّحيهْ
لوَداعِ الأصدقاءْ
وودَاعِ البحر والأصدافِ
يعطينـا البقـيّهْ
من رؤى كان رآها
في شِباكِ العارفينْ
كي نواسي الياسمينْ
وهو يحكي للبنفسجْ
قصّةَ الشاعرِ والتَّرحالِ
في بحر المعاني
ليظلَّ الشّعرُ من نورٍ مُصفّى
وملاذَ الهائمينْ ...
أيها الشاعر " عِمرانُ " وداعاً
وعلى الرَّائي السلامْ
وتأهبْ – يا صديقي! –
للكُشوفاتِ الجديدهْ
آنَ يدعوكَ المقامْ!
================
د.شاكر مطلق
حمص-سورية 18 /12 /1996 .
E-Mail:mutlak@scs-net.org
*) ألقيت في حفل تأبين الصديق الشاعر المرحوم الشاعر "محمد عمران" في المركز العربي الثقافي في طرطوس – سورية بتاريخ 22 /12 /1996 ونشرت ضمن مجموعة قصائد التأبين في كتاب خاص صدر عام 1997 ،تحت عنوان آخر للقصيدة هو : من " ملحمة كلكامش "