السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يسرني موافاتكم بهذا العمل والسلام عليكم.

التناغم الذهني و فاعلية الصورة الشعرية
قراءة في الطاقات الإيقاعية للشعر العربي والفارسي والكردي


تحفل الآداب العربية والفارسية والكردية، بنصوص شعرية مشحونة بطاقات إبداعية، لا يمكن حصرها أو الحديث عنها في نطاق معين. ومن بين تلك الطاقات التي تتجدد باستمرار هي إيقاعية الصور الشعرية التي تتدفق من بين ثنايا النصوص الحية للآداب الثلاثة، بشكل لايمكن استنطاق مستوياتها الدلالية إلا من خلال تشريح مكونات كل نص على حدة، واكتشاف علاقات التفاعل والتناص بينه وبين النصوص التي تسبقه، أو التي تشكل امتداداً له..ومن ثم من خلال إعداد جداول إحصائية هائلة، لرصد الصور الشعرية في النصوص، وتحديد فاعليتها في كل مرحلة من مراحل تطور الشعر في الآداب الثلاثة، وهذا ما نعجز عن إنجازه.

من هنا فإن مهمتنا هنا تأخذ منحى آخر، نحو محاولة اكتشاف المؤثرات اللغوية والثقافية والدينية التي شاركت، ايجاباَ وسلباً، وبشكل غير مباشر، في تزويد الأبنية الإيقاعية للنصوص الشعرية بمصادر الانفتاح، أو بواعث الإنغلاق، على الطاقات الإيحائية التي تتولد منها الإيقاعات الذهنية.

ومن بين تلك المؤثرات وجدنا أن طبيعة اللغات التي دونت بها النصوص الشعرية للآداب الثلاثة، وطبيعة الإيقاعات الخارجية التي نشأت عنها أوزان تلك النصوص..أثرتا، بشكل أو بآخر، على بروز الصور الشعرية أو إنحسارها. كما واحتفظ العامل الديني بدوره الفاعل في هذا المضمار، خصوصاً وأن أصحاب الآداب الثلاثة يجمعهم الانتماء الى دين واحد، وأن الحضارة الإسلامية التي شاركت الشعوب الثلاثة في بنائها، ولّدت اتجاهات فكرية وعقادية مختلفة، وانتجت بالتالي وسائل مختلفة أعتمدها الشعراء نحو بلورة رؤياهم التي عكستها صورهم الشعرية والإيقاعات الذهنية لنصوصهم. وكان الخيال العرفاني احدى تلك الوسائل التي عمّقت القدرة التخييلية للشعراء، في حين برزت اتجاهات قللت من شأن الخيال والقدرات الذهنيةللشعراء، وتمكنت من النفوذ الى العلوم البلاغية والنقدية.

إختلفت استجابة الشعراء العرب والفرس والكرد لهذه المؤثرات الخارجية باختلاف إنتماءاتهم الى قومياتهم التي تميّزت، كل على حدة، بخصوصيات لغوية وثقافية ودينية. ولكن قبل تناول هذه القضية، من الضرورة بمكان التطرق الى طبيعة أهم تلك المؤثرات:

أولاً / اللغة والإيقاع الذهني: تملي الصورة الشعرية، بوصفها انعكاساً للحالة الكامنة داخل الذات، على الشاعر ان يخلق جملة ارتباطات جديدة، ويخرج عن السياق المألوف الى سياق لغوي مليء بالايـحاءات الجديدة(1). ولاشك أن اللغة، أي لغةٍ، تحوي كلمات معجمية تتسم بالانفتاح النسبي على الصورة لقابلياتها التكوينية والايحائية أو لدلالاتها المجازية. لكن الانفتاح الكامل على الصورة الشعرية لايتم إلا من خلال وضع المفردة في السياق الشعري كي تكون لها قدرات توليدية على إستدعاء مفردات أخرى(2)؛ ومن خلال التداعي بين المفردات اللغوية يتولد التداعي بين الصور التي تنشأ عنها الإيقاعات الذهنية بتفريعاتها المختلفة. من هنا فإن اللغات التي تعتمد على السياق والتركيب لخلق الصور الذهنية، أقدر من اللغات التي تعتمد على الجرس والإيحاءات المجازية للمفردة الواحدة..في تجسيد الإيقاعات الذهنية، وسوف يأتي توضيح هذه النقطة.

ثانياً / انعكاس الإيقاع الخارجي على الإيقاع الذهني: وينشأ هذا الإنعكاس عن جدلية العلاقة بين الإيقاعين، لأن الإيقاع الخارجي ليس مجرد بناء مفرغ من الدلالة والإيحاء، بل يتشاكل مع الصور والألوان والإيحاءات الشعرية لتجسيد الإيقاعات الذهنية. لكن الإيقاع الخارجي يفقد هذه السمة عندما يصبح مجرد وعاء تزييني، لإظهار براعة الشاعر في الصناعة الشعرية.

ثالثاً / إشكالية اللفظ والمعنى: إستأثرت هذه القضية باهتمام المتكلمين والفقهاء والبلاغيين المسلمين منذ بواكير الحضارة الإسلامية، الى أن اصبحت في القرن الثالث حتى القرن الخامس الهجري على رأس القضايا البيانية(3)، ولا زالت إمتداداتها متواصلة، بشكل أو باخر، حتى الآن(4). وعلى رغم من أن هذه الإشكالية نبعت أساساً من القراءات المختلفة للقرآن الكريم من قبل المتكلمين والمفسرين والبلاغيين…إلا أنها أصبحت، فيما بعد، عائقاً أمام التحليل النقدي الموضوعي للأدبيات والنصوص. لأن المفاضلة بين اللفظ والمعنى عرقلت عملية البحث الجدي عن العلاقة الجدلية بينهما..وقللت من شأن الصورة الشعرية، إن لم نقل غيبت دورها، وقد انعكست تداعيات هذه القضية على الآداب العربية والفارسية والكردية التي نشأت في مناخات ثقافية مماثلة، ولكن بدرجات متفاوتة، وهذا ما سنتناوله لاحقاً.

رابعاً / الخيال العرفاني والصورة الشعرية: يقوم عنصر الخيال في الشعر بدوره المتفرد الخلاق في الجمع بين الأطراف المتضادة، وخلق علاقات جديدة منها، وإحداث الصدمة الشعرية عند المتلقي. والخيال ((أداة لاغنى عنه للفنان، لأنه لايستطيع إلا بمعونته أن يتصور الأشياء والحوادث في صور حية قوية))(5)، وينوه به عبد القاهر الجرجاني في باب المجاز بقوله: ((يختصر البعد بين المشرق والمغرب، ويرينا الأضداد ملتئمة، ويأتينا بالحياة والموت مجموعين، والماء والنار مجتمعين))(6).

وقد أعلت التجربة الصوفية في الآداب العربية والفارسية والكردية من شأن الخيال، ووظفته لتوسيع المساحات الدلالية، وتكثيف الصور الذهنية للشعر. فالتصوف الى جانب كونه سلوكاً، يعد منهجاً أساسه التأمل الباطني والمجاهدة الروحية وسواها من السبل التي تأخذ بالصوفي السالك في مدارج المعرفة حتى الوصول به الى المشاهدة القائمة على الإلهام والكشف أو ما يصطلح عليه المتصوفون بالإشراق، وهو ظهور الأنوار العقلية وفيضانها بالإشراقات على النفس عند تجردها(7).

من هنا فإن المتصوفة منحوا الخيال اسمى مايمكن ان يناله من قداسة وتقدير…لأن الخيال عندهم ((ينير الطريق لإدراك طائفة من الحقائق المتعالية التي لايصل اليها العقل الصارم للفيلسوف، ولا يقترب منها ذهن الرجل العادي المنصرف الى الظواهر والأعراض الزائلةوالطارئة، والذي يتعامل مع الأشياء من زوايا المنفعة، دون أن ينفذ الى دلالاتها الرامزة الى المعاني الروحية العميقة. إن الصوفي يعتمد كل الإعتماد على البصيرة والحدس، ويثق بالنشوة الروحية الغامرة، وبالخيال المحلق الذي يسمو حتى يدنو من الحقيقة الإلهية أو يحوم حول حماها))(8).

يبدأ الصوفي رحلته من خلال التأمل الباطني، وتجربته الشخصية المستقلة في مقامات أشبه بالأودية والعقبات(9)، ويستولي عليه ميل جامح للرحيل عن هذا العالم، والتحرر من قبضته وقيوده(10). وأثناء هذه الرحلة..يلجأ الصوفي، وخصوصاً عندما يكون شاعراً، الى نقل إشاراته الباطنية الى الظاهر، اي ترجمة أحاسيسه التي يتخللها أعمق درجات الخيال الى ((العبارة)). وتتضمن عبارات الشاعر الصوفي صوراً يضيء بعضها بعضاً في حركات داخلية، وتداعيات، تلعب الإيقاعات الذهنية دوراً كبيراً في تجسيدها، ورصد تناسقها الحيوي في النص الشعري. وتلتقي الإيقاعات الذهنية التي ينتجها خيال الشاعر مع الصور التي تتلمسها الباصرة الداخلية للصوفي، ضمن تفريعات الإيقاع الذهني، على هذا النحو:

1-ألإيقاع النفسي: أول ما يشعر به الصوفي هو الشعور بالغربة، اذ يرى نفسه مسافراً في عالم يراه غريباً عنه تماماً، فيتجه الى تمييز نفسه عن العالم، الى الإنفصال عنه، والقطيعة عنه(11). أي أن إيقاعه النفسي يقوم على ثنائية: الحضور الجسدي في العالم / الغياب الروحي عنه.

2-الإيقاع اللوني: يرى الصوفي أن العالم غارق في الظلام، وعليه أن يتجه نحو كوامن ذاته، كي ((يرتفع عنه الحجاب، ويتجلى فيه النور الإلهي))(12). فهو، إذن في حالة حضور دائم بين نقيضي الثنائية اللونية (النور / الظلام). ولا شك أن قانون اللون، كجزء من قانون العلامة، يقوم على فرضية أن الأبيض والأسود هما أساس اللعبة اللونية بأكملها(13). وكلما زاد التضاد والتوتر بين الألوان..كبرت مساحة الإيقاعات الذهنية.

3-الإيقاع الزمكاني: عندما يقتنع الصوفي بأن النور الإلهي قد تجلى فيه..يمنح نفسه قدرة خارقة للعادة، تفوق قدرة الإنسان العادي، ((فلا يعود يعترف لا بقيود المكان ولا بقيود الزمان ولا بقيود الطبيعة، ولا بناموس أوسنة من نواميس الكون وسننه، وهكذا ينتقل في لمح بصر من مكان الى مكان، ومن زمان الى زمان..لا يعترف بالمساحات المكانية ولا الزمانية، بل كل شيء عنده حاضر حضوراً زمانياً ومكانياً))(14). وحين تنتقل هذه الرحلات الخارقة للعادة الى الفضاء الشعري..تترجم الى ايقاعات زمكانية تزيد المساحات الذهنية للصور الشعرية بصور لايقدر على انتاجها إلا المخيلة المتفردة الخلاقة للشاعر الصوفي.

4-إيقاع الحدث: إن القدرة الخارقة للعادة للصوفي لا تقف عند هذا الحد، بل تجتاز حدود العالم المألوف، وتنفذ عالماً آخر و (تقلب الطبائع، وتأتي بالمطر في غير وقته }…{ تأتي بالطعام الذي يأكل منه المئات بل الآلاف، من لاشيء، وتأتي بالنصر وتجعل صاحبها يمشي في الماء ويطير في الهواء…)(15)، فتأتي هذه الأحداث اللامألوفة متشابكةً، متداعيةً، في لوحات من الإيقاعات الذهنية.

وقد نفذت هذه التجربة الخلاقة للمتصوفة صميم العديد من الشعراء العرب والفرس والكرد..حتى أضحت تشكل خلفية ثقافية وإبداعية لهم، وأصبحت الصور الشعرية والإيقاعات الذهنية لنصوصهم عاكسة لذلك الباعث، او المؤثر.

لكن الاستجابة لهذا المؤثر…والمؤثرات التي سبق ذكرها، إختلفت باختلاف الشعراء، وإختلاف المناخات الثقافية التي نشأوا فيها، والآن ننتقل الى ما أحدثته هذه المؤثرات..من تحولات ايجابية، أو سلبية…في مضمار الصورة والإيقاع الذهني، في الأدب العربي والفارسي والكردي.

في الشعر العربي:

أفاد الشاعر العربي من الطاقات الإيحائية للغته، لا لتزيين ألفاظه وإيقاعاته المسموعة فحسب، بل كذلك لتجسيد صوره الشعرية وإيقاعاته الذهنية التي تدخل في علاقة جدلية مع الأبنية الأخرى المكونة للنص الشعري.

فالمعروف أن اللغة العربية تتصف بكونها لغة المجاز، بمعنى أن كل مفردة من مفرداتها تحتفظ بدلالتها الشعرية المجازية المطابقة لجرسها، حتى وان لم تقترن بمفردات اخرى ضمن السياق العام للجملة أو البيت الشعري. فجرس كلمة (الصحراء)-مثلاً- مطابق لدلالة الكلمة التي تبدأ بفونيم لثوي من مقدمة الفم /ص/، وينتهي بفونيم حلقي في أقصى الحنجرة /ء/، والذي تسبقه الألف الممدودة التي يمكن إشباعها ومطها الى أقصى حد ممكن…وهذا ما يلائم الإيحاء بالسعة والفضاء اللامتناهي للصحراء. وفي كلمة(تتابع) –مثال آخر- نجد أن تكرار التاء يعطي الدلالة على حالة التعاقب والتوالي، وفي كلمة (تكرار) نجد أن تكرار الراء يعطي الدلالة على الحالة نفسها، وأن صوت المد في كلمة (باسقة) يعطي الدلالة على الطول العمودي…في حين يعطي الدلالة على الطول الأفقي في (فسيح)(16). وأن صوت الحاء يخرج من أقصى الحنجرة في كلمة (حزن) وكأنه ينبع من أعماق الذات…وهكذا. إن اللغة العربية وكغيرها من اللغات السامية ليس فيها تركيب للكلمات من خلال وصل كلمة بكلمة اخرى لتتكون منها كلمة أخرى ذات دلالة جديدة(17)، لأن الدلالة الذهنية الحقيقية كامنة في جرس الكلمة الأصلية ذاتها.

وهذا مادفع الشاعر الى تخييل الصورة الذهنية للعبارة أو البيت من خلال جرس المفردات وحركاتها، أكثرمن الصورة التي يجسدها السياق. أي أنه وظف الطاقات الإيحائية للغته توظيفاً موسيقياً شكلياً، لأنها (لغة انبثاق وتفجّر، وليست لغة منطق أوترابط سببي) على حد تعبير أدونيس(18)، الذي يرى أن اللغة العربية هي (امتداد انساني لسحر الطبيعة وأسرارها، وفي كل قصيدة عربية عظيمة قصيدة ثانية هي اللغة(19)،مشيراً الى أن الموجود المباشر الحقيقي في النصوص الشعرية العربية هواللغة لا العالم، وبذلك "كانت اللغة في نظر الجاهلي سحراً، وفي نظر العربي عامة عطية الله"(20).
من هنا بدأت إشكالية اللفظ والمعنى تهيمن، رويداً رويداً، على تفكير البلاغيين والمفسرين والفقهاء، ومن خلالهم على رؤية الشعراء ونقاد الشعر. وتنطلق تلك الإشكالية من تساؤلٍ رئيسي مفاده: هل أن النص بليغ بألفاظه؟ أم بمعانيه؟ أم بهما معاً؟(21). وهكذا بدأت الهوة تتسع بين الأبنية الصوتية والدلالية للنص، وبدأت اللغة والبلاغة والإيقاعات الخارجية (الأوزان والقوافي) تستأثر باهتمام البيانيين العرب، وتشغل شعراءهم ونقادهم.. والنتيجة كانت الالتزام المفرط بالقوانين البلاغية والخضوع للهندسية الصارمة التي استقرت عليها الايقاعات الخارجية للشعر العربي، وخصوصاً وحدة الوزن والقافية في القصيدة. اما الصورة الشعرية التي احتفظت بفاعليتها في الشعر العربي دون أن تُسمّى، فقد اصبحت تشكل حلقة مفقودة بين شقي اللفظ والمعنى.

لانقصد بذلك أن البلاغيين والنقاد لم يفطنوا الى دلالة الصورة، بل تطرقوا اليها – دون أن يصطلحوا عليها- في مباحث التخييل والتشبيه والإستعارة والكناية والمجاز(22). لكنهم درسوها من خلال مقاييس علمي البيان والبديع، التي تؤطر طاقات الشاعر الإيحائية في معايير خارجية.. في حين أن الصورة الشعرية وايقاعاتها الذهنية لاتردّ الى معيار خارجي ثابت، وانما تُتامّلُ بنوع من المباطنة(23). أي أن خلق الصورة الشعرية والإيقاعات الذهنية يستوجب أن يختار الشاعر بنفسه السياقات و الأنساق، غير التي تقتضيها معايير البلاغة المسبقة.

على الرغم من ذلك، وفي أجواء هذه الهيمنة، طرأت على الشعر العربي تحولات على صعيد الابداع والتنظير رفعت من شأن الصورة وعدّتها عنصراً مقوماً للشعر. إذ لجأ أبو تمام- علىسبيل المثال لا الحصر- الى استخدام الطاقة التخييلية، وجسّدها من خلال الخروج على قوانين اللغة المألوفة، وتحطيم العلاقات القديمة للغة الشعرية، والإتيان بعلاقات جديدة يمدّها الخيال بطاقة لاتنفد من الصورة(24). وعلى صعيد التنظير جاء الجاحظ المعتزلي، واستخدم لفظة التصوير: "انما الشعر صياغة وضرب من النسيج وجنس من التصوير"(25). ومن آراء عبدالقاهر الجرجانى نشأ الميل الى التشكك في أن يكون مجرد الوزن والقافية مقياساً للتمييز بين الشعر والنثر، أو ان تكون طريقة استخدام اللغة مقياساً في هذا التمييز، إذ قسم الجرجاني المعنى الى نوعين: تخييلي، وعقلي؛ فإذا كان النص قائماً على الأول يكون في رأيه شعراً، أما اذا كان قائماً على الثاني فلايكون شعراً، وان جاء موزوناً مُقفّى(26).

لكن هذه التوجهات والآراء لم تقدر على زعزعة أركان تلك النظرية الجامدة المبنية على اشكالية اللفظ والمعنى، فما برح ان وُجّه الإتهام الى أبي تمام بخروجه عن طريقة العرب في النظم والشعر، لكونه قد إرتكز على عملية التخييل وإستخدام الامكانات الشعورية والنفسية التي تقوم على تحوير اللغة، وإعارة اللفظ(27).

أما التجربة الهامة التي أحدثت تحوّلاً جذرياً في رؤيا الشاعر العربي. فكانت التجرية الصوفية، التي برزت في الثقافة العربية في أواخر القرن الثاني الهجري(28). اذ بدأ عدد من الشعراء يقتنعون بأنّه لايوجد ماهو مكتمل، وليس هناك مايخلق أو يصنع، وكل مايحدث انما هو نقص بالقياس الى كماله الأول، وان المطلق الإلهي لم يعد وحده مركزاً بل صار الإنسان شريكاً له(29)، وهذا الاعتقاد دفع بالشعراء الصوفيين الى ترميز لغتهم بعبارات وصور لم تكن مالوفة من قبل، "فكان هذا بداية النزاع والشقاق الذي صار يتّسع تدريجياً بين الصوفية من جهة، وبين الفقهاء والاصوليين والكلاميين من الجهة الأخرى، فصار الفقهاء والمتكلمون يرمون الصوفية بالزيغ والبدع ومحاولة تجاوز حدود الشرع..))(30).

بذلك، وعلى الرغم من الشرخ الذي أحدثته التجربة الصوفية في جدار البلاغة والعروض الصلب، ظلت مقاييس البلاغة وقواعد العروض والمضامين التقليدية للشعر العربي كالمدح والهجاء والوصف والرثاء، تحتفظ بهيمنتها الرافضة للخروج عن طريقة العرب في استخدام اللفظ والمعنى.

وفي العصر الحديث.. وجدنا ان بعض رواد الحداثة في الشعر العربي دعوا الى تحطيم مقاييس اللغة التقليدية وشحنها بعبارات وصور لامألوفة، وتوظيف الأسطورة(31)، والخيال العرفاني، لتوسيع مساحات النص الذهنية والدلالية. حتى بدأ تثار، عند شعراء معاصرين، صوفية معاصرة تلجأ الى الغموض، وتمتزج بالرمزية والسريالية في بعض الأحيان، مستندة الى الذوق، والكشف الذاتي، والتجارب الباطنية.. ومن أبرز هؤلاء الشعراء: ادونيس، عبدالوهاب البياتي، وصلاح عبدالصبور(32).

في الشعر الفارسي:

لم يسلم الشعر الفارسي من هيمنة المؤثرات الثقافية والروحية التي اكتملت في ظلها الخطوط العامة لأبنية الصور الشعرية والإيقاعات الذهنية للأدب العربي، لكنه احتفظ، في الوقت ذاته، بخصوصياته.. واستقلاليته في الإستجابة لتلك المؤثرات. عدا ذلك، فإن الشعر الفارسي ومزاياه اللغوية والإيقاعية والصوتية.. والذاكرة الجماعية للشعراء الفرس المطعمة بشعائر الأديان والمعتقدات القديمة التي سبقت الإسلام(33).. كل ذلك ادّى الى ان ينمو الشعر الفارسي، وتتبلور مكوّناته الذهنية، في مناخ ثقافي وحضاري مغاير للمناخ الذي نشأ فيه الشعر العربي، وترعرع وتأطّر.

سبق وأن تطرقنا الى ان اللغة الفارسية تأثّرت باللغة العربية، منذ انتشار الإسلام في المنطقة، ونفذت صميمها في أوائل القرن الرابع الهجري(34).. الى أن اصبح الشعراء الفرس، وخصوصاً منذ القرن الخامس، يتسابقون على إمكانية استخدام اكثر المفردات والتراكيب العربية في نصوصهم، وبذلك لم توظف الفارسية الحديثة (الدرية) جانباً من طاقاتها الايحائية الأصلية، بل اكتسبت طاقات إيحائية وأدبية من لغة غنية بالدلالات الدينية والمجازية. لكن هجرة الألفاظ العربية الى الفارسية كانت مصاحبة لمشكلة التطويع والتحوير، إذ أنّ العديد من تلك الألفاظ طوّعت فونيماتها، ورُقّقت، بشكل فقدت جرسها الصلي، أو حوّرت من خلال تغيير معانيها، أو تركيبها ووصلها بكلمات.. وألفاظ عربية اخرى(35). إنَّ الفارسية، ورغم تأثرها بالعربية، إحتفظت باستقلالية تامة من حيث قواعد النطق والتركيب والأداء، ومن ابرز سماتها التي تميّزها عن العربية هي أن المفردة الواحدة فيها لاتعطي دلالتها المجازية الشعرية التامة، إلاّ من خلال موقعها ضمن العبارة أو النص. وبذلك كانت تشكيلة الصور الشعرية والإيقاعات الذهنية في الشعر الفارسي.. تنبثق من كلماتٍ و عبارات خاضعة لترابط سببي، وكان الشاعر حراً في اختيار نوعية ذلك الترابط للغةٍ كانت تتجدّد في كل عصر، بل ربما عند كل شاعر. ولم تكن أمام الشاعر قوانين لغوية مستقرة ومسبقة تُقيّد إنطلاقة خياله، بل وجد مرونة في توظيف اللغة لترجمة أحاسيسه، وتجسيد مكامن خياله.

كما أن هندسية الإيقاع الخارجي (الوزن والقافية) لم تكن صارمة في الشعر الفارسي بالصورة التي اتسمت بها وحدة الوزن والقافية في القصيدة العربية.. وهذا مافتح أمام الشاعر آفاقاً أخرى لتجريب إمكانياته في استحداث تشكيلات حافلة بالصور والحركات الذهنية السريعة، كالتي تتضمنها الملاحم و المثنويات والرباعيات وأشعار الغزل.

فمعظم مواضيع الغزل، مثلاً، تتناول العشق المنزه والحب العذري، وتعبر عن أماني الروح، وما تحتويه من احلام وآمال، وتُصوّر نزعات النفس وماترجوه من ضراعة وابتهال(36). وتلعب الإيقاعات الذهنية دوراً بارزاً في تجسيد الصور الشعرية للغزليات، لأنها "أغانٍ تُغنى، وأمانٍ تتمنّى، يكون فيها ترويح للخاطر، وتحريك للمشاعر"(37).

وهذا لايعني أن الادب الفارسي انفلت من إشكالية اللفظ والمعنى، بل أن المفاضلة بين شقي تلك الثنائية شغلت، كذلك، بال الشعراء الفرس، حتى انتهت لدى بعض منهم بتفضيل المعنى على اللفظ.. وهذا مادفعهم نحو نظم الأشعار التعليمية والأشعار المتضمنة للأمثال والنوادر والنصائح(38)، وأنّ موجة من التقليد والمحافظة ومحاكاة القدماء سادت الساحة الأدبية الفارسية، وخصوصاً منذ العهد الصفوي(39).

لكن الطاقة الإبداعية الأكثر حضوراً في الشعر الفارسي نتلمسها عند الشعراء العارفين الذين فجرّوا طاقات اللغة الفارسية لتجسيد صورهم الذهنية المتحدة بإيقاعات العالم الروحي.. حتى أصبحوا ناطقين باسم الغيب(40).

تتميز التجربة الصوفية في الشعر الفارسي بكونها راجت رواجاً منقطع النظير في إيران والمنطقة بأسرها، حتى اجتازت زمانها ومكانها، وتُرجمت نماذجها القيمّة الى لغاتٍ عالمية، وقوبلت باستحسان وإعجاب كبيرين في أوروبا حتى سميت بالرومانسية الصوفية(41).

وأثارت هذه التجربة إعجاب الخاصة والعامة، رغم توظيفها لغةً مرموزة مشحونة بالعبارات والمصطلحات التي كانت غير مألوفة في زمانها، ورغم هيمنة الإتجاهات العقائدية التي وقفت بالضد من شطحات الصوفية، بل كفّرت قائليها في بعض الأحيان.. فإنها استمرت وشقت لنفسها الطريق حتى نفذت صميم الإيرانيين الذين أصبحوا يردّدون النماذج الشعرية للشعراء العارفين، ويبرّرون ألغازها وعباراتها اللامألوفة الطافحة بالصور الذهنية، من خلال فك رموزها، وإيصالها الى مرتبة لايمكن للإنسان العادي أن يجاريها، حتى قالوا فيهم: "حديثهم على ألسنة الطير، ولايدرك اسرارهم إلاّ من كان شبيهاً بسليمان"(42).

اذا وقفنا عند تجربة أحد ابرز هؤلاء الشعراء، ونقصد ذلك الملقب بـ(لسان الغيب وترجمان الأسرار)(43)، حافظ الشيرازي، الذي ترجمت آثاره الشعرية الى معظم اللغات الحية(44).. وذاعت شهرته بين الأوروبيين، حتى رأى فيه الشاعر الألماني الكبير (غوته) توأمه(45).. نجد أن تجربة هذا الشاعر إتسمت بجرأة تدميريّة خلاّقة، أعادت الدلالات المجازية لكلمات ومفاهيم فقدت بريقها بفعل نفوذ العبارات والأفكار الإسلامية الى حياة الإيرانيين.. كالكأس، الخمر، الحانة، شيخ المجوس، وجام جم.. وغيرها(46). كما تمكّنت من مداهمة الحياة وتلمسها بكل حركاتها وتناقضاتها وتداعياتها، لأن الوجود يتراءى أمام حافظ ككتلة من الحركة التي لاتهدأ، فليس النرجس والبنفسج يتحاوران وحدهما مع ظفائر الحبيبة، بل أن القمر والسماء لهما حكايتهما معها أيضاً(47). وترتكز أشعار حافظ على إيقاعات ذهنية قائمة على التوازيات الطباقية للصور.. فهناك الصور القائمة على مسلمات ثابتة كفناء الانسان، وفناء العالم(48)… وهناك التنويعات الذهنية المنبثقة من حركية الحياة، التي لابد من اغتنام ملذاتها(49).

إن تجربة حافظ والشعراء العارفين عموماً، لها حضور دائم وفعّال في نفوس الإيرانيين، وحتى عند شعرائهم المجدّدين الذين يرون فيها جزءاً من اللغة الفارسية، وجزءاً من الشخصية الإيرانية(50).

في الشعر الكردي:

يشارك الشعر الكردي الشعر الفارسي في نقطتين جوهريتين، أدّتا الى تبلور الخطوط العامة لبناء الصور الشعرية والإيقاعات الذهنية في الشعر الكردي، بصورة مشابهة للصورة التي تمظهرت عليها المكوّنات الذهنية للشعر الفارسي بشكل عام. وتتمثل هاتان النقطتان في:

أولاً/ التجربة الصوفية: اذ بدأت اولى مراحل الشعر الكردي بتوظيف هذه التجربة توظيفاً جعل من الشاعر بابا طاهر الهمداني كائناً قلقاً متسائلاً، لاشيء يرضيه سوى التمرد والبحث والخروج من دائرة المكان الذي يضيق به، كي يتحد بالأفلاك، ويحاور القدر الإلهي(51).

واذ كانت العلاقة الجدلية بين الشعر والتصوف قد تجسّدت عند العديد من الشعراء العارفين في صور الوجد و الحلول مع الكائنات التي يغض الإنسان العادي الطرف عنها،كي يعيدها هو شعراً، بغية إيجاد التلاحم الكوني بين الأشياء التي إنفصلت عن البعض… فإن الملا أحمد الجزيري المتأثر بحافظ الشيرازي(52)، قد ترجم هذا الإحساس من خلال إيمانه بأن الحب والجمال كانا متّحدين في البداية، لكنهما تفرّقا، وأن مهمة العاشق العارف تكمن في إعادة اللحمة اليهما(53).

إن الحنين الى الإنتقال والبحث عن نشوة الحياة يبلغان ذروتهما عند نالي الذي نشأ في مناخ ثقافي مطعّم بغزليات الشعراء العارفين "حافظ، سعدي، ومولانا جلال الدين الرومي.. وغيرهم"(54)، فيرى نالي أن الإغتراب عن الأشياء والعالم الخارجي، وحتى مع الذات، يبدأ حينما تأفل نجوم العشق(55). وهذه الروح الجامحة تبقى متّقدة عند (مولوي) الذي يلجأ في بعض نصوصه الى ترميز لغته الشعرية(56)، كي يتمكن من النفوذ الى جزئيات الحياة والوجود. ولا شيء يُرضي الروح المتسائلة لـ (محوي)، ولاشيء يُنير دياجير التقوى أمام باصرته، إلاّ نور الكأس والخمر(57).

لقد شكّلت التجربة الصوفية تلك الخلفية الثقافية والروحية التي فتحت الآفاق أمام أذهان العديد من الشعراء الكرد.. نحو التأمل في الذات والعالم الخارجي تأملاً لايمكن تأطيره في قوالب مسبقة.

ثانياً/ تجريب الإيقاعات السريعة وانعكاسه الايجابي على طاقات الشاعر الذهنية: حيث راج عند الشعراء الكرد إستخدام التشكيلات التي خفّفت من حدّة الهندسية الايقاعية الصارمة للقصيدة، ومنها الرباعي، والمثنوي، وتشكيلة الغزل التي يقل عدد أبياته عن عدد أبيات القصيدة، ويلتزم الشاعر بذكر لقبه الشعري في آخر بيت منها(58). وبما أن تشكيلة الغزل تتناول غالباً نزعات النفس، وتموجاتها، فإنّ الشعراء العارفين لجأوا الى استخدامها لترجمة أحاسيسهم، وشعرنة إيحاءاتهم الذهنية.

اما اللغة فقد كانت حقلاً مستقلاً وظفه الشاعر الكردي لإراءة صوره الذهنية بالصورة المتلائمة مع خصوصيات اللغة الكردية والطاقات المجازية والإيحائية لمفرداتها و تراكيبها النحوية. ومن أبرز مزايا هذه اللغة: أن العديد من الألفاظ والكلمات العربية التي دخلت الكردية، احتفظت بأوزانها، وفونيماتها، أو الفوناتها القريبة من جرس اصواتها الأصلية، وبذلك لم تفقد جانباً من دلالاتها المجازية.

فبعد قرون من الصمت الذي أعقب الفتوحات الإسلامية للمنطقة.. عادت الألفاظ الكردية تستخدم في النصوص الشعرية،ولكن بدلالات ذهنية جديدة دون دلالاتها الأصلية. فلفظة (ئاكر- النار)، مثلاً، لم تعد تُستخدم للدلالة على النور والقداسة الإلهية لعلاقتها بدلالة النار في الديانة الزرادشتية، بل اصبحت تعطي دلالة مغايرة هي أقرب من دلالة نار جهنم في الدين الإسلامي. ورغم أن هذه الحالة لم تسلم منها لغات معظم شعوب المنطقة التي أسلمت بعد الفتح العربي –الإسلامي، ومنها الفارسية، لكن الكردية كانت اكثر عرضة من غيرها لمؤثرات الدين الجديد ولغته.. بدليل أن ظاهرة التطويع والتحوير لأصوات الألفاظ العربية الدخيلة ومعانيها، لم تصبح ظاهرة شائعة في اللغة الكردية كما شاعت في الفارسية، وبذلك لم يواجه الشاعر الكردي قوانين ثابتة أو مقاييس صارمة لتحديد صورة المنطوق الذي يناسب مدلوله الذهني.

ولكن ماينبغي الإشارة اليه، هو أن الأدب الكردي لم يسلم من هيمنة المحسنات اللفظية والبلاغية التي جعلت من الشعر، وخصوصاً في مراحله الكلاسيكية المتأخرة، مجرد صنعة. اذ أدى البحث عن وسائل تزيين اللغة وزخرفة الغطاء الخارجي للشعر الى إعاقة البحث المعمّق عن الصورة الفنية و إيقاعاته الذهنية.

إستقراء موازن:

جرى التنويه مما سبق بأن هناك مؤثرات رئيسية شاركت، ايجاباً وسلباً، في تزويد أبنية النصوص الشعرية في الآداب العربية والفارسية والكردية بمصادر الإنفتاح، أو بواعث الإنغلاق، على الطاقات الإيحائية التي تتولد منها الإيقاعات الذهنية.

والموضوع هنا ينصب على كيفية إستجابة الشعراء العرب والفرس والكرد لتلك المؤثرات التي انعكست بأشكال وصور مختلفة على نصوصهم الشعرية.

تبين مما تقدم أن الشعر العربي يعتمد إعتماداً أساسياً على اللغة وجرس ألفاظها التي تحفل بطاقات إيحائية ودلالات مجازية لتشكيل الصور الشعرية والإيقاعات الذهنية. لكن الشعر الفارسي والشعر الكردي لا يعتمدان إلا إعتماداً جزئياً على جرس المفردة أو اللفظ، لأن الإنفتاح الكامل على الصور الشعرية في النصوص الفارسية والكردية لايتم إلا من خلال وضع المفردة في السياق الشعري كي تكون لها قدرة توليدية على استدعاء مفردات أخرى. وعلى الرغم من أن الشعر العربي يعتمد هو الآخر على سياق البيت أو الشطر الشعري، إلا أن احتفاظ معظم ألفاظها بدلالاتها المجازية وطاقاتها الإيحائية التي يقال بأن لها امتداداً عميقاً في الطبيعة والحياة، دفع الشاعر الى أن يتخيل الصورة الذهنية للنص الشعري والصورة الصوتية لكلماته في آن واحد، وبذلك توثقت العلاقة بين الصورتين الذهنية و الصوتية في الشعر العربي، بحيث اصبح البحث عن الأشكال الذهنية لا يتم إلا من خلال ايراد الألفاظ الواضعة لها مسبقاً. وعلى الرغم من أن هذه الميزة أوصلت الشعر العربي الى مرتبة راقية، إلا أنها أدت، في الوقت نفسه، الى تقوقع الشعر العربي في ذاته بشكل تصعب ترجمته الى اللغات الأخرى إلا في الحالات النادرة… لأن صوره الفنية وايقاعاته الذهنية ترتكز على طبيعة الجرس الذي لا يمكن ترجمته. لكن الحالة تختلف في الشعر الفارسي، بدليل أن ترجمات الآثار الشعرية لخيام وحافظ وسعدي وغيرهم من الشعراء الفرس قوبلت باهتمام كبير من لدن الأوروبيين(59)…. في حين واجهت نتاجات بعض الشعراء العرب الكبار من أمثال: امرؤ القيس، المتنبي، ابو تمام، البحتري … صعوبة في الترجمة، على الرغم من تبؤهم مكانة راقية في خارطة الشعر العالمي (60). ولاشك أن السبب الرئيس في ذلك يعود الى أن الصور الشعرية والإيقاعات الذهنية للقصائد العربية ترتبط ارتباطا وثيقا بجرس ألفاظها وموسيقاها التي لاتترجم.

من هنا، فإن الشعر العربي يركز، بصورة عامة، على محاورة أذن المتلقي، بدليل شيوع القصيدة لدى الشعراء العرب القدامى.. والإهتمام المفرط بأوزان الشعر ومحسناته اللفظية والبلاغية من قبل البيانيين، والتي نجد آثاراً لها لدى الشعراء الجدد المتمسكين بالتفعيلة العروضية. أما الشعر الفارسي، وخصوصاً في نماذجه المتضمنة للغزل الصوفي، فإنه يركز، بشكل عام، على محاورة الباصرة الداخلية للمتلقي، بدليل أنه يستعين غالباً بلغة العشاق، ويتوجه بالخطاب الى ذات اخرى بجوار ذات الشاعر، عن طريق اكتشاف استعارة أو مجاز جديد مدهش، أو إكتشاف تلاعب لفظي جديد، وما أشبه ذلك(61). ويشارك الشعر الكردي الشعر الفارسي في هذه النقطة، بدليل شيوع الغزل الصوفي عند الشعراء الكرد بشكل واسع.

فياترى ماهي الأسباب التي أدت الى أن تسود التجربة الصوفية الأدب الفارسي، ومن ثم الأدب الكردي، بشكل أصبح الغزل الصوفي النموذج الشائع في كلا الأدبين.. في حين واجهت التجربة ذاتها في الأدب العربي معارضة شديدة من قبل معظم المتكلمين والفقهاء والبلاغيين الذين استحسنوا، بشكل أو بآخر، المضامين التقليدية للشعر كالمديح والهجاء والوصف والرثاء، وعارضوا استخدام اللغة المرموزة الطافحة بالإيحاءات والصور الذهنية للشعراء المتصوفين؟!

يرى العديد من الباحثين أن التجربة الصوفية التي ظهرت في الثقافة العربية في أواخر القرن الثاني الهجري لها أصول إيرانية قديمة(62)، وأن هناك نماذج من الشعر العرفاني في الآداب الإيرانية القديمة تعود الى أيام الساسانيين(63)، وأن ظهور الاسلام في ايران كان مصاحبا لبروز مذاهب عرفانية جديدة مطعمة بتعاليم الدين الجديد ومبادئه، وإنشاء مراكز للتصوف امتد الى الشام والهند ومعظم المناطق العربية والاسلامية(64)، لذلك لم يجد الشعراء الفرس والكرد الأوائل من أمثال (سنائي، عطار، باباطاهر) صعوبة في توظيف الخيال العرفاني لتوسيع المساحات الذهنية لنصوصهم الشعرية، حتى أن البعض أطلق على باباطاهر لقب (قدوة العارفين)(65).

أما التجربة الصوفية في الشعر العربي، وعلى الرغم من إحداثها ثورة كوبيرنيكية في الأدب العربي على حد قول احد المثقفين العرب(66)، فإنها ظلت غريبة في الثقافة العربية، ولم يكتب لها أن تزحزح أركان القصيدة العربية القائمة على وحدة الوزن والقافية ومضامين المدح والذم والفخر والرثاء.. الخ، ولو سمح لهذه التجربة أن تأخذ حيزها الزمانى كاملاً لأحدثت تحولاً مهما في الأدب العربي(67)، لأنها (تقوم على تجاوز التأريخ المكتوب، ذلك انها تتجه الى المستقبل وتنتظر المجيء، وتقوم على تجاوز الظاهر المنظم في تعاليم وعقائد، ذلك أنها تتجه الى باطن العالم وتعنى بمعناه الخفي أو المستورى وعلى تجاوز المنطق واحكامه)(68). وفي التراث الصوفي وجد الشاعر العربي أن الشعر لاينحصر في الوزن، وأن طرق التعبير، وطرق استخدام اللغة قد تكون شعرية، حتى وان كانت غير موزونة(69).

إذن، كان من الطبيعي أن تواجه هذه التجربة معارضة من قبل البيانيين العرب وأغلب نقادهم، الذين عدوا الوزن والقافية الحد الأول للشعر، وعرفوا العروض بأنه علم يميز صحيح أوزان الشعر عن فاسدها، وجعلوا من شروط فصاحة الكلمة والكلام: خلوصها من الغرابة والتعقيد اللفظي والتعقيد المعنوي، وان تكون مألوفة الاستعمال(70).

في حين نجد أن التجربة الصوفية قوبلت باستحسان كبير في الأدبين الفارسي والكردي، مع أن هذين الأدبين تأثرا بشكل واضح بقوانين البلاغة والعروض والفصاحة العربية، وأن الخمريات والتغني بالكأس والشراب والإستنجاد بساقي الحانة، أصبح من اكثر النماذج الشعرية انتشاراً فيهما.

وعلى الرغم من أن لغة الشعراء العارفين كانت طافحة بالرموز التي وصلت أحياناً حد الشطحات، غير أن التجربة استمرت عند الشعراء الفرس والكرد، وأصبحت نماذجها تتردد في المجالس وحتى في المساجد، وبرر رجال الدين من المتصوفة وغيرهم استخدام الخمريات في الغزل العرفاني قائلين: إن لهم -للشعراء العارفين- مصطلحات وعبارات يجب أن لاتؤخذ على معانيها الظاهرة، لأن وراءها معاني اخرى أبعد منالاً، فأخذوا يفسرون (الخمر) بأنها خمر أزلية يديرها (الساقي) الذي يرشدك الى (طريق) الهداية، فيملأ لك (الكأس) من تعاليمه العالية التي تدفع عنك الضلالة والغواية(71).

عدا ذلك، وعند البحث عن (الصورة) في الأدب والفن العربيين.. نجد أن (الصورة) كمصطلح نقدي ومدلول ذهني غائبة الى حد ما في الثقافة العربية التي تسرب اليها مصطلح الصورة في بواكير عصر الترجمة(72)، ولم يكن له وجود قبل ذلك في الموروث النقدي والبلاغي.. وأن مايعلل ذلك هو أن العرب لم يهتموا بتوظيف الأحداث المتضمنة للصور والحركات الذهنية في نصوصهم، بدليل غياب الشعر القصصي والمسرحي في الأدب العربي(73)، وبدليل عدم عنايتهم بالفنون التشكيلية، وخلو الجزيرة العربية من شواهد وآثار معمارية. وأن تأكيد الإسلام على تحريم فنون الرسم والنحت(74)، كان مصاحباً للتقليل من شأن الصورة الشعرية، مقابل إيلاء اهمية زائدة بالإنتظام الوزني والتقفوي المسموع للقصيدة.

أما هذا التغييب لدور الصورة والفنون التشكيلية فلا نجده في إيران. ويطلعنا تأريخ الفن الإيراني على آثار فنية رائعة من التماثيل واللقيات واللوحات والجداريات التي ازدهرت في العهد الاسلامي، والتي كانت امتداداً للفن الساساني(75). وعلى الرغم من انتشار تعاليم الدين الإسلامي، وخصوصاً تلك القاضية بتحريم الرسم والتصوير والنحت، فإن الفنون التشكيلية لم تصبح من المحرمات في ايران، حتى رسموا لوحات للإمام علي بن ابي طالب- رض - في العهد القاجاري(76). فلاغرابة، إذن، أن نرى أن الصور الشعرية تحتل مساحة واسعة في الشعر الفارسي، وأن الإيقاعات الذهنية التي تجسد التناسب الذهني بين الصور الشعرية تحتل هي الأخرى مساحاتها العريضة. ولاشك أن الشعر الكردي يحتفظ بخصوصيات في هذا المضمار.. تقربه من الشعر الفارسي والفن الإيراني القديم، اكثر مما تقربه من الشعر العربي والثقافة العربية.

وتبقى هيمنة القافية الموحدة والانتظام الوزني في الشعر العربي، وخصوصاً في نموذج القصيدة، بمثابة العامل الرئيس الذي أدى الى انحسار الصورة الشعرية عند العرب.. وهذا مادفع أحد النقاد العرب بأن يقول: (إن الشعر العربي لم يتطور تطوراً فنياً موازياً لتطور المجتمع والحياة الاجتماعية. وان الشعر العربي في اقتصاره على القصيدة كنوع أدبي دون الأنواع الشعرية الأخرى (...) كان دون حاجة المجتمع والفرد، وربما بكثير)(77). ويؤيد الناقد د. كمال أبوديب هذا الرأي بقوله: (يبدو في تاريخ الشعر العربي.. أن طغيان الإنتظام الوزني في الشعر، يرافقه انحسار للصورة الشعرية عنه، وكلما خفف طغيان الانتظام الوزني ازداد بروز الصورة الشعرية في النصوص)(78). لذلك كان شيوع التجربة الصوفية في الشعر العربي مرافقاً للدعوة الى استخدام اللغة كأداة لتصوير المجاهدات الروحية والتأملات الباطنية، لا كأداة لتزيين الألفاظ وتنظيم الأوزان والقوافي. وهذا مادفع العديد من العروضيين والبلاغيين أن يساندوا المتكلمين والفقهاء في معارضة هذه التجربة، التي مرت بهدوء في الأدبين الفارسي والكردي، حتى نفذت صميمهما.


--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش:

(1)ينظر: د. فهد محسن فرحان، (اللغة الشعرية الإنفتاح على اللون والتشكيل)، الموقف الثقافي، بغداد، العدد 20 آذار-نيسان، السنة الرابعة 1999، ص88.

(2) المرجع السابق، ص81.

(3)محمد عابد الجابري، بنيةالعقل العربي، ص77.

(4)لازالت المفاضلة بين اللفظ والمعنى بحثاً جارياً في الساحة الأدبية العربية. ينظر: ادونيس، زمن الشعر، ص15-16.

(5)شوبنهاور، عن: محمد رضا مبارك، اللغة الشعرية في الخطاب النقدي العربي. ص165.

(6)عبدالقاهر الجرجاني، عن: المرجع السابق، ص166.

(7)ينظر: د. عرفان عبدالحميد، (التصوف صفاء ومشاهدة)، مجلة كلية الآداب - جامعة بغداد، العدد الخامس عشر 1971-1972، ص447-448.

(8)د. جابر عصفور، عن: محمد رضا مبارك، مرجع سبق ذكره، ص167-168.

(9) د.عرفان عبد الحميد،مرجع سبق ذكره،ص441.

(10) محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، ص256.

(11) المرجع السابق، ص255-256.

(12) د.عرفان عبد الحميد، مرجع سبق ذكره، ص442.

(13) د.علوي الهاشمي، ايقاع اللون. من إصدارات مهرجان المربد الشعري التاسع، ص7.

(14) د.محمد عابد الجابري، مرجع سبق ذكره، ص379.

(15) المرجع السابق، ص379.

(16) ينظر بهذا الشأن: سامي عبد الحميد وبدري حسون فريد، فن الإلقاء. ص53-55.

(17) د.ابراهيم السامرائي، فقه اللغة المقارن.ص 63.

(18) ادونيس، ديوان الشعر العربي.3ج.(سوريا:المدى،1996)،ج1، المقدمة ص15.

(19) المصدر السابق، ص15.

(20) المصدر ذاته، ص15.

(21) كان هذا التساؤل نابعاً من تساؤل آخر: هل القرآن معجز بألفاظه؟ أم بمعانيه؟ أم بهما معاً. ينظر: محمد عابد الجابري،بنية العقل العربي، ص75.

(22) ينظر: د.ناصر حلاوي، (مفهوم الصورة في الموروث العربي القديم)، الأقلام، العدد السابع-تموز 1990،ص 32.

(23) محمد جليل شلش،(الخيال الابداعي)، الأقلام، العدد الخامس،1998، ص30.

(24) محمد رضا مبارك، اللغة الشعرية في الخطاب النقدي العربي، ص170.

(25) د.ناصر حلاوي، مرجع سبق ذكره، ص30.

(26) عن: ادونيس، سياسة الشعر، ص11.

(27) محمد رضا مبارك: مرجع سبق ذكره، ص170.

(28) ينظر: د.شوقي ضيف، العصر العباسي الثاني- تاريخ الادب العربي(4). (ط6؛ القاهرة: دار المعارف، بلا)، ص106.

(29) أدونيس، الثابت والمتحول (3)صدمة الحداثة. ص264.

(30) د.عرفان عبد الحميد، مرجع سبق ذكره، ص449.

(31) إن أهم ماقام به بدر شاكر السياب في حركة الحداثة العربية هو توظيف الأسطورة في قصائده. ينظر بهذا الشأن: عبد الجبار عباس، السياب.(بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، بلا)، ص93.

(32) حول الصوفية في الشعر العربي المعاصر ينظر: طراد الكبيسي، مقدمات في الشعر السومري، الأفريقي، الصوفي.(بغداد: مديرية الثقافة العامة، 1971)، ص217-228.

(33) حول خصوصية الهوية الإيرانية قبل الإسلام ينظر: شاهرخ مسكوب، هويت ايرانىو زبان فارسى.(ضـ1، ، تهران: انتشارات باغ آينه،1373)ص31.

(34) ينظر: دكتر ذبيح اللّه صفا، تاريخ ادبيات ايران، جلد اول، ص195.

(35) ينظر: احسان طبرى، مسائلي از فرهنك هنرو زبان، ص170-177.

(36) د.ابراهيم امين الشورابي، اغاني شيراز، ص47.

(37) المرجع السابق، ص47-48.

(38) كانت هذه المنظومات تقع غالباً في قالب المثنويات. ينظر: ادوارد جرانفيل براون، تاريخ الأدب في ايران، ص37.

(39) الموسوعة، ص92. ويذكر ان الصفويين هم اسرة ايرانية حكمت أواخر القرن 15. ينظر: المرجع السابق،ص1125.

(40) هذه اشارة الى تسمية الشاعر العارف حافظ الشيرازى بـ(لسان الغيب). ينظر بهذا الشأن: د.ابراهيم الشورابي، اغاني شيراز، ص8.

(41) ينظر: علي اللقماني، (نظرات نقدية في الأدبين الفارسي والعربي في ضوء المدارس الأدبية الأوروبية)، مجلة كلية الآداب، جامعة بغداد، العدد الثامن عشر 1974، ص357-358.

(42) عن:د.ابراهيم الشورابي، مرجع سبق ذكره، ص49.

(43) المرجع السابق، ص8-9.

(44) ينظر: المرجعذاته، ص33-45.

(45) من القاموس الفلسفي، ت: مالك مسلماني، مجلة النهج، السنة (14)1998، العدد 51، دمشق،ص226.

(46) ينظر: اغاني شيراز، ص49-50. وكذلك: نماذجه الشعرية المتضمنة لهذه الكلمات. ويذكر أن هناك شعراء فرس سبقوا حافظ في استخدام هذه الكلمات والعبارات لكن الاستخدام الأمثل جاء على يده، بشكل أصبحت نماذجه الشعرية جزءاً من اللغة الفارسية. ينظر: رضا براهني، طلادرمس، جلد اول.(تهران: ميثاق، 1371)، ص71.

(47) د.عبد الحسين زرين كوب، از كوجة‏ْ رندان،درباره زندكىو انديشه حافظ.(جـ6 ؛ تهران: مؤسسة انتشارات امير كبير، 1369)، ص73.

(48) المرجع السابق، ص72.

(49) يقول حافظ ماترجمتة:(فاغتنم فرصة العيش والشباب فهي غنيمة، واستمع الى قولي فليس على الرسول الاّ البلاغ). ينظر:اغاني شيراز، ص300.

(50) رضا براهني، طلا درمس، ص71.

(51) هذه اشارة الى رباعيته:

(اطر دستم رسد بر ضرخ طردون

از او ثرسم كة اين ضونستء ان ضون

يكىرا دادة صد طونة نعمت

يكىرا قرص جو الودة درخون)

(ترانه هاى باباطاهر، ص105)

ترجمته: (إذا وصلت يدي الى أفلاك الكون، اسألها عن السبب في هذا وذاك، لقد منحت البعض آلاف النعم، ومنحت البعض خبز الشعير الملوث بالدم).وحول نزعة التمرد العرفاني عند باباطاهر، ينظر: وحيد دستكردى، ترانه هاى باباطاهر، انتشارات جاويدان، ص5-8.

(52) رزوى ليسكو، (الادب الكردى)ترجمة من الفرنسية: د.كمال معروف، كولان العربي، العدد السابق، ص162.

(53) ينظر: علاءالدين سجادي، دةقةكانى ئةدةبى كوردى، ل68.

(54) ينظر: المرجع السابق، ص85.

(55) هذه اشارة الى بيته:

هةتا تؤم ئاشنا بووى ئاشنام بوون

ئةميَستا موو بةمووم ئةغيارة بآتؤ

(ديوانى نالى، ل383)

معناه:(طالما كنت انيستي كان الجميع أنيساً، ولكنني الآن أحس بالإغتراب حتى مع ذاتي).

(56) ينظر: علاءالدين سجادي، دةقةكانى...، ل96.

(57) يقول محوى:

بةنوورى بادة كةشفى زولَمةتى تةقوانةكةم ضى بكةم؟

بةشةمعيَكى وةها ضارى شةويَكى وانةكةم ضى بكة (ديوانى مةحوى، ل230)

معناة:‏(ماذا أفعل إن لم أُنر ظلمات التقوى بنور الخمر؟ž!.. ماذا أفعل إن لم أُزح ستائر الدجى عن وجه الليل بشمعة كهذه؟!)

(58) ينظر: أغاني شيراز، ص47. وكذلك: معظم الدواوين الشعرية الكردية المتضمنة للغزليات الصوفية كدواوين نالى، محوى، سالم، كوردى…الخ.

(59) يقول د.عبد الرحمن بدوي: إن لحافظ من التأثير والشهرة في الغرب حظ لايدانيه فيه إلا الخيام من بين شعراء الشرق أجمعين. ينظر: مقدمة كتاب الديوان الشرقي للمؤلف الغربي- جيته. (ط2؛ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980)ص37.

(60) حول مكانة الشعر العربي القديم في خارطة الشعر العالمي، ينظر: نظرية الأدب، تأليف: عدد من الباحثين السوفييت. ت: د.جميل نصيف التكريتي، ص456-463.

(61) ينظر: د.عبد الرحمن بدوي، الإنسان الكامل في الإسلام. (ط2؛ الكويت: وكالة المطبوعات، 1976)،ص73-74.

(62) ينظر: محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، ص258. وكذلك: علاءالدين السجادي، دةقةكانى ئةدةبى كوردى، ل51، وكذلك:مةريوان وريا قانع، (رؤشنبيرى كوردىو سيستمى عيرفانى)، طؤظارى ئازادى، ذ(2)، 1992، ل11.

(63) ينظر: دكتر عبدالحسين زرين كوب، آشنايى بانقد ادبى. (جـ 3؛ تهران: انتشارات سخن، 1374)، ص333.

(64) د.ذبيح اللّه صفا، تاريخ ادبيات ايران، ج2، ص46-47.

(65) دكتر عبدالحسين زرين كوب، جستجو در تصوف ايران. (جـ4 ؛ تهران: انتشارات امير كبير،1369)، ص187.

(66) ادونيس، الثابت والمتحول- صدمة الحداثة، ص264.

(67) محمد رمضان مبارك، اللغة الشعرية في الخطاب النقدي، ص168.

(68) أدونيس، الثابت والمتحول- تأصيل الأصول، ص91.

(69) فخري صالح، (قصيدة النثر العربية بحثاً عن معيار للشعرية، الاديب المعاصر، العدد 41 كانون الثاني 1990، ص100.

(70) ينظر: عبد الرضا علي، العروض والقافية، ص10. وكذلك: جواهر البلاغة ص7،22.

(71) إبراهيم الشورابي، اغاني شيراز. ص49.

(72) د.ناصر حلاوي، مفهوم الصورة في الموروث العربي القديم..، الاقلام، العدد 7-1990، ص30.

(73) ينظر: طه‏حسين، من حديث الشعر والنثر.(ط10؛ القاهرة: دار المعارف، 1969)، ص15.

(74) ينظر: شاهرخ مسكوب،هويت ايرانى وزبان فارسى، ص35.

(75) ينظر: ريجارد. ن فراى، عصر زرين فرهنط ايران.(ضـ3 ، تهران: مجتمع فرهنطى سروش، 1375)،نماذج من الفن الايراني في الصفحات غير المرقمة بين ص28وص29. الشكل (7-8).

(76) المصدر السابق، الشكل (41).

(77) (لماذا لم يعرف العرب المسرح؟)، طراد الكبيسي، آفاق عربية، العدد الثاني عشر، 1976، ص36.

(78) كمال أبوديب، عن: فخري صالح، (قصيدة النثر بحثاً عن معيار للشعرية).

شاهو سعيد



مجلة الأديب المعاصر - كانون الثاني 1990.