تركستان الشرقية الدولة المسلمة المغيبة ... تنتفض لإسلامها

د. عبد الملك مروان

تركستان الشرقية بالعربية أو شينجيانغ -الأرض الجديدة- بالصينية ... اسمان لدولة مسلمة محتلة غيبت في بطون الجغرافيا والتاريخ منذ القدم ، ففي الجغرافيا غيبت عندما ضمتها الصين الشيوعية إليها، وبالتاريخ عندما نساها أو تنساها اخوتها في الإسلام في باقي أجزاء المعمورة، تركستان المسلمة شهدت بالآونة الاخيرة احدث انتفاضة ضد الصيني الشيوعي المحتل، قدم خلالها أبناؤها مئات الشهداء والآلاف من الجرحى والمعتقلين من الشباب المسلم في صور أيقظت جماهير العالم الإسلامي دون زعماؤها، سوى ما كان من الزعيم التركي اردوغان، فمن هي تركستان وما حكايتها؟
موقعها
شينجيانغ المسلمة الذاتية الحكم، تقع في أقصى شمال شرق الصين مساحتها 1.660.000 كلم2، عاصمتها مدينة أورومتشي واسمها الأصلي هو دولة تركستان الشرقية وهي ذات أغلبية مسلمة، والاسم ينقسم إلى كلمتين ترك وستان ومعناها أرض الترك، تركستان نالت استقلالها عام 1944 ولكن بعد ثورة 1949 في الصين واعلان قيام الشيوعية قامت الصين باحتلالها وضمها إلى أراضيها واعتبارها مقاطعة صينية كونها غنية بالنفط والغاز الطبيعي وخامات اليورانيوم فضلاً عن مناجم الذهب التي تنتشر فيها ووصل إنتاجها في مطلع هذا العام إلى ما يقارب السبعة آلاف كغم من الذهب.
يحد الإقليم المسلم المحتل من الشمال الغربي كل من طاجيكستان، قرغيزستان وكازاخستان، ومن الشمال الشرقي جمهورية منغوليا، ومن الشرق مقاطعتي قانسو وتشينغهاي، جنوبا منطقة تبت، ومن الجنوب الغربي الهند وأفغانستان.

أتراك بالأصل..

عدد سكان الإقليم يبلغ قرابة 18.6 مليون نسمة، تركيبة السكان في إقليم شينجيانغ متنوعة، يأتي الأويغورر بالدرجة الأولى، وهم شعب مسلم ذو أصول تركية، وهي أهم مجموعة عرقية، وتأتي قومية الهان الصينية في المرتبة الثانية من حيث التعداد، بقية التركيبة العرقية تتكون من: الكازاخ والمانتشو، الروس والمنغوليون.

الجغرافيا والنووي الصيني

تضاريس الإقليم المسلم تمتاز بالمنطقة الجبلية وتنتشر عبر مرتفعات هذه الجبال العديد من السهول الخصبة، وفيها منطقة تسمى لوب نور تكثر فيها المستنقعات والبحيرات، حيث تستعمل الحكومة الصينية هذه المنطقة لإجراء التجارب النووية ويقدر عدد التجارب النووية التي أجريت فيها منذ الاحتلال بحوالي 46 تجربة نووية ولذلك كثرت حالات الإصابة بالسرطان بين سكانها المسلمين.

فتحها الإسلامي

بعد أن انتهى المسلمون العرب من فتح بلاد فارس وخراسان، قاموا بأربعة فتوحات على تركستان الغربية في سنة 94 هـ ثم اتجه الجيش العربي المسلم تحت قيادة قتيبة بن المسلم الباهلى نحو الشرق حتى وصلوا إلى كاشغر عاصمة تركستان الشرقية وفتحوها في سنة 95هـ، وفي نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي الأول في القرن الثالث للهجرة وفي سنة 232 هـ تشرف الخاقان سلطان ستوق بغراخان (مؤسس الدولة القارا خانية) بالدخول في الإسلام وتبعه أبناؤه وكبار رجال الدولة، ومنذ ذلك اليوم أصبح الإسلام دينا رسميا للدولة التركستانية وتمت ترجمة القرآن الكريم وأقيمت المساجد بدلاً من المعابد وتم بناء 300 مسجد في مدينة كاشغر وحدها وكان للكثير من أبنائها شرف في التاريخ الإسلامي لقيامهم بأداء واجبهم في نشر الرسالة السماوية والاشتراكات في الفتوحات الإسلامية وظهر العلماء والمتفقهون الذين اجتهدوا في دينهم وبرعوا في علومهم وتركوا للمكتبة الإسلامية ذخيرة غنية من المؤلفات العظيمة وكان مئات الطلبة المسلمين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي يأتون إلى كاشغر للدراسة الإسلامية، وبقيت تركستان جزءاً واحداً قبل أن يتم تقسيمها إلى تركستان الغربية وتركستان الشرقية وكان هذا الاقتسام الظالم ثمرة لصراع مرير دام 200 سنة.

جزئها الغربي

الجزء الغربي من تركستان تم احتلاله تدريجيا من قبل الروس في عام 1865 ومن ثم عرفت تلك المناطق بتركستان الغربية وبعد قيام إتحاد الجمهوريات الاشتراكية الروسية في عام 1922 قسمت هذه البلاد إلى خمسة جمهوريات التي تسمى اليوم بالجمهوريات الإسلامية المستقلة في آسيا الوسطى

جزئها الشرقي

قامت بين المسلمين التركستانين الشرقيين وبين حكام منجو الصينية معارك دامية في عام 1759 م ذهب ضحيتها أكثر من مليون مسلم ومنها أحداث عام 1862م التي شهدت كفاح شعب تركستان الشرقية ضد احتلال المنجو الصيني 42 مرة ومنها انتفاضة عام 1863م والتي كانت إسلامية، حيث نجح الشعب التركي المسلم في طرد حكام منجو من وطنهم وأقاموا دولة مستقلة إسلامية تحت زعامة يعقوب بك بدولة الذي إستمر حكمه 16 عاما ولكن نظرا للتوسع الروسي خلال عهد التسارست فقد تخوف البريطانيون وقوع تركستان الشرقية تحت الاحتلال الروسي فقدم الانكليز النصيحة والأموال للحكام المنجو الصينيين باحتلال تركستان الشرقية مرة ثانية واستطاعت الجيوش الصينية الضخمة بقيادة الجنرال تانغ مهاجمتها واحتلاها مرة أخرى في عام 1876 ومنذ ذلك التاريخ تم تسمية تركستان الشرقية باسم شنجيانغ وفي 18/11/1884 ضمت داخل حدود إمبراطورية المنجو وأصبحت تابعة لها.

انتفاضات تركستانية

حالياً تركستان لها حكم ذاتي هامشي كونها بالأصل دولة محتلة من قبل الصين، وبعد تولي الحكومة الشيوعية الصينية مقاليد السلطة في الصين عام 1911 حاول شعب تركستان الشرقية التحرر من الاحتلال الأجنبي من جديد فقاموا بعدة ثورات، ونجحوا مرتين الأولى في عام 1933 والثانية في عام 1944 حيث تمكنوا من إقامة دولة مستقلة إسلامية في تركستان الشرقية إلا أن تلك الدويلة المستقلة لم يكتب لها الاستمرار حيث أن موسكو لم تتردد في كلا المرتين في إرسال قواتها البرية والجوية والقيام بكل ما من شأنه للقضاء على هذه الجمهورية الفتية لأنهم كانوا يعرفون أن تركستان الشرقية ستكون دعما لشقيقاتها في آسيا الوسطى -تركستان الغربية- في كفاحها للتخلص من ربقة الشيوعية، كما عمل الصينيون بعد سقوط الحكومتين على قتل أكثر من مليون مسلم.

تركستان تكبل بالشيوعية

على اثر المجازر الدامية التي ارتكبت بحق المسلمين التركستانيين من قبل الصينيين، أصبحت تركستان الشرقية واقعة تحت حكم القبضة الشيوعية الصينية، وقسمت البلاد إلى 450 معسكر لإضعافها وللعمل الإجباري، ليعمل فيها العمال والفلاحون المسلمون، ونتيجة لذلك لقي الكثير من المسلمين حتفهم في هذه المعسكرات وألغيت الملكية خاصة وصودرت كل ثرواتهم بما في ذلك حلى النساء، وأعلنت حتى الأفراد والأولاد ملكاً للحكومة الصينية وجعل طعام الناس جماعياً، ومنع الطبخ في البيت وفرق الأزواج من بعضهما لأن فيه ضياع الوقت -بحسب الزعم الشيوعي- حيث يؤتى للمتزوج بزوجته لعدة دقائق بعد كل أسبوعين وتمنح للمرأة إجازة لثلاثة أيام فقط للولادة، واستمرت فكرة التفريق الاجتماعي حتى أيامنا هذه حيث أشارت بعض التقارير بان السلطات الصينية أقدمت في 9-4-2008 على اختطاف مجموعة من المسلمات التركستانيات، وتم إرسالهن إلى المدن الصينية للسخرة.

شعائر تركستان المغيبة

منعت الحكومة الشيوعية إقامة الصلاة وصوم رمضان وبقية أركان الإسلام وقراءة الكتب الدينية والقرآن والصحف الأجنبية وكذلك الاستماع إلى إذاعات الدول الأجنبية ومنعت من استضافة الضيوف ومساعدة أسر المعتقلين ومن الحزن على الأقارب المنفذ فيهم حكم الإعدام ومن إقامة مراسم للأفراح أو للجنائز ومنعت أكل المأكولات باللحم والسمن وإخفاء النقود أو الأشياء القيمة في المنازل، وأجبرت الشيوعية الصينية المسلمين فيها على التحدث عن الزعيم الروحي للشيوعية ماوتسى تونغ بوصفه (الإله الحي) وعلى القبول ما تقول له الشيوعية دون قيد أو شرط.

استمرار بالكفاح

نتيجة لتلك المعاناة وحتى يدافع المسلمون عن وطنهم والمحافظة على دينهم وهويتهم قام شعب تركستان الشرقية بـ 45 ثورة ضد الشيوعيين في الفترة من عام 1949 إلى 1968 م، والتي أدت إلى إعدام ما يقارب 360 ألف مسلم من تركستان الشرقية من الذين وقفوا في وجه الشيوعيين مدافعين عن حقوقهم الشرعية. ونجح أكثر من 200 ألف في الهجرة إلى الدول المجاورة بينما أعتقل ونقل 500 ألف منهم إلى 19 معسكر أشغال شاقة في تركستان الشرقية.

تركستان تنهض اليوم

لم يتوانى الشعب التركستاني المسلم على الانتفاض ضد الصينيين على جريمة الاحتلال ومصادرة الحريات بعدة انتفاضات على مر الأيام، كان آخرها انتفاضة شهر حزيران من هذا العام 2009 حيث قدم الشعب التركستاني الآلاف من الجرحى ومئات القتلى، فضلاً عن الآلاف من المعتقلين في سجون الشيوعيين، غير ان المشكلة الأكبر التي برزت هو غياب صوت العالم الإسلامي الرسمي المساند لقضية شعب تركستان المسلم في كفاحه، سوى ما كان من موقف رئيس الوزراء التركي رجب اردوغان الذي وصف ما يجري بالأداة الجماعية بحق المسلمين هناك الأمر الذي أدى انزعاج الصين من تركيا بشدة وطالبت بسحب الموقف التركي هذا،غير ان تركيا لم تعر بالاً للرد الصيني بل عززت موقفها هذا بالموقف الاقتصادي حيث أعلنت العديد من كبريات الشركات التركية المستوردة للمنتجات الصينية بإيقاف أنشطتها مع الصين كرد اعتبار للمسلمين.

المصدر/ مجلة الرائد

23/08/2009 -- العدد الرابع والاربعين -- عين على العالم