مسلمو تركستان بين ماض مؤلم ومستقبل مجهول

تركستان كلمة تركية معناها أرض الأتراك. وهي بلاد واسعة في وسط آسيا تقاسمتها الصين وروسيا، فاحتل الروس قسمها الغربي
وعرف بتركستان الغربية، بينما استولت الصين على قسمها الشرقي وعرف بتركستان الشرقية: وأشهر مدنها أورومجي وهي العاصمة وتسمى اليوم (تيهوا) بالصينية، وكاشغر، وتسمى اليوم (شوفو) بالصينية، ويارقند وتسمى حالياً (سوجي) بالصينية.

الإسلام وبلاد تركستان

دخل الإسلام هذه البلاد في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان (86هـ - 705م) وتم فتحها علي يد قتيبة بن مسلم الباهلي العام 96 هـ، ومنذ ذلك الوقت صارت جزءاً من ديار الإسلام. أهلها ذوو الأصول العرقية التركية يدينون بمذهب أهل السنة والجماعة، وانتشرت في عاصمة الإقليم (كاشغر) اللغة العربية، وظهر علماء أجلاء مثل سديد الدين كاشغري ومحمود كاشغري في عهد الدولة العباسية.

بداية الاضطهاد

قامت الصين بضم إقليم تركستان إليها في عهد الأسرة المنشورية عام 1760، بعد أن ارتكبت مذبحة جماعية قتل فيها مليون مسلم، بيد أن تبعية الإقليم للصين لم تتعدَّ الارتباط الشكلي حتى منتصف القرن العشرين، بسبب اشتعال المقاومة الإسلامية للاحتلال الصيني. حيث قام المسلمون بانتفاضات عدة في تركستان وفي مناطق إسلامية أخرى بالصين. ونشبت حروب تحريرية أدت إلى استقلال الإقليم العام 1865 . بيد أن الدولة الوليدة لم تجد اعترافاً ولا تأييداً من العالم. وتمكنت الصين من مهاجمتها وإعادة احتلالها العام 1875 واستؤنف الجهاد أيضاً وانتهى بإعلان استقلال الإقليم العام 1933.
وفي العام 1944 أعلن استقلال تركستان الشرقية عن بكين إثر ثورة قادها الشيخ على خان، فاتفقت كل من روسيا والصين على إجهاض هذه الخطوة.
وفي آب (أغسطس) 1949 كان الشيوعيون بزعامة «ماوتسي تونغ» على وشك الانتصار على القوات الوطنية بقيادة «شيانغ كاي شيك»، فدعا ماوتسي زعماء القومية الأويغورية والكازاخية في جمهورية تركستان الشعبية الوليدة بحجة مناقشة منح هذا الإقليم حكماً ذاتياً.
استقل زعماء تركستان طائرة إلى بكين للتفاوض مع ماوتسي، بيد أن الطائرة تحطمت في ظروف غامضة ومات جميع من كانوا على متنها. وكان هذا الحادث بداية مخطط خطير دبرته في الخفاء سلطات الصين الشيوعية لطمس هوية المسلمين في الإقليم وصهرهم في بوتقة الصين الشيوعية الملحدة.

عمليات طمس الهوية وحرب الإسلام

توالت حلقات هذا المخطط فتم تقسيم تركستان الشرقية إلى 6 مناطق واستبُدل باسمها وبأسماء كثير من المدن والبلدان والقرى أسماء صينية. فأطلقوا على «تركستان» اسم «سنكيانج» وتعني بالصينية «المستعمرة الجديدة». وتم إلغاء الملكية الفردية، وأعلن رسمياً أن الإسلام خارج على القانون، ويعاقب كل من يمارس شعائره.
وألغيت الجمعيات والمؤسسات الدينية، وصادرت الدولة أموال الأوقاف، مما أدى إلى توقف عمل المساجد والمدارس الإسلامية. وتم إلغاء تدريس اللغة التركية والتاريخ الإسلامي في المدارس والمعاهد العليا، وحل محلهما تاريخ الصين واللغة الصينية وتعاليم ماوتسي تونغ. وحظرت السلطات الصلاة جماعة في الأماكن العامة، وتم إغلاق عدد كبير من المساجد وتحويلها إلى دور ترفيه أو مستودعات. وتم قتل أو اعتقال عدد كبير من الدعاة وعلماء الدين المسلمين. وفُرضت قيود على سفر المسلمين إلى الخارج. كانت هذه التدابير تتم في إطار مخطط صيني شيوعي أريد به تذويب الهوية الإسلامية لشعب تركستان الشرقية. ونظراً لأن الصين أحاطت نفسها بستار حديدي، فإن تدفق المعلومات عما يجري لشعب تركستان المسلم كان بطيئاً ومشوهاً في الأغلب الأعم.

فضائح الصين تظهر للعالم

في صيف العام 1996 بدأ العالم يسمع عن القمع الذي يتعرض له مسلمو تركستان (سينكيانغ) عندما أطلق زعيم الحزب الشيوعي الصيني في الإقليم «وانغ لي كوان» حملة ضارية ضد ما أسماه «منابع الإرهاب». في إطار هذه الحملة تم خلال ثلاثة أسابيع إغلاق ما يزيد على 600 مدرسة قرآنية، و200 مسجد وصودرت أطنان من الكتب الإسلامية وأشرطة الفيديو والكاسيت التي تحوي مواد إسلامية. وتم القبض على 15000 مواطن مسلم بالإقليم بتهمة «ممارسة أنشطة مناوئة للدولة».

الصحوة في تركستان

كان استقلال الجمهوريات الإسلامية المجاورة في آسيا الوسطى والقوقاز عن الاتحاد السوفيتي حافزا لمسلمي سنكيانغ على التمرد ضد الحكم الصيني للإقليم. (معظم سكان تركستان الشرقية من الأويغور والقازاق والقرغيز مسلمون ذوو أصول تركية ولهم صلات حضارية وثقافية وثيقة مع أبناء عمومتهم في كازاخستان وقرغيزيا وطاجكستان). ونظراً للتقارب الديني والجغرافي والأصول العرقية المشتركة، فقد امتد تأثير النزعات الاستقلالية من آسيا الوسطى إلى سنكيانغ.
في تموز (يوليه) العام 1992 اجتمع في بشكيك - عاصمة قرغيزيا - مندوبون من مختلف شعوب آسيا الوسطى لتكوين حزب «قرغيزيا الحرة» الذي حدد ضمن أهدافه إقامة دولة للأويغور في سنكيانغ، مما أثار انزعاج الصين، أعقب الاجتماع تمرد شعبي في مدينة بارن في سنكيانغ قادته حركة تركستان الشرقية الحرة وقد شمل التمرد الأويغور والقرغيز معاً، وانتشر التمرد في ثلاث مدن أخرى هي بارن، خوتن، يننج، واستمر منذ مطلع التسعينيات حتى الآن، مما شكل أكبر تهديد للصين منذ الثورة الثقافية.

الصين ترد بعنف وتحاول إجهاض الصحوة

ردت بكين على ذلك بحملة إرهاب منظمة ضد سكان الإقليم شملت اعتقال أكثر من 57 ألف مسلم، وإعدام أكثر من مائة من رموز الحركة الإسلامية. بادِّعاء أنهم متورطون في أعمال عنف ضد الهان (المستوطنون الصينيون في المنطقة).
أغلقت السلطات الصينية المساجد غير المرخصة، ومنعت استخدام مكبرات الصوت. كما حظرت التحاق الأطفال والشباب بمدارس القرآن الكريم، ومنعت التبرعات الأجنبية القادمة لأغراض دينية، ووضعت شروطاً لسفر المسلمين إلى الخارج، ولو كان لأغراض الحج، وحظرت المطبوعات الدينية غير المرخصة، وفرضت إجراءات صارمة على أعضاء الحزب الشيوعي الذين يزورون المساجد.
وفي العام المنصرم، ألغت السلطات الصينية في تركستان الشرقية التصريح الذي اعتادت أن تمنحه للمسلمين في هذا الإقليم للاحتفال بعيد الفطر، وقامت قوات الأمن بمحاصرة المسجد الرئيس في الإقليم واعتقال الزعيم الديني خوجة محمد يعقوب. وتبع ذلك وقوع مصادمات دامية بين الشباب المسلم والقوات الصينية أسفرت عن مصرع وإصابة مئات المسلمين، والزج بعدد كبير منهم في السجون.
كما قامت الصين بإحكام السيطرة على امتداد الحدود مع الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى بحجة وقف تهريب الأسلحة والمواد التي تعتبرها تخريبية، بما فيها المصاحف.

تعاون الصين وروسيا لقمع مسلمي تركستان

وسعت الصين إلى التنسيق مع حكومات روسيا ودول آسيا الوسطى - خصوصاً كازاخستان - حتى تحرم ثوار سنكيانغ أعضاء جبهة تحرير أويغورستان من أي ملاذ يحميهم من البطش.
ومن المفارقات أن البلدان الإسلامية في آسيا الوسطى التي أدى استقلالها عن موسكو إلى إذكاء روح الاستقلال لدى مسلمي سنكيانغ، اختارت الانحياز إلى بكين في مسلكها القمعي تجاه مسلمي سنكيانغ. فقد وقَّع زعماء كلٍّ من الصين وكازاخستان وقرغيزيا وطاجكستان وروسيا في 26 نيسان (أبريل) 1996 بمدينة شانغهاي، اتفاقاً حدودياً مدته خمس سنوات.

الحماس والجهاد يدب في أهل تركستان

رغم هذه التدابير القمعية، فإن حركة المقاومة الأويغورية لم تتوقف ولم تتراجع عن هدفها المتمثل في إنهاء احتلال الصين لإقليم تركستان. ومن فعاليات المقاومة في هذا الشأن، قيام الأويغور بتأسيس «الشبكة الأويغورية العالمية» لنشر أخبار عمّا يقوم به الحكم الصيني من اضطهاد للأويغور. ويحرص الأويغور على إظهار عدالة قضيتهم، ويؤكدون أنهم ليسوا ضد الشعب الصيني ولكنهم ضد التمييز العرقي الذي يمارسه الحكم الصيني الشيوعي. ويقول الأويغور إن تاريخ العلاقات بين الأويغور والشعوب الصينية يعود إلى ألفي عام، وإنهم يريدون أن يعيشوا معاً في حسن جوار.
تهجير
تتزايد مظاهر صحوة مسلمي تركستان كالإقبال بشغف على الدراسات الإسلامية والتوسع في افتتاح المدارس الإسلامية وإصدار المطبوعات الإسلامية، وتداول أشرطة الكاسيت التي تحوي خطباً ومواعظ دينية.
وقد ردّت بكين على ذلك بالعمل على طمس الهوية الحضارية للمسلمين، وتغيير معالم سكان هذا الإقليم. واتخذت في هذا السياق تدابير عدة، فقامت بعمليات تهجير منظمة للهان (وهم بوذيون) إلى تركستان وتوطينهم فيها، وإمدادهم بالتسهيلات التي تتيح لهم السيطرة على أراضي الإقليم.
وقد أدى ذلك إلى الإخلال بالتركيبة السكانية لصالح الهان، فأصبحوا يمثلون الآن - وفقاً للتقارير الرسمية - 40 - 50% من سكان الإقليم، بينما كانوا في العام 1955 لا يمثلون سوى 10% من إجمالي سكان الإقليم. ويمثل الأويغور حالياً 47% من سكان تركستان، والبقية من القازاق والهوى والقرغيز وقوميات أخرى.
ويدخل في هذا السياق أيضاً، قيام السلطات الصينية بإجراءات غير إنسانية للحدّ من نسل المسلمين، كتعقيم نسائهم وإجهاضهن، كما تحرم القوانين الصينية الشيوعية تدريس الإسلام للنشء حتى سن 18 سنة.
وأحكمت السلطات الصينية قبضتها على الجامعات، وأصدرت تعليمات للمدرسين في تركستان الشرقية بضرورة إظهار المشاعر الوطنية ومساندة الإلحاد، واستبعاد المواد التي يرون أنها «تشجع على التطرف وتثير النزعة الانفصالية لدى الطلاب».

لماذا الإصرار المستميت على احتلال تركستان

يعود تمسك الصين باحتلال الإقليم إلى ما يتمتع به من موقع جغرافي متميز، وثروات معدنية، إذ ينتج حوالي 600 مليون طن من احتياطيات الفحم، وثلث احتياطيات النفط الصيني، وقرابة 12 مليون طن من اليورانيوم. وتستخرج أجود أنواع اليورانيوم في العالم من 6 مناجم في تركستان الشرقية.
انعكست كراهية الحزب الشيوعي الصيني للإسلام والمسلمين على سياساته تجاه شعب تركستان، حيث سعى إلى إفقارهم والتحيز ضدهم لصالح الهان البوذيين. رغم أن الإقليم غني بموارده الطبيعية، إلا أنه يعد من أفقر أقاليم الصين، حيث يستنزف الصينيون ثرواته، ولا يبقون لسكانه سوى الفتات، مما زاد من تدهور مستوى معيشتهم، إذ لا يتعدى متوسط دخل الفرد من الأويغور 540 دولاراً في السنة، كما ترتفع نسبة العاطلين عن العمل - خصوصاً خريجي الجامعات - بين مسلمي الأويغور، حيث تسند السلطات الصينية معظم الوظائف إلى الهان البوذيين. ولا يشغل الأويغور سوى الأعمال الدنيا: كقيادة سيارات (الأجرة) «التاكسي»، والعمل في المطاعم أو في صرافة العملة أو الحراسة.
وتفضل شركات النفط استيفاء حاجتها من العمالة من قومية الهان البوذية، وترفض تشغيل الأويغور المسلمين.
كما يعاني مسلمو تركستان من التفرقة العنصرية في مجال التعليم. حيث تحرص السلطات على إضعاف صلتهم بدينهم ولغتهم وتاريخهم. ولا يتجاوز عدد الطلاب الملتحقين بجامعة كيم جيانغ في أرومجي - الجامعة الوحيدة في الإقليم - 320 طالباً.
وزاد الطين بلة أن السلطات الصينية اتخذت من الإقليم ساحة لإجراء تجاربها النووية. فأجرت منذ العام 1964 أكثر من 40 تجربة للأسلحة الذرية، ناهيك عن دفن النفايات الذرية فيه، دونما اكتراث بالآثار الخطيرة لذلك على البيئة وصحة السكان. ونتيجة للتلوث الإشعاعي، ارتفعت نسبة الإصابة بالسرطان في صفوف السكان. ويقدر أن أكثر من 200.000 أويغوري قد شوِّهوا أو قتلوا نتيجة لهذه النشاطات.

تركستان تستنجد والعالم يتجاهل

رغم الاضطهاد الذي تمارسه الصين ضد مسلمي تركستان الشرقية، إلا أن العالم تجاهل مأساة هذا الشعب المسلم. والبلدان الإسلامية نفسها لم تفعل شيئاً لنصرة إخوان العقيدة، حيث آثرت هذه الدول عدم إغضاب الصين.
وإذا كان موقف العالم الإسلامي من تلك المأساة هو السلبية وعدم المبالاة، فليس غريباً أن يكون ذلك موقف الغرب أيضاً الذي يتجاهل تجاوزات الحكم الصيني في تركستان، بينما يسلط الأضواء على مشكلة سكان هضبة التبت الذين يودون أيضاً الانفصال عن الصين.
ويبدو أن الإعلام الصيني نجح في تضليل المجتمع الدولي بشأن قضية تركستان، وقدم ما يحدث من قمع على أنه إجراء تأديبي تقوم به السلطات ضد «الإرهابيين الأصوليين». وفي هذا الشأن اتهمت بكين تنظيمات إسلامية مختلفة بدءاً من حركة طالبان الأفغانية إلى جماعة التبليغ الباكستانية، بتدريب «الأصوليين الإسلاميين» في تركستان على القيام بهجمات ضد الحكم الصيني.

المصدر/ موقع أنا المسلم