كتب الاستاذ عادل سعيد القدسي في صحوة نت مقالاً عن مجلة (حراء) الصادرة في استانبول :
للمرة الثانية أنزل في حراء ضيفاً على حراء..
ولحراء قصة يتوجب أن تحكى..
فقبل سنتين أو تزيد... كنت أطوف مكتبات صنعاء في إحدى زياراتي الخاطفة للعاصمة لمحت في أحد الأرفف مجلة لامعة بورق مصقول تناولتها.. قلبتُ على عجل أوراقها من فوري أحببتها.. عقدت معها صداقة على الخاطف اسمها.. رسولها الأول إلى القلب.. كتابها كذلك رسل إلى العقل والقلب.. شكلها الجذاب.. كذلك
هل فيكم - يا معاشر القراء - من يطرق سمعه اسم (حراء) ثم لا تنتابه مشاعر حنونة.. دافقة تنقله على جناح الشوق.. وطائر الحب إلى (غار حراء) إلى الركب الميمون.. إلى السيرة العاطرة
هكذا فعلت بي (حراء) حين شبكتني بأسباب وصلها ( واللي شبكنا يخلصنا ) هكذا فعل كتابها (د.عبدالحليم عويس) (د.محمد سعيد البوطي) (د.عماد الدين خليل).. وأسماء أخرى تربعت عرش ذلكم العدد من حراء.. وغيرهم ممن تعرفت عليهم لاحقاً.. علماً أن من ذكرت من الأسماء بعاليه تربطني وإياهم علاقة حب من طرف واحد.. فمؤلفاتهم تحتل الواجهة في مكتبتي المتواضعة بل إني لا أكشف سراً حين أقول إن اسم ولدي الأصغر ذو الربيع السادس اسميته (عماد الدين) تيمناً بالرائع الإنسان / عماد الدين خليل (لك التحية مني.. ويعطيك ألف عافية)..
ولو قدر لي أن أسمع إجاباتكم عن موطن إصدار (حراء) لما تردد أحدكم بالقول إنها تصدر من الديار المقدسة مكة أو المدينة لكن المفاجأة ستلجم أفواهكم حين نكتشف معاً أن (تركيا).. - أي والله - تركيا هي من حملت على عاتقها شرف هذه الإصدارة الرائعة بضمن إصدارات عديدة تبنتها مجموعة «فيناق» للنشر الثقافي بعديد لغات.
وتركيا (رواية عظيمة) لم تنته فصول كتابتها.. لكننا نقرأ اليوم - اختلاساً - بعضاً من فصولها تركيا اليوم.. مصدر إلهام.. وساحة عطاء للغالبية العظمى في الأمتين العربية والإسلامية.. حكومات وشعوب.. أفراد وجماعات.. وينتظرها في نهاية الشوط مستقبل طموح يراه كل ذي سمع وبصر وفؤاد المهم.. لمرتين اثنتين كنت ضيفاً على حراء وأصدقكم القول - يا صحابي - فحينما جئت (حراء) كنت أحمل أجندة غير التي خرجتُ من حراء بها.. قلت - بين وبين نفسي - هؤلاء الطيبون الذين أتونا جاؤونا يريدون أن يتشربوا قيم الدين ومعاني الفضيلة منا.. جاؤونا من وراء البحار يملكون الشيء الكثير من العلوم والمعارف والتكنولوجيا ويفتقدون للعلم الشرعي جاؤونا من واقع يغوص في الرذيلة والفسق.. من حالة عجيبة من العلمنة التي محت كل خير من دنيا الناس.. وعالم البشر , فتركيا في حسنا وفي حدسنا (قطعة من أوربا) شئنا ذلك أم أبينا.. هكذا حدثت نفسي.. أو حدثتني نفسي وأنا - ما شاء الله تبارك الله - المنقذ الوحيد الذي شرفني القوم لتعليمهم أبجديات الدين.. ربما.. ولم لا !!.
ثم هي فرصة - أيضاً - لتعريف القوم بمواهبي وقدراتي الإعلامية والصحفية التي لم تر النور بعد... يعني شغل (بزنس).. وماله.. مش عيب (حج.. وبيع مسابح) ودخلت القاعة متبختراً ولا أجدعها.. راجل.. وبدأ الحفل - الحفل الأول قبل أشهر من الآن ونحن الساعة عصر الثلاثاء 11/ رمضان / 1430 هـ الموافق 1/سبتمبر/2009م نشهد اللقاء الثاني لحراء - وتلقيتُ صفعة مدوية أفقدتني توازني.. كما أفقدت كل من حضر حفل حراء من نخبة المجتمع وقادة التأثير فيه.
وجدتني - الله يعلم بذلك - أغوص في الكرسي الذي أجلس عليه.. حتى لقد خُيل لي أني أتلاشى رويداً رويداً واختفي يا الله.. يا الله ما أروع أخلاق القوم.. ما أعذب حديثهم ما أصدق عطاءهم.
الحديث - حديثهم - كان قصيراً.. مختصراً.. مليء بالاعتذارات من ركاكة اللغة.. وقلة الزاد رغم أن من يسمع الحديث يخيل له أنه يستمع لسيبويه أو أحد فصحاء العرب في عصر ما قبل الإسلام.
ووقع المسكين – الذي هو أنا – في الورطة.. ما الذي يمكن أن أقدمه بمقابل هؤلاء البشر الرائعين.. ماذا أقول ماذا أكتب.. وبضاعتي تفضحني.. ضعفا وركاكة !
ولكم أن تصدقوا ما أقول أو تكذبوه لقد شككني القوم في صدق إسلامي وثباته.. وتمنيت لو جددت إسلامي على يد هؤلاء.
في حضرة حراء سكبت الدمع المدرار.. وأنا أتأمل معجزة من معجزات هذا الدين.. وآية من آياته.. لكأن هؤلاء البشر الذين عاشوا لعقود من السنيين غربة عن هذا الدين.. وعاش هذا الدين مواتا بينهم لكأن الله يريد أن يؤكد أن هذا الدين منصوراً.. منصور بعز عزيز وبذل ذليل وأن من أعرض عنه فهو الخاسر.. وهو الهالك أما هذا الدين فإن الله كفيل بنصره قال ربنا ( وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم )
وقوله جل في علاه ربنا ( يخرج الحيّ من الميت ويخرج الميت من الحيّ)
ولئن غبنا عن مسرح الحياة.. أو غُيّبنا عنه نحن أمة العرب.. فإن الله ناصرٌ دينه ومقيمٌ شريعته بآخرين ما حسبنا لهم حسابا.. وما توقعنا لهم قومه.
طلائع الفتح الإسلامي اليوم تشرق رياحها من ضفاف البسفور , وهذا الرجل المبارك ( فتح الله كولن ) الذي يقفوا أثر شيخه المجدد / سعيد النورسي يحمل بشائر التغيير.. وملامح النصر القادم الذي نلمحه في الأفق في حاضرة الدولة الإسلامية تركيا.. كما نلمحه في مصر الإمام الشهيد / حسن البنا بلد الألف مئذنة كما نلمحه في عشرات العواصم العربية التي تنهل من ذات المنبع.
ويا أيها الأحباب.. يا ضيوفنا الاكارم لقد تعلمنا منكم دروسا عظيمة وقيما رائعة.. في الماضي كما في الحاضر.. وإن كنت نسيت فلن أنسى درسا خاصا.. درسا متميزا تلقيته شخصيا من إخوة أفاضل زاروني في «مؤسسة التواصل للتنمية الإنسانية – مكتب تعز « من تركيا.. ومن «المدرسة التركية « بتعز وبعد التعرف على المؤسسة والثناء عليها وجدتهم يخرجون من جيوبهم – كانوا ثلاثة – مع بعض اليمنيين المرافقين بعض المبالغ المتواضعة تعجبت وقلت – في سري بالطبع – ( الغارة غارة و المقتول عُسيق ) وفق المثل اليمني !! ودفعوا بالمبلغ إلي.. كان المبلغ لا يتجاوز الألفين – كما أذكر – فسألتهم : لمَ هذا المبلغ ؟! وحاولت إعادته إليهم : فرفضوا بشدة.. لمه - أتدري أخي القاري.. أختي القارئة - لمَ هذا المبلغ بالتأكيد.. أنتم لا تدرون , وكنت لا أدري لكنهم قالوا إنه قيمة المشروبات المتواضعة التي قدمت لهم من باب الضيافة وحسن الاستقبال وكدت أصرخ.. يا عيباه.. ياقبيلتاه لكنهم كتموا صرختي.. وأدوها قبل أن تولد.. وقال قائلهم : هذه مؤسسة أيتام ونحن لانحملهم أجرة هذه الضيافة.
لقد اقشعر بدني.. شعرت بالتقزم بمقابل هكذا موقف هؤلاء الأتراك يحرصون على مأكلهم.. على مشربهم يتجنبون مواطن الشبهة خوفا من الوقوع في الشبهة.. في المحظور ! هؤلاء الناس هم ( مسلمون ) نعم ! لكنهم حديثو عهد بتدين كهكذا تدين.. ومع ذلك أخذت منهم هذا الدرس أخذته بحب بالغ.. بإعجاب يفوق الوصف.. ومن رقبتي لرقابكم.. أنقله لكم.. وبخاصة ممن يشتغلون في ميدان العمل الخيري وساحاته المتعددة
يا أيها الأتراك.. يا أيها الرائعون إني أحبكم ..
المفضلات