عن الزحاف المستثقل كالكسر.. نوع منه في بحر السريع
والزحاف هو تغيير في الشكل المقطعي للسبب، وقد قسمه الخليل بناء على كثرة وروده في الشعر إلى حسن وصالح وقبيح؛ فأكثره شيوعا الحسن وأقله القبيح.
قال ابن برّي فيما نقله الدماميني في الغامزة: "فالحَسَن ما كثر استعماله وتساوى عند ذوي الطبع السليم نقصان النظم به وكماله، كقبض (فعولن) في الطويل. والقبيح ما قلّ استعماله، وشقّ على الطباع السليمة احتماله، كالكفّ في الطويل. والصالح ما توسط بين الحالين ولم يلتحق بأحد النوعين، كالقبض في سُباعيّ الطويل، إلا أنه إذا أُكثر منه التحق بقسم القبيح".
وكلام ابن بري يجعل من الزحاف الصالح في حكم القبيح إذا كثر، ولكن ما يلفت النظر هو قوله "فالحسن ما كثر استعماله وتساوى عند ذوي الطبع السليم نقصان النظم به وكماله" مما يعني أن الشاعر والمتلقي لا يعيان هنا أي تغيير يحدث في نوع المقاطع وبالتالي يتساوى في هذه الحالة الزحاف وعدمه.
وهناك من أشكال الزحاف المستثقل، عدا ما ذكره ابن بري ، الكثير من نحو الكف في المديد والرمل والخفيف، والطي في أول البسيط وثانيه، والخبن في الجزء الثالث والسادس منه، والقبض في الهزج ، وغير ذلك كثير مما اختلف فيه العروضيون بين مصنف له في خانة الصالح وآخر منهم يراه في باب ا لحسن.
ومع ذلك فلم أجد أحدا استثقل الخبن في الجزء الثاني والخامس من السريع، وابن عبد ربه والشنتريني يريان أن الخبن في كل (مستفعلن) فيه حسن. بل إني لم أجد للمعري أدنى التفات إليه وهو الذى رصد كل أشكال الزحاف الذي تحس به الغريزة ، وقد يكون السبب في ذلك شدة ندرة هذا الزحاف في ما ينظمه الشعراء على السريع .
وفي دراسة حديثة للدكتور محمد العلمي بعنوان "أبو العتاهية والعروض"، بعث إلي بنسخة منها، رصد الباحث كل أشكال الزحاف المستقبح التي وجدها في شعر أبي العتاهية ثم لم يشر إلى شيء من ذلك الزحاف في بحر السريع عنده، فاعتقدت أول الأمر أن أبا العتاهية سلم من الوقوع في مثل هذا الزحاف وبالتالي فلم يجد العلمي ما يسجله عليه. غير أني عدت إلى ديوانه مستعرضا كل ما نظمه على هذا البحر في نحو خمسين مرة ما بين قصيدة ومقطوعة فلم أره زاحف ذلك الزحاف المستقبح إلا في بيت واحد وهو قوله:
من كان لا يشبِهُ أفعالُه ** أقوالَه فَصَمتُهُ أجمَلُ
وقد بدا لي أيضا أن استعرض ما نُظم على السريع في العصر الجاهلي بأكمله، إذ الفكرة السائدة عن شعراء هذا العصر أنهم كانوا أجرأ على الزحاف من غيرهم في عصور الشعر المختلفة، وبالتالي فقد توقعت أن أعثر على عدد كبير من نماذج هذا الزحاف، وكانت الدراسة قد أقيمت على نحو من عشرين شاعرا جاهليا هم كل من نظم على السريع حسب ما اطلعت عليه بالموسوعة الشعرية وقد بلغ عدد النماذج من السريع سبعة وعشرين بين قصيدة ومقطوعة، فهالني أن لا أجد من وقع في هذا الزحاف إلا عبيد بن الأبرص وقد جاء ذلك مرة واحدة في قصيدة من واحد وعشرين بيتا، في قوله :
ظِلتُ بها كأنني شارِبٌ ** صهباءَ ممّا عتّقت بابِلُ
وعبيد هو صاحب تلك المعلقة التي اشتهرت بفساد وزنها، وهو الذي قال عنه المعري:
وقد يخطئ الرأيَ امرؤٌ وهو حازِمٌ**كما اختلّ في وزن القريض عبيدُ
وإلا المرقش الأكبر وكان أكثر جرأة في ارتكابه هذا الزحاف وغيره مما يعد عند الخليل من قبيل الكسر في الوزن وذلك في قصيدته المشهورة وأولها:
هل بالديار أن تجيبَ صَمَمْ**لو كان رسمٌ ناطقاً كلّمْ
حيث قال :
ما ذَنبُنا في أن غزا مَلِكٌ**من آلِ جَفنَةَ حازِمٌ مُرغِمْ
كما قال :
بيضٌ مَصاليتٌ وُجوهُهُمُ**ليست مِياهُ بِحارِهم بِعَمَمْ
وهما من الكامل.
المفضلات