كتب/ رزق الغرابلي-غزة

العيد في غزة.. الفرحة تنبعث من تحت الركام وأنقاض الدمارنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

قساوة الحرب ومرارة الحصار وافتقاد الشهداء لم تمنع الغزيين من الاحتفال بعيد الفطر



غزة (فلسطين) - خدمة قدس برس
رزق الغرابلينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

على الرغم من حالة الحزن الشديد التي تسود سكان قطاع غزة على فراق الأحبة الذين قضوا في الحرب الأخيرة على قطاع غزة قبل ثمانية أشهر إلا أن هذه الحالة لم تنعكس بشكل واضح على مظهر العيد في قطاع غزة.

فمدن ومخيمات وقرى القطاع لم تتشح بالسواد كما كان متوقعا ولم يستقبل المواطنون بعضهم بشراب القهوة وفتح بيوت للعزاء كونه أول عيد يمر عليهم.. بل شهدت الشوارع هذا العام ألوانا من الحياة انبعثت من تحت ركام وأنقاض الدمار الإسرائيلي الذي خلفته الحرب الأخيرة على غزة.

وافتقد الشعب الفلسطيني خلال الحرب على غزة 1500 شهيدا ارتقوا، فيما أصيب أكثر من 6 آلاف مواطن بإصابات مختلفة، بينهم مئات الإعاقات التي أقعدت مواطنين عن الحركة والرؤية.

وتعارف أبناء الشعب الفلسطيني في صباح اليوم الأول لعيد الفطر السعيد على زيارة ذوي الشهداء والأسرى والجرحى وتصبير أهلهم والشد على أياديهم ودعوتهم للصمود في وجه المحاولات الإسرائيلية لقتل روح الحياة في الجسد الفلسطيني.

وازدادت وتيرة هذه الزيارات في هذا العيد، وشوهدت جموع المصلين تنطلق بعد صلاة العيد تجوب بيوت الشهداء والأسرى والجرحى، يحملون الحلويات والهدايا في مظهر مهيب يوضح مدى الاهتمام بهذه الشرائح من المجتمع التي قدمت الغالي والنفسي من أجل الوطن.

وقد أدى رئيس حكومة الوحدة الوطنية المقالة إسماعيل هنية يرافقه عدد من الوزراء والمسؤولين زيارات للعشرات من بيوت ومنازل الشهداء الذين سقطوا خلال الحرب على غزة.

وبدأ هنية الجولة بزيارة لمنزل الشهيد أحمد ياسين ومن ثم زار عددا من البيوت في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة وخاصة منزل عائلة الداية ومنزل عائلة السموني الذين تعرضوا لمجازر مروعة خلال الخرب، ثم انتقل إلى شمال قطاع غزة ومن بين المنازل التي زارها عددا من المنازل في عزبة عبد ربه التي دمرت بالكامل ومنزل الشهيد نزار ريان القيادي في حماس الذي قصف منزله وقتل وهو وعائلته بالكامل، ومنزل عائلة أبو شباك، كما زار عددا من المنازل في منطقة عباد الرحمن وحي الشيخ رضوان من بينها منزل وزير الداخلية الأسبق في حكومته الشهيد سعيد صيام، ومنزل الشهيد حسن أبو شنب نجل الشهيد القيادي في "حماس" إسماعيل أبو شنب الذي سقط في الحرب، إضافة للعديد من المنازل الأخرى للشهداء.

وقال "أبو عمر" إمام أحد المساجد في منطقة الدرج بمدينة غزة لـ"قدس برس": نعتبر هذا الأمر مشهدا احتفالياً بهؤلاء المضحين الذين قدموا كل ما يملكوا من أجل قضيتهم، نحاول أن نواسي أهلهم ونقول لهم أننا معكم ولن ننسى دماء أبناءكم، ونحاول أن نشعرهم بطعم العيد الحقيقي من خلال التراحم والتزاور والتكافل وننسيهم مأساة فقدان ولدهم العزيز على قلوبهم".

وأضاف "لقد درجنا على هذه العادة، ونشعر أن الأهالي يمتنون لنا على ذلك، يشعرون أن هناك من يهتم بهم وبأبنائهم، نحن شعب عظيم متكافل، وبوحدتنا ننتصر، وهذا أحد مظاهر وحدتنا، وأيضا نتراحم ونتكافل حتى يرى العدو منا أننا على قلب رجل واحد، وأنه إذا استشهد منا واحد فكلنا سند له ولأهله".



وتتنوع المظاهر الاحتفالية في قطاع غزة رغم التصعيد الإسرائيلي المتواصل حتى في يوم العيد، ولم تتوقف مشاهد المعاناة التي يعيشها الإنسان الفلسطيني مع حلول العيد، فقد أقدمت قوات الاحتلال خلال اليوم الأول لعيد الفطر السعيد على قتل شابين فلسطينيين شمال قطاع غزة وقصف منطقة الأنفاق جنوب القطاع، فيما تواصل التحليق المكثف لطائرات الأباتشي والـ"ـF16" الإسرائيلية في أجواء القطاع على مدار اليومين السابقين.

ورغم الألم، كان التحدي السمة البارزة في عيون أهالي القطاع، فرغم البيوت المهدمة، ورغم من غيبهم الأسر أو طالهم بطش الاحتلال، إلا أن الشعب الفلسطيني يصر على أن يبتسم وأن يعيش فرحة العيد رغم قساوتها ومرارتها.

ففي ساحة الجندي المجهول وسط مدينة غزة علَتْ أصوات أناشيد الأفراح والأهازيج الوطنية، وتناثر الأطفال والشباب والفتيات والرجال كحبات العقد المتباعدة، وارتسمت صورة التحدي في وجه واقع مأساويّ خلفته ظروف الاحتلال، لاسيما في العامين الأخيرين الذين شهدا الحصار والحرب والفقر والتشريد.

وتزيّنت شوارع قطاع غزة بالأضواء الزاهية بألوان متنوعة، وتوشّحت بوابات المساجد والمطاعم والمقاهي والمنتجعات والمفترقات بشتى ألوان المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر السعيد، ورُفعت فوق أعمدة الإنارة في الشوارع رايات الفصائل الفلسطينية والعلم الفلسطيني بألوانه الأربعة.

وعلى شاطئ بحر غزة تزيَّن فندق "اللايت هاوس" بكافة ألوان الطيف المضاءة على بواباته وأشجاره ونوافذه ومنارته وجدرانه، ورسم المطعم لوحة فنية قلّ مثيلها، قال عنها "عبد الكريم العاصي" (25 عاما) أحد زوار المطعم في اليوم الأول للعيد: "بمجرد أن ترى هذه اللوحة تشعر بطعم العيد قبل أن تتذوق طعم الأكل والشراب".

وأضاف لـ"قدس برس" "الحقيقة أن هذه الأضواء تبعث في النفس شعور الفرحة، وهي من علامات العيد، سبحان الله شعبنا شعب عظيم، رغم كل ما تعلم من قتل وتدمير وصراع وانقسام إلا أننا نصر على أن نفرح، وهذه رسالة للعدو الصهيوني أننا نحب الحياة ولن نيأس، ولا يمكن أن نستسلم لهذا الاحتلال الغاصب".

وعلى جنبات الطرق كان يمشي الأطفال زرافات ووحدانا يحملون في أيديهم "محفظة النقود" الصغيرة التي يحوشون فيها "العيدية"، ويتلاقفون البالونات ويتراقصون طربا على أصوات الأناشيد المنتشرة في كل مكان، وعلى أكتاف الفتيات الصغيرات منهن "الحقائب الصغيرة" الموشحة بالألوان والرسومات اللطيفة.

الطفل "مصعب" ابن العشرة أعوام قال وهو يعتلي بالونا ضخما مقابل ساحة الجندي المجهول ويردد مع أقرانه أنشودة "لما نستشهد بنروح الجنة": "أنا بحب العيد لأنه بألعب مع أصحابي وبنشتري ألعاب وبنطلع عالمنتزه وبآخد العيدية". وتابع وهو ينظر إلى أقرانه الأطفال "كلنا بنحب العيد، العيد حلو، أحسن من الحرب واليهود، في العيد فش يهود، وإحنا لازم نتتصر عاليهود ويكون عنا عيد حلو زي كل سنة".

وتوزعت في كل شوارع قطاع غزة ألعاب الأطفال المختلفة من "مراجيح" و"شقاليب" و"دباديب"وغيرها، وبانت فرحة الأطفال على وجوههم وهم يلبسون الثياب الجديدة منها والقديمة.

وعند إحدى الأرجوحات في منطقة اليرموك شمال مدينة غزة كان يتدافع الأطفال لركوب "المراجيح"، كانت بينهم "إسراء" (12 عاما) التي رأت في هذه الألعاب "وسيلة للترفيه عنا في هذه الحرب، بنلعب وبنتمرجح حتى نفرح في العيد".

وفي مطعم "أبو السعيد" في حي الرمال غرب المدينة كان يجلس في ساعة الظهيرة سامر وثلاثة من الأشبال على طاولة واحدة يتناولون وجبة غذائية وعلى أحد الكراسي وضعوا أسلحتهم البلاستيكية قبل أن ينطلقوا بها إلى ساحة المواجهة.

وقال سامر (15 عاما)، "نحن لا نستطيع العيش بدون سلاح، عندنا اليهود وعندنا احتلال، ولا يمكن أن ننسى دماء شهدائنا، ولهذا نحمل هذا السلاح اليوم حتى نتدرب به على القنص حتى نقتل هؤلاء الذين ينتهكون أعراضنا وبيوتنا وحرمونا من الفرح والعيش مثل باقي الناس"، حسب قوله.