بغلة العرش وحلم الذهب

كانت البغال من بين الحيوانات التى ذكرت فى القرآن الكريم ، وقد اختصها الجاحظ بكتاب هو " كتاب البغال" كما ظهرت البغال فى حكايات ألف ليلة وليلة ، فإلى جانب أن البغلة كانت من الصور التى تتحول إليها المرأة بالسحر فإن ركوبها يعبر عن التكريم، فقد أمر الملك أن يركبوا القرد الخطاط بغلة ويلبسوه بدلة وتعزف له موسيقى النوبة ، ولعل الخلق المركب للبغل هو الذى اضفى عليه لمسة السحر فى الخيال الشعبى وجعل له تواجداً فى الموروث الشعبى .تناول الطبيب المصرى عبدالرحمن إسماعيل فى كتابه " طب الركة" خرافة بغلة العرش أو العشر وعنه نقل كل ما جاء بعده .
فقد تحدث الدكتور أحمد أمين عن بغلة العرش فى " قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية " فى مادة بغلة ، أما الدكتور عبد الحميد يونس فرغم أنه خصص مادة للبغل فى معجم الفولكلور فلم يشر إلى بغلة العرش أو العشر . وقد كانت الأساس الذى بنى عليه الروائى خيرى شلبى فأوحت له بروايته " بغلة العرش " .


قال الطبيب عبد الرحمن إسماعيل : " لاشئ أعجب من هذه الخرافة فقد زعموا أنه توجد بغلة فى الليلة السابعة والعشرين من رجب على أغلب آراء أهل الضلال ، وقال جماعة بل فى ليلة العاشر من محرم كما يؤخذ من اسمها ، سوداء تطوف كل أنحاء المعمورة ، على ظهرها خرج مملوء ذهباً وفوق الخرج توجد رأس عبد (رجل أسود) منفصلة عن جسمه ، ويقولون أن من يعثر عليها يلزمه أن يأخذ ما فى الخرج من الخيرات ، ويضع بدله شعير للبغلة ، ولذا يسهر المخرفون من أهل الريف كل ليلهم منتظرين قدوم هذه البغلة " وقد حكى أحد أهل الريف للطبيب عبد الرحمن إسماعيل أنه سهر مع ثلاثة من صحبه فى الليلة المعهودة لظهور بغلة العرش ، وفعلاً جاءت بغلة وعليها خرج ، وقدموا لها مقداراً هائلاً من القمح والشعير ، ولكن للأسف جاءهم عبد أسود يسألهم إن كانوا رأوا بغلة محملة بالقصرمل ضلت الطريق وقد استغل الروائى خيرى شلبى هذه الحكاية أيضاً فى نسج روايته " بغلة العرش ".

الحق أن حلم الذهب والثراء يراود خيال الإنسان منذ هبط آدم إلى الأرض ، واضطر أن يعمل ليأكل لذا فإن " الزاد الذى لاينفد " محور رئيسى فى الحكايات الشعبية ويتردد فى الحكايات الشعبية أيضاً حيازة بطل الحكاية كيساً أو حقيبة أو صندوقاً لاتفرغ منه النقود .

وفى كتاب " التفكير الخرافى بحث تجريبى " يقول المؤلفان : من الخرافات التى تجد صدى فى أذهان بعض السذج تلك التى تدور حول آمال وهمية فى تحقيق أهداف أو منافع خيالية . والواقع أن الإنسان العادى كثيراً ما يخلق فى الخيال ويتصور ويبنى كما نقول " قصوراً فى الهواء " ولا بأس من أن يذهب الفكر بالمرء بين آونة وأخرى محلقاً فى هذه الآفاق الرحيبة . ولكن وجه الخطورة يكمن فى احتمال ثبات الفرد عند هذا المستوى الخيالى والواقع أن الإعتقاد فى مثل هذه الخرافات يعكس عقلية تجد السعادة فى التملك لا فى العمل أو فى النشاط ، وهذه العقلية هى من غير شك من صنع مجتمع يتميز فيه من يملكون ولا يعملون ويعانى منه من يعملون ولا يملكون " وساق المؤلفان الخرافة القائلة " إذا اتفق واجتمع ثلاثة أشخاص بمحض الصدفة واكتشفوا أن أسمائهم متماثلة فإنهم سيجدون كنزاً أو خيراً كثيراً " ومثل هذه الخرافات يدور حول بعض الظواهر العارضة ، وتفسير هذه الخرافات تلك الظواهر تفسيراً تفاؤليا وممعناً فى الخيال ، وقد تحدث الطبيب المصرى عبد الرحمن إسماعيل فى كتابه " طب الركة " عن " فتح الكنوز " : " وليس ثم لغز أصعب حلاً عند العوام من استخراج الكنوز فهم يظنون أن سحرة قدماء المصريين والرومان كانوا يدفنون أموالهم فى باطن الأرض تحت رعاية أعوان الجن (مرغمون على الذب عنها بحكم الأسماء ) فمن عرف هذه الأسماء والتعازيم فهو لا شك سعيد زمانه " .

وفى إحدى حكايات ألف ليلة وهى حكاية " جودر بن عمر التاجر مع أخويه " يدخل موضوع فتح الكنوز فى صلب الحكاية : " وكان والدنا علمنا حل الرموز وفتح الكنوز والسحر وصرنا نعالج حتى خدمتنا مردة الجن والعفاريت " وكما سبق وقلنا إن الخرافة لا تنشأ من العدم ، فإن عثور بعض الأشخاص ولو بالصدفة على كنوز مخبوءة فى باطن الأرض يجعل خرافة فتح الكنوز وحلم الذهب يعيشان معنا وينتقلان من جيل إلى جيل .