أنماط السرد في الرواية الفلسطينية

بقلم: زكي العيلة *


السرد يعني الكيفية التي تروى بها الرواية، أو هو عرض موجه بوساطة اللغة المكتوبة لمجموعة من الحوادث والشخصيات المتخيلة بحيث تبدو مقنعة للمروي له.
والسرد يتصف بإمكانات زمانية ومكانية هائلة، إذ لا تقيده قيود من حيث مساحة الزمن أو امتداد المكان اللذين يدور فيهما الخطاب أو حولهما ، ولا من حيث الانتقال داخلهما إلى الماضي أو المستقبل من مكان لمكان(1).
وإذا كانت الرواية لا تسرد نفسها، فإن ذلك يتطلب راوٍ أو سارد قد يكون ظاهراً في النص الروائي، وقد يكون شخصية من الشخصيات تأخذ على عاتقها سرد الحوادث ووصف الأماكن وتقديم الشخصيات ونقل كلامها والتعبير عن مشاعرها وأحاسيسها.

وبسبب العلاقة الدينامية المعقدة بين الشخصية والراوي قد ينقل الراوي كلام الشخصية بحذافيره، أو قد يصبغه بصبغته الخاصة، من هنا تأتي المستويات المختلفة في المنظور التعبيري(2).

لقد تعددت الأنماط السردية في الرواية ولعل من أبرزها:
1.السارد الموضوعي (العليم):
ويستخدم السرد الكلاسيكي هذا النمط غالباً ويتمثل في هيمنة السارد العليم المطلع على المعلوم والمجهول من تاريخ الحدث الروائي، كما أنه يعرف أكثر من الشخصية، ولا يهمه أن يفسر كيفية حصوله على هذه المعرفة، فهو يرى عبر جدران البيت، كما يرى عبر جمجمة بطله، ولا تخفى عليه أسرار شخصياته(3)، ويكثر في هذا النوع من السرد اللجوء إلى الأفعال الماضية أو المضارع المنفي ، واستخدام الضمير الثالث الغائب (هو، هي).

2.السارد الذاتي (المتكلم) :
وهذا النمط يقدم سارداً شاهداً متتبعاً لمسار الأحداث تتطابق معرفته مع معرفة الشخصيات الأخرى، ولكنه لا يقدم تفسيراً للأحداث قبل وقوعها، وإنما ينتظر الشخصيات، لتقود الأحداث إلى منتهاها، والسارد في هذه الحالة يروي الأحداث بالترتيب الذي وقعت فيه ، ويتأثر بما يجري حوله(4)، ويغلب على هذه الطريقة الاستعانة بصيغة ضمير المتكلم التي تستعين أحياناً بضمير الشخص الثالث (الغائب) "فتكون له وظيفة مغايرة عن وظيفته في نمط السرد الموضوعي من حيث احتفاظ هذا الضمير بمظهر الذاتية"(5).
إضافة إلى استخدام ضمير الشخص الثاني (المخاطب)، وذلك عندما يجعل الروائي شخصيته تحاور نفسها وتخاطبها في مونولوج داخلي، أو تناجيها بصوت مسموع.

"لقد ساهمت التطورات الثقافية الكبيرة التي تميز بها العصر الحديث حيث لم يعد العقل البشري يقنع بالرؤية الواحدة للأشياء، بل يميل إلى التشعب والنسبية، إلى التقليل من سيطرة الراوي العليم بكل شيء وتقوية مكانة الشخصية"(6)، بحيث أدى ذلك إلى تحول العمل الروائي نحو المنظور النفسي الذاتي، مما مهد السبيل إلى ظهور طرق جديدة تعبر عن مشاعر الشخصية وعواطفها بلا وساطة وأهمها أسلوب تيار الوعي الذي يدرج النقاد تحته تقنيات عديدة منها: المناجاة النفسية والحوار الذاتي والمونولوج(7).
وقد ساهم هذا الأسلوب –الذي استخدمه كُتاب ذوو اتجاهات متباينة من الواقعية إلى السريالية- في كشف خبايا الشخصية الروائية "عبر تصوير واقعها الداخلي الذي يتكون من مشاعر، وأحاسيس وأفكار وتطلعات ورغبات وآمال وآلام ومواقف من الناس والأشياء وغير ذلك مما يعتمل في الوعي الإنساني ولا سبيل لإنسان إلى إنكاره"(8).

لقد تنوعت الصيغ السردية في الرواية الفلسطينية وتداخلت في معالجتها للموضوع وبناء الحدث ، والتعبير عما يجول في أعماق الشخوص – خاصة النسائية - من مشاعر متباينة متناقضة ومنها :

1.السـارد العليـم : وهو يمثل الصيغة الأكثر تداولاً في الرواية الفلسطينية ، ففي رواية (الميراث) لسحر خليفة يطالعنا ذلك السارد العارف بكل شيء وهو يجول في ذهن (فيوليت) التي تعاني الإحباط نتيجة فشل تجاربها العاطفية المتكررة : "جلست فيوليت في طرف التراس، وتركتنا ومدت نظرها عبر الأفق، كان الجميع يناقشون برنامج المهرجان ، وكانت تحس بأن العالم يخطو خطوات ويتركها خلف الموكب، أحياناً تتحمس، وأحياناً تصفّ مع كمال الذي ازداد يأساً وإحباطاً ، أحياناً تقول : أنا عندي أمل، وأحياناً تقول بلا حكي فاضي"(9).

السارد الموضوعي الذي يمتلك المعرفة الكلية يتلبس في رواية (باب الساحة) شخصية (زكية) قابلة الحارة ، المعروفة بقلة الكلام حفاظاً على أسرار البيوت التي تدخلها ، لكنها في قرارة نفسها تتمنى لو شاركت النسوة في الثرثرة والنميمة، وأن تظهر الأشياء الحبيسة التي تحرص على إخفائها في أعماقها : "تأملتهن وهن يقرقرن، ويبربرن ، وهزت رأسها وابتسمت بحسرة ، كانت تتمنى أن تقوم بما يقمن به : تفتح فمها ولا تغلقه على الإطلاق، تفضفض وتصيح وتتنفس وتلعن زوجها وتلعن حظها ، وتلعن الليل ، لكنها لم تفعل ، لأنها لم تعتد ذلك أو بالأحرى عملت على ألا تعتاد هذا الترف ، ورضيت بقسمتها كمستمعة فقط"(10).

في رواية (نشيد الحياة) يطالعنا السارد المهيمن وهو يُعرّفنا على شخصية (السنيورة) راصداً من خلال مظهرها الخارجي خلجات نفسها : "تقلب السنيورة السطل وتجلس عليه ، وتشعل سيجارة، وتنتظر دورها دون أن تحادث غيرها من النساء، وجهها ذابل هذه الأيام، وتتألم على طريقتها دون أن يحس بها أحد.
ما زالت تذهب مساء كل أحد، تقف على الشارع العام، تنتظر عبثاً الرجل الذي وعدها، ولم يفِ بوعده، تنتظره دون كلل ، تعرف أنه لن يأتي، ولكنها تنتظر"(11).
يميل السارد العليم في بعض الروايات إلى تقنية الوصف الخارجي للشخصية في معرض التعبير عن كوامنها، كما في وصف (أم حسن) في رواية (العشاق): "كانت تعمل في مملكتها دون أن تنظر بعيداً، عند العمل تكون أم حسن نحلة، لا، تكون طيناً يمزج طيناً، وجهها المخدد الأسمر القاسي الطيب، جسدها الضئيل، كومة العظام في الجلد الأسمر المحروق، قامتها المائلة إلى القصر تنبض كلها حياة وقوة وأغان شجية"(12).
في رواية (بوصلة من أجل عباد الشمس) تتداخل المقاطع السردية مع المقاطع الوصفية حيث يقوم السارد الموضوعي بعملية الوصف الدقيق لحالة الفتاة الجريحة تاركاً لضمير المتكلم مهمة تصوير الحالة النفسية للفتاة (جنان) العاملة في مركز الإسعاف : "كانت هناك ترقد على الخرقة الذابلة مشبعة بالاصفرار الرمادي، غارقة في ذهول هادئ وتعب عنيف ، بدت كمن انتظر الحياة طويلاً فلما وجدتها تسربت الحياة من ثقب في النهد الصغير، والنهد كان يبدو نفقاً مظلماً مسدوداً ببضع خيوط وضمادات بيضاء عجزت أن توقف نزف الحياة والدماء، تحولت الحياة إلى أحمر ثم أبيض ثم أصفر ، وكان الوجع الصاعق يهبط على دماغي ويطرد كل إيمان بالحياة حملته بالمر والفجيعة والذهول، هذه المسكينة بعمر أختي الصغيرة ، لماذا لا تحيا"(13).

في رواية (الميراث) يتنقل السرد من تقنية السارد الموضوعي الذي يسرد الأحداث بضمير الغائب إلى السارد الذاتي ، ليجسد بصورة دقيقة ما يموج في أعماق (رفيف) المفجوعة في حبها لعادل الكرمي : "نظرتْ إليه من خلال الظلمة وعيناها تنضحان وأنفاسها تتقطع ، وأنَّت، أخاف أن أظل وحيدة ، أنا بحاجة إليه ، بحاجة إلى حبه ، وهو لا يعرف كيف يحب، وأحست بالثورة والمرارة فهي تعطيه أكثر مما يعطيها"(14).

ويلاحظ في بعض الروايات تدخل السارد العليم مستعيناً أحياناً بالسارد الذاتي بالتفسير والشرح والتعليق بكل ما يمثله ذلك من استهانة بوعي القارئ ، كما في حديث السارد عن (بارعة) في رواية (بير الشوم) : "داهمتها ذكريات حياتها ، هي التي كانت في العادة تتهرب حتى من الذكريات، وانفتأ الجرح الذي دارته سنوات وسنوات ، وأظن أن السياق الصحيح للرواية الأمينة أن أصور لكم ذلك الشريط الذي انفلت من ذكرياتها، ولكني أسألكم أن تعفوني من مهمة لا أقدر عليها ، ومن الذي يقدر أن يصف بدقة مشاعر امرأة مجروحة في كبريائها ، متهومة في عفتها ومظلومة"(15).
في رواية (جناح ضاقت به السماء) تطغى اللهجة الخطابية التي تنم عن ضعف في تقنيات السرد، وعدم دراية بالتشكيل الروائي الفني في أكثر من موضع ، فعلى سبيل المثال ، يطل السارد العليم ليبث شعاراته بطريقة فجة وهو يحدثنا عن تأثير خبر استشهاد (مهيوب) على أخته (فاطمة) : " أما فلاح و فاطمة فقد كانا أكثر واقعية من الجد والجدة والأم ، رغم شعورهما أنهما قد فقدا القوة والسند والدعم والحماية ، فهما يعرفان أن سبل الكفاح دوماً ملغومة بالمخاطر ، وأن الموت يتربصها في كمائن ، وأن معادلة التحرير دوماً هي نصر يساوي شهداء ، وأن التحرر لا يكون إلا بطوفان من الدماء يغرق فيه الأعداء"(16).
وفي رواية (بوصلة من أجل عباد الشمس) تبرز روح الوعظ والخطابية من خلال السارد الذاتي الذي يحدثنا عن زيارة (جنان) لمخيم البقعة لأول مرة : "في مخيم البقعة عرفت طلبة يتخلون عن بعض ساعات دروسهم للمساهمة في خلية النحل التي يشهدها المخيم الصحراوي ، التقدمية هي أن نخلع ما نما علينا من عفن منذ ولادتنا ، وأن ننصهر في المجتمع الجديد . المجتمع ، مجتمع الثورة الجديدة"(17).

2- السارد الذاتي (المتكلم) : يبرز من خلال استخدام تقنية السرد الذاتي في الروايات الفلسطينية تماهي الكثير من الشخصيات النسائية مع السارد ، حيث يناسب هذا النمط من السرد طبيعة المرأة المثقلة بالهموم ، إذ نجدها تميل إلى الحديث مع النفس ومع الآخرين سعياً وراء إعادة التوازن إلى ذاتها الحائرة المقهورة .
ففي (بوصلة من أجل عباد الشمس) يستعين السارد بضمير المتكلم في إظهار الكوامن الداخلية للفتاة (جنان) التي تحس بالتمزق وقلة الحيلة في مركز الإسعاف البائس غير القادر على تلبية حاجات الجرحى: "صحوت بغتة وكأن يداً هزتني، إذ شعرت بدوار شديد يؤرجح ذؤابة مصباح الزيت الذي يواجهني ، اجتاحني إحساس بالهشاشة والضعف، لفتني ارتعاشة باردة وتذبذبت الوجوه أمام عيني قبل أن أبدأ في التمايل الذي يسبق مرحلة انعدام الوزن"(18).

كذلك وظَّف البعض السرد الذاتي مختلطاً بالسرد الموضوعي في استنطاق مظاهر الطبيعة ، وجعلها تشارك في رسم الملامح النفسية للشخصية الممزقة ، كما في وصف حالة الفتاة (فجر) المثقلة بالأحزان والكوابيس بعد استشهاد المقاتل غالي في رواية (البكاء على صدر الحبيب): "رأيتُ السيارات تخرج على الأرصفة وتدهم الناس، والناس يموتون بلا أنين ولا تنزل من أجسادهم الدماء ، إنهم يتحولون إلى قشرة طرية على سطح الأرصفة ، والأشجار تشتعل وتخرج منها نيران سوداء، والعصافير تهوي من السماء، رأيتُ البنايات تهوي والحجارة تتناثر"(19).

عبر السرد الوصفي للطبيعة وللأجواء الروائية نتلمس في رواية (بوصلة من أجل عباد الشمس) حالة التشتت والفزع التي أصابت الناس بعد هزيمة 1967، وهم يتدافعون صوب الجسر فراراً من آلة الحرب ، حيث يبدأ السارد القص بضمير المتكلم ثم ما يلبث أن يتسلم ضمير الغائب (هو) المختفي في ثوب ضمير المتكلم السرد كاشفاً دخيلة (جنان) التي تكابد نتيجة ذلك الأمر القهر والهزيمة : "رأيتُ آلافاً من الأقدام تسعى على الإسفلت، وتتراكض بإعياء على جوانب الطريق صوب الجسر، الأكتاف تتدافع وتتموج وهي تحمل الأطفال والمتاع هاربة من ألسنة النيران المندلقة من السماء، والأفق قد اختفى وراء الأقدام السريعة ، والملابس الجرداء الكابية قد اختلطت بانحناءات الهضاب المبثوثة في كل الاتجاهات ، والشمس كئيبة تنز الصهد والعرق دموعاً تنحدر قطرات كثيرة على الوجوه اللا متميزة"(20).

وفي رواية (الخيوط) يميل السرد إلى توظيف ضمير المخاطب الذي يمثل صورة معادلة لأنا المتكلم ، كما في مناجاة (آمنة الشيخ نعمان) لنفسها حينما استعادت ثقتها بنفسها وبالناس في مواجهة (أحمد الفايز) الثري الذي حاول أن يسلبها كرامتها : "تستطيعين الآن أن تقولي أنك صرتِ جزءاً مما حولك ، الغربة تهرب من عينيك بالتدريج فلا تحسين بأنك حيوان بري يعيش خارج الناس ، صار لديك من تأنسين لهم، من يفهمون ما تقولين، صار لديك ما تقولين وما تسألين عنه"(21).

وفي رواية (بقايا) تختلط الصيغ السردية وتتعدد حين يلجأ السارد إلى ضمائر المتكلم والمخاطب والغائب لإظهار ما يعتمل في وعي (وديعة) من صراعات بعد أن تفاقمت الأمور بينها وبين حبيبها (ماجد) المنهمك في الانتفاضة ، حيث نجدها تتوجه بالخطاب إلى جدتها المتوفاة – التي مازالت متعلقة بها- بحيث تبدو الأصوات السردية المتعددة كأنها خارجة من أعماق سارد واحد : "هاأنذا يا جدتي أشارك في الانتفاضة، هل تعرفين ما يؤرقني الآن عندما أسترجع قصة استشهاد خالي سالم هو أنكم دفنتم يده ومعها خاتم خطوبته ، ذوت خطيبته من الحزن، كما ذوت يده تحت التراب، وأخذت على نفسها بألا تتزوج خوفاً من كلام الناس، كيف تخون خطيبها الشهيد وتخلع خاتم خطوبتها وتستبدله بينما خاتم خطيبها لا يزال في يده حتى بعد الموت ، لقد فكرت يا جدتي أكثر من مرة أن أحفر القبر الذي دفنت فيه يد خالي، وأفتش عن الخاتم في بقايا يده ، وأعيده إلى خطيبته عسى أن أفك أسرها، وتجد للحرية مذاقاً بعد أن تجاوز عمرها الستين عاماً، قولي لي، أجيبيني، هل أنا مخطئة"(22).

لقد التفت الروائي الفلسطيني إلى العلاقة القائمة بين طريقة تيار الوعي وحالات التأزم والتمزق التي تعيشها الشخصيات النسوية حين ترتد إلى نفسها ، تحاورها وتناجيها بطريقتها الخاصة ، ففي رواية (باب الساحة) يكشف لنا تيار وعي (سمر) الكثير من الهواجس الداخلية لتلك الفتاة التي يجتاحها القلق من تبعات العهد الذي قطعه حسام الجريح على نفسه حينما صارحها بحبه لها، وأنه قد تخلص من حبه لسحاب: "ماذا لو أعطاني عهداً وكسر العهد باسم التغيير؟ ماذا لو أعطاني حباً وذاب الحب باسم التغيير، ماذا لو ذبتُ بتفاصيله ونسيت اسمي باسم التغيير؟ ماذا لو هبت عاصفة وانتزعت قلبه من قلبي؟ ماذا يبقى؟ أبقى للموت؟ أبقى للخوف، أم لا أبقى؟ موتي حية، كفي عن العيش، سيري عمياء، أوصدي بابك ، عيشي خرابك ، والتفي بعباءات الموت"(23).
في رواية (عباد الشمس) تنطلق حركة السرد من لحظة حاضرة متأزمة ، متجهة إلى الخلف وإلى الأمام وهي ترصد أدق خلجات (سعدية) وموقفها من نفسها ومن الآخرين بعد أن اكتشفت كم هي الحياة صعبة وقاسية خاصة مع امرأة شابة جميلة، أرملة أضحت مطمعاً للكثيرين خاصة (شحادة) الذي لا يقارن بزوجها الشهيد : "أحست بالغضب ينشب إظفاره في حلقها ، لماذا ، لماذا يتوجب عليها أن تفكر في شحادة ؟ تأملته وهو يتكلم مع عادل، يؤشر ويشبّر ويتفتف ويتذلل، أهذا هو الملجأ الأخير؟ أهذا هو الحل الوحيد؟ إخص، إخص على الدنيا والناس والرملة، أنا أفكر بهذا السخل حتى أتقي شرهم؟ وبعدما أتقي شرهم كيف أتقي شره ؟!"(24).

في رواية (الخيوط) يجول السارد – مستعيناً بضمير المخاطب، متخذاً شكل المونولوج الداخلي ومناجاة النفس- في أعماق (جميلة) ابنة الثري (عبد الرحمن الفايز) الذي يتعامل مع أهل قريته باستعلاء وفوقية، ليعبر من خلال تيار وعيها عن لواعجها النفسية المؤرقة بعد أن تحاشاها الناس خاصة (شريف الصالح) الذي تمنت لو يخطبها: "ماذا يحدث حولك يا جميلة الفايز وأنت لا تعرفين؟ لماذا تحبسين نفسك قرب الجرح الغائر في رأس أخيك؟ هل تخيفكِ الحارة التي تعودتِ أن تنظري إليها من رأس التل وتريها صغيرة؟ لماذا يظل الشباك مغلقاً بعد أن كانت مفاصله تعاني؟ والناس في الخارج لماذا لم يسألوا عنكِ ؟ هل كنتِ تسألين يا جميلة؟ هل كنتِ تخرجين إلى أحد إلا إذا كان في ذهنك هدف ؟ لماذا تطالبين الناس بالسؤال؟ ألأنك ابنة الشيخ عبد الرحمن الفايز؟ ماذا يعني هذا الاسم شريف الصالح الآن وهو لا يعمل عنده؟ ماذا يعني للناس"(25).
******
الهوامـــــش:

1- وليد الخشاب، دراسات في تعدي النص، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة، 1994، ص76.
2 - سيزا قاسم، بناء الرواية، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1984، ص15.
3 - ت . توردوروف، الأدب والدلالة، ترجمة د.محمد نديم خشفة ، مركز الإنماء الحضاري ، ط1، حلب، 1996، ص7.
4 - يوسف حطيني، مكونات السرد في الرواية الفلسطينية ، مصدر سابق ، ص226 .
5 - حفيظة محمد سعيد أحمد، الفن القصصي في أدب المرأة الفلسطينية المعاصرة ، ص216-217.
6 - محمود غنايم، تيار الوعي في الرواية العربية الحديثة ، دار الهدى ، القاهرة 1992 ، ص30.
7- للمزيد: ينظر: أنواع التقنيات التي وظفها كُتاب تيار الوعي: روبرت همفري ، تيار الوعي في الرواية الحديثة، ترجمة د.محمود الربيعي، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة 2000 ، ص57-75.
8- د.عبد الحكيم حسان، مقدمة (الجرح) مجموعة قصصية للدكتورحسن البنداري ، مكتبة الأنجلو المصرية ، ط2 ، 1991، ص9.
9- سحر خليفة، رواية: الميراث، ط1 ، دار الآداب ، بيروت 1997، ص 221.
10- سحر خليفة، رواية: باب الساحة، ط1، دار الآداب ، بيروت 1990، ص26.
11 - يحيى يخلف، رواية: نشيد الحياة، ط2، دار الحقائق ، بيروت 1983، ص117.
للمزيد حول صيغة السارد العليم بكل شيء في الرواية الفلسطينية انظر: تقديم شخصية ساجدة في :
(رواية ضوء في النفق الطويل لعلي الخليلي)، ص7، ورصد السارد العليم لشخصية (بارعة) في (بير الشوم) ص76-177 ، وشخصية (خيرية اليوسف) في رواية (الخيوط) ص48 .
12-رشاد أبو شاور، رواية العشاق ، ط5 ، وزارة الثقافة ، غزة 1999 ، ص58 .
13ـ ليانة بدر، رواية: بوصلة من أجل عباد الشمس، ط1، دار ابن رشد، بيروت 1979، ص19.
14- رواية: الميراث، مصدر سابق، ص18.
15- فيصل حوراني، رواية: بير الشوم ، ط1، دار الكلمة للنشر ، بيروت 1979 ، ص179-180.
16- ديمة السمان، رواية: جناح ضاقت به السماء ، ط1 ، مؤسسة إبداع للنشر ، أم الفحم 1995، ص243.
17- بوصلة من أجل عباد الشمس ، ص24.
18-السابق ، ص59.
19- رشاد أبو شاور، رواية: البكاء على صدر الحبيب ، ط2 ، دار الحقائق ، بيروت 1983 ، ص3.
20- رواية: بوصلة من أجل عباد الشمس ، ص34.
وانظر أيضاً في هذا المجال التبادل في السرد بين ضمير المتكلم وضمير الغائب في التعبير عما يدور في ذات (جنان) من مكنونات تجسد صورة صادقة لما تحسه من وحشة وقلق وهي تعيش وحيدة في المدينة . رواية بوصلة من أجل عباد الشمس، ص10 .
21- وليد أبو بكر، الخيوط ، ط1، منشورات دار الآداب ، بيروت، تشرين الأول (أكتوبر) 1980، ص146.
22 - أحمد حرب، روايةك بقايا، ط1 ، جامعة بيرزيت ، رام الله ، 1996 ، ص114.
23 - رواية باب الساحة، مصدر سابق ، ص193.
24 - سحر خليفة، رواية: عباد الشمس، لجنة الأبحاث ، بيرزيت ، القدس، مايو آيار 1980، ص35.
25 – رواية: الخيوط، مصدر سابق، ص1979.
* * *
* أمين العلاقات العامة والنشر في الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين.
• موقع http://zakiaila.net/
• بريد zakiaila@gmail.com