القـرد والمسخ


يعتقد " داروين " وأتباعه المؤمنون بنظرية التطور أن الإنسان تطور عن القرد ، أى أن الإنسان أصله قرد ، وعلي العكس من ذلك فإن الإعتقاد الشعبي يقول إن القرد أصله إنسان ولكنه تعرض للمسخ (السخط ) . ويتجلي هذا الإعتقاد في الأمثال الشعبية : " أكتر من قرد ما مسـخ الله " و " قالوا يا قرد راح يسخطوك .. قـال راح يعملوني غزال !! "

وقد نشأ هذا الإعتقاد وترسخ مع الأيام عن الفهم الخاطئ لقصة أهل القرية التي كانت حاضرة البحر ، وكانوا من اليهود ، فاعتدى بعضهم في السبت ، وبدلا ًمن التجرد للعبادة اشتغلوا بصيد الحيتان فعاقبهم الله بأن مسخهم قردة خاسئين . قال تعالى : " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" ( سورة البقرة ، آيه65) . وهذه القرية هي" أيلة " بين مدين والطور علي شاطئ البحر ، في طريق مكة من مصر، وهى أول حد الحجاز ، وسميت بأيلة بنت مدين . وقد قال بذلك عبد الله بن عباس حبر الأمة ، وابن عم الرسول ( 3 ق هـ ـ 68هـ ) .وقد نشأ الإعتقاد الخاطئ بأن القرد أصله إنسان مُسخ لاختلاف العلماء في الممسوخ هل يعقب نسلاً أم لا .


فقال الزجاج ( 241 ـ 311 هـ ) إن الممسوخ يعقب نسلاً ، واتفق معه في ذلك القاضي أبو بكر العربي المالكي (468 ـ 543 هـ ) أما جمهور العلماء وعلي رأسهـم ابن عباس فقد رفضوا فكرة أن يعقب الممسوخ نسلاً . وقد قال ابن عباس : " لم يعش ممسوخ قط أكثر من ثلاثة أيام ولا يأكل ولا يشرب " .

ومن الغريب أن يذهب هذان العالمان الجليلان إلي هذا الرأي الذي عمق الإعتقاد الخاطئ للعامة ، علي الرغم من أن الرسول (ص) قد حسم الموضوع بقوله لمن سأله عن القردة والخنازير أهي مما مُسخ ؟: " إن الله لم يهلك قوماً أو يعذب قوماً فيجعل لهم نسلاً ، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك " ، وهو نص صريح رواه عبد الله بن مسعود (رض) ، وقد أخرجه مسلم في كتاب القدر . ولكن يقل استغرابنا حين نستمع إلي الكاتب المسرحي الإنجليزي وليم كونجريف ( 1670 ـ 1729م ) يقول: " لا يسعني أن أنظر طويلاً إلي القرد دون أن اشعر شعوراً عميقاً بالإهانة " .


القرد هو المثال الحي للقبح ، والتجسيد لكل معني الدمامة ، ولذا كان مسخ البشر إلي قردة عقاباً شديداً أنزله الله تعالي بالإنسان الذى أحسن خلقه ، خلقه في أحسن تقويم . وقد عبرت الأمثال الشعبية عن قبح ودمامة القرد ببلاغة أصابت الهدف ، فقالت الأمثال: " يغور الشهد من وش القرد " ، " يغور الورد من وش القرد " و" قرد يبيع أم الخلول غارت البضاعة من وش التاجر " و " إيش علي بال القرد من سواد وشه " و" دور القرد في دفاتره مالقاش إلا شفاتيره وضوافره " و " أقبح من قرد " . ومع ذلك فالإمام الدميري صاحب موسوعة " حياة الحيوان الكبرى " يصفه بأنه " حيوان قبيح مليح ذكى " ؛ وكذلك أُنصف فى كتاب القزوينى أن من تصبح بوجه قرد عشرة أيام أتاه السرور ولا يكاد يحزن واتسع رزقه وأحبته النساء حباً شديداً وأعجبن به . وإن صدق هذا الكلام فمن من الناس يكره أن يتصبح بوجه قرد طوال عمره ، وليس لعشرة أيام فقط !؟. وقد علق الدميرى بأن فيما قاله القزوينى نظر ظاهر.

السـحر بديـل المـسخ فى "ألف ليلة وليلة"


أقر
القاص الشعبي بأن المسخ فعل من أفعال الله ، أما من عداه فيقدر على تغيير صورة البشر بالسحر .
ففى حكاية الحمال مع البنات ، وحين يبدأ الصعلوك الأول حكايته نعرف أن عفريتاً سحره فحوله إلى صورة قرد عمره مائة عام." وطار بى إلى الجو حتى نظرت إلى الدنيا تحتى كأنها قصعة ماء ثم حطنى على الجبل وأخذ قليلاً من التراب وهمهم عليه وتكلم ورشني وقال اخرج عن هذه الصورة إلى صورة قرد ، فمن ذلك الوقت صرت قرداً ابن مائة سنة " . والمسخ طريق بلا عودة ، أما السحر فيمكن أن يزول ويعود الإنسان إلى حالته الطبيعية ، ففى نفس الحكاية تعيد بنت الملك الصعلوك إلى صورته البشرية " ثم جاءت الصبية إلينا وقالت الحقونى بطاسة ماء ، فجاءوا بها إليها فتكلمت عليها بكلام لا نفهمه ثم رشتني بالماء ، وقالت اخلص بحق الحق وبحق اسم الله الأعظم إلى صورتك الأولى فصرت بشراً كما كنت أولاً ".