مشــــــــروع
تعديل القانون العراقي رقم (90)
لسنة 1986


وفتح بوابات الأعمال المتاحة
في بحار الله الواسعة

بسم الله الرحمن الرحيم
(( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ((
صدق الله العظيم


الباحث البحري
كاظم فنجان الحمامي

مقدمة
مضى أكثر من ثلاثة وعشرين عاما على صدور القانون رقم (90) لعام 1986, وهو القانون الخاص بمنح الجوازات البحرية للعراقيين العاملين على السفن في المياه الدولية. وقد صدر القانون آنف الذكر استجابة لمتطلبات تطبيق قانون هوية البحار لسنة 1958 والذي صادقت عليه الدول الموقعة على مسودة الاتفاقية العالمية التي تقدمت بها منظمة العمل الدولية آنذاك. ونظمت بموجبه عمل الطواقم البحرية على ظهور السفن والناقلات, وسهلت تنقلاتهم في عرض البحر من ميناء الى آخر, وهي تسهيلات متبادلة ومتوافقة ومتناغمة مع سياقات وأساسيات عمل السفن التجارية في البحار والمحيطات, اعترفت بها وأقرتها معظم الدول البحرية وغير البحرية منذ ذلك الحين. لكن اعتراف العراق بها جاء متأخرا بستة وعشرين عاما بالقانون رقم 86 لسنة 1986 , ثم قام العراق بتحديد إجراءات منح الجوازات البحرية بالقانون رقم (90) لسنة 1986 وذلك في ضوء المعطيات والظروف والعوامل والأهداف السياسية والتعبوية التي فرضتها ظروف الحرب القائمة في عقد الثمانينات من القرن الماضي, وهكذ جاءت أحكام هذا القانون مفصلة حصريا للعاملين على السفن المملوكة للدولة العراقية, والسفن التابعة للقطاع الحكومي, وحرمت جميع المواطنين غير المرتبطين بالدوائر الحكومية من حق الحصول على الجواز البحري, وبالتالي حرمانهم من فرص العمل في البحر. واستمرت مديرية الجوازات في مسيرتها الإدارية خلال الأعوام الثلاثة والعشرين الماضية على السياقات التشريعية المتشددة. ذلك إن القانون لا يغير إلا بقانون. ما أدى إلى حرمان الشعب العراقي من مزاولة الأعمال والنشاطات البحرية والملاحية أسوة بأبناء كوكب الأرض. فالعراق هو الدولة الوحيد بين الأمم والكيانات الدولية الذي لم يزل يمارس الإجراءات التعسفية في حرمان أبناءه من العمل البحري. وقد واصلت معظم الصحف المحلية منذ أعوام حملتها الرامية إلى تحرير طواقمنا البحرية من قيود التشريعات القديمة الظالمة, ومن دون أن يلتفت إليها احد , لذا فإننا نجد إن واجبنا الوطني يحتم علينا الوقوف بحزم لمعالجة هذا الخلل التشريعي, ويحتم علينا التصدي لهذه المشكلة وبالاتجاه الذي يفسح المجالات البحرية المتاحة أمام شرائح كبيرة من الملاكات البحرية العليا والمتوسطة والعامة, بل إن السياقات الحضارية المنفتحة تحتم علينا تكريس جهودنا من زج أبناءنا في الأعمال البحرية وتوسيع نطاق النشاطات الملاحية, باعتبارها تمثل أغنى الموارد المالية وأكثرها وفرة وفائدة, وسنتناول هنا الأسباب والمسوغات الضرورية الداعية الى إدخال التعديلات الجذرية على هذا القانون وذلك في ضوء المواد الدستورية التي فسحت المجال لأعضاء البرلمان العراقي الموقر في مناقشة إصدار التشريعات الجديدة أو إدخال التعديلات على بعض القوانين القديمة الجائرة ومنح أبناء الشعب العراقي المزيد من الحرية في العمل البحري.

ملخص عن تعاملنا مع التشريعات الدولية بهذا الخصوص
تم اعتماد صيغة الجوازات البحرية لأول مرة في العالم عام 1958. وهو العام الذي تبنت فيه منظمة العمل الدولية اتفاقية عالمية لتسهيل انتقال طواقم السفن من ميناء إلى آخر, وتبسيط مرورهم عبر المنافذ البحرية الدولية, ومن دون حاجة إلى تأشيرات الدخول. ولم يصادق العراق على هذه الاتفاقية إلا بعد مرور (26) عاما على شيوعها دوليا, وذلك بالقانون رقم (86) لسنة 1986. ثم منـح العراق بموجب القانون (90) لسنة 1986 صلاحيات محدودة جدا لمديـرية الجوازات تتعلق بإجراءات إصدار الجواز البحري, وتجديده, وتمديده. لكن هذا القانون حصر صرف الجواز البحري بالعاملين في المؤسسات الحكومية فقط. ومنع صرفه للعاملين في القطاع البحري الخاص. فهم غير مشمولين بهذا القانون بتاتا. والعجيب بالأمر ان منظمة العمل الدولية أدخلت تعديلات جذرية على الاتفاقية, ثم استبدلتها باتفاقية جديدة, أعلن عنها خلال انعقاد الدورة (91) لمؤتمر العمل الدولي في جنيف. وتمت المصادقة عليها رسميا, وهي تحمل الرقم (185) لسنة 2003. وتهدف الاتفاقية الدولية الجديدة الى توحيد جوازات السفر البحرية على الصعيد العالمي من خلال جعلها متوافقة ومتطابقة عالميا بخصائص مشتركة من حيث حجم وأبعاد الجوازات البحرية, وعدد صفحاتها, وأسلوب عرض البيانات, وأماكن تثبيت الصورة الشخصية, وأماكن وضع لواصق الهولوغرام , الخ.
ودخلت الاتفاقية الجديدة, حيز التنفيذ الفعلي في التاسع من شباط عام 2005، ولم يصادق عليها العراق لحد الآن, وربما لا تعلم مؤسساتنا البحرية بأحكامها الملزمة التطبيق. فهل يتطلب الأمر انتظار مرور (26) عاما أخرى حتى تستيقظ مؤسساتنا البحرية من سباتها وتتنبه لما يجري في ساحة التشريعات البحرية من احكام متجددة وتعديلات طارئة؟, وحتام يبقى بحارتنا في محطات الانتظار ؟.

التغريد خارج السرب البحري العالمي
من يا ترى يصدق إن العراقيين وحدهم, في هذا الكون الفسيح, غير مسموح لهم بالعمل في بحار الله الواسعة. فهل تعلمون إنّ إجراءات المنع تعني فقدانهم آلاف الفرص السانحة للحصول على الموارد المالية الكبيرة, وتعني تضييق الخناق على ذوي المهارات والكفاءات البحرية العالية, الذين لم يرتبطوا بالمؤسسات الحكومية, وتعني حرمانهم من تحقيق الأرباح والمكاسب المتاحة, وحرمانهم من تحسين أوضاع عوائلهم الفقيرة, وتعني أيضا وقوف الدولة, من حيث تدري أو لا تدري, إلى جانب أعداء العراق, الذين تبنوا منذ زمن بعيد, حملات إعلامية وسياسية مسعورة, تستهدف حرمان بلد الحضارات من إطلالته البحرية على العالم. فقد صرحت تلك الدول في أكثر من محفل على إن العراق ليس بلدا بحريا بالمعنى الصريح, بدليل عدم صلاحية موارده البشرية للعمل في الأعمال البحرية الحرة خارج العراق. على الرغم من وجود أكثر من مليون عراقي, ممن يمتلكون الخبرة والمهارة للقيام بشتى الأعمال والنشاطات البحرية التخصصية, ولديهم الرغبة الصادقة في الالتحاق بالسفن والتنقل عبر البحار والمحيطات, ففي البصرة وضواحيها مئات الآلاف من البحارة, الذين توارثوا المهن البحرية عن أجدادهم. لكنهم يتكدسون, للأسف الشديد, في الطوابير الطويلة, التي مازالت تنتظر الفرج. والمضحك المبكي إنهم حرموا من العمل حتى على السفن العراقية التابعة للقطاع الخاص, ما اضطر السفن العراقية غير الحكومية إلى تشغيل الهنود والبورميين والجامايكيين والإيرانيين وغيرهم. بسبب حرمان العراقيين من الحصول على الجواز البحري الذي يفتح لهم بوابات الرزق الحلال والربح الوفير, في الفضاءات البحرية الفسيحة. الأمر الذي اضطرهم إلى التحايل على التشريعات العراقية, فوجدوا ضالتهم في سفارات وقنصليات بعض الأقطار, التي كانت أبوابها مفتوحة دوما, لمنح الجوازات البحرية للراغبين, وبصرف النظر عن تبعيتهم لبلدان أخرى, مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة. وهكذا حصل العراقيون على جوازات من سيراليون, ومنروفيا, وليبيريا, واريتريا, وجزر المالديف, وبنما, والصومال, وغيرها. وكانت تلك الجوازات, بمثابة الجسر الذي عبروا من خلاله إلى الموانئ العالمية, وتزايدت أعدادهم خلال تسعينات القرن الماضي, وأثبتوا جدارة منقطعة النظير, وسجلوا نجاحات باهرة في الميادين البحرية المفتوحة.
أن القلب يعتصر ألما على رؤية سني الشباب العراقي المتخصص في الفنون الملاحية والبحرية تضيع أمام أعينهم دون القدرة على فعل شيء, أن تلك السنين هي سنين النشاط والعطاء والإنتاج, والتي تضيع هدرا ما بين المقاهي والجلسات الطويلة والسهر والتسكع في الطرقات من دون انجاز أي عمل. وربما ينحرف البعض منهم ويقدم على ارتكاب السرقة والأعمال المنكرة.
ومما يبعث على الاستياء إن السفن العراقية المحلية التابعة للقطاع الخاص توقفت عن العمل خارج مياهنا الإقليمية ولم تسمح لها الدول الخليجية المجاورة بدخول موانئها , ذلك إن العاملين على السفن العراقية لا يحملون الجوازات البحرية التي تسمح لهم بعبور المنافذ المينائية الدولية. وهذا يعني إن حصرية صرف الجوازات البحرية تركت تداعياتها السلبية على نشاطات أسطولنا البحري المحلي, وأجبرته على التقوقع والانزواء بين أخاديد شط العرب. بسبب استحالة مغادرة المياه الإقليمية من دون جوازات بحرية نافذة. وهكذا فقد العراق عمقه السوقي البحري في حوض الخليج, واضطر قطاعه التجاري إلى التعامل مع السفن غير العراقية في نقل البضائع المستوردة. وان من يقوم بزيارة استطلاعية لميناء خور الزبير سيجد ان السفن الخشبية (اللنجات) الهندية والباكستانية هي التي استحوذت على عقود نقل الحمولات بحرا من الإمارات إلى العراق, وشغلت أرصفة موانئنا, بسبب انسحاب سفننا الأهلية من هذا المضمار المفتوح, وتعطلها عن العمل.

من تجارب البلدان العربية
ولو قمنا بجولة استطلاعية لقراءة قوانين الدول العربية المتعلقة بمنح الجوازات البحرية لمواطنيها, لوجدنا إنها كانت حريصة على إفساح المجال لمواطنيها الراغبين في العمل على السفن التجارية, ولم تضع عليهم أية قيود أو شروط, سوى الالتزام بتطبيق بنود الاتفاقية الدولية للتأهيل والتدريب البحري, فالمادة الأولى من قانون دولة قطر رقم (17) لسنة 1980, اشترطت لمنح الجواز البحري للمواطن القطري : أن تكون قوة إبصاره, وصحته, وحالته الجسمية تؤهله لنوع الخدمة البحرية, التي سيقوم بها في السفينة في مختلف حالات الجو. اما القانون الكويتي رقم (29) لسنة 1980 فاشترط في المادة الثانية منه, على ضرورة توفر المؤهلات والخبرات البحرية في طالب الجواز, وان لا يكون قد سبق الحكم عليه في جناية أو في جنحة سرقة أو نصب أو تزوير أو في أية جريمة مخلة بالشرف ما لم يكن قد رد إليه اعتباره, وهذا يعني إن الدول العربية لم تكن متشنجة ومتعجرفة في منح الجوازات البحرية, وشملت برعايتها جميع أبنائها سواء من ارتبط بمؤسسة حكومية, أو من اختار العمل في القطاع الخاص. وهكذا نجد إن حكومة مصر العربية منحت في عام 2006 حوالي 103728 جوازا بحريا لمختلف الاختصاصات. وعلى الرغم من تحرر مصر من القيود الاحترازية في منح الجوازات, بحث مجلس الشعب المصري في دورته الجديدة قضية تصدير العمالة البحرية المصرية, من منظور يرتكز على أهمية تحقيق موارد مالية عالية قد تصل إلى تسعة مليارات دولار في العام الواحد. وأعلنت الهيئة المصرية لسلامة الملاحة إنها منحت لغاية 31/7/2009 حوالي (13833) جوازا بحريا صرفت جميعها للقطاع الخاص, اما على الصعيد الدولي فان الفلبين تعد من الدول الأكثر تسويقا لعمالتها البحرية, وتحقق سنويا عائدات مالية بالعملة الصعبة تزيد على عشرة مليارات دولار.

مسلسل التداعيات السلبية

ترك القانون رقم (90) لسنة 1986 مجموعة كبيرة من التداعيات السلبية الخطيرة, وساهمت أحكامه المصاغة لصالح فئة معينة في ظهور الحالات السلبية التالية:-

- الاستهانة بقدرات الفرد العراقي غير المنتمي للدوائر الحكومية, ومعاملته كمواطن مهمش لا قيمة له.
- حصر صرف الجوازات البحرية بالفئات التي تميزت بولائها الحزبي والمهني والوظيفي لجهات حكومية محددة.
- حرمان شريحة واسعة من الشعب العراقي من فرص العمل الشريف في عرض البحر.
- حرمان الطواقم العراقية المتقاعدة من مواصلة العمل باختصاصاتهم البحرية النادرة, وحرمانهم من تحسين أوضاعهم المعيشية.
- تراجع مستوى المهارات البحرية في العراق, ومنع عامة الناس من اكتساب المعارف المتجددة في الميادين البحرية المفتوحة.
- فقدان العمق الاستراتيجي للعراق في البحار والمحيطات, وقطع روابط الاتصال البحري مع الموانئ التجارية العالمية والمجاورة.
- تمزيق قوة الأسطول البحري العراقي المملوك للقطاع الخاص ودفعه للارتباط بدول التسجيل المفتوح والانتماء إليها.
- خسارة موارد مالية كبيرة جدا كان يمكن الاستفادة منها وتنميتها, ذلك انها من الموارد المتيسرة التي تسعى إليها معظم الدول البحرية الفقيرة.
- غلق أوسع بوابات تشغيل العاطلين عن العمل في بحار الله الواسعة.
- قطع علاقاتنا الملاحية الموروثة عن الأجداد والتفريط بتراثنا البحري العريق.

المقترح
ختاما نتقدم بالمقترح التالي:-
- إصدار تعديل قانوني على أحكام القانون رقم (90) لسنة 1986 يقضي بشمول العاملين في القطاع البحري الخاص بحق الحصول على الجواز البحري أسوة بالعاملين في المؤسسات الحكومية.
- المصادقة على قانون منظمة العمل الدولية رقم (185) لسنة 2003, الخاص بالسياقات العالمية لإصدار الجوازات البحرية الجديدة, ومن ثم تنظيم أحكامه في قانون عراقي يأخذ بنظر الاعتبار أهمية مواكبة دول العالم, ويحرص على توسيع آفاقنا البحرية المستقبلية.


الأسباب الموجبة
نظرا لأهمية شمول معظم أبناء الشعب العراقي بالرعاية والاهتمام, ومنح العاملون في القطاع البحري الخاص حق الحصول على الجوازات البحرية التي تعطيهم القدرة على مزاولة الأعمال في بحار الله الواسعة أسوة ببقية الناس في جميع بلدان العالم, ونظرا لأهمية توطيد صلاتنا البحرية بالموانئ والمرافئ العالمية, وتوسيع مديات عمل الأسطول البحري العراقي بشقيه الخاص والعام, وبالنظر لأهمية تحقيق الموارد المالية الكبيرة بالعملة الصعبة, والقضاء على البطالة, وتشغيل العاطلين, ومنحهم فرص العمل في المهن والاختصاصات البحرية المتشعبة, ولأهمية رفع الغبن الذي لحق بالعاملين في القطاع البحري الخاص, نأمل أن تصدر التعديلات الضرورية على قانون رقم (90) لسنة 1986.