مسلمو الصين.. ومصير الشيشان

طلعت رميح

فى رؤية ما يجرى للمسلمين فى الصين الآن ، ثمة جوانب عديدة لتناول الحدث الذى أثار حالة من الفزع عند الكثيرين الذين فاجأهم هذا العنف المفزع الذى عاد بالبشرية إلى زمن القتل بالسيف والحرب ، إذ هاجم الصينيون من قومية الهان (الأغلبية من سكان الصين) المواطنين المسلمين بالسيوف والحراب، دون الاكتفاء بأسلحة الشرطة الفتاكة.

هناك زاوية التركيز على طبيعة ودلالات الاضطهاد والمذابح التى يتعرض لها المسلون هناك، سواء من زاوية الاضطهاد القومى أو الديني أو العرقي، إذ كان بناء الدولة الحديثة فى الصين مقرونا بتشديد قبضة السكان الذين يمثلون الأغلبية من السكان وبالسيطرة على أطراف الدولة المترامية الأطراف، وبنشر مجموعات سكانية من الأغلبية فى مختلف المناطق التى تعيش فيها الاقليات العرقية أو القومية أو الدينية وتمثل فيها أغلبية، لإحداث تغيير ديموجرافى يحقق سيطرة الهان على كل الأقاليم. أو من خلال تشديد الاجراءات والقوانين وتحديث قدرة أجهزة القمع فى الدولة على مواجهة تمردات المناطق الطرفية وإخضاعها بالقوة العسكرية أو من خلال السيطرة السياسية والاعلامية للحزب الشيوعى الحاكم.

وهناك زاوية التناول التى تركز جهدها على كشف زيف الادعاءات الغربية بحماية حقوق "الإنسان" فى كل مكان، بغض النظر عن دينه أو لونه أو عرقه أو قوميته، إذ لم تصدر ردود فعل غربية حقيقية تتوازى مع بشاعة المجزرة التى تعرض لها المسلمون في الصين.

كان لافتا إجابة الرئيس الامريكى فى المؤتمر الذحفى المنعقد فى موسكو مع نظيره الروس، حول سؤال بشأن موقف أمريكا من أحداث الصين، إذ أشار إلى ظروف السفر وإلى عدم تلقيه تقارير عن ما جرى، وأن فريقه سيطلعه على الأحداث ليصدر موقفاً فيما بعد.

لكن الدول الأوروبية لم تخرج كثيرا عن هذا الموقف إذ جاء موقفها متأخرا وباهتا أيضا.

وعلى صعيد أجهزة الإعلام الغربية، فالأمر يصلح مادة للتندر لا للتحليل السياسي، إذ هذه الأجهزة التى ملأت الدنيا ضجيجا بأخبارها وأفلامها الوثائقية عن حركة الاحتجاج التى جرت فى إقليم التبت وعن لقاءات الرمزية السياسية لأهل هذه المنطقة بالسياسيين الرسميين والشعبيين الأوروبيين، صارت لا ترى ولا تسمع ما يجرى للمسلمين هناك فى الصين إلا بأخبار من باب رفع العتب.

والأغلب أننا في زاوية الرؤية الصحيحة أمام أمر طبيعي في سياقه، إذ كيف لمن يقتلون المسلميين بالملايين خلال السنوات الماضية فى مساحة تربط من أفغانستان إلى العراق إلى فلسطين إلى الصومال، أن يحتجوا بقوة على ما يجرى فى الصين من قتل لمسلمين أيضا؟!

وهناك زاوية للتناول تركز على البعد التاريخى لوجود المسلمين فى تلك البقعة من العالم، وتاريخ انتفاضاتهم في مواجهة ضم الصين لتلك البقعة، ضمن إطار أوضاع المسلمين فى الدولة الإسلامية وعبر مسيرة انقسامها أو تقسيمها ..الخ.

وهناك زاوية للنظر ، تركز على النمط الجديد لقواعد ادارة الصراعات فى العالم وانتقالها للتركيز على الصراعات في داخل الدول، وفق أساليب القوة الناعمة في السنوات العشر الأخيرة، حتى مع ممارسات القوة الصلبة التى لم تعد هى العامل الحاسم فى تحقيق أهداف خوض الصراعات.
فمنذ سنوات والتغيير الأساس في الصراعات الدولية، هو في تركيز السياسات والخطط على إعادة تشكيل خرائط المجتمعات كأساس لتغير قدرات الدول ووجودها ككيانات، لا مجرد إحكام السيطرة على القائم منها بالفعل، بما يعنى أن السيطرة تالية لفكرة التقسيم والانقسام أو أن التقسيم والانقسام هو فعل يستهدف احكام السيطرة لقد صار الأصل والأساس ووجهة الخطط الاستراتيجية فى الصراعات، هو العمل من أجل إنهاء "تشكيل الدول" التى مثلت الانجاز الأهم الذى حققته وتطورت إليه المجتمعات البشرية، وذلك من خلال تفكيك المجتمعات من داخلها بما يفكك كيانات الدول ذات القدرة فى تحقيق التوحد وتكوين عوامل القوة.
وفى ذلك أصبح أساس التفكيك والانقسام يجرى ويمر عبر خطط ممنهجة متوالية الخطوات والمراحل، تقوم على إحياء ولاءات وثقافات وتكوينات ما قبل الدولة الوطنية-القومية، فى مختلف المجتمعات المستهدفة، وتسخير كل الوسائل الحديثة لنشر رسالة واسعة التأثير لتحقيق الانفصال القيمى والنفسى والمعرفى داخل المجتمعات.

وهكذا تتعدد جوانب التناول لهذا الحدث ومترتباته وما يكشفه على صعيد طريقة ممارسة الصراعات داخل الدول وفى العلاقات الدولية، لكن الجانب الرئيسي المتعلق بمصير المسلمين فى الصين، هو الجانب المتعلق بالمصير، أو بالتقدير الاستراتيجى الذي ينبغى التفكير فيه.

الصين وهاجس التفكك

ويبدو الجانب الأول فى سؤال المصير بشأن المسلمين في الصين، يتعلق بظروف المجتمع والدولة التي يعيشون فيها، على صعيد بناء المجتمع والدولة وحالة النهوض أو التراجع فى داخلها لتحديد استراتيجيات الحركة.

وفى الملخص العام، لأوضاع الصين – في حدود ما يسمح به ظروف كتابة مثل هذا التحليل -فنحن أمام دولة ناهضة على صعيد كل المستويات الاستراتيجية، الاقتصادية والسياسية والعسكرية، بما يعنى توفر القوة والقدرة على ممارسة استراتيجيات فاعلة فى مواجهة الأقليات والمجموعات المختلفة القهر والقمع والاستيعاب، إذ الفارق كبير بين دولة أو مجتمع يعيش حالة تراجع أو انكسار وآخر يعيش مرحلة نهوض وتطور.

ونحن أمام دولة يزيد سكانها عن المليار وثلث المليار، تتحقق فيها أغلبية تزيد على نسبة 91% لعرق واحد، بما يجعل قدرته على فرض مواقفه أو سياساته أو استراتيجياته هى قدرة عالية، خاصة وأن نظريات الصراع فى هذا البلد تعتمد على فكرة تحقيق الكثرة بالحشد البشرى، وهنا فالأمر مختلف عن حالات بلاد أخرى لا يحقق فيها أي من الأقوام مثل تلك الاغلبية الكاسحة. ونحن أمام دولة، تعيش مرحلة تجميع شتات ما فقدته فى الخارج من أجزاء مكونة، حتى وإن كانت صغيرة الحجم والمساحة كما هو حالة جزيرة مكاو وتايوان..الخ، بما يجعلها في مرحلة تستجمع فيها قواها لسحق أي تمرد فى الداخل إذا كان ذو طبيعة استقلالية أو انفصالية.

وفى مواجهة تلك الحالة، تبدو عدالة قضية المسلمين فى الصين محاطة بعوامل وظروف فى داخل الدولى تجعل منها قضية تكاد تكون خاسرة، إذا ما اقترن طرح الحقوق لتلك الأقلية بفكرة الاستقلال عن الصين وإعادة تركستان الشرقية إلى الوجود السياسي مرة أخرى.

الوضع الدولي.. المعاكس

فى تحديد ملامح الوضع الدولي، وإلى أين تميل محصلة توازناته فى الصراع بين المسلمين والدولة الصينية، يمكن القول للأسف أن المحصلة تميل لصالح الصين حتى لو كان قرارها القيام بكل أشكال المذابح وأعمال الإبادة المباشرة للمسلمين فى تلك البقعة من العالم.

الأمر هنا لا يتعلق بأشكال أو طرق الدعاية والتشهير بالصين وممارساتها بل يتعلق بالعلاقات والمصالح التى نسجتها الصين خلال السنوات الاخيرة خاصة.

فعلى صعيد العلاقات الصينية الأمريكية تبدو الولايات المتحدة والصين على المستوى الاستراتيجى فى مركب واحد رغم كل عوامل الصراع واختلاف المصالح بينهما، إذ الصين أكبر دائن للولايات المتحدة كما اقتصاد الولايات المتحدة المدين هو ما يحقق استمرار نمو الاقتصاد الصينى..الخ.
وعلى صعيد العلاقات الصينية بالإقليم، فلاشك أن الصين قد طورت علاقاتها مع كل أقوياء تلك المنطقة – إلا اليابان - من خلال تحالف ميثاق شنغاهاى الذى صار يتطور نحو بناء حلف دفاعى يواجه الحلف الوحيد الآخر فى العالم: حلف الأطلسي.
وهكذا فإن نظرة على تطور تشابك المصالح الدولية مع الاقتصاد والدولة الصينية، تجعل إمكانات دعم الوضع الدولى لاستقلال المسلمين عن الصين، أمرا خياليا، وأن الحد الأقصى للمواقف المضادة للصين بهذا الصدد لا يتعدى استخدام المسلمين كورقة ضغط دون موانع من احتراقها بطبيعة الحال.
وإذ يصح التساؤل حول إمكانات الموقف العربى والإسلامي وما إذا كان ممكنا الاعتماد عليه على نحو ما فى دعم حركة استقلال مسلمي الصين من الأويغور، فالأغلب هو أن نموذج البوسنة قد أظهر حدود قدرات الوضع العربى والإسلامي الرسمى فى الظرف الراهن.

هنا قد يبرز السؤال المنطقي على بساط البحث: لم لا نفكر فى تصور امكانية تكرار نموذج كوسوفا بشأن المسلمين في غرب الصين؟.


مصير الشيشان لا كوسوفا

الأغلب للأسف هو أن ارتكاب الخطأ الاستراتيجى بالسعى لاستقلال تركستان الشرقية في هذا الظرف، سيدفع بالمسلمين هناك الى ارتكاب خطا استراتيجي، يدفع بهم في أتون محرقة شبيهة بما جرى للمسلمين في الشيشان، ولن يكون بمثابة رفع لهم إلى مستوى حركة ينتج عنها تشكيل دولة مستقلة على غرار ما حدث فى كوسوفا.
فى حالة كوسوفا كنا أمام حالة استقلال فى مواجهة دولة مفككة تستند إلى دولة ضعيفة فى مواجهة مع مخطط استراتيجى يراه الأمريكان والأوربيون قضية مصلحة استراتيجية عليا، أي كنا أمام احتشاد وضغط غربى على دولة الصرب المنهكة التى تستند إلى قوة دولة روسيا، التي تكاد تقف على أقدامها بعدما جرى لها، وإلى درجة يمكن القول معها أن الدور الخارجى كان الأكثر أهمية من الدور الداخلى الذي لعبه المسلمون هناك.
لكن الأمر مختلف في حالة وضع مسلمى الصين على صعيد المواقف الأوروبية والأمريكية أو لنقل المصالح الاستراتيجية الغربية، وفى طبيعة قوة الدولة الصينية وقوتها الاستراتيجية فى داخلها أو فى الاقليم أو على الصعيد الدولي، خاصة وأن القراءة الأولية لميثاق شنغاهاى تظهر أن هذا التحالف قام فى جوهر فكرته الأولية على منع حدوث أية حالات انفصال في أي من الدول المنضوية فيه.
وكل ذلك هو ما يدفع للتقدير، بأن عملية استقلال مسلمي الصين المطروحة من قبل بعض التنظيمات هناك، ستدفع بالمسلمين هناك فى تأثيرها الجوهري، ليكونوا ورقة مساومة بين الدول الأخرى والصين، ليكونوا في وضع شبيه بمسلمي الشيشان، فضلا عن ما تشير إليه معالم توازنات الصراع الداخلى بين المسلمين والدولة الصينية.

المصدر/ موقع المسلم
18/7/1430 الموافق 11-07-2009