آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: شاهد عيان يحب باكستان-الفصل السابع- باكستان وأنا

  1. #1
    رئيس قسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر فرع البنات بالقاهرة مصر الصورة الرمزية إبراهيم محمد إبراهيم
    تاريخ التسجيل
    16/10/2006
    العمر
    61
    المشاركات
    236
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي شاهد عيان يحب باكستان-الفصل السابع- باكستان وأنا

    شاهد عيان يحب باكستان
    الفصل السابع
    باكستان وأنا
    ( ذكريات وتطلّعات )
    ذكريات
    ولدت بعد باكستان بخمسة عشر عاماً ، وكان أول تعارف لي معها وأنا طفل صغير ، حين كنت أستمع إلى نشرات الأخبار من الراديو " المذياع " (1) ، وكنت مغرماً بذلك ، وكان بعض هذه الأخبار يقول على سبيل المثال :
    • لا تزال رحى الحرب دائرة بين باكستان والهند ، والمجتمع الدولي يطالب الفريقين بوقف إطلاق النار فوراً .
    • انفصال الجزء الشرقي من باكستان ، وإعلان قيام دولة " بنجلاديش " .
    وكنت في حقيقة الأمر لا أكاد أستوعب ما يقوله المذيع ، إلاّ أن اسم باكستان علق بذهني ، وأصبحت أترصّد سماعه كلما فتحت الراديو ، وأدرت مؤشره على نشرة أخبار في إحدى إذاعاته ، وكثيراً ما كان اسمها يتردد في الإذاعات ، فتأتي الأخبار لتبشّر بأن باكستان والهند اتفقتا على حل مشكلة " كشمير " والمشاكل العالقة بينهما ، وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الشعبين ، أو لتحذّر من تدهور العلاقات بين باكستان والهند ، واستمرار المناوشات العسكرية بينهما على طول الحدود .
    ثم تقدم العمر قليلاً ، وأخذت الأخبار القادمة من باكستان عبر المذياع منحى آخر ، فقد حدث ما يشبه انقلاب في باكستان ، وسقطت حكومة ، وجاءت أخرى ، بدليل أن المذيع يقول :
    • الرئيس ضياء الحق يرفض التماسات من رؤساء الدول للعفو عن " ذو الفقار علي بوتو " .
    وهكذا إلى أن التحقت بكلية اللغات والترجمة _ جامعة الأزهر الشريف ، وشاء لي القـدر أن أدرس اللغة الأردية ، وكان هذا القسم قد افتتح في نفس العام ( 1979م ) ، وبدأت أقرأ عن باكستان ، وأكثّف من معلوماتي حولها ، وكنت في غاية العجب حين رأيت اللغة الأردية مكتوبة بالحروف العربية ، فقد كنت أتصوّر أن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي تكتب بالحروف العربية ، وأن أية لغة أجنبية لا بد وأن تكون مكتوبة بحروف أجنبية مغايرة ، وإلاّ كيف تكون لغة أجنبية إذاً ؟!!.
    وتخرجت من قسم اللغة الأردية بكلية اللغات والترجمة في مايو من عام 1983م بتقدير عام " امتياز " ، وكنت الأول على دفعتي ، ولهذا تمّ تكليفي بالعمل معيدأ بنفس القسم في الخامس عشر من فبراير عام 1984م ، وفي نفس العام زارنا الأستاذ الدكتور ظهور أحمد أظهر ، الذي كان يعمل رئيساً لقسم اللغة العربية بالكلية الشرقية " Oriental College " بجامعة البنجاب بلاهور ، وذلك على دعوة من جامعة الأزهر لمدة شهر واحد ، وبدأت التعرّف عن قرب على باكستان ، وتمّ عقد برتوكول بين جامعة الأزهر وجامعة البنجاب ، يزور بمقتضاه أحد الأساتذة من قسم اللغة العربية بالكلية الشرقية بجامعة البنجاب قسم اللغة الأردية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر لمدة ثلاثة أشهر ، وبالمقابل يقوم أحد الأساتذة من قسم اللغة الأردية بكلية اللغات والترجة جامعة الأزهر بزيارة قسم اللغة العربية بالكلية الشرقية بجامعة البنجاب لمدة ثلاثة أشهر ، وذلك لتحديث معلومات السادة الأساتذة من الجانبين ، وإطلاعهم على أحدث ما يصدر في مجال تخصصهم ، ولما عاد الدكتور ظهور إلى بلده بدأ هذا البروتوكول يدخل حيّز التنفيذ ، وكانت البداية بي ، فتلقيت دعوة من قسم اللغة العربية بالكلية الشرقية جامعة البنجاب لزيارة القسم لثلاثة أشهر ، وذلك من سبتمبر عام 1985م ، وحتى ديسمبر من نفس العام ، وبالفعل سافرت إلى باكستان في الموعد المقرّر ، وهناك تواجهت مع باكستان لأول مرة وجهاً لوجه ، ولشدّ ما كان عجبي حين وجدت صورة باكستان الحقيقية تكاد تتطابق مع الصورة التي رسمتها لها في ذاكرتي قبل أن أراها ، بلد تكثر فيه الأشجار ، والأمطار ، والأغنام والماعز والأبقار ، وكانت هذه كانت النظرة الأولى .
    وقضيت ما يقرب من ثلاثة أشهر بين الحرم الجديد "New Campus" لجامعة البنجاب ، حيث يقع المبنى الذي أسكن فيه "Student Teachers Centre" المعروف اختصاراً "S. T. C"، والحرم الجامعي القديم "Old Campus" حيث تقع الكلية الشرقية ، كنت خلالها أقوم بالتدريس لطلاب مرحلة الماجستير بقسم اللغة العربية تحديثاً للغتهم العربية ، وفي ذات الوقت أمارس اللغة الأردية مع أهلها. ثم عدت إلى مصر بعد أن كوّنت العديد من الصداقات مع العديد من الأساتذة والطلاب الذين امتدّت علاقتي بهم فيما بعد ، ومهّدت الطريق أمامي للتعرف عن قرب على هذا الشعب الشقيق ، وهذا البلد العريق .
    وبعد سنوات قلائل ، وعلى وجه التحديد في يناير من عام 1988م سافرت إلى باكستان على منحة منها ، بغرض الحصول على الماجستير والدكتوراه في اللغة الأردية وآدابها من قسم اللغة الأردية بالكلية الشرقية جامعة البنجاب ، والتقيت ثانية مع أولئك الأصدقاء الذين عشت معهم ثلاثة أشهر في عام 1985م ، فكان من الأساتذة السيد الأستاذ الدكتور ظهور أحمد أظهر ، الذي صار فيما بعد عميداً للكلية الشرقية ، وقد أكرمني فترة إقامتي في باكستان كثيراً ، والمرحوم الأستاذ الدكتور عبيد الله خان بقسم اللغة الأردية ، وكان يحبني كثيراً ، وكنت أنا كذلك أحبه وأحترمه ، وكان سيادته على إلمام باللغة العربية في لهجتها العراقية ، نظراً لأن أحد أعمامه كان متزوجاً من سيدة عراقية طبقاً لما ذكر لي ، والمرحوم الأستاذ الدكتور مبارز ملك بقسم اللغة العربية ، وكان رحمه الله على خلق طيب ، متواضعاً ومحباً للخير ، وزار مصر على البروتوكول سابق الذكر لمدة ثلاثة أشهر وقت إقامتي في باكستان ، والأستاذ الدكتور تحسين فراقي من قسم اللغة الأردية ، والذي أكرمني بإشرافه على رسالتي للماجستير ورسالتي للدكتوراه ، ولقيت من سيادته كل عون ، وأفضاله عليّ لاتنسى ، والأستاذ الدكتور رفيع الدين هاشمي من قسم اللغة الأردية ، وهو الذي لفت نظري إلى الشاعر العظيم العلامة " محمد إقبال " ووجهني إلى دراسة إبداعه . أما أصدقائي من الطلاب الذين تعرفت عليهم قبل ثلاث سنوات فقد كانوا في ذلك الوقت يعدّون أطروحاتهم للدكتوراه (2) ، وعلى وشك الحصول عليها ، ولهم في نفسي كل تقدير واحترام .
    كانت إقامتي هذه المرة في المدينة الجامعية بالحرم الجامعي الجديد ، وعلى وجه التحديد في حجرة بالطابق الرابع من مبنى "Sir. Sayed Ahmad Hostel" المعرف اختصاراً بالمبنى رقم ( 2 ) ، وسرعان ما انتقلت منها إلى حجرة بالطابق الثاني بعد مرور عام طبقاً للوائح التسكين بالمبني (3) ، إلى حجرة رقم ( 241 ) من نفس المبنى ، والذي كان أكثر سكانه من الطلاب الأجانب الذين جاءوا من بلادهم بغرض الدراسة ، هذا بالإضافة إلى بعض الطلاب الباكستانيين ، وأذكر منهم الطالب " محمد أشرف " ، والذي كان يسكن بالحجرة المجاورة لي بالطابق الرابع قبل أن أنتقل منه إلى الطابق الثاني ، وكان " محمد أشرف " هذا قصير القامة ، ويسكن معه زميل باكستاني آخر ، ولأنه لم يكن للحجرة سوى مفتاح واحد ، فقد كان آخر من يخرج منهما يضع المفتاح فوق العارضة العلوية من " حلق الباب " ، ومن يعود منهما أولاً يتناول المفتاح من مكانه ويدخل الحجرة ، وهكذا ، ولأن " محمد أشرف " كان " قصير القامة " ، وأنا " طويلها " ، فكان إذا ما عاد قبل زميله يطرق بابي - إن كنت في الحجرة - ليستعين بي في إنزال المفتاح من على عرشه فوق العارضة العلوية لـ " حلق الباب " ، وإن لم أكن بالحجرة وقتها ينتظرني أمام الباب حتى أعود لأؤدي نفس المهمة ، واستمرّ هذا الأمر فترة ، حتى ساء ظني بمحمد أشرف ، واعتقدت – مخطئاً - أنه يسيئ استغلال " طول قامتي " ، وذكرت له ما ظننته به ، فطيّب خاطري ، وأوضح موقفه ، وأكّد لي أنه ليس في الأمر سوى أنه " قصير القامة " (4) .
    وحصلت على الماجستير عام 1989م ، وكانت رسالتي عبارة عن ترجمة لجزء الشعر من كتاب " من حديث الشعر والنثر " للدكتور طه حسين ، مع التعليق والتخريج والتحشية ، كما حصلت على الدكتوراه في أبريل من عام 1995م ، وكانت رسالتي بعنوان " قصة ليلى والمجنون في الشعر العربي والشعر الأردي " . وهكذا امتدت فترة إقامتي من عام 1988م إلى عام 1995م ، تخللتها إجازات سنوية .
    ثم توّج الله تعالى فترة إقامتي في باكستان بالزواج من سيدة باكستانية هي الدكتورة " تبسم منهاس " في الثالث عشر من أغسطس عام 1993م ، والدكتورة " تبسم منهاس " حاصلة على ماجستير في اللغة العربية ، وماجستير في العلوم الإسلامية ، ثم الدكتوراه عام 1997م في اللغة العربية ، وكانت رسالتها بعنوان " حاشية العصام على البيضاوي " ، وأشرف عليها الأستاذ الدكتور " ظهور أحمد أظهر " ، وبعد إقامة في بيت أهل الدكتورة " تبسم " بمدينة " فيصل آباد " (5) لمدة عشرين يوماً عدنا إلى مصر في الخامس من سبتمبر عام 1993م .
    ولما تحدد موعد مناقشة رسالة الدكتوراه في أبريل 1995م بعد عامين تقريباً من تسليم الرسالة لجامعة البنجاب (6) سافرت إلى باكستان لإتمام مناقشة الرسالة واستخراج الشهادة ، فبقيت ثلاثة أشهر من أبريل 1995 إلى يوليو من نفس العام .
    وعدت إلى مصر مع زوجتي في يوليو عام 1995م ، وكانت قد سبقتني إلى باكستان لتضع مولودها الأول " دانش " بين أهلها ، وتسلمت عملي من جديد كمدرس للغة الأردية وآدابها بقسم اللغة الأردية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر ، ولم يكد يمضي عام واحد حتى افتتحت جامعة الأزهر بفرعها للبنات قسماً آخر للغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية عام 1996م ، وفي العام التالي ( 1997م ) انتقلت رسمياً للعمل بهذا القسم الحديث ، ثم توليت رئاسته في العام التالي ، وعلى وجه التحديد في الخامس من أغسطس عام 1998م وحتى الأول من يوليو 2006م لما سافرت إلى باكستان مرة أخرى مرافقاً لزوجتي د . تبسم منهاس .
    تطلعات :
    لقد بدأ تعرفي بالسادة الباكستانيين عن قرب في مصر ، وربما تعجب ، ألم أقض في باكستان سنوات وسنوات ، ألم أقترب طيلة هذه السنوات من الباكستانيين ، أم أنني كنت أعيش في برج عاجي بعيداً عن الناس ، ولا أراهم إلا من خلال نافذة في هذا البرج أطل عليهم منها ؟. وأجيبك بأنني خلال الفترة التي عشتها في باكستان كنت أملك الخيار في الاختلاط بمن أريد والاقتراب منه ، والانفصال عمن أريد والبعد عنه ، إذ كان الشعب كله أمامي ، ولست مضطراً إلى شيئ لا أريده ، أما في مصر فالعدد محدود ، والتعارف لهذا يكون عن قرب شديد ، ويرتبط بتوقعات أشد . هذا من جانب ، ومن جانب آخر تيسر لي الوقت ، وسنحت لي الفرصة ، لكي أقلّب الأمور على جوانبها المختلفة ، وأنظر في أوجه القصور المتعددة ، وأقترح بيني وبين نفسي حلولاً أراها مناسبة .
    على أية حال قادني القرب من الأخوة الباكستانيين في مصر من جانب ، وتفكيري المستمر في آفاق التقارب بين مصر وباكستان من جانب آخر ، إلى نتيجة مفادها أن هذا التقارب الذي أحلم به لا وجود له بشكل عملي ، وأن الهوة في الوقت الحالي سحيقة ، وأن الأمر يحتاج إلى جهد كبير ومتواصل لتحقيق هذا التقارب .
    والمتأمل في حال الدولتين " مصر وباكستان " يجد تشابها كبيراً في ظروف كل منهما ، وخاصة الظروف الاقتصادية . وهذا التشابه أدى – لقصر النظر لدى الجانبين – إلى بعد المسافة ، وفقدان الاهتمام ، مع أن تدني المستوى الاقتصادي في كلا الدولتين لا يعني أبداً أن إحداهما لا تفيد الأخرى ، بحجة أنه ليس لديها ما تقدمه لها ، وعليهما التوجه إلى حيث يجدان العطاء .
    حقيقة الأمر أن لدى مصر الكثير مما يمكن أن تقدمه إلى باكستان ، كما أنه لدى باكستان الكثير مما يمكن أن تقدمه لمصر على عكس ما يعتقده البعض ، واسمحوا لي أن أدخل بكم إلى بعض التفاصيل .
    ذات مرة التقيت بالمستشار التعليمي الباكستاني بالقاهرة ، وكان رجلاً فاضلاً يقترب عمره من الستين ، وكان ذا قلب كبير يسع كل الأصدقاء والأحباب ، ولذا كان محبوباً من الجالية الباكستانية بالقاهرة ، وكنت أنا أيضاً أحبه وأحترمه ، وكان هو كذلك معي (7) ، ولأن قسم اللغة الأردية بجامعة الأزهر فرع البنات ، والذي كنت أشرف برئاسته ، فقير في مكتبته الأردية ، ولا مجال للحصول على الكتب الأردية إلاّ بالتبرع أو بالإهداء ، لذا توجهت إلى السيد المستشار التعليمي بسؤال مباشر :
    • لماذا لا تهتم باكستان باللغة الأردية في مصر اهتماماً يليق باسم باكستان من جانب ، وباللغة الأردية من جانب آخر ؟ .
    قال :
    • مالذي دعاك إلى قول هذا ؟ .
    قلت :
    • ماذا أفعل الآن وأنا رئيس لقسم يحمل اسم قسم اللغة الأردية لغة بلدكم ، وليس في مكتبة هذا القسم كتاب واحد باللغة الأردية .
    قال :
    • ولماذا لا تشترون أنتم كتباً باللغة الأردية من ميزانية جامعتكم ؟ . أو ليس للقسم ميزانية خاصة به ؟.
    قلت :
    • يا سيدي ، وعلى فرض أن للقسم ميزانية خاصة به ، فإن الكتب الأردية لا تتوفر في مصر بيعاً وشراءاً .
    قال :
    • تستطيعون استيرادها .
    قلت :
    • إذاً لن نستطيع استيراد أكثر من كتاب واحد كل عام .
    وضحك الرجل ، وضحكت أنا أيضاً ، وبعدها قال لي بلهجة أقرب إلى الجدية :
    • يا دكتور ، هل تريد الحق أم ابن عمه ؟.
    قلت :
    • الحق طبعاً .
    قال :
    • الحق هو أنه ليس هناك اشتراك بين مصر وباكستان إلاّ في القليل النادر ، ومن هذا القليل النادر الاشتراك في الدين ، وإن اختلف المذهب أيضاً ، فالطعام مختلف ، والشراب مختلف ، والملبس مختلف ، والعادات والتقاليد مختلفة ، والنظريات والتوجهات السياسية مختلفة ، والمسافات شاسعة ، وليس لديكم ما تعطونه لنا ، ونحن أيضاً ليس لدينا ما نعطيه لكم . وبالتالي فإن ما تقدمه الحكومة الباكستانية باسم اللغة الأردية يعتبر من قبيل الإنفاق فيما لا طائل من ورائه .
    أصدقكم القول ، لقد أصابني كلامه بصدمة كبيرة على الرغم من وجاهته ، فالاختلافات فعلاً قائمة ، والظروف الاقتصادية في البلدين معروفة ، ولكن هل يعني هذا أن نتباعد ، ونترك المسافات تتزايد ؟!.
    وأخذت أفكر : إذا كان الأمر كذلك ، وليس هناك اشتراك بين الشعبين المصري والباكستاني ، فما فائدة أن ندرس اللغة الأردية إذاً ؟!. وكيف نفهم قول الله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا " (8) ، فما هو الطريق إلى التعارف مع الشعب الباكستاني ، وهو شعب مسلم ، ونحن كذلك ؟.
    وتأكدت أن الاهتمام لا بد وأن يكون منصبّاً على الشعبين المصري والباكستاني ، وأن العلاقات بين الشعوب أقوى وأبقى من العلاقات بين الحكومات ، وإذا كانت هناك صعوبات في تحقيق التقارب المنشود بين الحكومات ، فإن التقارب بين الشعوب لا ينبغي أن يتوقف . لقد تعرفت في مصر على مجموعة لا بأس بها من الأخوة الباكستانيين ، البعض منهم يعمل في أماكن متفرقة في القاهرة (9) ، والبعض الآخر يدرس بالجامعات المصرية (10) ، وربطتني بهم جميعاً علاقة وطيدة ، ولم أشعر معهم أبداً أنني أختلف عنهم أو أنهم يختلفون عني ، وكيف هذا وأنا أعيش ليل نهار مع زوجتي د . تبسم منهاس ، وهي سيدة باكستانية فاضلة !!. كيف هذا وقد قضيت مع صديقي العزيز وأخي الصغير " حافظ محمد منير " أياماً طيبة في القاهرة حين كان يقوم بإعداد رسالتـه للماجستير ثم الدكتوراه !. ولم أشعر أبداً أن حافظ محمد منير مختلف عني ، أو أني مختلف عنه !. وماذا أقول لك عن صديقي وأخي الآخر " أبو الحسن شاه " الذي حصل على الدكتوراه من كلية دار العلوم جامعة القاهرة ، وهو الشاب الطيب البشوش المتواضع ، وقد درس والده المرحوم العلامة " بير محمد كرم شاه " قبله في جامعة الأزهر في الخمسينيات من القرن العشرين (11) ، ولم أشعر باختلاف بيننا بسبب اختلاف شعوبنا .
    ودعني أنقل لك هنا الترجمة التي قمت بها لنص الكلمة الأردية التي ألقاها أحد الأخوة الطيارين الباكستانيين (12) في حفل تخرجه من الأكاديمية " أكاديمية ناصر " التي درس بها لمدة عام بمصر ، لترى ما بين البلدين – مصر وباكستان – من روابط روحية مبنية على الحب المتبادل ، والصفات المتقاربة :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    السَّادَةُ الأَعِزَّّاءْ ، الأَسَاتِذَةُ والزّمَلاءْ .
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اسْمَحُوا لي أنْ أُعَبّرَ عَنْ سَعَادَتِي بِوُجُودِي بَيْنَكُمْ ، وأَشْكُرُ الله الَّذي هَيّأَ لي هذه الفُرْصَةَ الطيّبَةَ لِكَيْ أحْضُرَ إلَى مصر بَلَدِ الأهْرَامِ ، والأزْهَرِ الشَّرِيفِ والسَّدَّ العَالِي ، وأعِيشُ بَيْنَ أهْلِها الطّيّبين ، وأدْرُسَ في أحَدِ مَعَاهِدِها العَريقَة ، وعلى يَدِ أساتِذَة خُبَراء مِنها ، وأشرَبُ من نِيلِها العَظِيم ، لَيْسَ مَرّة ، أو مَرّتَينِ ، بَل آلاف المَرّات ، لِكَيْ أَعُودَ إلى مصر بِنَفْسِ العَدَدْ مِنَ المَرّاتِ الّتي شَرِبتُ فيها مِن نِيلِها ، وعلى هذا أتَوَقّعُ أن أعُودَ إلى مصر ، وأعيش فيها بَقِيّةَ عُمْري ، لأَنّني شَرِبْتُ كَثِيراً من ماءِ النيل حَتّى أصْبَحَتْ مصر هي وَطَني الثّاني بَعدَ باكستان ، لا أَشْعُرُ فيها بِغُرْبَة ، وكَيْفَ يَشْعُرُ الإنسانُ بِغُرْبَة بَينَ شَعْبِ لَهُ تاريخ عَرِيق ، وفي بَلَد هي أُمّ الحَضَارات .
    السّادَة الكِرام :
    سَمِعْتُ كَثِيراً عَن مصر قَبْلَ قُدُومي إلَيْها ، ومُنْذُ أن كُنتُ صَغيراً ، وأنا أقُولُ الحَقّ ، إنّ الشَّعْبَ الباكستاني كُلّهُ يُحْبُ مصر والمِصريين ، حَتّى بِدون أن يَراهُم ، لأنَّ القُرآنَ عَرَّفَنا بِهِم ، فَمصر أرضُ الأنبياء ، ومصرُ أرضُ الجَمَالِ ، وأرضُ الكِرامِ الطّيّبين ، ولِذَلِك كُلُّ باكستاني يُحِبُّ أن يَرَى مصر ويَعِيشَ بَينَ أهلِها ، وأنا فَعَلْتُ هذا ، وعِشْتُ بَينَ المِصْرِيين جَمِيعاً ، ورَأيتُ فِيهِم طِيبَةَ القَلْبِ والشَّهامَةِ ، وخِفَّةَ الظِّلِّ والنُّكْتَة ، ولِذَلِكَ فإنَّ حَدِيثي مَعَكُمْ مِنَ القَلْبِ ، وفي قَلْبي باكستان ومصر ، واللهُ يَحْفَظْهُما ...... آمين .
    إنَّ الشَّعْبَ الباكستاني والشَّعْبَ المِصْرِيَّ شَعْبانِ كَبيرانِ مُتَقَارِبانِ كَثِيراً ، والّذي يَعِيشُ في البَلَدَيْنِ يَعْرِفُ هذا الكَلامَ جَيِّداً ... يَعْرِفُ أنّ الإسلامَ يَجْمَعُ ولا يُفَرِّق ، ويَعْرِفُ أنّ المُسلِمينَ في كُلِّ مَكَان أفْراحُهُم واحِدَةٌ ، وأحْزانُهُم واحِدَةٌ ، ومَيْزاتُهُم واحِدَةٌ ، وعُيُوبُهُم واحِدَةٌ ، ومَشاكِلُهُم واحِدَةٌ ، ومَعَ ذَلِكَ فإنّ مصر تَتَمَيَّزُ بِتاريخِها الطَّويل ، ولِذَلِكَ فإنَّ شَعْبَها عَريقٌ ، وصاحِبَ فَلْسَفَة في الحَياةِ بِسَبَبِ الأحْداثِ الكَثيرَةِ التي مَرَّتْ بِهِ في حَياتِه ، ولِذَلِكِ وَجَدْتُ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ في مصر عَميقَة وقَوِيَّة ، وعِنْدَ المِصرِيين تَعْبيراتٌ جَميلَةٌ لِكُلِّ مُناسَبَة من المُناسَبَات ، فَإذا كُنْتَ تَتَوَضَّأ قالوا لَك:" زَمْزَمْ "،فَتَقول:" جَمَعَاً " . وإذا صَلَّيْتَ قالوا لَك:" حَرَماً " ، وتَقول : " جَمَعاً " ، حَتَّى أنَّك إذا خَرَجْتَ مِن دَوْرَةِ المِياه قالوا لَك : " شُفِيتُمْ " ، وتَقول : " شَفَاكُمْ الله " ، وإذا كُنْتَ عِنْدَ الحَلاّقِ قالوا لَك : " نَعِيماً " ، وتَقول : " أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْك " ، وإذا كانَ لَنْ يُقَدِّمْ لَكَ شَيْئاً قال " في الْمِشْمِش " !!!..... وإذا كانَتْ هُناكَ مُناسَبَةٌ وَلَيْسَ لَها تَعْبيرٌ خاصٌ بِها قالَ لَك : " كُلْ سَنَة وأنْتَ طَيِّب " .
    أيُّها السَّادَة :
    المِصرِيُّون شَعْبٌ مِضْيافٌ ، يُحِبُّ ضُيُوفَه وزُوَّارَه ويُكْرِمَهُم ، ويَتَعَامَلُ مَعَ الأجْنَبِيِّ على أرْضِهِ بِحُبّ وكَرَم ، ويُقَدِّم لَهُ كُلَّ مُسَاعَدَة وتَعَاوُن ، والمِصْرِيُّونَ لَيْسوا شَعْباً ساذِجاً ، وإنَّما شَعْبٌ وَاع ، ويَعْرِفُ مَتَى يَضْحَكُ ومَتَى لا يَضْحَك ، وعِنْدَما لا يُرِيدُ المِصْرِيُّ أن يُقَدِّمَ لَكَ شَيْئاً فَإنّهُ لا يَصْدِمُكَ ، ولا يَقولُ لَكَ لَنْ أفْعَلَ هذا ، ولَكِن يَقُولُ لَك : " بُكْرَه إن شاءَ الله " ، وبِهَذِهِ المُناسَبَةِ أذْكُرُ أنَّني قَبْلَ حُضُوري إلى مصر سَأَلْتُ أحَدَ المِصْرِيين في باكستان عَنِ الحَيَاةِ في مصر لأنَّني كُنْتُ أسْتَعِدُّ لِلسَّفَرِ إلى مصر ، فَقالَ لِي : أنْتَ سَتَعْرِفَ كُلَّ شَيْء بِنَفْسِكَ عِنْدَمَا تُسَافِرَ إلى مصر ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يَبْتَسِمْ : " ولَكِنْ إحْذَرْ مِنْ الـ " I . B. M. المِصْرِيَّة !!. فَقُلْتُ : كَيْفَ هذا ؟!. إنَّ I . B. M تَعْنِي " إدَارَةُ الأعْمَالِ الخَارِجِيَّة: International Business Management "،فَهَلْ هذا عَيْبٌ ؟! قالَ : لا ، أنْتَ تَتَحَدَّثُ عَنْ الـ "I. B. M " الإنْجِلِيزِيَّةِ ، لَكِنِّي أتَحَدَّثُ عَنِ الـ I. B. M المِصْرِيَّةِ ، وهِيَ : (I ) تَعْني " إن شاء الله " ، و ( B ) تَعْني " بُكْرَه " ، و ( M ) تَعْني " مَعَلِهْش " ، فَتَسْمَع : " إن شاء الله بُكرَه " ، وإذا جِئْتَ بُكْرَه تَسْمَعْ : " إن شاء الله بُكْرَه مَعَلِهْشْ " ، وبِالفِعْلِ حَدَثَ هذا مَعِي أحْياناً ، وَبِرَغْمِ مُرُورِ عَام كامِل لَمْ يَأْتِ " بُكْرَه " هذا إلى اليَوْم .
    أيُّها السَّادَة :
    لَقَدْ لَمَسْتُ أشْياءَ كَثِرَة في مصر تَجْمَعُ بَيْنَ الشَّعْبَيْنِ الباكستاني والمِصْرِي حَتَّى في فَلْسَفَتِهِم الإجْتِمَاعِيَّة ، فَلَدَيْنا في باكستان بَعْضُ المَنَاطِقَ يَعْرِفُها النَّاسُ بِصِفَات مُعَيَّنَة ، اللهُ أعْلَمُ هذه الصِّفاتُ حَقِيقِيَّةٌ أمْ لا !!!!. لكِنَّ النَّاسَ يَقُولونَ هَكَذا . فَمَثَلاً عِنْدِنا مَدِينةٌ إسْمُها " سِيالْكُوت " ، وهِيَ بَلَدُ الشَّاعِرُ الباكستاني الكَبِير " مُحمد إقبال " الَّذي غَنَّتْ لَهُ " أُمُّ كُلْثُوم " أغْنِيَةَ " حَدِيثُ الرُّوح " ، فالنَّاسُ في باكستان يَقولون : مَنْ شَرِبَ مِنْ ماءِ سِيالكوت يَصِيرُ كَذَّاباً ، ولا يُمْكِنُ أن تَثِقَ فِيه .
    وعِنْدَنا مَدِينةٌ أخْرَى إسْمُها " كُجرات " ، يَقول النَّاسُ عَن أهلِ " كُجرات " : إنَّهُم يَسْرِقونَ الأحْذِيَةَ مِنَ المَسَاجِد . وكُنْتُ أسْمَعُ هذا الكَلامَ وأتَعَجَّبُ كَثِيراً ، وَلِعِلْمِكُمْ ، أنا لَسْتَ مِنْ " سيالكوت " ولا مِنْ " كجرات " .
    وعِنْدَما حَضَرْتُ إلى مصر سَمِعْتُ المِصْرِيين يَتَحَدَّثُونَ عَنْ مُحَافَظَةِ " دِمْياط " بِأنَّ أهْلَها إذا جاءَهُمْ ضَيْفٌ سَألوهُ أوَّلاً : " تَاكُلْ ولاَّ تِنَامْ خَفِيفْ " مِنَ البُخْل !!!
    ولِي صَدِيقٌ أُحِبُّهُ وأحْتَرِمَهُ كَثِيراً ، وكانَ دَائِماً يَقولُ لِي عَلَى سَبِيلِ المِزَاحْ : " خَلِّلى بَالَكْ ، أنا مِشْ صَدِيقَكْ !! " فَأقولُ لَهُ : لِمَاذا ؟!. كَيْفَ هذا ؟!. فَيَقول : " لأنِّي مُنُوفِي ، والنَّاسُ في مصر يَقُولون : المُنُوفِي لا يَلُوفِي " ، ويَضْحَكْ ، وأضْحَكْ مَعَهُ ، وأتَذَكَّرُ النَّاسَ في بَلَدي باكستان ، وهُمْ يَقولونَ نَفْسَ الأمْرَ عَنْ مُدُن بِعَيْنِها .
    الحَقِيقَةُ أنَّ الشَّعْبَيْن المِصْرِي والباكستاني كَأنَّهُما شَعْبٌ واحِدٌ ، حَتَّى التَّقْسِيمَاتِ الدَّاخِلِيَّةَ في البَلَدَيْنِ ، فَعِنْدَنا في باكستان أيْضاً مَنَاطِقَ أهْلُها إسْمُهُم " بتهان " ، والنَّاسُ في باكستان يَقولونَ عَنِ " البَتهان " نَفْسَ الكَلامِ الذي يَقُولهُ المِصْرِيُّون عَنِ " الصَّعَايْدَه " ، وفي باكستان يَقولونَ عَنِ البُولِيس وعَسْكَرِي المُرُور نَفْسَ الكَلامِ الذي يَقولهُ المِصْرِيّون عَنِ البُولِيس وعَسْكَرِي المُرُور . أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إنَّهُمَا شَعْبٌ وَاحِدٌ !!...
    أيُّها السَّادَة :
    أشْكُرُ لَكُمْ حُسْنَ اسْتِقْبَالَكُمْ ، وكَرَمِ ضِيافَتِكُم ، وسِعَةِ صُدُورِكُمْ ، وأعْتَرِفُ أنَّ الفَتْرَةَ التي قَضَيْتُها في مصر فَتْرَةٌ لا يُمْكِنُ أنْ أنْسَاهَا ، فَقَدْ عَرَفْتُ شَعْباً طَيِّباً كَرِيماً ، وأصْبَحَ لِي أصْدِقَاءُ أعِزَّاء ، وَسَوْفَ تَسْتَمِرُّ صِلَتي بِمِصْر ، وقَدْ أعُودُ إلَيْها ، ألَمْ أقُلْ لَكُمْ إنِّي شَرِبْتُ آلافَ المَرَّاتِ مِنْ نِيلِها العَظِيم ، وسَوْفَ أذْكُرُكُم دَائِماً ، فَقَدْ كُنْتُمْ لي كالأهْلِ ، ولَمْ أشْعُرْ بَيْنَكُمْ بِبُعْد عَنِ الوَطَن ، فَأنا اُحِبُّ وَطَني الأوَّل باكستان ، وأُحِبُّ وطَني الثَّاني مصر ، وعَاشَتْ باكستان ، وَعَاشَتْ مصر .
    أرأيت إلى أي مدى يكون التقارب والشعور المتبادل . إن لدينا في الحقيقة أساساً متين ، وأرضية صلبة تقوم عليها العلاقات بين البلدين الشقيقين مصر وباكستان ، ويجب توظيف هذا الأساس وهذه الأرضية بشكل صحيح ، ويقدر ما نستطيع ، ويجب أن نبدأ دون تأخير .
    قلت لنفسي إن هذه المجموعة الطيبة من الأخوة الباكستانيين التي تعيش بيننا في القاهرة هي في الحقيقة تمثيل مصغر للشعب الباكستاني ، والتقارب معها يعد نوعاً ما من التقارب مع الشعب الباكستاني ، ويمكّن للمحبة بين شعبينا ، وخاصة أن مصر وباكستان هما أكثر الدول الإسلامية المؤثرة في الساحة السياسية ، الإقليمية والدولية على السواء ، مع الوضع في الاعتبار أن أي مجتمع لا بد وأن يكون به الصالح والطالح ، فهذه فطرة البشر ، يستوي في ذلك الشرقي والغربي ، والمسلم وغير المسلم ، ولا ينبغي أن نتأثر سلباً بما قد نواجه من عقبات تسيئ إلى هذا التصور لآفاق العلاقة بين الشعبين ، وعلى سبيل المثال لا بد أنك ستجد من بين الباكستانيين أنفسهم من لا يثق في لغته القومية اللغة الأردية ، أو لا يحبها ، أو يشعر بخجل منها ، ويفضل عليها اللغة الإنجليزية في انهزامية نفسية وحضارية كبيرة ، مع أن اللغة الأردية لغة رائعة وغنية ، وكفاحها في سبيل قيام باكستان مع قادة المسلمين وزعمائهم مشهود ، وقد تجد أمثال هؤلاء أيضاً بين المصريين ممن يتفاخرون بتطعيم حديثهم بألفاظ إنجليزية أو فرنسية ، ويرون في ذلك رقياً ثقافياً . أمثال هؤلاء وهؤلاء لا يمثلون إلا نسبة ضئيلة من الشعبين .
    وقلت لأبدأ بنفسي ، فأعلنت بين الأصدقاء الباكستانيين أنني أنوي عقد دورة مجانية لتعليم اللغة العربية في بيتي ، ورحب الجميع ، وشجعتني كثيراً السيدة حرمي د / تبسم منهاس ، التي تكن للأخوة الباكستانيين كل احترام ، وتعتبرهم بمثابة الأخوة الأشقاء لها ، وهم أيضاً يعتبرونها كذلك بمثابة الأخت الشقيقة لهم .
    وبالفعل عقدت دورتين للغة العربية مدتهما أربعة أشهر انتهتا بعقد امتحان في الأول من مارس 2005م ، وكانت تجربة ناجحة استهدفت مزيداً من التعارف والتقارب من جانب ، ومحاولة تقديم فائدة ولو قليلة إلى هؤلاء الأخوة في اللغة العربية ، ربما تساعدهم فيما بعد – بشرط مواصلة التدريب والممارسة – في الاطلاع على القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف باللغة العربية مباشرة .
    وعلى الجانب الآخر طلبت من الأخوة الباكستانيين أن يمدّوا مكتبة قسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر – فرع البنات ببعض الكتب المناسبة ، وبالفعل تبرع البعض بما هو في بيته من كتب باللغة الأردية ، والبعض الآخر أرسل الكتب من باكستان بعد عودته إلى وطنه ، وأدرجت الكتب في المكتبة ، وأصبح في متناول الطالبات الاطلاع عليها كلما شئن ، وللعلم كان المتبرعون بالكتب من الباكستانيين العاديين الذين كانوا طلاباً في جامعات مصر المختلفة أو ممن يعملون في السفارة الباكستانية أو من الأساتذة الذين ترسلهم باكستان لتدريس الأردية في الجامعات المصرية ، وذلك كله بعيداً عن الرسميات والتعاملات الحكومية .
    هذا في الحقيقة هو ما أدعو إليه ، فإن العلاقة بين الشعوب المسلمة أساسها المحبة بالدرجة الأولى ، وليس المصالح المشتركة فقط ، وبالطبع لا مانع من أن تكون المحبة جنباً إلى جنب مع المصالح الشخصية المشتركة ، وليس هناك مصلحة أكبر من أن أشعر بحب أخي الباكستاني لي ، ويشعر هو أيضاً بحبي له ، فإن هذا يعطي دافعاً روحياً ومعنوياً لكل منا ، فيشعر بأنه ليس وحيداً ، لا في أفراحه ، ولا في أحزانه ، ولا أزال أذكر يومي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من مايو من عام 1998م حين أجرت باكستان تفجيراتها النووية المشهورة ، معلنة نفسها قوة نووية لا يستهان بها ، فلقد خرج الشعب المصري معبراً عن فرحته وسعادته بهذا الإنجاز الباكستاني العظيم ، وتوافد الناس إلى السفارة الباكستانية بالقاهرة ما بين مهنئ ومؤيد ومتبرع بما يستطيعه ، معرباً للسيد السفير الباكستاني عن سعادته بما حدث ، راجيا منه نقل هذه التهاني إلى الشعب الباكستاني وإلى الحكومة الباكستانية إذ ذاك . ولقد عشت بباكستان سنوات عديدة حين كنت أدرس للماجستير والدكتوراه بالكلية الشرقية بجامعة البنجاب بلاهور ، والله يشهد أنني لم ألق هناك إلا كل حب وتقدير لي بصفة شخصية ، وللأزهر الشريف الذي أعمل به ، ولمصر بلدي التي أعيش فوق ترابها ، وعلى ضفاف نيلها ، وكلما صادفتني عقبة وجدت من بين الأخوة الباكستانيين من يعمل على تذليلها دون مقابل سوى الكلمة الطيبة ، والحب الذي جمعنا عليه الإسلام . وفي النهاية لا أملك إلا أن أقول عاشت مصر وشعبها ، وعاشت باكستان وشعبها .
    هوامش
    1 - كان المذياع " الراديو " هو أداة التسلية الوحيدة في قريتنا في تلك الفترة ، كما كان بمثابة النافذة التي نطل من خلالها على العالم الخارجي ، ونتعرف على ما يجري من حولنا .
    2 - أذكر منهم السيد الدكتور / خالق داد رئيس قسم اللغة العربية بالكلية الشرقية وزميله الدكتور / قمر علي .
    3 - السكن في الدور الرابع وهو الدور الأخير في المبنى يعد أمراً غاية في الصعوبة على من يسكنه نظراً لأنه يكون أكثر برودة في الشتاء ، وأكثر حرارة في الصيف ، ومن الطبيعي أن يرغب الطلاب جميعاً في السكن في طابق غير هذا الطابق ، ولتنظيم الأمر وضعت قواعد وضوابط خاصة لذلك وهي أن الطالب الذي يمضي عليه عام في الطابق الرابع يصبح من حقه أن ينتقل إلى طابق آخر إذا ما توفرّت حجرة خالية ، وقد انتقلت إلى الطابق الثاني في ضوء هذه القواعد .
    4 - لدينا تصوّر يقول بأن " طويل القامة يتّسم بالحمق ، بينما يتسم قصير القامة بالخبث ، فيقولون " كل طويل هبيل " أحمق " ، وكل قصير مكير " ماكر وخبيث " ، وقد وجدت تصوراً مشابهاً لهذا التصور عند الإخوة الباكستانيين ، فيقولون أن " عقل الطويل في قدمه ، وجذور القصير في الأرض بقدر طول قامته فوق الأرض " ، وهذا هو ما شرحه لي الأخ محمد أشرف ، وطيّب به خاطري .
    5 - مدينة فيصل آباد ثالث مدن باكستان الكبرى من حيث عدد السكان بعد مدينة كراتشي ومدينة لاهور ، وكانت فيصل آباد تسمى ( لائل بور ) نسبة إلى الإنجليزي مستر لايل ، ثم أطلق عليها اسم فيصل آباد تخليداً لذكرى الملك السعودي الراحل الشهيد فيصل ، وكلمتي ( بور ) في ( لايل بور ) و ( آباد ) في ( فيصل آباد ) بمعنى ( مدينة ) .
    6 - لاتعجب أيها القارئ الكريم ، فقد كان من الممكن أن تطول هذه الفترة أكثر من ذلك بكثير ، ولولا متابعة الدكتورة تبسم لها حين سافرت من مصر إلى باكستان في فترة حملها الأولى لما كان من الممكن أن تتم هذه المناقشة بهذه ( السرعة ) .
    7 - هو السيد الأستاذ مفتى منير ، وكان بنجابياً خفيف الظل كريماً أدعو الله له بالصحة والعافية إن كان على قيد الحياة ، وبالمغفرة والرحمة إن كان في جناب الله .
    8 - سورة الحجرات – آية رقم : 13 .
    9 - منهم من يعمل مدرساً بالمدرسة الباكستانية ، أو بالسفارة الباكستانية ، أو ببعض الشركات ، ومنهم من يعمل بالتجارة .
    10 - البعض يدرس بجامعة القاهرة ، ومعظمهم يدرس بجامعة الأزهر .
    11 - وقد تم تسجيل رسالة لنيل درجة الماجستير في شهر فبراير 2005م بعنوان " مكاتيب ضياء الأمة للعلامة بير كرم شاه ، دراسة وترجمة " تحت إشرافي بقسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر – فرع البنات اعترافاً بمكانته العلمية والأدبية .
    12 - هو الأخ الضديق فاروقي ، وكان موفداً من القوات الجوية الباكستانية ليدرس لمدة عام طبقاً لبروتوكول بين مصر وباكستان بإحدى الأكاديميات التابعة للقوات الجوية المصرية .


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية راسخ كشميري
    تاريخ التسجيل
    13/10/2007
    العمر
    42
    المشاركات
    107
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: شاهد عيان يحب باكستان-الفصل السابع- باكستان وأنا

    دكتور إن بيني وبينك لصلة إذا، حرمك الدكتورة تبسم من فيصل آباد، وأنا مدينتي هي فيصل آباد ... بيني وبينكم إذا لقرابة وهنيئا لي بها من قرابة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  3. #3
    رئيس قسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر فرع البنات بالقاهرة مصر الصورة الرمزية إبراهيم محمد إبراهيم
    تاريخ التسجيل
    16/10/2006
    العمر
    61
    المشاركات
    236
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: شاهد عيان يحب باكستان-الفصل السابع- باكستان وأنا

    أخي العزيز راسخ
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    يسعدني أن تكون بيني وبينكم هذه القرابة
    وأدعو الله أن تمتد دائماً ولكم مني كل تحية وتقدير .


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •