يا أرحم الرحمين ارحمنا يارب

[هشام الصباحى]

يا أرحم الرحمين ارحمنا يارب
قراءة فى رواية وداعا أيتها السماء

هشام الصباحي

وداعا أيتها السماء اسم رواية حامد عبد الصمد, الأولى على ما يبدو , والتي صدرت في القاهرة عن دار ميريت للمعلومات والنشر في طبعتها الأولى عام 2008, أنا لا اعرف هذا الاسم من قبل ولكن عند البدء في قراءة الرواية لم أتوقف إلا عند الصفحة رقم 39 لقد قرأت كل هذه الصفحات في نفس واحد وكأن الروائي مسكني من ياقة قميصي وأدخلني إلى عالمه الروائي بشكل اجرامى ولم أتمكن من الإفلات من إجرامه الروائي والتقط أنفاسي إلا عند هذه الصفحة لأدرك أن الكاتب يتحدث عن أشياء حقيقية وحميمة ولايمكن أن نتجاهلها فهي تحدث كل لحظة في كل البيوت ومع اغلب شباب مصر, كما انه يتحدث بجملة ذات إيقاع ونفس شبابي رائع وجميل
هذه الرواية هي اقرب إلى السيرة الذاتية وخاصة أن الروائي يتحدث عن هذا خلال صفحات الرواية التي يحاول بمهارة شديدة إحداث مقارنات إنسانية عن تصوراتنا لأوروبا والواقع المكتشف وأيضا تصورات أوروبا عنا وهذا الخلاف الحاصل ولا يقع في فخ المباشرية بل هو يصنع صياغات متعددة وفنية وذات روح ساخرة ومريرة مثلما عن جدته ص 61 (يقولون في أوروبا إن النساء في مصر مقهورات,ولكن امرأة مثل جدتي كانت بعون الله قادرة على قهر كل رجال مصر بنفسها ). كما قدم عن اليابان تفاصيل مرعبة مثل وضع المرأة ففي ص199 يقول(لاحظت أن حقوق المرأة في اليابان ليست أفضل حالا من مصر)
إن هذه رواية جمعت كل ما يريده الآخر/ الغرب من موضوعات شائكة من روائي مصري حيث أعطاه كل ما يرضى وكل ما يريد في رواية واحدة إنها رواية فنيا جيدة وممتعة وتكشف روائي رائع ولكن وتبقى قيمة ما طرحته من بعض الأفكار محل خلاف في المجتمع مما يحدث عراك الأيام القادمة
حول تناول الرواية لهذه المناطق الشائكة حيث يكون في ص191 مثلا عن الصلاة(حاولت العودة للصلاة ولكني لم استطع هذه المرة,فرميت سجادة الصلاة في صفيحة الزبالة) ولكن إذا تعاملنا مع الرواية على إنها مرآة للبطل والروائي معا سوف نقبل منه الكثير كواحد من الذين نقبل منهم المزيد في الحياة دون أن نعاقبهم ولكن ندعو لهم بالهدايا والرحمة وندعو الله لهم ولنا..كما يدعو هو نفسه في نهاية الرواية ص253 (يا أرحم الرحمين ارحمنا يارب )
إنها رحلته التي لابد أن ننصت إليها ونقبلها وننصت إلى أسئلته كما قال في ص195-ص196(لماذا لا اقتنع إذا انه لا يوجد شئ أكثر مما أرى والمس من حولي,فلا روح ولا غيبيات ولا إله؟ ولكن أليست الرغبة في البحث عن الله هي دليل على وجود الله؟)
لايمكن أن تدرك متعة هذه الرواية ومتعة اكتشاف البطل لنفسه وللعالم المحيط بشكل حقيقي مؤلم إلا إذا كنت على قدر كبير من التسامح وتقبل الآخر المختلف عنك حتى وان أعطاك في بعض الأماكن ما تريده مثل ص245 حيث يقول(لم استطع أن أتنازل عن الله أبدا,لاننى لم أجد له بديلا) ولقد كان البطل ملتصقا جدا بذاته حيث يقول ص 203 (بدأت أتأكد أن مشكلتي ليست البلد الذي أعيش فيه وإنما "أنا" والحجر الازلى في حذائي)
إن السرد في هذه الرواية من أمتع ما تقرأ حيث انه سارد وحكاء حتى النخاع حتى انك لا تستطيع أن تنفلت منه بسهولة وتظل تحت سيطرته دائما
وتأتى هذه المتعة من إحساسك بأن الرواية هي سيرة شخصية حقيقية وهو يتحدث عن آماكن حقيقة وأحداث ربما مرت عليك وحقيقية ملموسه أيضا لذا تقع في أسر الرواية على الرغم من عدم تقبلك العديد من الأشياء في الرواية من وجهة نظر أخلاقية وعدم رضاءك عن تناول الله في الرواية ولكن يظل هذا التناول هو حق الكاتب في التعبير عن رحلته في الحياة
ولكن يظل جزئية الاعتماد على معادلة جاهزة لإثبات التقدمية والحرية والدفاع المميت ضد الختان مع الخوض في تفاصيل فنية غير ضرورية للرواية وأيضا الحديث والمرور المهين على النقاب الذي هو خيم سوداء وأيضا انتشار الكتب الصفراء إشارة أخرى إلى الكتب الدينية ,وهذه كلها مناطق مجانية
تدخلها الرواية وليست ذات أهمية فنية كما أنها رؤية تقليده من اليسار إلى التيار الديني أو ذو الأصول الدينية, الذي لابد أن نتناوله بعمق أكثر حتى لأنجد أنفسنا في عزلة تامة عن المجتمع والناس .
من الجدير بالذكر أن الرواية مرشحة للبوكر عن دار ميريت وأنا أرى أنها على الأقل ربما تحصل على القائمة القصيرة وعندها انتظروا معركة جديدة في مصر حول حرية الفكر
هشام الصباحي
كاتب وشاعر مصري
H.alsabahi@gmail.com

الصين في 12-8-2008

http://www.almannarah.com/PDF/p12_619.pdf

http://www.almannarah.com/NewsDetail...4&NewsID=13204

[طلال الدبعي]

لله در نقدك ورؤيتك يا أستاذ هشام

أغنيتنا عن التصفح والمتابعة وقدمت الكاتب والرواية بصورة موجزة مفيدة

وطبقت قول أبو العتاهية ( لا خير في حشو الكلامِ إذا اهتديت إلى عيونه )

بورك قلمك الفذ واقبل مروري أيها العزيز