أراد أن يسافر بسيارته القديمة . نظر إلى جيبه الذي جفَّ من رياحها المستمرة والتي تهب بصورةٍ دائمة وتصحب في طريقها ألواناً من صفق الشجر وبعضاً من الكائنات التي لاترى بالعين الممتلئة , حيث تكون الوجبة ثلاثية الأبعاد , فتعكس العدسة لوناً وتحتفظ بالباقي لتضعه في حجرةٍ مظلمة تنبعث منها روائح البنزين .
هي كل الحلول التي تعلن نفسها أمامه وبدون قيود .
الرحلة قصيرة ولكنها تزداد تبعاً لترنح سيارته , أحيانا يحس بها تدور وتارةً تشم الرصيف وأحياناً تستسلم وتغفو قليلاً عند مرور شاحنة , فهي لاتحب الصداقات مع الكبار وقد أوصاها أهلها بذلك منذ الصغر ورأت بأَبِ عينها كيف ماتت جدتها إثرَ ضحكة صغيرة من شاحنة , قبل أن تصافحها وتغيب إلى الأبد .
شرطي المرور , هو رجلٌ ساحر , يستطيع أن يبث الدخان من فمه لينغمس في دقيقة واحدة داخل قلبك , يحاول قلبك أن يتنفس ولكن لاوجود لذرة من الأوكسجين , يقفز في مكانه محاولاً فتح النوافذ . في هذه الأثناء يخرج الشرطي سيفاً من جيبه العلوي , يستطيع به قطع أفكارك نهائياً, ترى يدك بعدها وهي تمشي بإعياءٍ نحو ذلك المكان الجاف وتحاور الفراغ الكبير هناك .
تفارقه وتفارق معه بسمةً زجاجية , تُطلَى دائماً من الخارج بلوحةٍ طبيعية جميلة .
هاهو هناك , وكأنه واعدني على هذا اللقاء .
حاول أن يقرأه من بعيد , أوقف سيارته جانباً وبدأ يراقب مايفعله مع جيرانه السريعين , فهو يحمل عليهم , لأنهم لم يُبدوا تجاوباً مع المناظر الخلابة في الطريق فهم على كل حال يكرهون التأمل .
لا أحد يذهب من هناك بدون بسمة ... تأكَّد أن هذا الشرطي لم يتعلم يوماً شيئاً عن الجغرافيا ولم يرسم خريطةً في حياته . على كلٍ هو مرغمٌ على الذهاب والتقدم , وبكل فخرٍ يستطيع أن يفتح لهذا الشرطي البائس آفاقاً جديدة .
يحدثه عن العواصف والمطر , يغني له أغنيةً العاصفة , يفعل شيئاً ما ليسحبه بعيداً عن الأحلام الصغيرة ليغرسَ في نفسه حبَّ الرياح . ويُعلِّمه أن يغارَ عليها , فيكره جميع الأماكن التي تتردَّد عليها بصورةٍ مستمرة .
بالحبِّ الصادق للرياح والعواصف , سيرى هذا الشرطي عالماً آخر ويتنفس الفراغ الجميل بدلاً عن الدخان .
رتَّب فكرته البكر وحاول أن يوقظ سيارته من جديد ويذهب إلى ذلك الغير متعلم . بطريقةٍ ما ... أقفل نوافذ السيارة ...
بعد أن أخذ مكانه في الشاحنة , ودَّع الشرطي والذي قام بواجبه على أكمل وجه واستأذن له من سائق الشاحنة ليكمل رحلته معه .
المفضلات