آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: شاهد عيان يحب باكستان-الفصل التاسع-العدل أساس الملك-قاضي القضاة افتخار شودهري

  1. #1
    رئيس قسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر فرع البنات بالقاهرة مصر الصورة الرمزية إبراهيم محمد إبراهيم
    تاريخ التسجيل
    16/10/2006
    العمر
    61
    المشاركات
    236
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي شاهد عيان يحب باكستان-الفصل التاسع-العدل أساس الملك-قاضي القضاة افتخار شودهري

    شاهد عيان يحب باكستان
    الفصل التاسع
    العدل أساس الملك
    عزل قاضي قضاة باكستان
    القاضي إفتخار محمد تشودهري
    في التاسع من مارس عام 2007م طالعتنا الصحف والمجلات الباكستانية بخبر هزّ الشعب الباكستاني كله بأوساطه المختلفة . يقول الخبر إنه تم وقف السيد افتخار محمد شودهري قاضي قضاة باكستان ورئيس محكمة القضاء العالي عن العمل ، وأحيل إلى التحقيق ، والسبب هو استغلاله للنفوذ الوظيفي بصورة سيئة لتحقيق أهداف شخصية ، وتفاصيل الخبر كثيرة وتوابعه أكثر ، فقد خرجت المظاهرات الحاشدة ، واصطدم البوليس بالمتظاهرين ، وتم اعتقال المئات ، وفي هوجة المظاهرات خالف البوليس القوانين والدستور واعتدى على مبنى قناة تلفزيونية معروفة ، وعلى مكتب صحيفة يومية معروفة أيضاً .
    ولنأخذ الموضوع من بدايته ، فقاضي قضاة باكستان هو أعلى قاض في البلاد كلها ، وهو رئيس المحكمة العليا ، ومنصبه هذا منصب قيادي حساس وذو تأثير شديد على سير الأمور في البلاد ، وقد يحدث بينه وبين السلطات الحاكمة في البلاد تصادم عندما يصدر أحكامه بما يتعارض مع توجهات الحكومة ، وليس من الضروري أن تكون هناك قضية مرفوعة أمام المحكمة لكي يصدر فيها قاضي القضاة حكماً ما ، إذ أن من حق المحكمة العليا أن تلفت النظر إلى موضوع ما ذي تأثير مباشر على المواطنين وتستدعي في ذلك من تراه مسئولاً وتصدر ضده الحكم الذي تراه عادلاً ، حتى ولو كان هذا المسئول هو رئيس الدولة نفسه (1).
    وعلى صعيد آخر فإن الدستور الباكستاني في البند رقم 209 منه يقول إنه في حالة ما لو ارتكب قاضي القضاة ما يخل بشرف مهنته أو أساء استغلالها فإن من حق رئيس الوزراء أن يرفع مذكرة بالأمر إلى السيد رئيس الجمهورية ، وليس أمام رئيس الجمهورية في هذه الحالة إن كان مقتنعاً بما ورد في المذكرة إلا أن يرفعها إلى المجلس الأعلى للقضاء ليتخذ فيها قراره طبقاً لأحكام الدستور الباكستاني ، أما إن لم يكن السيد رئيس الجمهورية مقتنعاً بما ورد في مذكرة السيد رئيس الوزراء فإنه عندئذ يعيدها إليه مرة أخرى لمزيد من الدراسة ، فإن أعادها رئيس الوزراء كما هي فإن رئيس الجمهورية في هذه الحالة ليس أمامه سوى إحالة الموضوع برمته إلى ( المجلس الأعلى للقضاء : Supreme Judicial Council ) ، وهذا المجلس يتكون من خمسة قضاة ، اثنان منهم هما أقدم القضاة في محكمة القضاء العالي ، واثنان من رؤساء المحاكم العليا بالأقاليم ، والخامس هو قاضي القضاة ورئيس محكمة القضاء العالي نفسه ، وفي حالة إذا ما كان الأمر يتعلق بقاضي القضاة فإن القاضي الذي يليه في الأقدمية يتولى بصفة مؤقتة منصب قاضي القضاة بالنيابة ، ويصبح بذلك العضو الخامس من أعضاء اللجنة ورئيسها .
    والساحة السياسية الباكستانية في ذلك الوقت كانت مشتعلة بالأزمات المختلفة داخلياً وخارجياً بين الحكومة وقطاعات كبيرة من الشعب ، وتلعب أحزاب المعارضة في هذا المجال دوراً كبيراً ، وأصبح يبدو للذي يراقب الأمور على الساحة الباكستانية أن هناك مسافة كبيرة تفصل بين الحكومة وبين الشعب الباكستاني لدرجة أن أي قرار تأخذه الحكومة على المستوى الداخلي أو الخارجي ينظر إليه الناس نظرة شك وريبة ، وكثيراً ما تخرج المظاهرات لتندد بهذا القرار أو ذاك ، وقد سبق للرئيس السابق برويز مشرف أن أقال اثنين من المناصب العليا في البلاد بنفس الطريقة وهما رئيس الوزراء السابق نواز شريف ، ورئيس الوزراء جمالي الذي كان رئيساً للوزراء قبل شوكت عزيز رئيس الوزراء في عهد مشرف أيضاً ، وبالطبع لا يمكن أن نعفى الحكومة الباكستانية تماماً من مسئولية ما يحدث ، فلا شك أن هناك نوعاً من سوء التقدير للأحوال والظروف فضلاً عن الأخطاء التي ترتكب . ويزداد هذا الشك وهذه الريبة إذا ما جاء حكم المحكمة القضاء العالي في وقت من الأوقات يخالف أو يلغي قراراً اتخذته الحكومة ، وهو ما حدث مرات عديدة ، فوجدنا المحكمة تقرر وقف بعض مظاهر الاحتفال بعيد الربيع ( بسنت ) نظراً للضرر البالغ الذي يترتب عليها من ضياع لأرواح الأطفال وعامة الناس من المارة في الشوارع ، وأهم مظهر من هذه المظاهر هو تطيير الطائرات الورقية في الميادين العامة والشوارع وفوق أسطح المنازل ، والخطر هنا هو أن بعض الأطفال يسقطون من فوق أسطح المنازل أثناء اللعب ، والبعض الآخر يصعقه التيار الكهربائي عندما تعلق طائرته الورقية من سلكها المعدني بأسلاك الكهرباء التي تملأ الشوارع ، خاصة وأن التوصيلات الكهربائية في باكستان تعتمد على الأسلاك المشدودة فوق الأعمدة الكهربائية وليس على كابلات مدفونة في باطن الأرض ، والبعض الآخر من الأطفال خاصة تدهسه السيارات عندما ينطلق جرياً وراء طائرة ورقية انقطع خيطها من صاحبها ، فيتابعها برأس مرفوعة إلى أعلى دون أن ينتبه إلى السيارات القادمة من هنا أو هناك ، وتكون النتيجة أن تدهسه السيارة ، ويلفظ أنفاسه قبل أن يتم إسعافه طبياً في الغالب ، والبعض يفقد روحه قضاءاً وقدراً " أسوداً بالطبع " عندما يكون على موتوسيكل منطلقاً في طريقه ، فيعترض رقبته خيط من المعدن معلق في طائرة ورقية فيذبحه من فوره ، وهذه الأمور تحدث كثيراً ، وتضيع أرواح كثيرة كل عام بسبب هذا الاحتفال مما دعا محكمة القضاء العالي إلى إصدار حكم بوقف الاحتفال وحظر صناعة الطائرات الورقية والخيوط المعدنية ، وحبس وتغريم من يخالف هذا ، وأيد قطاع عريض من الناس هذا الحكم ، وخاصة أنهم اعتبروه عيداً هندوسياً في الأصل (2) ، ولا يجوز للمسلمين الاحتفال به ، وإن لم يمتنع الأطفال عن الاحتفال بنفس الطريقة ، ولم يتوقف نزيف دمائهم رغم المنع ، لكن الحكومة في عام 2007م قررت السماح بالاحتفال خلال أيام المناسبة وإعادة الحظر ثانية فيما عدا ذلك رغم أنف المحكمة ، بحجة أن ذلك ينشط السياحة في البلاد ، كما يوفر بعض فرص العمل لوقت مؤقت ، وفوق هذا فإنه احتفال بمناسبة عادية من حق الناس أن يحتفلوا بها .
    مثل هذه الأمور تخلق نوعاً من الجفاء بين الحكومة ومحكمة القضاء العالي قد يؤدي في النهاية إلى صراع خفي بين الطرفين ، فيحاول كل منهما الإطاحة بالآخر ، وغالباً يكون النجاح من حليف الحكومة .
    وقاضي القضاة افتخار محمد شودهري هو القاضي رقم عشرين في هذا المنصب في تاريخ باكستان ، ولد في 12 ديسمبر عام 1948م في مدينة كويته عاصمة إقليم بلوشستان ، وبدأ عمله بالمحاماة في عام 1974م ، وفي عام 1976م أصبح محامياً بالقضاء العالي ، وفي عام 1985م أصبح محامياً بالدستورية العليا . وعين عام 1989م نقيباً للمحامين في إقليم بلوشستان ، ثم أصبح قاضي القضاة ورئيس محكمة القضاء العالي بإقليم بلوشستان في 22 أبريل عام 1999م ، ثم أصبح قاضياً بمحكمة القضاء العالي المركزية بإسلام آباد في 4 من فبراير عام 2000م ، ثم أصبح رئيساً لنفس المحكمة منذ 30 يونيو عام 2005 وحتى تاريخ إيقافه عن العمل في 9 مارس 2007م ، ويبلغ من العمر تسعة وخمسين عاماً ، وطبقاً للتعديلات الجديدة في الدستور كان من المتوقع أن يحال إلى التقاعد عام 2013م في عمر الثالثة والستين ، والسيد جاويد إقبال الذي أصبح قاضي القضاة بالنيابة لعدة أيام بعد وقف السيد افتخار شودهري من إقليم بلوشستان هو الآخر ، حيث إن القاضي الأقدم الذي سيتولى المنصب بالنيابة إلى أن يفصل مجلس القضاء العالي في الأمر هو القاضي " بهكوان داس " الذي كان يقضي إجازته السنوية في ذلك الوقت في مدينة لكهنو بالهند ، والسيد " بهكوان داس " هندوكي المذهب ، ولكنه أقدم القضاة الموجودين ، ومن حقه طبقاً للدستور أن يتولى المنصب بالنيابة .
    أما الظروف التي أحاطت بإصدار قرار بوقف قاضي القضاة عن العمل وإحالة أوراقه إلى المجلس الدستوري الأعلى فقد ذكرت الصحف أن المحامي الكبير بالمحكمة العليا والمذيع في نفس الوقت السيد نعيم بخاري قد أرسل في السادس عشر من فبراير 2007م خطاباً إلى السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس الوزراء والجهات المسئولة في الدولة ، ووزع نسخاً منه على قطاعات مختلفة في البلاد يعدد فيه مخالفات السيد قاضي القضاة - ومن بينها تعيين ابنه في منصب رفيع رغم رسوبه في امتحان اللغة الإنجليزية المؤهل للوظيفة بحصوله على ست عشرة درجة من مائة درجة ، وكذلك استخدامه للطائرات والسيارت الرسمية في تحركاته الخاصة ، وإصدار أحكام منطوقها يخالف مكتوبها ، بمعنى اختلاف الحكم الشفوي الذي ينطق به في قاعة المحكمة عنه عندما يصدر مكتوبا موثقاً ، ومنها كذلك التمييز بين المحامين في التعامل وإهانة بعضهم عمداً وغيرها - ويطالب بتقديمه للمحاكمة ، وبالتالي رفع السيد رئيس الوزراء مذكرة إلى اليسد رئيس الجمهورية لاتخاذ مايراه مناسباً طبقاً للدستور ، فقام الرئيس برويز مشرف باستدعاء قاضي القضاء إلى مبنى قيادة الجيش " آرمي هاؤس " بمدينة راولبندي ، وطلب منه تقديم استقالته ، لكن قاضي القضاة رفض الانصياع للأمر ، فتم احتجاز القاضي لثمان ساعات تقريباً في مبنى القيادة ، ثم أرسل إلى بيته " .
    هذا هو فحوى ما نشرته الصحف الباكستانية ، وإن كانت الحكومة قالت إن هذا لم يحدث ، ولم تقم باستدعاء السيد افتخار شودهري إلى مبنى قيادة الجيش ، وإنما هو الذي جاء برغبته للقاء السيد رئيس الجمهورية ، ولم يحتجز هناك كما قيل " .
    وقامت الحكومة على الفور بسحب كل الامتيازات التي يمنحها الدستور للسيد افتخار محمد شودهري باعتباره قاضي قضاة باكستان ، مثل السيارات والحراس ، بل وتم قطع الاتصالات التليفونية والجرائد والصحف عنه ، وسحب الموبايل الخاص به وكذا التلفزيون ، ومنع المقابلات الشخصية ، وتحديد إقامته في البيت ، وإنزال العلم الباكستاني من فوق البيت أيضاً ، ومنع أولاده من الذهاب إلى مدارسهم وكلياتهم ، ومن بين هؤلاء طفلة عمرها سبع سنوات لا أكثر ، وحاصر البوليس البيت من كل جانب .
    ومن جانب آخر أدى القاضي جاويد إقبال اليمين ليتولى المنصب بالإنابة بدلا من السيد افتخار حتى لا تبقى المحكمة العليا بدون قاض طبقاً للبند رقم 108 من الدستور ، ورغم أن السيد جاويد إقبال ليس هو القاضي الأقدم ، وإنما يسبقه قاض آخر هو السيد رانا بهكوان داس كما ذكرنا من قبل ، وهو قاض هندوكي غير مسلم تصادف وجوده في إجازة خارج البلاد "الهند" في ذلك الوقت،وقد عاد من إجازته في 23 من مارس 2007م، وكان السيد جاويد إقبال قد أعلن أنه ما إن يعود السيد بهكوان داس حتى يسلمه المنصب ، ولن يبق فيه لحظة واحدة بعدها لأن الدستور لا يجيز له ذلك ، بينما رأى البعض الآخر أن موهن داس لا يستطيع أن يتولى هذا المنصب لأنه غير مسلم ، والدستور في باكستان مصدره الشريعة الإسلامية ، والرجل "هندوسي" ، والواقع أن السيد بهكوان داس قد عاد بالفعل من الهند في الموعد المحدد كما ذكرنا ، وتولى منصب قاضي القضاة بالنيابة " .
    أما الاتهامات التي وجهتها الحكومة إلى قاضي القضاة فقد بلغت خمسة عشر اتهاماً تركز معظمها على استغلال النفوذ والتمتع ببروتوكول أكبر من المخصص له مثل استخدامه لسيارة مرسيدس حكومية بدلا من المخصص له دستورياً وهو سيارة قدرتها 1600 سي سي ، والاحتفاظ بحراس ملثمين ، وإنفاقه ببذخ من مال الدولة على مسكنه ومكتبه الرسمي الحكومي ، وتعيين ابنه الدكتور ارسلان افتخار قبل شهور قليلة في منصب رفيع بالبوليس بالرغم من رسوب ابنه هذا ثلاث مرات في امتحان التأهيل لهذا المنصب كما سبق أن أشرنا .
    وعلى الفور أعلنت نقابة المحامين في البنجاب إلغاء عضوية السيد نعيم بخارى فيها ، وأعلنت تضامنها مع السيد افتخار شودهري ورفضها لقرار عزله ، واعتبر المحامون أن هذا القرار بمثابة هجمة شرسة على القضاء في باكستان كلها ، وأعلنوا أن رفضهم للقرار ليس لأنه يتعارض مع الدستور الباكستاني فقط ، ولكن لأنه قرار سياسي يهدف برويز مشرف من ورائه إلى تحقيق أهداف سياسية تمكنه من البقاء على رأس الحكومة في البلاد لأعوام قادمة وهو في زيه العسكري ، كأن يخلق وضعاً سياسياً معيناً في البلاد يجيز له إعلان حالة الطوارئ ، وبالتالي إلغاء أو تأجيل الانتخابات المزمع عقدها في بداية عام 2008م ، كما اعتبر المحامون قرار وقف قاضي القضاة رد فعل انتقامي من الحكومة على القرارات الصائبة التي أصدرتها محكمة القضاء العالي برئاسة السيد افتخار محمد شودهري رغم معارضة الحكومة لها ، وتحدثت الصحف عن لقاء إعلامي مع السيد قاضي القضاة سئل فيه عن رأيه فيما لو تم انتخاب الرئيس برويز مشرف بزيه العسكري رئيساً للبلاد فقال قاضي القضاة : سأقول رأي عندما يتقدم أحد بعد ذلك إلى المحكمة طاعناً في نتيجة الانتخابات ودستوريتها . على أية حال كانت هذه كلها تكهنات صحفية أثبتت الأيام صدقها بعضها كذب الآخر .
    وحدد المجلس الأعلى للقضاء جلسة استماع للسيد افتخار محمد شودهري يوم الثلاثاء الثالث عشر من مارس 2007م ، في الساعة الثالثة مساءاً ، وفي الموعد المحدد وصلت سيارات البوليس لاصطحاب السيد شودهري ، ولكنه رفض أن يركب سيارة البوليس وأصر على أن يذهب من بيته في إسلام آباد إلى مقر المجلس الأعلى للقضاء في إسلام آباد أيضاً سيراً على الأقدام ، وبعد ان سار قليلاً يحيط به المحامون ورجال الإعلام وهتافاتهم من كل جانب قام رجال البوليس بالتحرش به وإهانته وإساءة معاملته وجذبه من بذلته وشعره وإرغامه على الركوب في سيارة البوليس ، واصطحبوه عنوة إلى مقر المجلس الأعلى للقضاء ، وذلك كله على مرأى من أسرته وجمع حاشد من المحامين ورجال الصحافة والإعلام ، مما أدى إلى تصادم للبوليس مع المحامين ، وبالفعل اعتدى رجال البوليس على المحامين بالعصي والهراوات ، وخرجت المظاهرات في كل أنحاء باكستان ، وتعامل البوليس معها بكل عنف وشدة ، مما زاد في حنق الشعب على الحكومة والبوليس معاً . هذا وقد قامت المحكمة العليا بتوجيه اللوم إلى المسئولين الكبار في وزارة الداخلية على هذا التعامل السيء من البوليس مع السيد افتخار محمد شودهري ، وخيرتهم بين الاعتذار الفوري للسيد افتخار والمحامين جميعاً أو مواجهة أحكام قاسية ضدهم ، وقد قام قادة رجال البوليس بالاعتذار الفوري للسيد افتخار محمد شودهري والسادة المحامين ، كما تم عزل بعض القيادات في البوليس ونقل البعض الآخر من إسلام آباد إلى مناطق أخرى عقاباً لهم على ما حدث .
    وتحددت الجلسة الثانية للاستماع في يوم الجمعة 16 مارس 2007م ، وهو اليوم الذي أعلنته أحزاب المعارضة يوم احتجاج على مستوى باكستان كلها ، وقرر المحامون على مستوى باكستان أيضاً وقف العمل بالمحاكم لعدة ساعات يومياً ، والخروج في مظاهرات حاشدة احتجاجاً على وقف قاضي القضاة وإعلاناً لتضامنهم معه، كما قررت أحزاب المعارضة أيضاً الخروج في مظاهرات حاشدة يقودها رؤساء الأحزاب والقيادات العليا بها إعلاناً لاعتراضهم على سياسة الحكومة وتضامناً مع السيد افتخار شودهري ومع السادة المحامين .
    ومن الجدير بالذكر أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يتم فيها اتخاذ إجراء مثل هذا ضد كبار القضاة ، فقد تم تقديم القاضي حسن علي آغا في عام 1951م إلى مجلس الأعلى للقضاء بنفس الطريقة ، واستطاع إثبات براءته مما وجه إليه ، وفي عام 1970م قدم القاضي فضل غني إلى المجلس الأعلي للقضاء بنفس الطريقة ، ولكنه قدم استقالته قبل أن يصدر المجلس حكمه ، وبالتالي تم سحب الموضوع كله من المجلس طبقاً للدستور ، وفي عام 1960 في عهد الرئيس أيوب خان قدم القاضي أخلاق حسين قاضي المحكمة العليا في باكستان الغربية إذ ذاك إلى المجلس الأعلي للقضاء بحجة أنه يتبنى أفكاراً شيوعية ، وعزله المجلس ، وفي عام 1970م قدم القاضي شوكت علي جويه رئيس المحكمة العليا في باكستان الغربية إذ ذاك إلى المجلس الأعلي للقضاء بنفس الطريقة بحجة تورطه في صفقات أسلحة ، وأيد المجلس قرار عزله ، وفي عام 1979م / 1980م قدم القاضي سيد صفدر شاه رئيس المحكمة العليا ببيشاور إلى المجلس الأعلى للقضاء بحجة توسطه لإطلاق سراح سيد عباس ، شريك السيد ذو الفقار علي بوتو رئيس وزراء باكستان حتى عام 1977م في قتل السيد محمد أحمد خان ، وقدم القاضي استقالته قبل أن تصدر اللجنة قرارها . ومن قرارات السيد افتخار شودهري التي لم تعجب الحكومة :
    1 – إلغاء صفقة خصخصة مصانع الصلب الحكومية لشبهة التواطئ في بيعها .
    2 – إلغاء تخصيصات الأراضي لكبار رجال الدولة من القضاة ورجال البوليس وكبار المسئولين في مدينة كوادر الساحلية لشبهة الفساد .
    3 – إلقاء مسئولية تدهور الحالة الأمنية في البلاد على المسئولين الكبار في البوليس وكبار المسئولين في الدولة واستدعائهم إلى المحكمة واستجوابهم .
    4 – حظر مظاهر الاحتفال بالطائرات الورقية في عيد " بسنت " ، وتحميل الحكومة مسئولية الذين راحوا ضحية مثل هذه الاحتفالات في السابق ، والذين سيروحون ضحية الاحتفال العام الذي لم تلتزم فيه الحكومة بقرار المحكمة العليا .
    5 – تحميل الدولة بإداراتها المخابراتية مسئولية اختفاء كثير من الأشخاص في البلاد من بينهم أطباء ومهندسون ورتب عسكرية في ظروف غامضة ، واستدعاء المسئولين واستجوابهم في هذا الخصوص .
    6 - الحكم بإلغاء الزيادات غير المبررة في أسعار البنزين وأسعار بعض السلع الحيوية .
    واستمرت المظاهرات الاحتجاجية في البلاد وأخذت شكل انتفاضة منظمة ، وأصبح يوم الخميس من كل أسبوع هو اليوم الذي يخرج فيه المحامون ومعهم أحزاب المعارضة في مظاهرات سلمية حاشدة تعبيراً عن تضامنهم مع السيد افتخار محمد شودهري ، ولم تخل بعض هذه المظاهرات من صدام مع البوليس ، وتم تنظيم لقاءات للسيد افتخار شودهري مع المحامين على مستوى باكستان كلها ، بحيث يقوم السيد شودهري بزيارة نقابة المحامين في كل مدينة من المدن الباكستانية ضمن قافلة ضخمة من السيارات تنطلق من إسلام آباد إلى المدينة المقصودة ، ويقوم السيد شودهري بتوجيه خطاب إلى السادة المحامين المجتمعين لاستقباله في هذه المدن ، وقد زار السيد شودهري طبقاً لهذا البرنامج مدناً عديدة من بينها لاهور ، وألقى خطابه في نقابة المحامين في كل مدينة ، ولم يحدث خلال هذه الزيارات أي نوع من مخالفة القانون أو الصدام مع البوليس ، رغم أن هذه الزيارات كانت تستغرق وقتاً طويلاً للغاية للوصول إلى المدينة المقصودة بسبب الجموع الغفيرة المحتشدة على جانبي الطريق الذي تمر منه قافلة السيد شودهري لاستقباله والترحيب به في مظاهرة تضامن جميلة ، ومن هنا استغرقت رحلة السيد شودهري إلى لاهور من إسلام آباد ( 375 كيلو متراً ) أكثر من ست وعشرين ساعة رغم أن السيارة تقطع هذه المسافة في الأحوال العادية في أقل من خمس ساعات ، وقد حرص السيد شودهري في لقاءاته مع المحامين في كل مدينة على أن لا تتحول هذه اللقاءات إلى مظاهرات سياسية ، ولهذا طلب من أحزاب المعارضة وقادتهم عدم حضور هذه اللقاءات ، واستجابت أحزاب المعارضة لطلب السيد شودهري بحب وترحاب .
    ولكن في الثاني عشر من مايو 2007م انقلبت الأمور رأساً على عقب ، حيث كان من المقرر أن يزور السيد شودهري ورفاقه من السادة المحامين مدينة كراتشي ضمن برنامج الزيارات المخطط لها ، والتي يعلنها مجلس الدفاع عن السيد شودهري ويبلغ بها الحكومة قبل إتمامها بوقت كاف ، ولكن الحكومة هذه المرة نصحت السيد شودهري بعدم الذهاب إلى كراتشي خوفاً من تدهور الأحوال الأمنية هناك بسبب هذه الزيارة ، وقالت الحكومة إنه قد نما إلى علمها عن طريق رجال المخابرات لديها أن هناك احتمال أن تتعرض قافلة السيد شودهري لاعتداءات أمنية هناك ، ولكن السيد افتخار ورفاقه من المحامين رفضوا النصيحة الحكومية ، وقرر حزب الحركة القومية المتحدة : إم كيو إم : M.Q.M : Muttahida Qawmi Movement الخروج بمظاهرات في نفس اليوم الذي سيصل فيه السيد شودهري إلى كراتشي احتجاجاً على تسييس قضية السيد شودهري واستخدامها لكسب أصوات انتخابية ، وحزب الحركة القومية المتحدة هذا من أحزاب المعارضة التي كانت مشاركة في حكومة برويز مشرف في ذلك الوقت ، وهي التي تسيطر على مدينة كراتشي بصفة خاصة ، وحكومة السند في يدها ، وفي نفس الوقت أيضاً قرر حزب الرابطة الإسلامية جناح القائد : Muslim League Q " وهو الحزب الحاكم في البلاد وقتها التجمع في إسلام آباد في نفس اليوم الثاني عشر من مايو 2007م على أن يلقي السيد برويز مشرف رئيس الجمهورية خطاباً عليهم ضمن الحملة الانتخابية التي ستجرى استعداداً للانتخابات الرئاسية في سبتمبر من عام 2007م ، والانتخابات البرلمانية في ديسمبر من العام نفسه (3) ، وهكذا أصبح هناك تجمع في إسلام آباد ، وآخر في كراتشي ، ومن المقرر أن يكون هناك تجمع ثالث هو تجمع السيد شودهري ورفاقه ومؤيديه من أحزاب المعارضة باستثناء حزب الحركة القومية المتحدة الذي يؤيد الحكومة ويشاركها الحكم ، كل هذا في يوم واحد هو الثاني عشر من مايو 2007م .
    ووصل السيد شودهري ورفاقة بالفعل إلى مطار مدينة كراتشي في العاشرة من صباح الثاني عشر من مايو عام 2007م ، ولكن حكومة السند لم تسمح لهم بالخروج من المطار ، وقالت إذا كان السيد شودهري يريد أن يذهب إلى نقابة المحامين بكراتشي ليخطب في المحامين هناك فليتفضل بالذهاب وحده ، ونحن نوفر له الأمن والسلامة ، ولكن غير مسموح لرفاقه أن يخرجوا من المطار ، وكان هؤلاء حوالي مائة شخص ، ليس هذا فقط ، بل أصدرت الحكومة أمراً بعدم السماح لهؤلاء بالعودة إلى كراتشي ثانية إلا بعد مرور شهر من تاريخه . وكانت حكومة السند قد قامت في ليلة الحادي عشر من مايو بإغلاق كل الطرق المؤدية إلى نقابة المحامين بالمتاريس والشاحنات والأتوبيسات بعد أن أفرغت إطاراتها من الهواء بحجة تأمين المدينة .
    ورفض السيد شودهري أن يذهب إلى نقابة المحامين بكراتشي وحيداً ، ولم يستطع محاميو كراتشي الوصول إلى المطار لاستقباله ، وخرج حزب الحركة القومية المتحدة في مظاهرات حاشدة ، كما خرجت أحزاب المعارضة الأخرى " حزب الجماعة الإسلامية ، وحزب الشعب الباكستاني : Pakistan Peoples Party ، وحزب مجلس العمل المتحد ، وحزب الشعب القومي : National Awami Party ، وحزب العدالة وغيرها من الأحزاب في مظاهرات حاشدة أيضاً ، ووقع المحظور ، وحدث صدام مسلح دام بين هذه الأحزاب راح ضحيته تسع وأربعون شخصاً معظمهم من أحزاب المعارضة ، واتهم حزب الحركة القومية المتحدة الموالي للحكومة وشريكها في الحكم بتدبير هذه المؤامرة ، وقرر حزب العدالة بقيادة مؤسسه عمران خان لاعب الكريكت السابق المعروف رفع دعوى على السيد ألطاف حسين زعيم حزب الحركة القومية المتحدة في لندن حيث يقيم السيد ألطاف منذ فترة طويلة .
    واستمرت المظاهرات في أنحاء البلاد كلها ، وفي لاهور استمر خروج المظاهرات بانتظام كل خميس من الحادية عشرة صباحاً إلى الواحدة ظهراً ، واستمرت زيارات السيد شودهري إلى نقابات المحامين في مدن باكستان المختلفة ، واستمر المجلس القضائي العالي في جلسات الاستماع في القضية بصفة يومية ، وأعلن المجلس أنه سيصدر حكمة النهائي فيها في العشرين من يوليو 2007م بحد أقصى ، وأعلن الرئيس برويز مشرف أن حكومته ستقبل قرار المجلس القضائي بصدر رحب سواء كان في صالحها أم في صالح السيد شودهري ، وبالفعل قام المجلس القضائي العالي في الساعة الخامسة من يوم الجمعة الموافق 20 من مايو عام 2007م بإصدار قراره النهائي في القضية المرفوعة من السيد الجنرال برويز مشرف باعتباره رئيساً للجمهورية ضد السيد افتخار محمد شودهري باعتباره رئيساً لمحكمة القضاء العالي في باكستان ، وحكم المجلس القضائي العالي ببطلان القضية المرفوعة من أساسها ، باعتبار أنها باطلة دستورياً ، وليس من حق رئيس الدولة أن يوقف رئيس محكمة القضاء العالي عن العمل ، وبالتالي أعاد المجلس القضائي العالي السيد افتخار محمد شودهري إلى منصبه في قرار لا مثيل له في تاريخ القضاء الباكستاني كله ، وعلى الفور تم رفع العلم الباكستاني على مقر إقامة السيد افتخار محمد شودهري قاضي القضاة ورئيس محكمة القضاء العالي الباكستاني ، وأعيد إليه البروتوكول كاملاً ، ورحبت الحكومة الباكستانية إذ ذاك وعلى رأسها السيد الجنرال برويز مشرف رئيس الدولة والسيد شوكت عزيز رئيس الوزراء الباكستاني بالقرار وقبلوه بصدر رحب في مظاهرة ديمقراطية باكستانية رائعة أشاد بها العالم كله ، ولم يكن الحكم بمثابة انتصار لطرف ضد طرف آخر ، وإنما كان في الحقيقة انتصاراً للقضاء الباكستاني وللديمقراطية في باكستان . وهنا يثور تساؤل : ما كان أجمل هذا الموقف لو سارت الأمور منذ بدايتها بغير صدام وقتل وضياع لأرواح برئية على مدى أربعة أشهر كاملة ! ولكن ... للديمقراطية ثمن لا بد أن يدفع ، وقد دفع الشعب الباكستاني – ولا يزال يدفع - هذا الثمن من دمائه وأرواح أبنائه .
    وفي نفس الوقت لم يكن الأمر بهذه البساطة التي تصورتها ، فلم يكن قبول الحكومة لقرار المحكمة العليا سوى الحصول على وقت لالتقاط الأنفاس والتدبير للخطوة التالية ، وخاصة أن انتخابات الرئاسة كام من المقرر لها أن تعقد في سبتمبر من نفس العام 2007م ، وربما كان قبول القرار نوعاً من التهدئة الموجهة التي تنتظر الحكومة من ورائها مجاملة من السيد افتخار شودهري بمباركة انتخاب الجنرال برويز مشرف رئيساً للدولة للفترة الثالثة .
    وبالفعل انعقدت الانتخابات الرئاسية في موعدها في أوائل سبتمبر من عام 2007م ، وفاز برويز مشرف في الانتخابات ، ولم يبق إلاّ تصديق المحكمة العليا على نتيجة الانتخابات حين تصدر قرارها في أهلية برويز مشرف لخوض الانتخابات الرئاسية وهو في الزيّ العسكري ضمن حكمها في القضية المرفوعة في هذا الخصوص بناءً على تمسك برويز مشرف بزيه العسكري وهو رئيس للدولة مما لا يجيزه الدستور الباكستاني .
    ولكن سرعان ما تأكد للحكومة أن افتخار شودهري لن يلين ولن يتراجع ، وعليها أن تخرج من ذهنها إلى الأبد حكاية أن يبارك افتخار شودهري انتخاب برويز مشرف رئيساً للبلاد هذه ، لأن ذلك لن يحدث ولو " شافت حلمة ودنها " ، بل وتردد أن أنه تناهى إلى مسامع الحكومة الباكستانية أن المحكمة العليا على وشك إصدار قرارها بإلغاء نتيجة الانتخابات نظراً لعدم أحقيقة برويز مشرف الدستورية في خوض انتخابات الرئاسة بزيّه العسكري .
    وعندئذ ما كان من الحكومة إلاّ أن خططت ودبرت وقدرت وأعلنت حالة الطوارئ في البلاد في الثالث من نوفمبر عام 2007م ، وطبقاً لحالة الطوارئ هذه تمت إقالة قضاة المحاكم العليا وإعادة حلف اليمين من جديد ، فقبل البعض ورفض ستون من القضاة حلف اليمين من جديد طبقاً لقانون الطوارئ هذا ، وكان على رأس هؤلاء القضاة افتخار محمد شودهري !! . وبالتالي تم وقفهم ورفتهم وإعادتهم إلى بيوتهم . وبدا واضحاً وكأن المقصود بفرض حالة الطوارئ هو السيد شودهري على وجه التحديد .
    وهكذا بدأت القضية من جديد ، ولكن بشكل أكثر عنفاً وإصراراً ، وضحى المحامون على وجه التحديد بالغالي والرخيص في سبيل الدفاع عن القضاة المعزولين وعلى رأسهم افتخار محمد شودهري ، وإلغاء حالة الطوارئ وكل ما ترتب عليها من خطوات ، بل وإخراج برويز مشرف نفسه من السلطة ، أو بالأحرى أن نقول إن حركة المحامين هذه كانت في سبيل الدفاع عن الحرية والديموقراطية ، ووقفت الأحزاب السياسية وقفة رجل واجد مع المحامين باستثناء حزب الحركة القومية المتحدة سابق الذكر .
    ولم يكن أحد يصدق أنه من الممكن أن تنجح هذه الحركة في كل هذا ، فأجريت انتخابات مجلس الشعب في 18 فبراير 2008م ، وهزم الحزب الحاكم حزب الرابطة الإسلامية جناح القائد والذي كان يؤيد برويز مشرف في هذه الانتخابات هزيمة ساحقة ، وفاز حزب الشعب بقيادة آصف على زرداري زوج الراحلة بينظير بوتو ، وشكل الحكومة الفيدرالية ، كما فاز حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز بحكومة البنجاب ، وأصبح السيد يوسف رضا جيلاني من حزب الشعب رئيساً للوزراء ، والسيد شهباز شريف من حزب الرابطة جناح نواز رئيساً لوزراء البنجاب أكبر أقاليم الباكستان تعداداً ( أكثر من مائة مليون نسمة ) .
    ولم يكن أمام برويز مشرف حينئذ سوى أن يعلن مضطراً استقالته من رئاسة الدولة . وكانت هذا أول انتصار ضخم تحققه حركة المحامين التي ساندها الشعب مساندة تامة .
    وتولى السيد آصف زرداري رئاسة الدولة بعد انتخابه بدلاً من برويز مشرف ، وبدأت مرحلة جديدة من الكفاح السلمي لحركة المحامين من أجل إلغاء حالة الطوارئ وما ترتب عليها وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 3 نوفمبر 2007م .
    ولكن الحكومة وعلى رأسها الرئيس آصف زرداري لم تف بالوعود التي قطعتها على نفسها للشعب حين طالبته بانتخابها ، كما لم تف بالعهود والمواثيق التي أبرمتها مع حزب الرابطة جناح نواز ليتحد معها أثناء خوض الانتخابات وتشكيل الحكومة ، سواء تلك المعاهدات والوثائق التي وقعتها بينظير بوتو مع نواز شريف قبل رحيلها ، أو تلك التي وقعها آصف زرداري مع نواز شريف بعد رحيل بينظير بوتو ، وبلغ الخلاف بين الحزبين الكبيرين الاتحاديين حداً كبيراً وخاصة عندما صرح آصف زرداري بأن المعاهدات ليست قرآناً ولا حديثاً ، وأن مخالفتها وعدم الالتزام بها ليس جريرة أو ذنباً . وعلى الفور انفض الاتحاد بين الحزبين ، وانسحب وزراء حزب الرابطة من الحكومة الفدرالية ، وبدأت الأمور تأخذ منحىً آخر ، وبدا أن الحكومة لا ترغب أبداً في إعادة افتخار محمد شودهري إلى منصبه ، بينما ركّز حزب الرابطة على أن مطلبه الأوحد في الوقت الحالي لكي تتحسن العلاقات بين الحزبين الكبيرين هو إعادة القضاة الذين رفضوا حلف اليمين يعد 3 نوفمبر وعلى رأسهم السيد شودهري إلى مناصبهم على الفور طبقاً للوعود والعهود والمواثيق التي قطعها آصف زرداري على نفسه وحزبه مع نواز شريف وحزبه .
    وفجأة أصدرت المحكمة العليا في 25 من فبراير 2009م قراراً بعدم أهلية نواز شريف وأخيه شهباز شريف لخوض الانتخابات التي فاز فيها بالفعل شهباز شريف وتولى بناءاً عليها رئاسة حكومة البنجاب ، وعلى الفور تم حل حكومة البنجاب وفرض قانون الطوارئ بالإقليم ، وخرج الناس إلى الشوارع منددين بالقرار ، وحدث الصدام مع البوليس ورجال الأمن ، وهنا فاض الكيل بنواز شريف وأخيه وحزب الرابطة ، بل وبالأكثرية من الشعب الباكستاني يقودهم المحامون الذين قرروا على الفور بالاتفاق مع نواز شريف القيام بمسيرة طويلة : Long March من كل أنحاء باكستان إلى إسلام آباد والاعتصام أمام مبنى مجلس الشعب بالعاصمة لإجبار الحكومة على تنفيذ ما اتفقت عليه ، وتحدد يوم التاسع من مارس 2009م موعداً لبدء المسيرة ، ولكن بسبب حلول المولد النبوي ( 12 ربيع الأول 1430هـ / 10 مارس 2009م ) في هذه الفترة تم الاتفاق على أن يكون يوم الثاني عشر من مارس 2009م موعداً للقيام بالمسيرة إذا لم تنفذ الحكومة وعودها ، على أن تكون البداية من كراتشي وكويته ، فتمر المسيرة بحيدر آباد وسكهر والملتان ومنها إلى لاهور ثم إلى إسلام آباد على أن يصلوها في السادس عشر من مارس 2009م ليعتصموا في نفس اليوم أمام البرلمان .
    وكلما اقترب موعد المسيرة اضطربت الحكومة وزادت من عمليات اعتقال السياسيين والقادة ، وأغلقت الشوارع الرئيسية بالعاصمة ، وحشدت عدداً كبيراً من سيارات النقل الضخمة لهذا الغرض ، ورفض بعض كبار المسئولين في البوليس الباكستاني تنفيذ أوامر الحكومة في تنفيذ الاعتقالات ، ووصل الأمر إلى تحديد إقامة نواز شريف داخل بيته بحي ( مادل تاون ) بلاهور ، وعلى صعيد آخر استقال رئيس مجلس الشيوخ رضا رباني من رئاسة المجلس ومن وزارته ، وفرضت الحكومة حظراً على قناة ( جيو ) التلفزيونية يوم الثالث عشر من مارس 2009م ، فقدمت شيري رحمان وزيرة الإعلام استقالتها احتجاجاً على هذا التصرف .
    وهكذا ازدادت الأمور اشتعالاً ، وخرج الباكستانيون إلى الشارع ، واستطاع نواز شريف الإفلات من الحراسة على بيته ، والتحق بالمسيرة وقادها مع المحامين وبالاتفاق معهم ، واصطدم الشعب بالبوليس ، وبدأ الضحايا يتساقطون ، وتعقدت الأزمة ، وتوقفت المفاوضات ، وقبل أن تغادر المسيرة آخر حدود لاهور باتجاه اسلام آباد أعلن يوسف رضا جيلاني في منتصف ليل الخامس عشر من مارس 2009م موافقة الحكومة على تنفيذ المطالبة بإعادة الضاة وعلى رأسهم قاضي القضاة افتخار محمد شودهر إلى مناصبهم فوراً .
    وهكذا توقفت المسيرة ، وانتصرت إرادة الشعب ، وحققت حركة المحامين أكبر انتصار لها ، ووضعت الديموقراطية قدميها على الطريق الصحيح في باكستان من جديد ، وعاد السيد إفتخار محمد شودهري إلى مكتبه في خدمة وطنه وشعبه .
    هوامش
    1 - وهوا ما يعرف في الاصطلاح القانوني باسم سو مو تو .
    2 - جاء في كتاب Punjab under the Later Mughals لمؤلفه الهندوسي B.S.nijjar ص 279 أن أصل هذا العيد هو أنه كان هناك شاب هندوسي يدعى حقيقت رائـ باكهـ مل بوري من عائلة هندوسية متعصبة بمدينة سيالكوت قام بسب النبي صلى الله عليه وسلم والسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها فقبض عليه في عهد حاكم البنجاب زكريا خان ( 1707م – 1759م ) وحكم عليه بالإعدام ، وقد حاول الهندوس في المدينة التوسط لدى الحاكم ليعفو عنه ولكن بلا جدوى ، وبالفعل تم تنفيذ حكم الإعدام في حقيقت رائـ الهندوسي ، فحزن الهندوس كثيراً عليه ، وأقاموا له نصبا تذكاريا ( مرهي ) في منطقة كوت خواجه سعيد ( كهوجـ شاهي ) ، ويعرف الآن بـ ( باويـ دي مرهي : نصب الدرويش ) ، وقام أحد أثرياء الهندوس ويدعى كالو رام بإحياء ذكرى هذا الهندوسي في شكل احتفال سنوي ومهرجان في أيام الربيع ، وهكذا مع مرور الأيام درج الجميع على الاحتفال بهذا المهرجان على أنه عيد الربيع ، وأصبح يسمى بهذا الاسم ( جشن بهاران ) .
    3 - قبل أن يتم تأجيلها إلى فبراير من عام 2008م بعد اغتيال بينظير بوتو في 27 ديسمبر عام 2007م .


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية راسخ كشميري
    تاريخ التسجيل
    13/10/2007
    العمر
    42
    المشاركات
    107
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: شاهد عيان يحب باكستان-الفصل التاسع-العدل أساس الملك-قاضي القضاة افتخار شودهري

    برويز (غير) مشرف، أذاق باكستان الويلات، والقاضي هو صوت العوام هذه الأيام، أسأل الله أن يوفق كل من يعمل من أجل المعدمين والفقراء، وأسأل الله أن ينظف الوسط السياسي الباكستاني من كل غادر فاجر ... آمين.


  3. #3
    رئيس قسم اللغة الأردية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر فرع البنات بالقاهرة مصر الصورة الرمزية إبراهيم محمد إبراهيم
    تاريخ التسجيل
    16/10/2006
    العمر
    61
    المشاركات
    236
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: شاهد عيان يحب باكستان-الفصل التاسع-العدل أساس الملك-قاضي القضاة افتخار شودهري

    أخي راسخ
    ندعو الله أن يحفظ باكستان من كل سوء ، فهي بلد الخير والحب ، وتستحق حب المسلمين جميعا .


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •