آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 20 من 22

الموضوع: دليل فارس النور/باولو كويلهو

العرض المتطور

  1. #1
    قاص وناقد
    مشرف وكالة واتا للأنباء سابقاً
    الصورة الرمزية عبد الحميد الغرباوي
    تاريخ التسجيل
    08/01/2007
    العمر
    72
    المشاركات
    1,763
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي دليل فارس النور/باولو كويلهو

    دليل فارس النور

    ترجم الدليل: عبد الحميد الغرباوي


    يا مريم التي حملت دون خطيئة صلي من أجلنا نحن الذين نلجأ إليك آمين.

    ريو دي خانيرو
    السبت 31 من سنة 1966.

    *****


    ملاحظة من الكاتب (كويلو)
    باستثناء المقدمة و الخاتمة، فإن كل نصوص هذا الكتاب ، نشرت في عمود "مكتوب" بصحيفة" فولها ساو بولو"، و في غيرها من الصحف البرازيلية المختلفة أو الأجنبية، ما بين 1993 و1996 .

    *****


    من أجل: س.إ. ل.
    إدواردو رانجيل
    و آن كاريير،
    اللذان يُعدان أستاذين في استعمال الصرامة و الرأفة.

    *****


    " ليس التلميذ أرفع من معلمه،
    بل كل من اكتمل تعليمه
    يصير مثل معلمه
    ."

    لوقا، الإصحاح السادس، الآية 40 .



    تمهيد


    قالت المرأة:
    " من الشاطئ ، شرق القرية، تتراءى جزيرة تـنتصب عليها كنيسة ضخمة كثيرة الأجراس."
    لم يكن الصبي رآها قط من قبل في الضواحي؛ و لاحظ أنها ترتدي ملابس غريبة، وتستر شعرها بحجاب.
    سألته المرأة:
    " هل تعرف تلك الكنيسة؟ اذهب و زرها، ثم قل لي رأيك فيها."
    ذهب الصبي، مفتـتـنا بجمالها، إلى المكان المشار إليه. و هو جالس على الرمل، أمعن النظر في الأفق، لكنه لم ير سوى المشهد الذي اعتاد رؤيته: السماء الزرقاء المتصلة بالمحيط.
    سار و هو خائب الظن، إلى أن وصل قرية صغيرة مجاورة، و سأل الصيادين إن كانوا قد سمعوا بجزيرة وكنيسة.
    أجابه صياد مسن قائلا:
    " أجل! كان ذلك، منذ حقبة بعيدة، في عهد أجدادي الذين كانوا يسكنون هنا. لكن زلزالا حدث، فابتـلع البحر الجزيرة. و رغم ذلك، و إن كنا لم نعد أبدا نستطيع رؤيتها، فلا يزال يحدث لنا، حين تتحرك الأمواج في الأعماق البحرية، سمع قرع أجراس الكنيسة."
    عاد الصبي إلى الشاطئ، و أصاخ السمع، و ظل المساءَ كله على تلك الحالة ، لكنه لم يسمع سوى صخب الأمواج و صراخ النوارس.
    و لمّا نزل الليل،جاء والداه يبحثان عنه. بيد أنه في صباح اليوم التالي، عاد إلى الشاطئ؛ كانت صورة المرأة تستحوذ على وجدانه، و خيل إليه أن من غير المعقول أن تكذب عليه امرأة في مثل جمالها. و إذا ما عادت ذات يوم، فسيكون باستطاعته أن يقول لها بأنه لم ير الجزيرة، غير أنه سمع قرع الأجراس بفعل تحرك الأمواج.
    مرت شهور و هو على هذه الحالة، و لم تعد المرأة، فنسيها الصبي؛ لكنه كان يتذكر وجود كنيسة تحت الماء، والكنيسة تخبئ ، دائما، بداخلها ثروات و كنوز. إذا ما سمع قرع الأجراس، فسيتيقن من أن الصيادين، كانوا على حق في ما قالوه له؛ و هكذا عندما يصير كبيرا، فسيستطيع أن يجمع ما يكفي من المال، لتنظيم رحلة استكشاف و العثور على الكنز المخبوء.
    لم يعد يهتم للدراسة، و لا لرفاقه. صار موضوع سخرية محببة لدى الأطفال الآخرين، الذين كانوا يرددون:" لم يعد أبدا مثلنا. إنه يحبذ البقاء جالسا على الشاطئ مواجها البحر، و يتجنب اللعب معنا لأنه يخشى الهزيمة".
    كانوا كلهم يضحكون و هم يرون الصبي جالسا على الشاطئ.
    و رغم عدم تمكنه من سماع قرع الأجراس القديمة للكنيسة، فإن الصبي، كان، كل صباح يتعلم شيئا جديدا. في البداية، اكتشف أنه لكثرة سماعه لإشاعتهم، لم يعد يسمح لنفسه أن تشرد بفعل تأثير الأمواج. و بعد ذلك بقليل،اعتاد صرخات النورس، و طنين النحل، وحفيف أوراق النخل.
    بعد ستة أشهر على أول لقاء له بالمرأة، صار الصبي قادرا على عدم ترك نفسه يستحوذ عليها أي ضجيج...
    ـ لكنه و رغم كل ذلك، لم يكن قد سمع بعد قرع أجراس الكنيسة المغمورة.
    أتى صيادون آخرون ليقولوا له مؤكدين بإلحاح:
    " نحن نسمعها!"
    لكن الطفل لم يكن قد سمعها بعد.
    بعد وقت قصير، تغيرت أقوال الصيادين:
    " أنت تهتم كثيرا لضجيج الأجراس؛ دع عنك ذلك وعد إلى اللعب مع أقرانك. فلعل الصيادين وحدهم القادرين على سماعها".
    بعد نحو سنة، قرر الصبي صرف النظر عن الأمر" فهؤلاء الرجال ربما هم محقون. من الأفضل أن أكبر و أصير صيادا، و حينذاك، أعود كل صباح إلى هذا الشاطئ أسمع قرع الأجراس."
    و فكر أيضا:
    " لعل هذا كله ما هو إلا خرافة، الزلزال حطم الأجراس و لن تقرع أبدا".
    في ذلك المساء، قرر العودة إلى بيته.
    و هو يقترب من البحر ليودعه، تأمل مرة أخرى الطبيعة، و بما أنه لم يعد يهتم للأجراس، فقد ابتسم لجمال غناء النورس، و هدير البحر، و حفيف أوراق النخل. سمع أصوات أصدقائه في البعيد يمرحون فأحس بالسعادة و هو يدرك أنه يستطيع العودة إلى ألعاب طفولته. كانوا يسخرون منه، ربما، لكنهم سينسون بسرعة ما حدث، و يستقبلونه بحفاوة.
    كان الصبي سعيدا و ـ الشيء الذي لا يمكن أن يقوم به سوى طفل مثله ـ حمد الرب لأنه لا يزال حيا. و كان متيقنا أنه لم يضيع وقته، ذلك لأنه تعلم كيف يتأمل الطبيعة و يبجلها.
    بعد ذلك، و لأنه كان ينصت إلى البحر، و إلى النورس، و إلى الريح، و حفيف أوراق النخل، وإلى أصوات أصدقائه يلعبون، فقد سمع، أيضا، دقات أول جرس.
    و آخر.
    و أيضا آخر. إلى اللحظة التي أخذت فيها كل أجراس الكنيسة المغمورة تحت الماء تقرع لتملأه بالفرح.
    سنوات بعد ذلك، حين صار رجلا، عاد إلى قرية طفولته، لم يكن في نيته قطعا، إخراج بعض الكنوز المغمورة تحت الماء، فذلك ربما كان ثمرة تخيلاته الصبيانية، وربما أيضا، لم يسمع أبدا قرع الأجراس المغمورة تحت الماء، و رغم ذلك، قرر الذهاب إلى الشاطئ ليسمع صخب الريح و غناء النورس.
    و لا تتصوروا مدى دهشته، حين شاهد المرأة التي كانت حدثته عن الجزيرة و كنيستها جالسة على الرمل.
    سألها:
    " ماذا تفعلين هنا؟"
    ـ أنتظرك.
    رغم مرور العديد من السنوات، ظلت المرأة محتفظة بنفس المظهر، و بنفس الحجاب يغطي شعرها. لم يكن تأثير الزمن باديا عليها.
    سلمته دفترا أزرق، صفحاته خالية من الكتابة.
    " اكتب، فارس النور يحترم نظرة الطفل، لأن الأطفال يعرفون كيف ينظرون إلى العالم دون كآبة. و حين يرغب في معرفة إن كان شخص ما جديرا بثقته فإنه ينظر إليه بعيني طفل.
    ـ من هو فارس النور؟
    أجابت مبتسمة:
    ـ أنت تعرفه. إنه القادر على إدراك معجزة الحياة، القادر على المحاربة و حتى الرمق الأخير من أجل ما يؤمن به، و القادر ـ في ذات اللحظة ـ على سماع الأجراس التي يجعلها البحر تقرع في أعماقه.
    لم يشهد أبدا يوما على نفسه أنه فارس النور. و بدا أن المرأة خمنت أفكاره.
    " الكل قادر على ذلك، و لا أحد يشهد على نفسه أنه فارس النور، علما أن الجميع يقدر أن يكون كذلك."
    نظر إلى صفحات الدفتر، ابتسمت المرأة ثانية، و ألحت قائلة:
    " اكتب".

    ـــ
    يتبع


  2. #2
    قاص وناقد
    مشرف وكالة واتا للأنباء سابقاً
    الصورة الرمزية عبد الحميد الغرباوي
    تاريخ التسجيل
    08/01/2007
    العمر
    72
    المشاركات
    1,763
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي دليل فارس النور/ تابع

    دليل فارس النور (تابع)

    فارس النور لا ينسى أبدا الاعتراف بالجميل.
    فالملائكة ساعدته أثناء الصراع؛ والقوى السماوية وضعت كل شيء في المكان اللائق به، ومكنت الفارس من أن يقدم أفضل ما لديه.
    يعلق رفاقه:" يا لحظه!"
    ذلك لأن الفارس يحقق أحيانا أشياء تفوق بكثير ما يمكن أن تسمح له به إمكاناته وحدها ...
    لهذا، و حين تغرب الشمس، يركع و يشكر الستار الواقي الذي يحيط به.
    لكن إقراره بالجميل لا يقتصر على العالم الروحي؛ فهو لا ينسى أبدا الأصدقاء، لأن دماءهم امتزجت بدمه في ساحة المعركة.
    الفارس ليس في حاجة إلى من يذكره بما بذله الآخرون من جهد من أجل مساعدته؛ هو يتذكر ذلك لوحده ، فيقتسم معهم الهبة.
    ****

    كل طرق العالم تؤدي إلى قلب الفارس؛ إنه يرتمي دون تردد، في نهر العواطف الذي يعبر حياته.
    يدرك الفارس أنه حر في اختيار ما يرغب فيه؛ قراراته يأخذها بشجاعة، ولامبالاة، وـ أحياناـ بقدر من الجنون.
    يرضى بعواطفه و يبتهج لها إلى أقصى حد. يدرك أنه ليس ضروريا أن يتخلى عن الحماسة للفتوحات؛ فهي جزء من الحياة، و تبهج كل من يشارك فيها.
    لكنه يضع نصب عينيه الأشياء الدائمة و الأواصر المتينة التي نشأت عبر الزمن.
    الفارس يعرف التمييز بين العابر و الأزلي.
    ****

    فارس النور لا يعتمد على قواه الشخصية وحدها؛ بل يستخدم أيضا طاقة خصمه.
    كل ما يملك، حين تندلع الحرب، هو حماسته، و الضربات الفنية التي تعلمها في التدريب؛ وكلما ازداد الصراع، يكتشف أن الحماسة و التدريب لا يكفيان للنصر: التجربة ضرورية.
    لذا يفتح قلبه للكون و يطلب من الرب أن يلهمه، كي تكون أيضا كل ضربة يتلقاها من العدو، درسا له في الدفاع.
    يعلق رفاقه:" يا لإيمانه بالخرافات! أوقف الصراع ليصلي، و هو يقدر حيل الخصم."
    فارس النور لا يستجيب لهذه الاستفزازات. هو يدرك أن من دون إلهام و من دون تجربة، فلا جدوى من أي تدريب.
    ( يتبع)


  3. #3
    قاص وناقد
    مشرف وكالة واتا للأنباء سابقاً
    الصورة الرمزية عبد الحميد الغرباوي
    تاريخ التسجيل
    08/01/2007
    العمر
    72
    المشاركات
    1,763
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي تابع/ دليل فارس النور

    تابع دليل فارس النور

    فارس النور لا يغش أبدا؛ لكنه يعرف كيف يلهي خصمه.
    و مهما كان قلقا، فهو يستعمل كل حيل فن الحرب كي يصل إلى هدفه. و حين يشعر بقرب نفاد قوته، يدفع الخصم إلى الاعتقاد أنه لا يستعجل الانتصار. و حين يجب عليه الهجوم من ناحية اليمين، يحرك جنوده جهة اليسار. و إذا نوى مباشرة الصراع حالا، يتظاهر بالنعاس و بالتهيؤ للنوم.
    يعلق أصدقاؤه:" انظروا ، ها هو يفقد حماسته!" لكنه لا يعطي أهمية للتعليقات، لأن أصدقاءه يجهلون خططه.
    فارس النور يعرف ما يريد. و ليس ملزما بأن يقدم تفسيرات.
    ****
    يعلق حكيم صيني على فنون الحرب لدى فارس النور فيقول:
    " اجعل عدوك يعتقد أنك لن تخرج بفائدة كبيرة من قرارك بالهجوم عليه؛ فبهذه الطريقة ستقلل من حماسته.
    " لا تخجل من انسحاب مؤقت من المعركة،إذا ما أحسست أن العدو هو الأقوى؛ فالعبرة ليس في المعركة ذاتها، و لكن في ما تسفر عنه نهاية الحرب.
    " إذا كنت قويا بما فيه الكفاية، فلا تخجل أيضا من التظاهر بالضعف؛ فهذا يسحب من عدوك حرصه و يدفعه إلى الهجوم قبل الأوان.
    " في الحرب، مفتاح النصر يكمن في القدرة على مداهمة الخصم."
    ****
    يقول فارس النور لنفسه:
    " عجبا، فقد قابلت عددا من الناس الذين ـ ولدى أول فرصة تتاح لهم ـ يحاولون إبراز الأسوء ما فيهم . يخفون قواهم الباطنية، خلف العدوانية؛ ويسترون خوفهم من العزلة تحت مظهر الحرية. لا يؤمنون بقدراتهم الخاصة،لكن يقضون وقتهم يتحدثون و بصوت عال عن خصالهم."
    يقرأ فارس النور هذه الإشارات لدى العديد من معارفه رجالا و نساء. لكنه لا يغتر أبدا بالمظاهر و يبذل قصارى جهده من أجل أن يظل صامتا حين يسعى الآخرون إلى التأثير عليه.
    لكنه يغتنم أبسط فرصة لتصحيح عيوبه،ما دام الآخرون هم دائما مرآة جيدة لذواتنا.
    فارس النور ينتهز كل الفرص كي يصير سيد نفسه.

    يتبع.


  4. #4
    قاص وناقد
    مشرف وكالة واتا للأنباء سابقاً
    الصورة الرمزية عبد الحميد الغرباوي
    تاريخ التسجيل
    08/01/2007
    العمر
    72
    المشاركات
    1,763
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي تابع/ دليل فارس النور

    تابع/ دليل فارس النور/ باولو كويلهو

    فارس النور يصارع أحيانا مع من يحب.
    فالشخصُ الذي يخصُّ أصدقاءه بحمايته، لا تسيطر عليه أبدا أنواء الحياة؛ إذ لديه الكثير من القوة لتذليل الصعاب و التقدم إلى الأمام.
    و الحال أنه ، في كثير من الأحيان، يشعر أنه يُـتحدى من قبل أولئك الذين يحاول تعليمهم فن المسايفة.
    أتباعه يحرضونه على محاربتهم.
    فيستعرض الفارس ما يقدر عليه؛ و ببضع ضربات يلقي بأسلحة أتباعِه على الأرض، و سرعان ما يعود الانسجام إلى مكان اجتماعهم.
    يسأل مسافر:
    " لماذا تفعل ذلك، بما أنك أنت دائما الأعظم؟.
    فيرد المحارب:
    ـ ذلك لأنهم حين يتحدونني، يسعون في الحقيقة إلى الحديث معي، و بهذه الكيفية أبقي على الحوار مستمرا."
    قبل مباشرة معركة هامة، يتساءل فارس النور:" إلى أي حد أنا طورت مهارتي ؟"
    يعرف أنه يتعلم دائما شيئا ما من كل المعارك التي خاضها في السابق.
    في حين أن الكثير من هذه الدروس تسببت له في معاناة هو في غنى عنها.
    غير ما مرة أضاع وقته مصارعا من أجل فَرية، أو معانيا من أجل أناس لم يكونوا يستحقون حبه.
    لكن المنتصرين لا يكررون نفس الخطإ. لذا لم يعد فارس النور يخاطر بقلبه إلا من أجل من يستحق ذلك.
    يحترم فارس النور الدرس الأساسي لـ ( أي شينغ) : " المواظبة هي الأفضل."
    يعرف أن المواظبة غير العناد. هناك فترات تطول فيها المعارك أكثر من اللازم، مستنفدة قوته و مضعفة حماسته.
    في تلك الأوقات، يفكر الفارس:" إن حربا مُمدّد في عمرها، تدمر، في خاتمة المطاف، حتى البلاد المنتصرة."
    حينذاك، يسحب قواته من ساحة المعركة، مانحا إياه استراحة. يحافظ على قوة إرادته، بيد أنه يعرف متى تأتي اللحظة الأمثل للقيام بهجوم جديد.
    يعود دائما الفارس إلى الصراع. يفعل ذلك ليس أبدا بدافع قلق بل لأنه يلاحظ أن الوضع تغير.


  5. #5
    قاص وناقد
    مشرف وكالة واتا للأنباء سابقاً
    الصورة الرمزية عبد الحميد الغرباوي
    تاريخ التسجيل
    08/01/2007
    العمر
    72
    المشاركات
    1,763
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    تابع/ دليل فارس النور

    يسجل فارس النور بيقين تام، أن هناك لحظات تكرر نفسها.
    غالبا ما يجد نفسه في مواجهة مشكلات و مواقف سبق له أن واجهها. فيشعر لحظتها بالإحباط.
    و يتصور نفسه عاجزا عن التقدم في الحياة، مادامت نفس الصعوبات قد عادت من جديد.
    و يشتكي لقلبه:" لقد مررت بكل ذلك من قبل.".
    فيرد عليه قلبه: " حقيقة أنت عشت كل ذلك، لكن لم تتجاوزه أبدا.".
    و عندئذ يدرك فارس النور أن تكرار التجارب لها هدف وحيد: تلقينه ما لم يتعلمه بعد.

    ****

    يقوم فارس النور دائما بحركات تخرج عن المألوف و المعتاد.
    يمكنه أن يرقص في الشارع و هو متجه إلى عمله. أو أن يحدق في عيني شخص غريب و التحدث عن الحب من أول نظرة. أو أن يدافع عن فكرة تبدو سخيفة. فارس النور يسمح لنفسه بمثل هذه الأشياء.
    لا يخشى البكاء مسترجعا أحزانا قديمة، أو الابتهاج لاكتشافات جديدة. عندما يشعر أن الوقت حان، يترك كل شيء ، و ينطلق إلى المغامرة التي طالما حلم بها. و حين يشعر أنه أعطى كل ما في طاقته من صمود، ينسحب من المعركة، دون الشعور بتأنيب ضمير لاقتراف حماقة أو حماقتين لم يكونا متوقعين.
    فارس النور لا يقضي أيامه محاولا لعب الدور الذي اختاره له الآخرون.

    ****

    نظرة فارسي النور تتوهج بوميض خاص. إنهم في العالم، و هم جزء من حياة الآخرين، ينطلقون في رحلتهم حفاة ، بلا نعال أو زاد، و غالبا ما يحدث لهم أن يكونوا جبناء، و لا يتصرفون دائما التصرف الصحيح.
    يتألم فارسو النور لأتفه الأسباب، لديهم تصرفات وضيعة، و يشهدون أحيانا على أنفسهم أنهم غير قادرين على مسايرة التطور، و أحيانا يرون أنفسهم غير جديرين بأية بركة أو معجزة.
    لا يعرفون على وجه اليقين ما يفعلون هنا. غالبا ما يقضون ليال بدون نوم، معتقدين أن حياتهم لا معنى لها.
    لهذا السبب هم فارسو نور.لأنهم يخطئون. لأنهم يتساءلون. لأنهم يبحثون عن سبب ـ و الأكيد أنهم يجدونه.


  6. #6
    قاص وناقد
    مشرف وكالة واتا للأنباء سابقاً
    الصورة الرمزية عبد الحميد الغرباوي
    تاريخ التسجيل
    08/01/2007
    العمر
    72
    المشاركات
    1,763
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    تابع/ دليل فارس النور

    فارس النور لا يخشى أن يبدو مجنونا في نظر الآخرين .
    يتحدث إلى نفسه بصوت عال حين يكون بمفرده.
    إنها الطريقة المثلى للتواصل مع الملائكة ، هذا ما تعلمه من أحد الأشخاص.
    في البداية، يجد التحدث إلى النفس صعبا للغاية.
    يظن أن ليس لديه ما يقوله، و أنه لن يكرر سوى الكلام الفارغ من أي معنى.
    و رغم ذلك، يصر الفارس.
    كل يوم يتحدث إلى قلبه.
    يقول أشياء لا يِِؤمن بها إطلاقا، يقول أي كلام.
    و ذات يوم، يلاحظ تغيرا في نبرات صوته، و يدرك أنه بصدد حفر قناة لحكمة عالية.
    يبدو الفارس مجنونا، لكن ذلك مجرد قناع.

    ****
    قال شاعر:" فارس النور ينتقي أعداءه".
    يعرف فارس النور مدى قدراته، وليس في حاجة إلى أن ينتقل من مكان إلى مكان متبجحا بميزاته و فضائله.
    و الحال أن في كل لحظة، يبرز من يود أن يبرهن على أنه أفضل منه.
    يعرف الفارس أن لا وجود لـ " أفضل " أو " أسوأ ": فكل شخص متمكن من ملكات ضرورية لشق طريقه الخاص.
    لكن بعض الأشخاص يتمسكون بعنادهم.
    يستفزونه ، يهينونه ، و يعملون كل ما بوسعهم لإثارته.
    و لحظتها ، يهمس له قلبه:" لا تستجب لهذه الإهانات، فلن تضيف شيئا لمهارتك، بل ستنهك نفسك دون طائل."
    لا يهدر فارس النور وقته في الاستجابة للاستفزازات؛ إذ عليه أن يحث السير إلى ما هو مقدر له أن ينجزه.

    ـــ
    يتبع


  7. #7
    قاص وناقد
    مشرف وكالة واتا للأنباء سابقاً
    الصورة الرمزية عبد الحميد الغرباوي
    تاريخ التسجيل
    08/01/2007
    العمر
    72
    المشاركات
    1,763
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    تابع/ دليل فارس النور


    فارس النور يسعى دائما إلى التحسن.
    كل ضربة من سيفه تحمل في داخلها قرونا من الحكمة و التأمل.
    كل ضربة يجب أن تمتلك القوة و حذق كل فرسان الماضي، الذين، و إلى اليوم، لا يزالون يباركون الصراع.
    كل حركة في المعركة، تمجد الحركات التي أرادت الأجيال السابقة نقلها بواسطة التقاليد.
    فارس النور يطور فنية ضرباته.
    ـــــ
    فارس النور جدير بالثقة.
    يرتكب بعض الأخطاء، و يرى نفسه أحيانا أكثر أهمية مما هو عليه في الواقع. بيد أنه لا يكذب.
    حين ينظم إلى أصدقائه و صديقاته حول الموقد، يتحدث إليهم، يعرف أن الكلمات التي تخرج من بين شفتيه، تُحفظ في ذاكرة الكون، شهادة على تفكيره.
    و يتساءل الفارس: "لما أنا كثير الكلام، طالما أني، غالبا غير قادر على تنفيذ كل ما أقوله؟"
    فيجيب قلبه:" إن الأفكار التي تدافع عنها علانية، يجب أن تبذل جهدا للعيش في وفاق معها.
    و لأنه يعتقد أن ما يقوله يعكس ذاته، فإن الفارس ينتهي بأن يصير ذاك الذي يقر أنه هو حقا.

    (يتبع)


  8. #8
    شاعر
    نائب المدير العام
    الصورة الرمزية عبدالله بن بريك
    تاريخ التسجيل
    18/07/2010
    العمر
    62
    المشاركات
    3,040
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دليل فارس النور/باولو كويلهو

    جزيل الشكر على هذه المجهود الكبير.
    تحيتي و تقديري،أستاذ "ع.الغرباوي"

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •