بسم الله الرحمن الرحيم...
سلام الله على الأخ الفاضل عبد الوهاب موسى و على الأحبة الكرام...
الحقيقة أن اللغة العربية و بما أوتيت من رحابة في اللفظ و سعة في المعنى تظل الدقة في التعبير هي الوحيدة المؤدية للمعنى الحق...
ففي مداخلة سابقةرقم(11) هذا ما ذكرت و قد أضفت ما يوضح أكثر ما أردت قوله...
فسبحان الله جل و علا لم يجعل الأنبياء و الرسل عليهم صلوات الله و سلامه صفوة الخلق من بني آدم حتى يصلوا إلى مرتبة "قل للشيء كن فيكون"...بل أيدهم في كل شيء "بإذنه" كما حدث مع عيسى عليه السلام... {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران49....
فكيف يصل إلى ذلك العبد الغير معصوم أصلا من الخطأ ولو كان وليا من أولياء الله الصالحين...فدرجة العبادة و قمتها التقوى التي وصل إليها الأولياء و الصالحون من عباد رب العالمين لن يصلوا إلى القول:"قل للشيء كن فيكون"...لأن ذلك من أمر الله جل و علا كما هي الروح... كما هو الخلق...كما هي الحياة...فلو كانوا الأولياء قادرين على إحياء الموتى...فكان من الأفضل أن يحيوا من ماتوا من قبل أو لأطالوا في أعمارهم و ما ماتوا كباقي البشر... و لكان الأنبياء أولى بهذه الخاصية من غيرهم....أو لكانت الهداية بمشيئتهم...فلماذا لم نجد عبر تاريخ الأولياء و الصالحين من قال في كلمة و هي كن [على سبيل المثال لقرية ظالمة أن تتوب و أن ترجع لله ،فتابت و رجعت] لأن كنه "كن فيكون" هي القدرة المطلقة التي ما بعدها قدرة و التي لا يمكن لعقل أي كان أن يتصورها و التي لا تحتاج لأحد حتى تقوم بالأمر...فهي الاستطاعة المطلقة التي لا تحدها حدود...و ذلك لا يتأتى إلا لله جل في علاه...
و كيف يقبل المتصوف أن يكون الولي أعلى مرتبة من النبي أو الرسول كمنزلة في الدنيا...؟
و لذلك أقول من جديد و لا أبتغي بذلك غير وجه الله و رضاه.
لأبين على قدر علمي البسيط جدا أن الأنبياء و الرسل صلوات الله عليهم و سلامه أعلى مرتبة عند الله جل و علا من الأولياء رضي الله عنهم...على أساس أنهم مكلفون أكثر من غيرهم بتبليغ الرسالة...رسالة التوحيد...و أن الله جل و علا هو القادر على كل شيء و لا شريك له في القدرة المطلقة...لذلك أيد الله جل و علا الأنبياء و الرسل عليهم صلوات الله و سلامه بالآيات و المعجزات لكي لا يكون للناس على الله جل و علا حجة...و زادهم فضلا بما يسمى الدعاء المستجاب...فدعاء الأنبياء و الرسل مستجاب على الفور ما كان تثبيتا لرسالة التوحيد و ما كان دلالة على قدرة الله جل و علا بالاستطاعة المطلقة في كل شيء...أما دعاء المسلمين و منهم الأولياء على أساس أنهم أعلى درجة من العوام في درجة إيمانهم فلقد جاء في الحديث أن الدعاء هو العبادة.
و في حديث آخر
تخريج السيوطي : (خد) عن عائشة.
تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 4047 في صحيح الجامع
عليك بجمل الدعاء وجوامعه قولي اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل وأسألك مما سألك به محمد صلى الله عليه وسلم وأعوذ بك مما تعوذ به محمد صلى الله عليه وسلم وما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته رشدا...
فهل ورد في دعاء الرسول عليه الصلاة و السلام دعاء من قبيل أن يقول" للشيء كن فيكون..."
لكن النهي عن الاعتداء في الدعاء ورد...
قال الشيخ الألباني : حسن صحيح سند الحديث : حدثنا مسدد ثنا يحيى عن شعبة عن زياد بن مخراق عن أبي نعامة عن بن لسعد أنه قال:سمعني أبي وأنا أقول اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا فقال يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيكون قوم يعتدون في الدعاء فإياك أن تكون منهم إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر.
هذا من جهة و من أخرى فلقد اطلعت على مقالة الأخ الفاضل الكريم مصطفى و وجدتها عين العقل...إلا أني لم أقتنع بكلامه فيما يخص مسألة "المشاهدة" بناء على التفسير لمسألة النظر التي وردت في وردت في الآية (143) من سورة الأعراف.(وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ).
ولما جاء موسى في الوقت المحدد وهو تمام أربعين ليلة, وكلَّمه ربه بما كلَّمه من وحيه وأمره ونهيه, طمع في رؤية الله فطلب النظر إليه, قال الله له: لن تراني, أي لن تقدر على رؤيتي في الدنيا, ولكن انظر إلى الجبل, فإن استقر مكانه إذا تجلَّيتُ له فسوف تراني, فلما تجلَّى ربه للجبل جعله دكًّا مستويًا بالأرض, وسقط موسى مغشيًّا عليه, فلما أفاق من غشيته قال: تنزيهًا لك يا رب عما لا يليق بجلالك, إني تبت إليك من مسألتي إياك الرؤية في هذه الحياة الدنيا, وأنا أول المؤمنين بك من قومي.[التفسير الميسر].
( صحيح ) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا وما المبشرات ؟ قال الرؤيا الصالحة . رواه البخاري .
و الرؤيا الصالحة لا تحدث في اليقظة...في حالة الوعي و الإدراك...بل في حالة النوم...و من تم تكون المشاهدة التي ينطلق منها بعض المتوصفة أو جلهم تدخل في إطار حالات "الجدبة" أو " الحضرة" و هي تخيلات ليس إلا...
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }الشورى51.
وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه الله إلا وحيًا يوحيه الله إليه، أو يكلمه من وراء حجاب، كما كلَّم سبحانه موسى عليه السلام, أو يرسل رسولا كما ينزل جبريل عليه السلام إلى المرسل إليه, فيوحي بإذن ربه لا بمجرد هواه ما يشاء الله إيحاءه، إنه تعالى عليٌّ بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله, قد قهر كل شيء ودانت له المخلوقات، حكيم في تدبير أمور خلقه. وفي الآية إثبات صفة الكلام لله تعالى على الوجه اللائق بجلاله وعظيم سلطانه.[التفسير الميسر].
أما أن يرى في لحظات الوعي التام و الإدراك آيات الله جل و علا في نفسه أو فيمن حوله أو في الآفاق فتلك من باب رؤية آيات الله جل و علا و ليس المشاهدة التي تعني رؤية الحق جل و علا...فالمشاهدة هي أثر الحق في خلقه ومخلوقاته من آيات جعلها الله جل و علا تثبيتا للمؤمن الصادق...
كما وجدت بجانبها ما كتبه الأستاذ الجليل محمد فتحي جزاه الله ألف خير و ما أضاف إليه فضيلة الأستاذ بدران و التي ثتلج الصدر و تفي الموضوع حقه بشكل كبير كما تناولت الأخت الفاضلة عائشة خرموش بشكل واضح ما يفرق بين ما هو حق في الصوفية كتصور ينطلق من الإسلام ليقيم الإسلام الحق و بين ما علق ظلما و بهتانا و تلبيسا من إبليس فيما ورد ببعض السلوكيات من المنتمين للإسلام...
و للحديث بقية إن شاء الله...
المفضلات