محاورةٌ مع " عمرو بنَ لَحْيٍ "


د. شاكر مطلق


يا " عمرو بنَ لَحْيٍ "
يا أوّلَ مَن عبدَ الصّنمَ والنارَ
في زمنِ مُلْكِ " نيْسابورَ " العظيمَ
ماذا فعلتَ بنا ، يا هذا؟
كيفَ ، ولماذا ؟ ...

الشّمسُ فَلَكٌ
يدورُ على تخومِ الهَـلاكِ
سيفنى ، ولو بعد دهورٍ
ليكونَ مثلَنا
في مَداراتِ الولاداتِ الجديدةِ
فإلى أين سيذهبُ النّورُ ؟
وهل ستختفي كلُّ أنجُمهِ
هؤلاء الملائكةُ الثُّقاةُ الغَلابى؟
وماذا عن الثالثِ المَكْتومِ
المُتخفِّي في عَتْمةِ النّورِ
فلا نراهُ على الصّليبِ
فهلْ يرانا ؟
ومن يكونُ هو يا تَرى ؟
وأينَ سيكونُ
آنَ نكون نحنُ
في الجحيمِ الأرضيِّ
بلا نورٍ ولا ضياءٍ
أو هواءٍ ورغيفٍ؟...

وماذا عن الأرضِ
فقاعةُ الوَهم في كون العَدميّة الوَسيعِ
وماذا عن الظّلال الَمحبوسة فيها
بلا أملٍ بالخلاص وبالنّجاةِ ... ماذا ؟

هلْ هي الأرضُ، أرضنا
مكانٌ للذّبائحِ وللنّـكاحِ فقط
ولا مكانٌ فيها للتّجلي والحضورِ ؟ ...

حيٌّ ذلك الفَلَكُ البَصيرُ
يسمعُ آهاتِ المعذّبينَ
ولا يجيبُ أو يستجيبُ لنا
ويسمعُ أهاتِ النّـشَواتِ المَمنوعةِ
فيسقُطُ المطرُ ، ويطفئُ الّلهيبَ
فمِن أين سيأتي الدّفءُ والنّورُ
في صقيعِ الشقاءِ الآدميِّ
المنتشي في ستِّ جهاتِ الرّوحِ
وحتى في أقباء الجسدِ العَاتماتِ
وفي دهاليز كهوفِ النّفس الباردةِ
وهلْ ثمّة برزخٌ للعبورِ إلى هناكَ
ومذبحٌ فيه للقرابينِ الجديدةِ ؟ ...

قِدَمُ العناصرِ قد يَضعُفُ ويَنوسُ
في آلةِ الزّمانِ
قد تَعتريهِ البرودةُ
والرُّطوبةُ أو اليَبوسةُ
ويعتريه - عند أرسطو - الحُدوثُ
فهلْ تلك ظاهراتٌ أمْ أصولٌ
وكيف للعلّةِ مهما قَدُمَتْ
أنْ تكونَ بلا حضورٍ
في الفراغِ أو النفوسِ
يا صاحبي ؟ ...

قلْ لنا – يا عمرو بن لَحْيٍ- :
أيُّ نورٍ سوف يأتي
دونَ نارٍ أو حضورٍ
أو دماءِ الأثضحياتِ؟
حتى لو أنّه في فانوسِ الخيالِ يَنوسُ
فهو سيكفي ، يا تَرى

كيما يَريكَ الطريقَ
إلى خرائبِ " بابلَ "
ويدلُّكَ على حرّاسِ القبورِ
يَندبونَ بنشيد " تموزَ "
على رُقيْمٍ محروقٍ ومشْروخٍ
كان يبشّرُ بالأبجديةِ القادمةِ
فدمّره طوفانُ الرّعاعِ الناريُّ
القادمُ من وراءِ البحارِ
غامراً أرض " سومر " وإرثَـها
بالطينِ الأسودِ
وبالقار الأسودِ
وبالدّماءِ الحمراءِ
وأدعية ذوي العَماماتِِ
البيضاءِ والخضراءِ والسّوداءِ
وبكلِّ ألوان الطّيفِ
وقوس القُزَحِ
المتناثر أشلاءً
فوق صحارى عواصم العربِ
و " عروس عروبتهم " السّبيّة...

من بروجِ قصورهم ينظرونَ
إلى شطٍّ ،كان للعربِ
يتأوّهون ، ويفترسونَ
وينامون ، في قـلقٍ ، على صدور الرُّخامِ
وهناكَ " ذوي الرؤوسِ السودِ "
في هلَعٍ يَندبونَ
ويلعنونَ آلهةَ القمرِ
وآلهةَ الثمَرِ والتّمْرِ
وينتظرونَ ولادةَ النّورِ
وعودةَ " تموزَ " القتيل
ولا يزالون ، واقفين ، ينتظرونَ
ولا يعرفون ماذا يفعلون .

" تميمُ بن مُـرّةَ " على دينِ " شُعيبٍ "
" بنو حارثَ " و " كِنْدةُ "
وحتى " حِمْيَرُ " و " كِنانةُ "
تتَهوّدُ ...
" ربيعةُ " و " غسانُ " وبعضُ " قُضاعَةَ "
تتنَصّرُ ...
بعضُ " تَميمٍ"
تتمَجَّسُ ...
وأكثر ُ" قريشٍ "
تتزندَقُ ...
لكن " عبدَ المطّلبِ " و " ابنَ نوفلٍ، ورَقةَ "
و " قُسَّ بنَ ساعِدةَ "
يتحنّفون ويَسجدونَ
فماذا هم فاعلون إذنْ ؟ ...

الكلُّ في حَيْرةٍ
وكلُّهم لا يعلمون َ:

هذا يُـقِـرُّ
وذاكَ يُنكِرُ
وبعضُ " قُـضاعةَ " يتشَرذمُ :
هناك " يَعقوبيّةٌ "
وهنا " نَسْطوريّةٌ "
وإلى بلاد الرومِ ، مُلْكاً وملوكاً
يَهجرونَ ويهاجرونَ
فعنْ أيِّ شعبٍ أصيلٍ
وعن أيّ إرثٍ ثقيلٍ
وثوابٍ وعقابٍ
تتحدثونَ ؟! ...

" الهندُ " تسجدُ للبقرةِ المقدّسةِ
يغتسلونَ من آثامهمْ في النّهر المقدّسِ
وفي بولها يتَطهّرونَ
فيا من في " خُـرْءِ " ملوكهم يركعونَ
لماذا تعجبونَ وتتعجّبونَ
أولا تعلمونَ أنهم معذورونَ
فيما يفعلونَ ؟

أوَلم يُعلمْنا " البَلْخِيُّ "
أنهم إلى سبعةِ أجناسٍ ينقسمونَ
وإلى تسعٍ وتسعينَ مِلَّةً
مدارُها على أربعةِ مِللٍ يكونونَ
وأنهم بالتّناسُخِ يؤمنونَ
وبالشرائعِ من قديمٍ
وإلى ألفِ إلهٍ - دون شهودٍ - يسجدونَ ؟

أمّا أنتم فإلى أيِّ الأجناسِ تنتمونَ ؟
وبالبعثِ - كما تقولونَ - تؤمنونَ
وللواحدِ الأحدِ تسجدونَ
ولكن لماذا أمام الوحشِ الأبيضِ
القادمِ من وراءِ البحارِ
تركعونَ وتبتَهلونَ ؟
وبماذا - إذن - عند الصلاةِ
ستتطهّرونَ
بعد أن ضاعت قوافلُ البَخُورِ واللّبانِ
في رمال صحارى العُربِ
وهل اللعنةُ السوداءُ السائلةُ
تكون بديلاً لماء الوُضوءِ الطَّهورِ ؟...

سَهَوتُم عن الحبيبِ
فحانَ المغيبُ
ومن يا تَرى يراهُ
معلقاً على الصّليبِ
أكان حلاّجاً أو ممسوحاً
فالجرحُ ينزفُ منَ الخاصرةِ
والوحوشُ تجولُ َفي " الناصرةِ "
وفي أحشاءِ " الأقصى "
تُحفَرُ الأنفاقُ، وتوضع الشِّراكُ
والناسُ فيها ، جياعٌ ، يتساقطونَ ؟

في كلِّ يومٍ تَرفعونَ من
عُلوِّ مناراتِكم
و قصورِكم الآيلةِ للسقوطِ
وفي رياءٍ تَشكرونَ وتحمدونَ
وفي جهلكم تتجاهلونَ وتجهّلونَ
والعجلُ ، أمامَ عمائـكم ، يزدادُ سُمناً
ويغدو ربَّ المرحلةِ
فمتى تصحونَ ، ومتى تتحركونَ
أيها الموتى المتَوّجونَ
بالقارِ وبالطاعون الأسودِِ
وبلعنة الأجيالِ ...
متى تَفقَهونَ ؟! ...

هل تنتظرونَ عودة " عمرِو بنِ لَحْيٍ "
يعلِّمكم عبادةَ الصّنمِ من جديدٍ
في زمن مُلْكِ " بوشَ الصغيرِ "
الذى توارى في اللعنة والعارِ
وما زلتم تتعبّدونَ ربَّ البيت الأبيضِ
خادم " يهوةَ " الأمينَ
ربّ الجندِ
قاتل الأطفال والحيوان والإنسانِ
فإلى متى ستظلّون له ساجدينَ
إلى متى؟!
الطوفانُ قد يُمهِلُ
- أيها الحمقى -
ولكنْ إلى حينْ ؟! .
======================
حمص - سورية د. شاكر مطلق
10-8-2009
E-Mail:mutlak@scs-net.org