شاهد عيان يحب باكستان
الفصل الحادي عشر – الجزء الأول
بأي ذنب قتلت
جامعة حفصة والمسجد الأحمر
المدارس الدينية في باكستان عبارة عن معاهد علمية تدرس العلوم الدينية والشرعية والعربية ، ويلتحق بها الطالب منذ صغره ويقيم فيها إقامة دائمة ، والغالبية العظمى من هؤلاء الطلاب من الفقراء المعدمين ، وهذه المدارس لا تتبع الحكومة ولا تخضع لإشرافها ، كما أن الحكومة هي الأخرى لا تنفق عليها شيئاً ، وبعض هذه المدارس"28 %" يتبع وفاق المدارس العربية، وبعضها"22 %" يتبع تنظيم المدارس الدينية، وبعضها"7 %" يتبع رابطة المدارس الدينية والعربية، وبعضها"8 %"يتبع إدارات أخرى، والباقي"35 %"مستقل لا يتبع هيئة أو إدارة من الإدارات .
وفي عام 2002م أصدرت الحكومة الباكستانية قراراً يلزم المدارس الدينية في باكستان " حوالي 13000 مدرسة " (1) بتوفيق أوضاعها وإصلاح أحوالها وتسجيلها لدى الحكومة ، وقررت الحكومة صرف مبالغ معينة لهذه المدارس تساعدها على إصلاح أحوالها وتنفيذ شروط الحكومة في هذا الإصلاح والتي تتركز في إعادة الطلاب الأجانب الدارسين فيها إلا من يأتي عن طريق الحكومة ، وتعديل المناهج وإدخال مواد تدريسية حديثة هي اللغة الإنجليزية ومبادئ العلوم والرياضيات والكمبيوتر وما إلى ذلك .
ورفضت الغالبية العظمى من المدارس الدينية الانصياع لأوامر الحكومة ، وبدأت العلاقات تسوء شيئاً فشيئاً بين الحكومة والمدارس الدينية التي تعتقد اعتقاداً جازماً أن موضوع الإصلاح هذا مجرد أوامر صارمة صادرة عن أمريكا إلى باكستان لتنفيذها ، ورفضت معظم المدارس قبول أي نوع من المساعدات الحكومية .
ومع بدايات العام الجديد 2007م قامت إدارة تطوير العاصمة إسلام آباد الحكومية والسلطات التنفيذية بإزالة بعض تعديات المباني على أراضي الدولة في العاصمة الباكستانية ، ومن بينها سبعة مساجد بنيت بالمخالفة للقوانين منذ عدة سنوات ، وهي مسجد الأمير حمزة والذي يقع في شارع مري ، ومسجد سيدنا ابن عباس بشارع أوركارد ، ومسجد الأمير حمزة والذي يقع في قطاع إيف 10 / 3 ، ومسجد سيدنا علي والذي يقع في قطاع جي 10 ، ومسجد عمر بن عبد العزيز والذي يقع في الحي السكني لموظفي رئاسة الوزراء ، ومسجد حفصه والذي يقع في في قطاع آي 8 ، ومسجد عمر والذي يقع في قطاع جي 8 (2) ، كما قامت الهيئة بتوجيه إنذارات لحوالي 80 مدرسة دينية بنيت بالمخالفة للقانون على حد قول الشيخ عبد الرشيد غازي (3) .
وطبعا حدث استنكار وشجب من كثير من الدوائر الدينية على وجه الخصوص وقطاعات الشعب المختلفة مما تابعته الصحف والجرائد والمجلات في حينه ، ولم تكد تمضي أيام قلائل حتى فاجأتنا الصحف الباكستانية بأن طالبات جامعة حفصة (4) ويبلغ عددهن ما يقرب من ثلاثة آلاف طالبة ، وكلهن منقبات قد تسلحن بالعصي والشوم ، قمن في الحادي والعشرين من شهر يناير عام 2007م بقيادة نائب رئيسها الشيخ عبد الرشيد غازي (5) وأخيه الشيخ عبد العزيز غازي إمام المسجد الأحمر"لال مسجد" (6) الملاصق للجامعة " المدرسة الدينية " باحتلال مكتبة أطفال مجاورة للمسجد والجامعة ، واعتصمن فيها احتجاجاً على :
1 - هدم المساجد ، وخاصة مسجد حمزة ، مهددات بأنهن لن يتركن المكتبة ما لم تقم الحكومة ببناء المساجد التي هدمتها على نفس الأرض .
2 – انتشار أماكن ممارسة الدعارة في إسلام آباد تحت مسميات مختلفة وخاصة ما يعرف بمراكز التدليك والمساج .
3 – التعديلات الدستورية الخاطئة – من وجهة نظر جامعة حفصة – التي أجريت على قانون الحدود بما يهيء مزيدا من الفرص لانتشار الإباحية في البلاد .
4 – عدم تنفيذ الشريعة الإسلامية في باكستان بالرغم من أن باكستان في الأصل قامت من أجل تنفيذ شريعة الله وأحكامه .
هذا ويوجد ما لا يقل عن مائة وخمسين طالبة داخل المكتبة بصفة دائمة ، بينما باقي الطالبات يقمن بالحراسة من الخارج تحسباً لأي خطوة مفاجئة .
والمسجد الأحمر أو لال مسجد ، والذي يطلق عليه المسجد الجامع هو أكبر المساجد في العاصمة الباكستانية إسلام آباد بعد مسجد فيصل المعروف ، وهو في ذات الوقت مركز كبير للاجتماعات المختلفة التي تعقد بعد صلاة الجمعة ومنها الاجتماعات السياسية أيضاً ، ومنه تخرج المظاهرات عادة والتي تواصل سيرها حتى منطقة آب باره المعروف بإسلام آباد .
والمسجد الأحمر مسجد تشرف عليه الدولة ، ويتقاضى خطيبه مرتبه منها ، وأطلق عليه المسجد الأحمر نظراً للونه الذي كان مميزاً به من قبل وهو اللون الأحمر الذي تتميز به المباني الحكومية القديمة ، أما إمام هذا المسجد وهو الشيخ عبد العزيز غازي ، ونائبه أخوه الشيخ عبد الرشيد فهما ابنا المرحوم الشهيد الشيخ محمد عبد الله غازي ، العالم المعروف ، شارك في الجهاد الأفغاني حتى عرف بلقب " غازي : المجاهد الفاتح " ، وله جهود المخلصة في إنشاء العديد من المساجد بالعاصمة الباكستانية إسلام آباد (7) . وقد ظل الشيخ محمد عبد الله غازي خطيباً للمسجد الأحمر حتى مقتله في أواخر التسعينات من القرن العشرين ، ويقال إن الدولة هي التي دبرت قتله حيث كان دائم الانتقاد لها والتحريض ضدها . ومنذ ذلك الوقت عينت الحكومة ابنه الشيخ عبد العزيز غازي خطيباً للمسجد الأحمر خلفاً لأبيه ، وعينت ابنه الثاني الشيخ عبد الرشيد غازي نائباً . والشيخ عبد الله أصلاً من قرية " روجهان " مركز " راجن بور " بإقليم بلوشستان ، وله مدرسة دينية تعرف باسمه حتى وقتنا الحاضر ، وقد تعلم في مدرسة خدام العلوم بمدينة رحيم يار خان ، ثم انتقل إلى مدرسة قاسم العلوم بالملتان لمزيد من التعليم ، وبعدها انتقل إلى مدرسة بنورية تاؤن بكراتشي ، وحصل منها على شهادة عالم فاضل عام 1957م ، وبعد أن فرغ من التعليم عمل لتسع سنوات إماماً بمساجد مختلفة في مدينة كراتشي ، ولما انتقلت العاصمة إلى إسلام آباد قام الرئيس أيوب خان بتعيين الشيخ عبد الله إماماً لأول وأكبر مسجد جامع بالعاصمة وهو المسجد الأحمر الذي يقع بمنطقة جي 6/ 4 بتوسط من بير صاحب ديول شريف ، ومن هذا المسجد وتحت رعاية الشيخ عبد الله انطلقت بعض الحركات السياسية ذات الصبغة الدينية مثل حركة ختم النبوة التي كان يقودها الشيخ مفتي محمود أستاذ الشيخ عبد الله، ثم انطلقت حركة معارضة للرئيس الباكستاني السابق ذو الفقار علي بوتو من هذا المسجد أيضاً ، وكان للشيخ عبد الله علاقات وثيقة مع الرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق ، وبسبب هذه العلاقة ظل الشيخ عبد الله طيلة حياته رئيساً للجنة استطلاع الهلال في باكستان كلها .
وفي عهد الشيخ محمد عبد الله غازي وبمجهوداته الحثيثة عام 1994م تم إنشاء مدرسة السيدة حفصة للبنات على قطعة أرض صغيرة خصصتها السلطات التنفيذية بالعاصمة لبناء المدرسة بناءاً على طلب مقدم من الشيخ محمد عبد الله غازي، هذا وقد بدأ بناء جامعة السيدة حفصة هذه عام 1999م خلف مكتبة الأطفال الحكومية ، ثم ضاق المبنى بالطالبات ، فتقدم المسئولون عن الجامعة إلى السلطات طالبين تخصيص مزيد من الأراضي لتوسعة المدرسة ، وأرفقوا بطلبهم إيصالاً بمبلغ عشرة آلاف روبية هي الرسوم المطلوبة في مثل هذه الحالات ، ولكن السلطات لم تلق بالاً لطلب المسئولين عن المدرسة ، فقامت الجامعة في أواخر عام 2002م بالاستيلاء على قطعتي أرض مجاورة ملك لوزارة التعليم الفيدرالية الباكستانية بالمخالفة للقانون ، وتوسعت المباني فوقها ، وفي الثاني من أبريل من عام 2003م أرسل الشيخ عبد الرشيد غازي خطاباً إلى هيئة تطوير العاصمة يطلب حل الموضوع ، ولكن الطلب سقط فريسة للروتين ، فلم يؤد إلى نتيجة ، وعندئذ قامت السلطات المسئولة عن الجامعة وطبقاً لنظرية الضرورة بالاستيلاء على ثلاث قطع أخرى وأقامت حولها سوراً من الخيام ، وتوسعت المباني فوقها جميعاً ، وخاصة أن هيئة تطوير العاصمة والسلطات التنفيذية كانت تقوم بمنح أراضي لمؤسسات أخرى دون أن تهتم بمطالب الجامعة ، وفي نفس الوقت تقوم السلطات بتسوية النزاعات على الأراضي وتمليكها للهيئات والمؤسسات والأفراد بعد تسوية النزاع ، ولكنها لم تفعل مثل هذا مع الجامعة على حد قول الشيخ عبد الرشيد غازي ، وتواصلت أعمال البناء ، وحتى ذلك الوقت كانت هيئة تطوير العاصمة كانت قد أصدرت حوالي 120 إنذاراً للجامعة لوقف أعمال المباني المخالفة ، ولكن لم يتم تنفيذ هذه الإخطارات من قبل السلطات المسئولة عن التنفيذ ، ولا يدري أحد ما هو السبب وراء تكاسل السلطات التنفيذية في تنفيذ الإخطارات الصادرة بوقف العمل وإزالة المخالفات ، هل كان إهمالاً أم تعمداً لكي يمكن استغلال المسجد والجامعة سياسياً ؟!.
لقد كانت الجامعة في بداية إنشائها عبارة عن مبنى صغير يضم عدة حجرات قليلة التحقت به الطالبات المقيمات فقط ، وكان عددهن في ذلك الوقت لا يزيد على المائة ، بينما يزيد عدد الطالبات في هذه الجامعة اليوم عن ثلاثة آلاف وخمسمائة طالبة، وبها حوالي خمس وسبعين حجرة موزعة على طابقين وبدروم ، ولها فروع أخرى تصل بعدد الطالبات مجتمعاً إلى أكثر من خمسة آلاف طالبة كلهن مقيمات إقامة داخلية بالجامعة ، هذا بالإضافة إلى الجامعة الفريدية بمدينة راولبندي المجاورة لمدينة إسلام آباد والتي تعتبر فرع الجامعة للبنين ، والطالبات يدرسن ويقمن إقامة كاملة مجاناً دون تحصيل أية رسوم منهن ، هذا وتبلغ المساحة التي تشغلها الجامعة الآن أكثر من 22 كنالاً ، ولا يزال مبنى الجامعة قيد التوسع ليستوعب عند اكتماله أكثر من ثمانية آلاف طالبة ، وتشرف جامعة حفصة على ثلاث عشرة مدرسة في أماكن مختلفة في البلاد . أما رئيسة الجامعة فهي السيدة أم حسان زوجة الشيخ عبد العزيز غازي .
وظهرت الطالبات في وسائل الإعلام المختلفة مسلحات بالعصي والشوم وبعض الأسلحة النارية أيضاً داخل الجامعة وحولها وحول المسجد يقمن بالحراسـة وهن متأهبات لأي رد فعل قد يحدث . وأخذت الصحف ووسائل الإعلام تتابع أخبار هذا الموضوع يوماً بيوم ، وخاصة وسائل الإعلام الغربية التي تتصيد للإسلام والمسلمين ما يمكن تضخيمه والإساءة به إليهم ، وأخذت الطالبات يقمن بجولات دعوية في المنطقة المحيطة بالمسجد والجامعة " منطقة آب باره وما حولها " ، ويحرضن أصحاب محلات الكاسيت واسطوانات الكمبيوتر على تغيير نشاطهم " المحرم " إلى نشاط آخر " حلال " ، على وعد بأن يدفعن لهم التعويض الفوري المناسب على حد ادعاء السلطات الحكومية، فتعرض لهن البوليس وألقى القبض على أربعة منهن ، عندئذ قامت الطالبات بقيادة الشيخ عبد الرشيد وأخيه الشيخ عبد العزيز باختطاف اثنين من رجال البوليس انتقاماً للقبض على زميلاتهن ، كما قمن باختطاف ثلاث نساء : السيدة " شميم " وابنتها وزوجة ابنها من العاصمة الباكستانية إسلام آباد أيضاً بحجة أنهن يدرن بيتاً للدعارة ، حيث اشتكى السكان كثيراً من انتشار بيوت الدعارة في العاصمة ، وخاصة من هذه السيدة على حد قول الطالبات ، ولم تفعل الحكومة شيئاً ، بل على العكس شجعت مثل هذه الأعمال بإصدار قوانين تحميها مثل قانون حقوق النساء الذي صدر في نوفمبر 2006م .
وبعد عدة أيام خضعت الشرطة لمطالب الطالبات وأفرجت عن الطالبات الأربع ، فأطلقت طالبات الجامعة سراح الشرطيين بعد أن استولت منهما على أسلحتهما وأجهزة اللاسلكي التي كانت في حوزتهما ، كما أطلقت الطالبات بعد عدة أيام أيضاً سراح النسوة الثلاث بعد أن أعلن توبتهن أمام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وإن كانت السيدة شميم قد أعلنت في لقاء تلفزيوني مع إحدى القنوات التلفزيونية الباكستانية الخاصة المعروفة ( جيو ) أنها أكرهت على الاعتراف بأنها تدير بيتها للدعارة ، وأن هذا كذب واتهام ظالم وأن الطالبات أجبرنها على هذا الاعتراف . على أية حال رحلت السيدة شميم عن العاصمة فأراحت واستراحت .
وبالطبع تلقفت وسائل الإعلام الغربية خاصة هذا الموضوع ونفخت فيه ، وأظهرته على أنه تغلغل للاتجاه الطالباني في عقر دار الحكومة الباكستانية المتكاسلة عن محاربة الإرهاب ، وأنه يجب على هذه الحكومة أن تفعل شيئاً .
والحقيقة أن وسائل الإعلام الغربية تلاحق جامعة السيدة حفصة وتحاصرها بالانتقادات وتتهمها بأنها وكر من أوكار طالبان ، وأنها تحرض على ضرب الأمريكان والمصالح الأمريكية في الدول الإسلامية ، وأنها أفتت بأن من يموت في الحرب ضد أسامة بن لادن والقاعدة لا يصلى عليه صلاة الجنازة باعتباره غير مسلم ، كل هذا قبل موضوع الاستيلاء على مكتبة الأطفال ، وبالتحديد عندما اهتمت الجامعة بأمر مصباح إرم الفتاة الباكستانية من أم غربية وأب باكستاني هو السيد سجاد رانا ، وقامت الفتاة بزيارة الجامعة وعقدت مؤتمراً صحفياً فيها ، وظهرت بالنقاب لدقائق . وقد شغلت قضية هذه الفتاة المحاكم الباكستانية فترة طويلة ، واهتمت بها وسائل الإعلام الغربية كثيراً ، وخاصة جريدة التايمز ، وجريدة ستاندرد والهيرالد وصن وإذاعة البي بي سي وغيرها من وسائل الإعلام الغربية التي أشاعت أن مصباح إرم التحقت بجامعة حفصة وأصبحت عضوة في الطالبان وفي تنظيم القاعدة ، وهكذا جعلت وسائل الإعلام الغربية من الموضوع قضية كبرى وأقامت الدنيا ولم تقعدها منذ صدر حكم المحكمة الباكستانية بالسماح للفتاة مولي كيمبل ( مصباح إرم ، وتبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة تقريباً ، أما مولي فهو اسم الدلع لمصباح ، وأما كيمبل فهو اسم صديق:Boy Friend أمها ) (8) بالقيام في باكستان مع والدها ، وعدم إجبارها على العودة إلى والدتها التي كانت قد رفعت قضية على مطلقها السيد سجاد رانا اتهمته فيها بأنه اختطف ابنتها منها وعاد بها إلى باكستان دون علمها أو إذنها ، وطالبت باستعادة الفتاة لتعيش في بيئة متقدمة وحياة مريحة هي بيئة وحياة أمها الغربية ، بينما تصر البنت على عدم العودة إلى أمها التي ارتدت عن الإسلام وتعيش مع أحد أصدقائها حياة الأزواج كما معروف في أوروبا. وطبعاً هاجت الدنيا ، ووجدت المنظمات غير الحكومية (Non-Governmental Organizations ) جنازة لتشبع فيها لطماً ، وقبلت والدة مصباح إرم قرار المحكمة على مضض بشرط أن يسمح لها بزيارة ابنتها ولقائها كلما أرادت وهو ما وافق عليه والد مصباح إرم وعرضه من قبل .
وأخذت وسائل الإعلام الباكستانية المكتوبة والمسموعة والمقروءة تنقل الأنباء عن العروض المادية المغرية التي تقدمها طالبات جامعة حفصة بقيادة الشيخ عبد الرشيد والشيخ عبد العزيز لأصحاب محلات بيع شرائط الكاسيت واسطوانات الكمبيوتر لكي يغيروا نشاطهم هذا كما أشرنا سابقاً باعتبار أنه نشاط يفسد المجتمع ويخالف الشريعة الإسلامية ، وتذكر الصحف أن أصحاب المحلات رفضوا هذه العروض ، وأنهم يشعرون بخوف شديد على حياتهم ومورد رزقهم بعد هذا العرض الذي قدم لهم ، وإن كان التلفزيون الباكستاني قد عرض مناظر لحرق كميات كبيرة من شرائط الكاسيت واسطوانات الكمبيوتر التي قدمها أصحاب المحلات عن طيب خاطر لطالبات المدرسة ليحرقنها ، في حين تنكر الطالبات أنهن قدمن أية عروض لأية محلات بهدف تغيير النشاط .
ثم تطور الأمر أكثر من هذا فأنذرت الطالبات بقيادة الشيخ عبد العزيز والشيخ عبد الرشيد غازي الحكومة بأن عليها أن تقوم بالإعلان عن تنفيد الشريعة الإسلامية في البلاد خلال سبعة أيام ، وإلا فإن إدارة الجامعة ستقوم باتخاذ الخطوات اللازمة نحو تنفيذ أحكام الشريعة ، وقام الشيخ عبد العزيز غازي بإرسال دعوات إلى العلماء على مستوى باكستان كلها يعوهم فيها إلى التعاون من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية في باكستان ، وهذا ترجمة نص الدعوة :
إلى فضيلة الشيخ :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد التحية
أعرض عليكم الآتي : لقد تأسست باكستان من أجل الإسلام بعد أن قدم مئات الآلاف من المسلمين الشهداء أرواحهم في سبيل هذا الغرض ، وظل علماء المسلمين في باكستان على الستين عاماً الماضية يبذولن جهودهم كل حسب استطاعته من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد ، ولكن لم تحقق هذه الجهود نتائج ملموسة حتى اليوم نظراً لعدم سلوك طريق الجهاد في هذا الشأن ، واليوم تضرب البلاد موجة عارمة من السلب والنهب والعهر والإباحية وفقدان الأمن والأمان ، وهناك أكثر من خمسمائة ألف مركز للفاحشة في باكستان كلها تنتهك فيها حرمات بناتنا وأخواتنا بشكل يومي ، بالإضافة إلى الخمارات وأوكار لعب القمار ، وهنا لا بد أن نتساءل : ما مصير هذه البلاد ؟! وإذا لم نقم بواجبنا المنوط بنا ، ولم نسلك طريق الجهاد علينا أن نتوقع عذاباً من الله تعالى .
لقد قام طلاب وطالبات الجامعة الفريدية وجامعة السيدة حفصة بإسلام آباد بمحاولة لتصحيح الأوضاع مع مركز من مراكز العهر والرذيلة والذي يعمل في العاصمة إسلام آباد منذ ثلاثة عشر عاماً تحت سمع وبصر رجال البوليس ورجال الإعلام وتأييد من الدولة ، رغم الشكوى المريرة التي تقدم بها مراراً أهل الحي في منطقة ( آب باره ) والقضية التي رفعوها ضده ، ولكن لا حياة لمن تنادي ، فدخلت طالباتنا إلى هذا الوكر ، وبقي الطلاب في الخارج ، وحاولت الطالبات إقناع السيدة التي تدير هذا الماخور بالتوقف عن هذه الأعمال المشينة ، ولكنها رفضت وهددتهن ، وبعد فترة ، ولما لم تمتنع السيدة قامت الطالبات بإحضارها ومن معها من السيدات إلى مقر الجامعة وتحدثن معهن ثانية ، وكانت النتيجة أن أعلنت هذه السيدات توبتهن ، لكن هذا أغضب الحكومة كثيراً ، واتحدت الحكومة مع مؤسساتها من أجل حماية وكر من أوكار الدعارة ، وقررت القيام بعملية عسكرية ضد جامعة حفصة في الرابع من أبريل 2007م ، فإذا كان الباطل حساس هكذا تجاه هذه المرأة العاهرة أفلا ينبغي علينا نحن أن نتحد ونحن على الحق !. فإذا لم نفعل فبماذا نجيب الله ورسوله يوم القيامة .
ولهذا فإننا نطالب طلاب المدارس الدينية وغيرهم بسرعة الحضور إلى إسلام آباد ومعهم فرشهم ومصاريف إقامتهم ودون اصطحاب أسلحة لمدة تتراوح ما بين خمسة عشر يوماً إلى أربعين يوماً للاعتكاف في مساجد إسلام آباد ، ولنتمكن من الإسراع بتنفيذ شرع الله ، والقضاء على أوكار الدعارة في إسلام آباد . وبالنسبة للطلاب الكبار يمكنهم اصطحاب العصي معهم ، ونعلن للجميع في هذا الخصوص أنه غير مسموح بالتصادم مع رجال البوليس في حال اعتراض طريقهم أو التعرض لهم بالضرب ، كما أنه غير مسموح بإتلاف أية ممتلكات ، ويمكن مقاومة البوليس إلى حد ما ، ولكن على شرط أن لا تعرض هذه المقاومة الأرواح للخطر ، فنحن نفضل دخول السجن على هذا ، وهناك نستطيع تهيئة الجو للجهاد . أما العلماء الذين يقولون بخطأ هذا الأسلوب فليس لديهم في الحقيقة طريقاً بديلاً مؤثراً للقضاء على أوكار الدعارة ، وكذلك الذين يقولون بوجوب اتخاذ الطريق الديموقراطي ليس لدبهم وسيلة مؤثرة فعالة للقضاء على هذه الأوكار في إطار الديموقراطية ، ونحن في الجامعة الفريدية قد أوقفنا الدراسة لمدة خمسة عشر يوماً من أجل العمل على بذل الجهود لتطبيق الشريعة الإسلامية ، ونطالب العلماء القائمين على أمر المدارس الدينية في البلاد بإيقاف الدراسة في مدارسهم لخمسة أيام حتى يتمكن طلابهم من بذل جهودهم في مناطقهم تجاه اصطحاب أكبر عدد ممكن من الأشخاص إلى إسلام آباد ، وحضور مؤتمر تنفيذ الشريعة وعظمة الجهاد ، والمشاركة في الاعتكاف . ولهذا فإننا نلتمس من العلماء الكرام جميعاً أن يحضروا بأنفسهم ، ويوجهوا طلابهم إلى الحضور أيضاً ، على شرط أن يكونوا ممن يستطعيون تحمل نفقة إقامتهم .
( الشيخ محمد عبد العزيز )
وبعد أيام قليلة أعلنت الجامعة عن إنشاء المحكمة الشرعية يوم الجمعة 6 أبريل 2007م ، وأعلنت عن تعيين عشرين قاضياً شرعياً بها يحكمون بمقتضى الشريعة الإسلامية ، ودعت إلى عقد مؤتمر على مدى ثلاثة أيام بعنوان ( تنفيذ أحكام الشريعة وعظمة الجهاد ) الذي بدأ يوم السبت 7 / 4 / 2007م فعلاً بالمسجد الأحمر ( لال مسجد ) ، وشارك فيه الآلاف من كل أنحاء باكستان ، ولم تستطع الحكومة الباكستانية رد الجموع الزاحفة من كل الأنحاء لحضور المؤتمر والمشاركة فيه . وهاجمت كثير من الأوساط السياسية ووسائل الإعلام هذه الخطوة ، كما خرج حزب ( إم . كيو . إم : الحركة القومية المتحدة ) في مسيرات ضخمة في كراتشي بصفة خاصة للتنديد بإنشاء محكمة القضاء الشرعي هذه ، على اعتبار أنها نظام للقضاء يناطح نظام القضاء في الدولة .
وفي نفس الوقت ترى بعض الأوساط الدينية أن الحكم على محكمة القضاء الشرعي التي أعلن عن قيامها القائمون على أمر جامعة حفصة ليس مناسباً الآن ، نظراً لأن ملامحها وطبيعة عملها وحدود تخصصها لم تتضح بعد ، ولا يعرف أحد حتى الآن عما إذا كان هذا النظام القضائي يتصادم مع النظام القضائي للدولة ويدخل في دائرة التمرد والخروج على النظام والدستور أم سيكون مكملاً له على غرار محكمة الأسرة ، أو المجلس العرفي ، أو ما شابهه من مجالس يحكم من خلالها الموثوق فيهم بين الناس في الأمور التي يلجأون إليهم فيها ويروضون بحكمهم ويلتزمون بتنفيذه بطريقة ودية بمباركة من الحكومة ودون تدخل منها ، وهو ما لا يتعارض مع الدستور على حد قولهم .
وترى هذه الأوساط الدينية أن مسألة الإعلان عن قيام محكمة أهلية ( خاصة ) للقضاء الشرعي ليست بدعاً على أرض الواقع ، سواء على المستوى العالمي ، أو على المستوى المحلي داخل شبه القارة الهندية ، فالتاريخ يقول إن مثل هذه المحاكم قد أعلن عن قيامها في شبه القارة الهندية منذ الاحتلال البريطاني وقبل التقسيم (9) وإلى الآن ، وعلى وجه التحديد في إقليم بيهار حيث أقيمت محكمة أهلية خاصة لحل النزاعات الأسرية للأسر المسلمة في ضوء القرآن والسنة تحت مسمى ( الإمارة الشرعية ) ، ولم تتعرض حكومة الاحتلال البريطاني لهذه المحكمة في شيء ، كما لم تتعرض لها أيضاً الحكومة الهندية العلمانية منذ الاستقلال وحتى اليوم ، واختير الشيخ القاضي السيد سجاد لهذا الأمر تحت مسمى ( أمير الشريعة ) ، ثم تولى هذا المنصب الشيخ منت الله رحماني والشيخ القاضي مجاهد الإسلام وغيرهما ، ويرأس هذه المحكمة في أيامنا هذه الشيخ خالد سيف الله رحماني . والأكثر من هذا أن جمعية علماء الهند في مرحلة من المراحل أعلنت عن قيام هذا النظام القضائي على مستوى الهند كلها ، واختارت الشيخ المحدث حبيب الرحمان أعظمي أميراً للشريعة على مستوى الهند كلها ، وخلفه على المنصب الشيخ سعد مدني ، ويتولى المنصب هذه الأيام الشيخ سيد أرشد مدني .
وعلى مستوى العالم الغربي نجد الدستور الأمريكي يسمح لأبناء أية طائفة دينية بإنشاء محاكم أهلية خاصة بهم تحكم بينهم بما يتوافق مع دينهم ، وتعترف الحكومة الأمريكية بأحكام هذه المحكمة وتحترمها ، وليس على أبناء هذه الطائفة سوى اللجوء إلى المحكمة الدستورية الأمريكية واستصدار موافقة منها ثم إنشاء المحكمة ، وهذا الأمر منفذ على المستوى العملي في أمريكا بالفعل ، فهناك المحكمة اليهودية التي تتولى فض النزاعات الأسرية والمالية للطائفة اليهودية في أمريكا ، كما أقيمت فيما بعد محاكم شرعية إسلامية أهلية خاصة على نفس الغرار السابق في مدن شيكاغو وأتلانتا ونيويورك بمجهود الجالية الإسلامية هناك . والأهم من هذا كله أن هناك محاولات جرت في باكستان نفسها لإنشاء مثل هذه المحاكم في عهد رئيس الوزراء الأسبق ذو الفقار علي بوتو في اجتماع جمعية علماء الإسلام بمدرسة نصرة العلوم بمدينة كوجرانواله في أكتوبر من عام 1975م برئاسة الشيخ محمد عبد الله درخواستي ، وشارك في هذا الاجتماع أكثر من خمسة آلاف عالم من مختلف أنحاء باكستان يمثلون الأقاليم الأربعة وكشمير الحرة ، وأعلن رئيس الجمعية في ذلك الوقت الشيخ المفتي محمود عن قيام المحاكم الشرعية على مستوى باكستان كلها ، وتشكيل لجنة لتنفيذ هذا الأمر برئاسة الشيخ المفتي محمود ذاته ، وعضوية كل من الشيخ عبد الكريم قريشي من بير شريف – لاركانه ، والشيخ محمد سرفراز خان صفدر ، وكان المسئول عن هذا الأمر على مستوى البنجاب الشيخ المفتي محمد عبد الله من الملتان ، والشيخ القاضي حميد الله من كوجرانواله ، وقامت حكومة حزب الشعب الباكستاني في ذلك الوقت بإعلان تأميم مدرسة نصرة الإسلام انتقاماً وضمها إلى وزارة الأوقاف ، ولكن العلماء قاوموا هذا الخطوة على مستوى البلاد كلها ، وعانوا لأربعة أشهر متتالية من الاعتقال ودخول السجن حتى اضطرت الحكومة في نهاية الأمر إلى التراجع عن إعلانها ، وعملت بعض هذه المحاكم بالفعل ، لكنها فشلت في الاستمرار ، ولم يكن فشلها بسبب مخالفتها للدستور الباكستاني أو صدور أحكام تؤكد مخالفتها للقانون مثلاً ، وإنما كان بسبب بعض القصور الإداري إضافة إلى أمور أخرى ، حيث وقعت بعض الأحداث التي لم تمكن هذه الحركة من الاستمرار والمواصلة منها وفاة الشيخ المفتي محمود رئيس الجمعية ، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد والانشغال بالانتخابات وغيرها (10) .
كل هذا يجري في العاصمة الباكستانية ، والمفاوضات جارية أيضاً بين الطرفين ( الحكومة والجامعة ) لفض هذا النزاع سلمياً . وما أن خرجت شائعات تقول بأن الحكومة عازمة على التدخل بالقوة لفض هذا الاحتلال وتفريق الطالبات والقضاء على هذه الفتنة بالقوة حتى أعلنت الجامعة بقيادة الشيخ عبد الرشيد أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي حيال هذا الأمر إذا وقع ، وأنهم سيدعون إلى الجهاد المسلح ، وسيطلقون سلسلة من الهجمات الانتحارية الاستشهادية باعتبار أنه ليس بيدهم غير هذا ، ولن يكون أمامهم خيار آخر .
ثم قامت إدارة جامعة حفصة والمسجد الأحمر بإصدار فتوى تدين فيها وزيرة السياحة الباكستانية نيلوفر بختيار لأنها سمحت لرجل فرنسي باحتضانها عندما قفزت بالمظلة من الطائرة في الهواء كنوع من الترويج للسياحة في باكستان ، وكان هذا الفرنسي الذي احتضن نيلوفر بختيار هو المدرب الذي دربها على القفز ، وكبيراً في السن أيضاً ، وطالبت الفتوى الحكومة الباكستانية بإقالة وزيرة السياحة المذنبة ، ورغم أن الحكومة لم تنصت إلى ما أصدره مجلس الفتوى بجامعة حفصة والمسجد الأحمر إلا أنها لم تدافع عن وزيرتها مما حدا بها إلى تقديم استقالتها ، وقبلت الحكومة الاستقالة مما حزّ في نفس نيلوفر بختيار كثيراً وانتقدت الحكومة في هذا الصدد ، وفي نفس الوقت رفعت قضية ضد إدارة جامعة حفصة والمسجد الأحمر بسبب الضرر المادي والمعنوي الذي تكبدته بسبب هذه الفتوى .
وفي مساء يوم الجمعة 22 / 6 / 2007م قامت طالبات جامعة حفصة بالتعاون مع الجامعة الفريدية بخطف تسعة أفراد من مركز للتدليك ( المساج ) في العاصمة إسلام آباد ، بحجة أنهن يرتكبن أعمالاً منافية للآداب والدين تحت ستار موضوع التدليك هذا ، وأن السكان قد اشتكوا من ذلك مرات عديدة مما اضطر الجامعة إلى القيام بما كان ينبغي أن تقوم به الحكومة . هؤلاء الأفراد عبارة عن ستة نساء صينيات ورجل صيني ورجلين باكستانيين ، ثم بعد مفاوضات مضنية مع الحكومة بقيادة شجاعت حسين الأمين العام لحزب الرابطة الإسلامية " جناح القائد " ممثلاً عن الحزب الحاكم ، وتدخل من كبار الشخصيات وعلماء الدين في البلاد تم الإفراج عن المخطوفين بعد أن تعهدت الحكومة على حد قول الشيخ عبد العزيز غازي نائب إمام المسجد الأحمر في بيان صحفي له بأن تقوم بغلق هذه المراكز في العاصمة ، وفي نفس الوقت استنكرت الحكومة الصينية خطف مواطنيها في باكستان ، وطالبت الحكومة الباكستانية بالعمل على تأمين المواطنين الصينيين على أراضيها . ومن الجدير بالذكر أن عدداً كبيراً من الصينيات اللائي يعملن في موضوع التدليك هذا بالعاصمة الباكستانية إلى إسلام آباد قد رحلن إلى مدينة لاهور في انتظار تحسن الأحوال في إسلام آباد ، وقد اعترفن أن من بينهن من كن يقمن بالفعل بأعمال منافية للآداب داخل محلات التدليك هذه ، كما اعترفن بأن مسألة التدليك هذه كانت تدر عليهن ربحاً مادياً كبيراً باعتبار أن سكان العاصمة الباكستانية من الدبلوماسيين والأجانب وأثرياء باكستان ، وأن محل التدليك الواحد كان يستقبل في اليوم الواحد حوالي أربعين من زبائن التدليك ، وكانت الرسوم التي تحصل مقابل هذا ألفي روبية عن الزبون الواحد في المتوسط ، أي أن محل التدليك الواحد كان يحقق ربحاً يومياً ثمانين ألف روبية : ثمانية آلاف جنيهاً مصرياً تقريباً في المتوسط ، وعلقت الصينيات على هذا الأمر بأن مثل هذا الربح لا يمكن أن يتحقق لهن في أي مدينة باكستانية أخرى سوى إسلام آباد .
وهكذا مضت شهور عديدة على بداية وقوع هذه الأحداث منذ احتلال الطالبات لمكتبة الأطفال تحلت الحكومة الباكستانية فيها بالصبر وضبط النفس ، ولم تحاول خلال تلك الفترة أن تتدخل بالقوة لفض النزاع وكانت تستطيع ذلك وبأسرع وقت ممكن ، ولكنها فضلت استمرار التفاوض لعل وعسى يتم التوصل إلى حل يجنب الطرفين مشاكل كثيرة يمكن أن تحدث مستقبلاً في حالة التدخل بالقوة ، ولكن لم تنسحب الطالبات من المكتبة، وأثار هذا نوعاً من الشك لدى الشعب الباكستاني حول حقيقة هذا الأمر من أساسه ، واعتبره الكثيرون أمراً من تدبير الحكومة الباكستانية نفسها وبمباركة منها ، إذ كيف تتدخل الحكومة بقوة الجيش في منطقة وزيرستان بإقليم بلوشستان للقضاء على التمرد القائم هناك ، وفض النزاع بين السنة والشيعة ، وهي مناطق خطيرة وبعيدة جدا عن العاصمة نفسها وتكلف الحكومة خسائر باهظة ، وفي نفس الوقت لا تستطيع حتى الآن أن تصل إلى حل في موضوع الجامعة هذا وهو في عقر دارها وتحت أنفها وفي قلب عاصمتها ، وهذا يعني أن الحكومة لها مصلحة خاصة في استمرار هذه الأزمة وعرضها على الرأي العام العالمي ، وخاصة الأوروبي والأمريكي ، وذلك لكي تقنع العالم وخاصة أمريكا أن وجود برويز مشرف في سدة الحكم في باكستان أمر حيوي للغاية ولا بديل عنه ، لأنه في الوقت الذي سيخرج فيه مشرف من الحكم سيستولي المتشددون والمتطرفون أمثال هؤلاء على الحكم ، وتتعرض المصالح العالمية للخطر ، وتقع مفاتيح الأسلحة النووية في يد المتطرفين والإرهابيين ، وبهذا ينال مشرف تأييد أمريكا باعتباره الرئيس الضرورة .
هذا من جانب ، ومن جانب آخر يعتقد كثير من الشعب الباكستاني أن الحكومة ظلت تطيل في هذه الأزمة لتصرف الأنظار عن القضية الساخنة في وقتها على الساحة الباكستانية وهي قضية وقف قاضي قضاة باكستان عن العمل وعزله ومحاكمته ، حيث أخذ الأمر شكل حركة معادية للحكومة من السادة المحاميين وأحزاب المعارضة مما لم تكن الحكومة أصلاً تتوقع أن يحدث بهذا الشكل (11) ، فأرادت أن تلفت الأنظار إلى شيء آخر فاختلقت هذه الأزمة الخاصة بجامعة حفصة .
ولكن اختطاف الصينيين من العاصمة إسلام آباد ، والرسالة التي وجهتها الصين إلى الحكومة الباكستانية تطالبها بتوفير الأمن للمواطنيين الصينيين على أرض باكستان كان له مفعول السحر ، إذ أن الصين هي أكثر الدول وقوفاً إلى جانب باكستان على الإطلاق ، وهو الدولة الحدودية القوية الوحيدة الصديقة لباكستان ، وتعد ظهر باكستان القوي على الساحة السياسية والعسكرية في مقابل الهند ، وهي التي تمد يد المساعدة لباكستان في كل المجالات دون تردد أو تباطئ ، ويوجد حوالي ألفان من الصينيين الذين يعملون في المشاريع الصناعية الباكستانية الصينية المشتركة على أرض باكستان . ولهذا خططت الحكومة الباكستانية لاقتحام الجامعة والمسجد ، فاستدعت حوالي خمسة عشر ألفاً من قواتها الخاصة من الفرقة 111 بأسلحتهم الخفيفة والثقيلة ، ورابط هؤلاء في المنطقة المحيطة بداية من يوم 4 يوليو 2007م للقيام بعملية الاقتحام التي أطلقت عليها وسائل الإعلام اسم " عملية الصمت " ، بينما أطلق عليها الجيش اسم " عملية طلوع الشمس " ، ولكنها اشتهرت بالاسم الأول ، وفرضت القوات حظر التجول على الحي القريب من المسجد والمدرسة وهو حي جي 6 ، ووجهت القوات الباكستانية إنذاراً إلى قيادات المسجد والجامعة والطلاب والطالبات المرابطين بالداخل بالخروج من المسجد والجامعة والاستسلام ووضع السلاح ، وإلا واجهوا جميعاً أموراً لا تحمد عقباها ، كما دعت الحكومة القائمين على أمر المسجد والجامعة ، أي الشيخ عبد العزيز غازي والشيخ عبد الرشيد غازي إلى التفاوض لحل المشكلة سلمياً ، وبدأت المفاوضات المباشرة بالفعل عن طريق التليفونات المحمولة ، وغير المباشرة عن طريق علماء باكستان وكبار رجال السياسة المعارضين وعلى رأسهم الشيخ فضل الرحمن أمير جمعية علماء الإسلام وزعيم كتلة المعارضة المعروفة باسم " متحده مجلس عمل : M.M.A " ، وممثلين للحكومة وعلى رأسهم السيد شجاعت حسين الأمين العام للحزب الحاكم " حزب الرابطة الإسلامية (ق) " ، وإعجاز الحق ابن الرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق ووزير الشئون الدينية في حكومة برويز مشرف ، ووزير الإعلام محمد علي دراني وغيرهما من الوزراء ورجال السياسة ، والقائمين على أمر وفاق المدارس الدينية في باكستان وعلى رأسهم الشيخ قاري حنيف جالندهري ورجل المجتمع الباكستاني المعروف عبد الستار إيدهي الذي استدعته الحكومة الباكستانية خاصة من لندن ، وزوجته السيدة بلقيس إيدهي .
هوامش :
1 - في البنجاب 5459 مدرسة ، وفي إقليم الحدود 2843 مدرسة ، وفي السند 1935 مدرسة ، وفي المناطق الشمالية التابعة للمركز Federally Administrated Northern Areas FANA ) ) 1193 مدرسة ، وفي إقليم بلوشستان 769 مدرسة ، وفي كشمير الحرة 586 مدرسة ، وفي المناطق القبلية التابعة للمركز ( Federally Administrated Tribal Areas ( FATA ) ) 135 مدرسة وفي مناطق إسلام آباد العاصمة 77 مدرسة .
2 - طبقاً لما ينشر في وسائل الإعلام الباكستانية قبلت الحكومة مطالبة الطالبات بتخصيص أراضي للمساجد التي هدمتها إدارة تطوير العاصمة وإعادة بناء المساجد مرة أخرى على هذه الأراضي ، كما قبلت الدولة إعادة بناء مسجد حمزة من جديد على نفس موقعه ، وهو الذي هدمته السلطات في 21 يناير من عام 2007م دون سبب مفهوم سوى الأغراض الأمنية ، وكان من المساجد الكبرى في المنطقة ، وبني قبل ما يقرب م 100 عام ، وبالفعل تم وضع حجر الأساس ، وكرد فعل قامت الطالبات بالسماح للأطفال باستخدام المكتبة ، ولكن لم يتم اتخاذ خطوات أخرى للبناء فعاد الأمر لما كان عليه .
3 - نائب خطيب المسجد الأحمر الشيخ عبد العزيز غازي وأخوه أيضاً . راجع لقاء معه على الصفحة الثامنة من مجلة فيملي الأردية الأسبوعية بتاريخ 29 أبريل إلى 5 مايو 2007م .
4 - الجامعة هنا ليس معناها الجامعة بالمعنى المفهوم بالعربية ، وإنما تطلق كلمة جامعة في باكستان على المدرسة الدينية التي يتلقى فيها الطلاب العلوم الدينية ولا تنفق عليها الحكومة أو تمدها بشيء ، وقد تكون هذه المدرسة كبيرة جدا وبها التخصصات الدينية كلها فيما يشبه جامعة حقيقية ، والطلاب يلتحقون بهذه المدارس في سن صغيرة ، ويواصلون دراستهم وإقامتهم فيها حتى الحصول على الشهادات المطلوبة في التخصصات المطلوبة ، وهي شهادات تختلف بالطبع عن شهادات الحكومة ، وتعترف الحكومة ببعضها ولا تعترف بالبعض الآخر ، ومصدر دخل هذه المدارس يعتمد بشكل أساسي على تبرعات أهل الخير والمحسنين من الناس .
5 - رئيس الجامعة هي السيدة أم حسان زوجة الشيخ عبد العزيز غازي .
6 - سمي المسجد الأحمر بهذا المسمى نظراً للون الأحمر المطلي به من الخارج .
7 - من بينها مسجد الرحمان ومسجد الصديق الأكبر ، وهما مسجدان متعددا الطوابق .
8 - هذا هو ما صرحت به الفتاة مصباح إرم في المؤتمر الصحفي الذي عقدته في جامعة حفصة حيث قالت إن وسائل الإعلام الغربية تطلق عليها اسم مولي كيمبل ، وأن كيمبل هذا هو اسم صديق والدتها ، وهي لا تحب أن تنادى بهذا الاسم ، كما صرحت بأنها غير ملتزمة بأي اتفاق بين والدها ووالدتها ، وأنها صاحبة الحق الوحيد في تقرير مصير نفسها باعتبار أنها بالغة ولها حرية الاختيار طبقاً لما أفتى به العلماء لها .
9 - قبل تقسيم شبه القارة الهندية إلى الهند وباكستان في الرابع عشر والخامس عشر من أغسطس عام 1947م .
10 - من مقال للشيخ أبو عمار زاهد الراشدي في صحيفة باكستان اليومية التي تصدر من لاهور بتاريخ 20 أبريل 2007م ، وكان الشيخ الراشدي من بين الذين شاركوا في وضع اللوائح التنفيذية لهذه المحاكم الشرعية الأهلية الخاصة .
11 - أصدر المجلس الأعلى للقضاء حكمه بتاريخ 20 . 7 . 2007م ببطلان القضية المرفوعة ضد قاضي القضاة وإعادته إلى منصبه على الفور .