شاهد عيان يحب باكستان
الفصل الحادي عشر – الجزء الثاني
بأي ذنب قتلت
جامعة حفصة والمسجد الأحمر

والحقيقة أن المفاوضات لحل هذه المشكلة سلمياً قد بدأت قبل هذا التاريخ بكثير ، وبالتحديد منذ استولت الطالبات على المكتبة الحكومية ، وخاصة من خلال القائمين على أمر وفاق المدارس العربية التي تمثل الاتجاه الديوبندي في البلاد ، وهو المسلك الذي ينتمي إليه الأخوان غازي : عبد الله وعبد العزيز ، فقد قام وفد من وفاق المدارس العربية بقيادة رئيسها الشيخ سليم الله خان ، وعضوية كل من الشيخ المفتي محمد تقي عثماني ، والشيخ الدكتور عبد الرازق اسكندر والشيخ حسن جان والشيخ القارئ محمد حنيف جالندهري وغيرهم من العلماء بالسفر إلى إسلام آباد والالتقاء بالمسئولين الحكوميين ومطالبتهم بإعادة بناء المساجد التي هدمت على الفور ، ثم التقى الوفد بالأخوين غازي ، وأكد لهما خطأ استيلائهما على المكتبة ، وطالبهما بضرورة التخلي فوراً عن هذا الموقف ، وإخلاء المكتبة ، واللجوء إلى القنوات الشرعية والقانونية لتحقيق مطالبهما التي تؤيدهما فيها إدارة وفاق المدارس العربية بالفعل ، لكن الشيخين رفضا الانصياع لمطالب الوفد ، وأكدا أنهما على حق فيما يقومان به ، وبالتالي قامت إدارة وفاق المدارس العربية في اجتماعها المنعقد بتاريخ 18 ، 19 أبريل 2007م بالغاء تبعية جامعة حفصة والجامعة الفريدية لها ، وإصدار البيان اللازم في هذا الشأن ، وهذه ترجمة البيان :
** لقد قامت جمهورية باكستان الإسلامية على أساس الهوية المستقلة للأمة الإسلامية حتى يمكن تحقيق خطوة نحو تشكيل دولة ومجتمع مثالي في ضوء قواعد ومبادئ القرآن والسنة والأحكام الواردة بهما ، وخلال الستين عاماً الماضية ( منذ قيام باكستان عام 1947م وحتى عام 2007م ) تم التأكيد دستورياً على هذا الأمر أكثر من مرة في قرار التأسيس ( 23 مارس 1940م ) ، ودستور عام 1973م ، ولكن من الناحية العملية لا يزال الشعب الباكستاني حتى يومنا هذا يقف عند نقطة الصفر ، ليس هذا فقط ، بل إن الطبقة الحاكمة والإدارات السيادية في البلاد منهمكة في بذل جهود مذمومة من أجل إضعاف القيم الإسلامية ومحو كل أثر للتأثير الديني .
** وهناك استخفاف كبير بالقيم الدينية والأحكام الإسلامية تحت مسمى التنوير الفكري والاعتدال ، وتستعمل وسائل الإعلام المختلفة على أوسع المستويات من أجل نشر الرذيلة والإباحية ، ويطلق العنان لآلاف من الجمعيات الأهلية غير الحكومية ( جي . إن أو ) التي تتلقى تمويلها من الخارج بنشر الانحراف الخلقي والتشتت الفكري في المجتمع ، وتوجه الاتهامات إلى أصحاب الاتجاهات الدينية والقوى الإسلامية الحقيقية بغرص هز ثقة الشعب فيهم ، وتشجع مراكز العهر والإباحية ، وفتحت الأبواب للتغيير والتبديل في الأحكام الشرعية بإدخال التعديلات المفتراة على قانون الحدود ، ويمهد السبيل من أجل إلغاء القيود على الخمور وإنهاء عقيدة ختم النبوة والتهاون في قداسة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ، ويعمل على قدم وساق من خلال هذه الخطوات وما يشبهها ، وطبقاً لخطة معينة تهدف إلى جعل باكستان دولة علمانية .
** يتم تغيير وجهة النظام التعليمي في البلاد ، وتتخذ خطوات متواصلة بإيحاء من القوى العلمانية الدولية لتجريد النظام التعليمي الحكومي من كل أثر للمواد الدينية ، ويتم تحويل المعاهد التعليمية إلى مراكز لنشر ثقافة الإباحية الغربية بدلاً من تهيئة وتوفير البيئة والتربية الإسلامية لها ، وتجري المحاولات من أجل حرمان المدارس الدينية من دورها الحر عن طريق تشويه سمعتها والضغط عليها والتدخل السافر الذي لا محل له في شئونها ، ويتم تقديم باكستان على المستوى الدولي باعتبارها أداة في يد القوى العالمية المعادية للإسلام بدلاً من تقديمها ممثلة للإسلام .
وأمام هذه الإجراءات وهذا السلوك من قبل الحكومة ومؤسساتها ظهرت ردود أفعال شديدة نتيجة لهذا الاتجاه السلبي للحكومة ومؤسساتها على مدى ستين عاماً ، رغم أنها ردود أفعال أحزنت وأقلقت كل المحبين للوطن ، وبالتالي سلكت طبقة من الشعب طريق العنف بعد أن أصابها الإحباط واليأس التام من الحكومة ومؤسساتها فيما يتعلق ببناء المجتمع الإسلامي طبقاً للدستور والحفاظ على الهوية الإسلامية لهذا المجتمع ، وهكذا وقعت أحداث في العاصمة والمناطق القبلية وغيرها تخالف القانون وتأسره لديها .
** وتؤمن إدارة وفاق المدارس العربية بالكفاح الدستوري السلمي في سبيل القضاء على الفواحش والمنكرات وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية والحفاظ على القيم الدينية ، وفي نفس الوقت لا تؤمن الإدارة بأية صورة من صور الكفاح الذي يؤدي إلى الصدام المباشر المسلح مع الحكومة وإيذاء الشعب والاستيلاء على القانون بالقوة . ومع ذلك فإن الإدارة ترى أنه من الضروري أن تؤكد على أن كل أشكال العنف التي ظهرت ما هي إلا رد فعل اضطر إليه البعض بسبب هذا السلوك السلبي المستمر من الحكومة ومؤسساتها تجاه الحفاظ على القيم الإسلامية في المجتمع ، ولهذا فإن هذه الإدارة تعلن براءتها من كل أشكال الاستيلاء على القانون بالقوة ، ومن كل صور التشدد والعنف الذي يرتكب في سبيل الحفاظ على القيم والأخلاقيات الإسلامية ، وفي نفس الوقت تطالب الحكومة بأن تعيد النظر في سياستها وتوجهاتها ، وأن تتحمل مسئولياتها تجاه القرآن والسنة ، وتجاه الواجبات التي نص عليها الدستور الباكستاني ، وتغير من هذه السياسات التي تسبب في خلق الوضع المتأزم الحالي .
** كما يؤكد مجلس إدارة وفاق المدارس العربية بباكستان على موقفه تجاه استيلاء جامعة حفصة على المكتبة الحكومية بإسلام آباد ، أما فيما يتعلق بمطالب طالبات جامعة حفصة والقائمين على أمرها والتي تتضمت :
1 – تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في البلاد .
2 – إعادة بناء المساجد التي تم هدمها في إسلام آباد على الفور .
3 – إغلاق مواخير الدعارة ومراكز الفحش .
4 – إلغاء قانون " الحفاظ على حقوق النساء " المزعوم والذي يخالف الشريعة الإسلامية .
فإن مجلس إدارة وفاق المدارس العربية يؤكد على أنها مطالب مشروعة وصحيحة وضرورية ، ليس هذا فقط وإنما تعبر عن نبض الشعب الباكستاني أيضاً ، كما أنها متطلب لا مفر منه من متطلبات الدستور الباكستاني ، ولهذا فإن المجلس يؤيد هذه المطالبات ويناشد الحكومة أن تلتزم بمسئولياتها تجاه الإسلام وتجاه ما فرضه الدستور وتعلن موافقتها على هذه المطالب ، وتبدأ في اتخاذ الخطوات العملية في تنفيذها ، إلا أن المجلس في ذات الوقت لا يتفق أبداً مع الطريق الذي سلكته طالبات وإدارة جامعة حفصة ، وتعلن خطأ هذا الطريق ، وقد قام وفد على أعلى مستوى من إدارة وفاق المدارس العربية بالتوجه إلى إسلام آباد ولقاء المسئولين مرات عديدة ، والأكثر من ذلك أن وفاق المدارس العربية أعلنت إنهاء إشرافها على جامعة حفصة نظراً لانحرافها عن قرار وفاق المدارس وموقفها .
** يعلن هذا المجلس أن انحراف القائمين على أمر جامعة حفصة والمسجد الأحمر عن قرار وفاق المدارس العربية أمر مؤسف ، ويطالبهم بإعادة النظر في موقفهم والرجوع إلى حظيرة القيادات العلمية والدينية العليا في البلاد ، حتى يمكن التوصل إلى حل مشرف ومؤثر لهذه القضية . وفي نفس الوقت يحذر هذا المجلس الحكومة من أن أي إجراء عنيف سيزيد المشكلة تعقيداً ، ولهذا عليها أن تعمل على تغيير سياستها ، وتحاول التوصل إلى حل للمشكلة عن طريق المفاوضات بدلاً من التشبث بموقفها .
** يبدي هذا المجلس قلقه وتخوفه من بعض العناصر التي تستغل مشكلة استيلاء جامعة حفصة على المكتبة الحكومية وما شابهها من المشاكل من أجل تسريع حملتهم ضد القوانين الشرعية في البلاد ، ومن المكن أن تزيد تصريحاتهم السلبية والمظاهرات التي يقومون بها الأمر سوءاً وتعقيداً ، وكلها تفوح منها رائحة عفنة للتآمر على زيادة الكراهية المتبادلة بين الأوساط الدينية والأوساط العلمانية ، وتخلق حالة من الحرب الأهلية ، ولهذا فإن هذا المجلس يطالب كل الأوساط الدينية والقومية في البلاد بأ يتحملوا مسئولياتهم ، وينتبهوا لما هو حادث ، وأن يقوموا بواجبهم تجاه تجنيب الشعب أخطار التشتت الفكري والحرب الأهلية .
** يعلن المجلس أن المعلومات التي تقول إن هناك زيادة ملحوظة في أعداد المسئولين الحكوميين ورجال الأمن داخل المدارس الدينية في إسلام آباد وراولبندي ، ونشر الرعب في هذه المدارس تحت مسمى التفتيش هي معلومات مقلقة وتحرض على الإثارة ، وهي – حال صحتها – تعني مخالفة الحكومة لما اتفق عليه حتى الآن ، ويجب وقف كل هذا فوراً .
** يعلن المجلس أن المعلومات التي تقول إن الحكومة تنوي نقل المدارس الدينية خارج حدود إسلام آباد لدواعي أمنية هي – في حال صحتها – معلومات مؤسفة وتثير الاضطرابات ، لأنه إذا حدث هذا – لا قدر الله – سيكون هذا بمثابة السلوك المتعنت للغاية ضد المدارس الدينية ، إذ أن مئات المدارس الخاصة والمنظمات غير الحكومية التي تدار برؤوس أموال أجنبية تعمل في العاصمة دون أن يتعرض لها أحد ، ولهذا فإن أي إجراء مثل هذا ضد المدارس الدينية بمثابة العمل على حرمان سكان العاصمة من التعليم الديني وهو ما لن يقبله أحد ، وستواجه الحكومة في هذا الصدد مقاومة شعبية شديدة .
** يعلن هذا المجلس استنكاره الشديد لتحليق طاهرات الهيلوكبتر ( الحوامات ) على ارتفاعات منخفضة فوق جامعة حفصة ، كما يشجب استخدام الغازات المسيلة للدموع والتقاط صور الطالبات ، ويطالب الحكومة بتجنب مثل هذه الأعمال المثيرة وحل المشكلة عن طريق المفاوضات (12) .
وهكذا رأينا أن وفاق المدارس العربية وإن أيد مطالب الشيخ عبد العزيز غازي والشيخ عبد الرشيد غازي إلا أنه اختلف مع الأسلوب الذي يتبعانه ، وأعلن أنه ليس لوفاق المدارس العربية صلة بهذا الأسلوب ، وانهى وفاق المدارس العربية إشرافه على جامعة حفصة والجامعة الفريدية ، وطالب الشيخين العمل على إنهاء احتلال المكتبة على الفور، كما طالب الحكومة العمل على تنفيذ مطالب الشيخين لأنها مطالب عادلة ، وأن تتجنب سلوك طريق العنف لحل المشكلة القائمة .
وبعد فترة وعندما قررت الحكومة إنهاء الموضوع بالقوة ، وحاصرت القوات الخاصة الجامعة والمسجد توجه الشيخ سليم الله رئيس وفاق المدارس العربية ومعه الشيخ المفتي محمد تقي عثماني وعلماء آخرون إلى إسلام آباد لبذل مزيد من الجهود والمحاولات لإقناع الأخوين غازي بإخلاء المكتبة سلمياً حتى يجنبا البلاد صداماً دامياً ذا عواقب وخيمة ، ولكن المحاولة فشلت .
وحددت نقطة معينة أمام الجامعة للمستسلمين ليخرجوا إليها رافعين أيديهن إلى أعلى والنصف الأعلى من أجسادهن عار ، وبالفعل خرج من الجامعة أكثر من ألف طالب وطالبة ، وسلموا أنفسهم للقوات الباكستانية عند نقطة الاستسلام ، وكانت وسائل الإعلام وقنوات التلفزيون الحكومية والخاصة تنقل كل هذه الأحداث على الهواء مباشرة ، وشاع أن عدداً كبيراً من المقاتلين الذين ينتمون إلى القاعدة وطالبان والمسلحين بأحدث الأسلحة متحصنين بالجامعة والمسجد ، وأنهم يمنعون الطلاب والطالبات من الاستسلام للحكومة ، وأنهم يتخذون منهم درعاً بشرياً أمام القوات الحكومية ، وأن الجامعة بها كم كبير من الأسلحة المتنوعة ما بين قنابل ومسدسات ورشاشات وكلاشنكوفات وصواريخ ومطلقات الصواريخ وغيرها ، وأخذت طائرات الهيلوكوبتر الحربية تحوم فوق المسجد والجامعة في طلعات تصويرية واستطلاعية ، وفي هذه الأثناء وكما تقول الحكومة الباكستانية أطلق المتحصنون بالجامعة النار على الجنود خارج المسجد والجامعة فقتلوا واحداً من كبار الضباط هو الكابتن سلمان ، وهنا أطلق الجنود أيضاً النيران ، وفي نفس الوقت لم تتوقف المفاوضات ، وبين الحين والآخر يتم تبادل إطلاق النيران بين الجانبين ، وكل طرف يتهم الآخر بأنه هو البادئ ، وبين كل ساعة وأخرى يأتي خبر عن تزايد عدد القتلى من الجانبين ، وحاولت القوات الباكستانية هدم أجزاء متفرقة من سور الجامعة ليتمكن الطلاب والطالبات المحتجزات بالقوة من الفرار إلى الخارج ، وبالفعل خرج عدد من الطلاب والطالبات بهذا الشكل ، وبلغ عدد الذين خرجوا من المسجد والجامعة حوالي ألفاً ومائتين ، لكن أحداً لم يكن يعرف كم بقي بالداخل ، إذ كانت التكهنات تقول بأن العدد مجتمعاً كان خمسة آلاف ، خرج منهم ألف ومائتين ، إذاً يبقى ثلاثة آلاف وثمانمائة على الأقل ، وفي الساعة الثامنة وعشر دقائق من مساء اليوم الأول للعملية ألقي القبض على الشيخ عبد العزيز غازي أثناء هروبه من الجامعة متنكرا في زي الطالبات ويضع برقعاً على وجهه (13) ، مما فت في عضد المتحصنين بالداخل .
لكن الحكومة ارتكبت خطئاً آخر زاد في صعوبة الموقف وهو أنها عملت على إهانة الشيخ عبد العزيز غازي على الملأ فأتت به امام وسائل الإعلام وكاميرات التلفزيون وهو في البرقع وسمحت بإجراء لقاءات تلفزيونية معه حرص المذيعون خلالها على توبيخه وتوجيه أسئلة مهينة له مما جعل الشيخ عبد الرشيد غازي يزداد تمسكاً بموقفه في الداخل ويعلن أنه لن يستسلم ، وأنه سيقاتل حتى آخر قطرة من دمه ، وخاصة بعد أن رأى الإهانة التي تلقاها أخوه الشيخ عبد العزيز على أيدي الحكومة . ومع ذلك لم تتوقف المفاوضات حتى آخر لحظة ، وطالب الشيخ عبد الرشيد غازي بأن يسمح له بالخروج في أمان وأن يعيش حيث يريد هو ورفاقه المسلحون معه بالداخل ، وهو ما رفضته الحكومة ، وإن كانت عرضت عليه الإقامة الجبرية في بيت حكومي هو ووالدته وأسرته حتى يستطيع رعاية أمه المريضة ، وفي نفس الوقت تتخذ ضده الإجراءات القانونية ، وهو ما رفضه الشيخ عبد الرشيد ، ثم عرض بعدها أن يتم تأجيل عملية الاقتحام هذه لثلاثة أسابيع ويرفع أمره خلالها للمحكمة ، فإن وجدته مذنباً أمرته بالخروج وتسليم نفسه ، وعندئذ سيطيع أمر المحكمة ، وإن لم تجده مذنباً يكون على الحكومة عندئذ تخلية سبيله وتركه يعيش حيث يريد ، وهو ما رفضته الحكومة ، وعندئذ كتب الشيخ عبد الرشيد وصيته ، وأوصى فيها إذا قتل أن يدفن في إسلام آباد ، وهكذا كتب المتحصنون جميعاً وصاياهم ، واستمرت العملية سبعة أيام كاملة بلياليها وهي التي كان من المتوقع ألا تستمر سوى عدة ساعات ، ولكن كان هناك كما قيل حرص من الحكومة على الخروج بأقل خسائر خاصة في الأرواح ، وإتاحة الفرصة أمام المفاوضات السلمية باعتبار أن الفريقين على أي حال مواطنين باكستانين ومسلمين في نفس الوقت .
وفي الثامن من شهر يوليو ، أي بعد بدء المراحل الأولى من العملية العسكرية توجه الشيخ سليم الله خان رئيس وفاق المدارس العربية ومعه الشيخ المفتي محمد رفيع عثماني والشيخ الدكتور عبد الرزاق اسكندر والشيخ الدكتور محمد عادل خان والشيخ أبو عمار زاهد الراشدي وعلماء آخرون إلى إسلام آباد بمبادرة ذاتية لبذل محاولة أخيرة ، ولحث الجانبين على الرجوع إلى المفاوضات وحل المشكلة سلمياً ، والتقى هذا الوفد بالفعل بالسيد شودري شجاعت حسين رئيس حزب الرابطة الإسلامية ، جناح القائد ، وهو الحزب الحاكم وطالبوا بالآتي :
1 – وقف العملية العسكرية فوراً .
2 – بدء المفاوضات على الفور .
3 – إخراج جثث القتلى الذين سقطوا داخل الجامعة والمسجد ، ونقل الجرحى إلى المستشفى .
4 – إمداد الطلاب والطالبات داخل الجامعة بالطعام والشراب وإعادة الكهرباء والماء والغاز إلى المبنى بدافع الإنسانية .
5 – بحث الشروط التي قدمها الشيخ عبد الرشيد غازي لكي يسلم نفسه بدلاً من رفضها رفضاً مطلقاً حتى يمكن الوصول إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف ، وهذه الشروط هي :
1 – السماح للشيخ عبد الرشيد غازي وأسرته بالرحيل بأمتعتهم إلى موطن آبائهم قرية روجهان – مركز ديره غازي خان ، ولا يتم اعتقالهم أو تحديد إقامتهم .
2 – عدم القبض على أي طالب أو طالبة ممن هم داخل المسجد والجامعة فيما يتعلق بقضية المكتبة الحكومية منذ بدايتها ، إلا أن يكون الطالب أو الطالبة مطلوباً في قضية أخرى سابقة على تاريخ بداية قضية المكتبة .
3 - يتخلى الشيخ عبد الرشيد غازي عن قيادة المسجد وجامعة حفصة على أن يسند الإشراف على جامعة حفصة والجامعة الفريدية إلى وفاق المدارس العربية ، ويؤول الإشراف على المسجد الأحمر إلى وزارة الأوقاف على أن تستشير في تشغيله وفاق المدارس العربية .
وبطبيعة الحال كانت هذه الشروط معروفة قبلاً لدى الحكومة ، ورفضتها سابقاً ، رغم أن الحكومة في بداية الأمر أعلنت العفو العام لمن في الجامعة والمسجد في حالة تسليم أنفسهم للسلطات ، وبالتالي فلا مانع من قبول هذه الشروط ، لأن قبول الحكومة لها لا يعني أكثر من العفو العام الذي أعلنته سابقاً ، واستدل الوفد على ذلك بالموقف الذي اتخذته الحكومة في عهد الرئيس الراحل ضياء الحق حين تم اختطاف طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الباكستانية ( بي . آي . آيه ) في مطار كابل وعلى متنها مائة وخمسة وعشرون راكباً ، ورفض المختطفون إطلاق سراح الرهائن إلا إذا أفرجت الحكومة الباكستانية عن ثلاثمائة سجيناً في سجونها المختلفة حددتهم مجموعة الخاطفين . وبالفعل أفرجت الحكومة عن السجناء وحلت المشكلة . والوضع هنا لا يتطلب الإفراج عن سجناء أو مجرمين ، وإنما عن طلاب وطالبات مسلمين باكستانيين ، وهو ما لا حرج فيه .
وبعد هذا اللقاء للوفد مع شودهري شجاعت حسين التقى الوفد مع السيد إعجاز الحق وزير الأوقاف الفيدرالي وتم بحث الموضوع معه أيضاً ، وفي اليوم التالي ، أي التاسع من يوليو التقى الوفد برئيس الوزراء السيد شوكت عزيز الذي رافقه في هذا اللقاء عدد من الوزراء ، وتم الاتفاق بالفعل بصفة مبدئية على المطالب التي قدمها الوفد بما فيها الشروط التي قدمها الشيخ عبد الرشيد غازي ، ووعد ببحث الموضوع مع السيد برويز مشرف رئيس الجمهورية ، وطلب الوفد من السيد رئيس الوزراء أن يسمح لهم بالالتقاء بالشيخ عبد الرشيد غازي داخل جامعة حفصة ، لكنه اعتذر بأن الحالة الأمنية لا تسمح ، ولكن من الممكن أن يتحدث الوفد مع الشيخ عبد الرشيد غازي من خلال مكبرات الصوت المعدة في مكان قريب هو نقطة المخاطبة التي يتحدث من خلالها رجال الأمن مع الشيخ عبد الرشيد ، وهو بدوره يجيبهم من خلال مكبرات الصوت بالجامعة ، وهو ما رفضه الوفد ، وعاد الوفد إلى الفندق ، وبعد قليل أخبروا أنه تم تدبير لقاء داخل الجامعة مع الشيخ غازي الذي رحب بقدوم وفد العلماء إليه ، وتعهد بتأمينه ، ولكن حين وصل الوفد عند نقطة المخاطبة برفقة السيد شودهري شجاعت حسين والسيد إعجاز الحق والسيد محمد على دراني ( وزير الإعلام ) والسيد طارق عظيم ( وزير العدل ) والسيد عبد الستار إيدهي رجل الخير لم تسمح لهم القوات المرابطة هناك بالتوجه إلى الجامعة ، وهكذا انتحى الوفد جانباً مع المسئولين والوزراء وناقشوا النقاط التي تم الاتفاق عليها قبل ذلك بصفة مبدئية لتأخذ شكل اتفاق مكتوب يوقع عليه الطرفان وتنتهي القضية .
وذهب السادة المسئولون لأخذ الموافقة على هذا الاتفاق من السيد رئيس الجمهورية ، ثم عادوا إلى الوفد قبيل صلاة الفجر ومعهم اتفاق مكتوب قالوا إنه هو نفسه الذي تم الاتفاق عليه معهم تقريباً مع صياغة قانونية لا أكثر ، وقالوا إن هذه هي الصورة النهائية ولا تعديل بعد ذلك ، وأمامكم نصف ساعة فقط لتقنعوا الشيخ ، ولكن الوفد وجد أن هناك ثلاث نقاط تم تعديل اثنين منها وحذف الثالثة على النحو التالي :
1 – يتم التحفظ على الشيخ عبد الرشيد غازي في البيت مع أسرته وتؤخذ ضده الإجراءات القانونية اللازمة ( وكان المتفق عليه هو أن لاتتخذ ضد الشيخ أية إجراءات قانونية ) .
2 – يتم القبض على كل طالب وطالبة متهم في أية قضية ، ( ولم تحدد النقطة عما إذا كانت القضية المتهم فيها الطالب تتعلق بما ارتكب قبل قضية الجامعة والمسجد أم أثنائها مثلما كان محدداً من قبل الشيخ غازي ) .
3 – تم حذف النقطة الثالثة المتعلقة بأن تؤول جامعة حفصة والجامعة الفريدية إلى وفاق المدارس العربية .
وتليت المعاهدة بشكلها الجديد على الشيخ غازي ورفضها ، ولما شدد عليه وفد العلماء بأن يوافق لأن الحكومة أعطتهم مهلة لنصف ساعة فقط علق الشيخ قائلاً : إذاً فليقتلونا ، وسأمسك بتلابيبكم يوم الحشر .
وفشلت المفاوضات ، وعاد الوفد من حيث جاء ، وبعد الفجر بقليل بدأت المرحلة الأخيرة من العملية العسكرية والتي قضت على الأخضر واليابس (14) .
ويؤكد أعضاء الوفد أن الشيخ عبد الرشيد غازي لم يقل أبداً إن معه مسلحين أجانب ، وأنه يطالب بعدم اعتراض طريقهم ، وحتى بعد ان انتهت العملية واستشهد الشيخ غازي لم نسمع خبراً يقول إنهم عثروا على أحد المسلحين الأجانب حياً أو ميتاً في جامعة حفصة أو المسجد الأحمر . هذا وقد أبدت المحكمة العليا الباكستانية برئاسة قاضي القضاة افتخار محمد تشودهري قلقها لما يحدث ، وطلبت توضيحات من الحكومة حول الأمر ، وأصدرت التوجيهات التالية :
1 – ضمان سلامة الموجودين بالجامعة والمسجد .
2 – السماع لوفد المصالحة الذي يتفاوض مع السيد رئيس الوزراء بالذهاب إلى الجامعة والتفاوض مع الشيخ عبد الرشيد غازي ، على أن توفر الحكومة للوفد الأمن والسلامة وكل التسهيلات اللازمة لإتمام المهمة .
3 – إذا قرر الموجودون بالجامعة والمسجد إلقاء السلاح فيجب أن يكون هذا في وجود قاضي من المحكمة حتى يستطيع تنفيذ ما تصدره إليه المحكمة من توجيهات .
ومع ذلك فقد استغلت هذه التوجيهات على نحو آخر ، إذ أعلن من خلال نقطة المخاطبة في مكبرات الصوت أن المحكمة العليا أصدرت أحكامها للموجودين بالجامعة والمسجد بإلقاء السلاح على الفور وتسليم أنفسهم للقاضي .
ولما سأل أعضاء الوفد السيد طارق عظيم ( وزير العدل ) عن تفسير لهذا الذي يحدث قال إن هذا هو حكم المحكمة العليا . وطالب أعضاء الوفد بوقف هذا الإعلان على الفور ، ولم يستمع أحد إليهم ، وقالوا إن مهمتهم هي حث الشيخ عبد الرشيد غازي ومن معه بالداخل على إلقاء السلاح والاستسلام من خلال مكبرات الصوت بنقطة التخاطب في صحبة القاضي كما أمرت المحكمة العليا ليس إلاّ . وطبعاً كان رد الوفد أننا جئنا لنقوم بالمصالحة لا لنحث أحداً على الاستسلام .
وفي يوم 11 . 7 . 2007م أعلن عن انتهاء عملية الصمت أو عملية طلوع الشمس بعد قتل الشيخ عبد الرشيد غازي وأمه وابنه وابن الشيخ عبد العزيز وعدداً كبيراً من أسرة الشيخين باعتبار أنهما كانا يقيمان في بيوت ملحقة بالمسجد والجامعة ، وتم القبض على السيدة أم حسان رئيس الجامعة وابنتها أسماء وما تبقى من أفراد الأسرة ، وتحرير عدد كبير من الطالبات والطلاب وقتل عدد كبير منهم أيضاً بلغ في رأي الحكومة 135 ، وفي رأي قادة المعارضة ما بين أربعمائة إلى ألف قتيل ، ويستدل هؤلاء على ما يقولون بما صرح به به عبد الستار إيدهي من أن الحكومة طلبت منه أولاً أن يعد ثلاثمائة كفن ، ثم طلبت منه بعد ذلك أن يعد ثمانمائة كفن أخرى . واحمر المسجد الأحمر بالفعل بدماء المقتولين ، ونقلت جثة الشيخ عبد الرشيد إلى راجن بور ، وهناك دفن على خلاف وصيته ، وسمحت الحكومة لأخيه المقبوض عليه الشيخ عبد العزيز بإمامة صلاة الجنازة على الشيخ عبد الرشيد طبقاً لوصيته وحضور مراسم الدفن، كما سمح للشيخ عبد العزيز فيما بعد بحضور مراسم دفن ابنه أيضاً .
أما الشيخ عبد الرشيد غازي بطل هذه المأساة فلم يكن بالأصل صاحب اتجاهات دينية ، بل كان عكس أخيه الشيخ عبد العزيز تماماً ، كان يرفض التعليم في أي مدرسة دينية ، ولكن والده اضطره إلى الالتحاق بالمدرسة الملحقة بمسجد فيصل بإسلام آباد ، ولما لم يسترح إليها انتقل إلى الجامعة الإسلامية العالمية ، وحصل منها على الماجستير في العلاقات الدولية بتفوق ، وكان وقتها يلبس القميص والبنطال ولا يطلق لحيته ، ويشارك في الاحتفالات المختلطة ، ويتجنب أن يطلق على نفسه لقب " حافظ : حافظ القرآن " .
وبعد حصول الشيخ عبد الرشيد على الماجستير عمل في وظيفة كبيرة في الدرجة السابعة عشرة بوزارة التعليم منذ عام 1979م ، ثم أعير للعمل في مكتب اليونيسيف التابع للأمم المتحدة بإسلام آباد ، وظل به لعدة سنوات ، لكن مقتل والده غيره تماماً ، فأخذ يهتم بالأمور الدينية وأطلق لحيته ، وشجعه على ذلك أخوه الشيخ عبد العزيز فعينه نائباً له في إمامة المسجد الأحمر ونائباً لرئيس جامعة حفصة ، وهكذا بدأ يظهر نجمه ، وعارض الحكومة في عملياتها العسكرية في المناطق القبلية بإقليم بلوشستان ، واتهم عام 2004م بالتخطيط لنسف بعض المباني الحكومية وعلى رأسها مبنى مجلس الشعب ، وقيل عندها إنه قبض على الأسلحة التي كان ينوي استخدامها ، لكن السيد إعجاز الحق وزير الشئون الدينية أعلن براءته من هذا الموضوع . وكان مما قاله الشيخ عبد الرشيد في المكالمة التليفونية الأخيرة له مع وسائل الإعلام قبل مقتله بوقت قليل إن الحكومة الحالية عميلة لأمريكا ، وإنها تقوم بعملية الاقتحام بناء على أوامر مباشرة منها ، وإن المجاهدين والشعب سينتقمون لمقتله بعد استشهاده ، وإنه لم يرتكب جرماً كبيراً إلى هذا الحد ليكون عقابه بهذه القسوة ، وإنه يأسف على تقاعس علماء باكستان في هذا الصدد ، وقد حاول شودهري شجاعت حسين والوزير إعجاز الحق وبعض الوزراء الآخرين إجبارنا على الخضوع والتسليم وهددونا بعملية الاقتحام ، ولكنني قلت لهم إنكم تستطيعون بلا شك قتلنا ، ولكن الشعب لن يترككم ، وقلت لهم إن هذا النظام الحاكم القائم على نشر الفحش والعهر هو أساس الفساد ، ولا يقوم إلا على بعض العائلات فقط التي تمتص دماء الشعب ، ولن يمكن حل هذه المشاكل إلا بعد قيام الحكم الإسلامي في البلاد ، ونحن على الحق ، وسنقاتل حتى نستشهد من أجل الحق . وطلب الشيخ عبد الرشيد من وسائل الإعلام وقنوات التلفزيون توصيل رسالته هذه إلى الناس جميعاً ، كما أعلن في هذا اللقاء التليفوني أنه ليس لديه سوى أربعة عشر كلاشنكوفاً ، وليس معه سوى ثلاثين مجاهداً يحاربون هذا الجيش كله ، ثم قال إن رجال الجيش دخلوا الآن حجرتي ، وبعدها انقطع الاتصال إلى الأبد .
وبعد انتهاء العملية بعدة أيام قامت الحكومة بإعداد زيارة لرجال الإعلام للجامعة والمسجد ، وسمحت لممثلين لكل القنوات التلفزيونية بتغطية الزيارة باستثناء مندوب قناة السي إن إن الأمريكية ، باعتبار أن مراسل القناة في باكستان ليس أميناً في نقله الأحداث ، ويحرص على تشويه سمعة باكستان . وعرضت وسائل الإعلام للجامعة من الداخل ، وكانت في حالة سئية ، وبعضها شبه محترق ، كما عرضت وسائل الإعلام لمجموعة كبيرة من الأسلحة الحديثة من قنابل يدوية وصواريخ وبنادق ومسدسات وغيرها كانت داخل الجامعة ، وشكك الكثيرون حول ملكية إدارة الجامعة لهذا الكم الكبير من الأسلحة ، واتهموا الحكومة بأنها هي التي جلبت هذه الأسلحة ووضعتها بالجامعة بعد انتهاء العملية لتوهم الناس أن الشيخ عبد الرشيد ورفاقه كانوا بالفعل إرهابيين ، وإلا فكيف دخلت كل هذه الأسلحة إلى الجامعة دون أن تضبطها الأجهزة المعنية في العاصمة أو حتى تعلم بها . على أية حال هذا أيضاً منطق لا غبار عليه . وأعلنت الحكومة أن هناك ثمان وخمسين جثة لم يمكن التعرف عليها إلى الآن لأنها تشوهت تماماً ، وأنه جاري التعرف عليها من خلال فحوص الـ : D. N. A ، ولا يعرف أحد إلى الآن كم عدد الضحايا الذين سقطوا من الجانبين في هذه العملية ، ولم يعد أحد يثق في الأرقام التي أعلنتها الحكومة من قبل ، ولا يزال هناك عدد كبير من طالبات جامعة حفصة وطلاب الجامعة الفريدية مفقودا ولا يعرف أحد عنهم شيئاً .
ولم تكد العملية تنتهي حتى عمت البلاد وخاصة إقليمي بلوشستان وسرحد موجة عارمة من الهجمات الانتحارية راح ضحيتها عدد كبير من رجال البوليس والجيش الباكستاني ، واستهدف بعضها عدداً من المهندسين الصينيين العاملين في باكستان ، ورغم أن أحداً منهم لم يصب بسوء ، إلا أن أربعمائة من الصينيين عادوا بالفعل إلى الصين طبقاً لما نشرته الصحف الباكستانية في وقته ، وأكثر من ذلك أن البعض من المتدينين السذج ارتكب أعمالاً غير قانونية ضد الحكومة انتقاماً منها لما فعلته مع جامعة حفصة والمسجد الأحمر ، فقد قام أحد الشباب في مدينة سركودها بالسطو المسلح على أحد البنوك ، وأثناء العملية وبعد تبادل إطلاق الرصاص مع حراس البنك أصابته رصاصة فجرح وتم القبض عليه ، ولما سئل عن سبب ارتكابه لهذه الجريمة قال إنه ينتقم لما فعلته الحكومة بجامعة حفصة والمسجد الأحمر ، ولتقصيرها في تنفيذ الشريعة الإسلامية في البلاد .
وبعد انتهاء العملية بدأت الحقائق تتكشف ، وبدأت التوابع تظهر ، فقد تبين أن جزءاً كبيراً من الجامعة قد تهدم أثناء العملية ، وقامت الحكومة بعدها بإزالة ما تبقى منها ، كما أزالت الحكومة مبنى مكتبة الأطفال الذي احتلته الطالبات قبل ذلك ، ووقعت أضرار بمبنى المسجد ومئذنتيه أيضاً ، وقامت الحكومة بإصلاح المسجد والمئذنتين ، وتم طلاء المسجد من جديد وإن كان باللون البيض وليس اللون الأحمر ، كما تم تجهيز المسجد بالأنوار والسجاجيد ، وأعلنت الحكومة عن افتتاحه من جديد للصلاة بداية من يوم الجمعة 27 . 7 . 2007م بعد أن أغلق لمدة ثلاثة أسابيع تقريباً لإجراء الترميمات والإصلاحات اللازمة ، وقامت الحكومة بتعيين إمام جديد للمسجد خلفاً للشيخ عبد العزيز هو الشيخ محمد إشفاق ، وفوجئ الجميع يوم الجمعة الموافق 27 . 7 . 2007م بتدفق عدد كبير من المصلين من كل أنحاء إسلام آباد إلى المسجد ، وأطلقوا هتافات معادية للجكومة وللعملية التي قامت بها ضد المسجد والجامعة ، وطالبوا بعودة الشيخ عبد العزيز إلى إمامة المسجد ، ومنعوا الشيخ محمد إشفاق من اعتلاء المنبر ، فاضطر إلى مغادرة المسجد ، وأعلنوا أنه لن تقام جمعة في هذا المسجد ، ولن يصلوا خلف أحد سوى الشيخ عبد العزيز غازي ، وهكذا لم تتم صلاة الجمعة كما كان مقرراً لها ، ولم يتدخل البوليس في الموضوع بأية صورة من الصور ، وقام بعض طلاب الجامعة الفريدية بطلاء جدران المسجد من الخارج باللون الأحمر ، وقاموا بكتابة اسمه " لال مسجد : المسجد الأحمر " على أماكن متفرقة من جدرانه وعلى القبة ، بل واحتل المتظاهرون ومن بينهم عدد كبير من طلاب الجامعة الفريدية مبنى المسجد الأحمر ، واشتبكوا مع البوليس الذي أطلق الغازات المسيلة للدموع لتفريق جموعهم وتحرير المسجد من قبضتهم ، وتم القبض على حوالي مائة من هؤلاء ، وعلى الجانب الآخر وبالتوازي مع هذا الاشتباك بين المتظاهرين والبوليس في ساحة المسجد الأحمر قام أحد الانتحاريين بتفجير نفسه في منطقة " آب باره " بالقرب من الموقع وسط مجموعة من رجال البوليس فقتل منهم سبعة ، كما قتل مثلهم من المدنيين ، وجرح أكثر من خمسة وستين آخرين من بينهم عشرة في حالة حرجة . وأقيمت صلاتان للجمعة في المسجد لم يؤم واحدة منها الإمام المعين محمد إشفاق ، ثم أعلنت السلطات الرسمية إغلاق المسجد ثانية إلى أجل غير مسمى . ولا تزال الأحداث متواصلة ، ويعلم الله إلى أين ستنتهي .
وهكذا لم يعد لجامعة حفصة وجود ، ولم يعد المسجد الأحمر أحمراً ، اللهم إلا من دماء الضحايا ، ولم يعد لمكتبة الأطفال وجود ، ولك أن تتخيل مدى الخراب والدمار الذي أصاب باكستان من جراء هذا الأمر ، سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي ، وإن كانت أمريكا وأوروبا قد أعلنوا جميعاً تأييدهم للحكومة الباكستانية فيما قامت به ، وأعلن الرئيس برويز مشرف أسفه الشديد على وقوع الضحايا ، وفي نفس الوقت أعلن عزم الحكومة على عدم السماح بتكرار مثل هذا الأمر، كما أعلن بأن الحكومة لم تكن في يوم من الأيام ضد المدارس الدينية في البلاد ، وأنه كان دائماً يدافع عنها ويعترف بفضلها ، ولكنه لن يسمح لأي مدرسة من المدارس الدينية بأن تتحول إلى جامعة حفصة في يوم من الأيام . والآن ترى ما هي الحقيقة ، هذا ما قد تكشف عنه الأيام القادمة .
هوامش :
12 - نقلاً عن مقال للشيخ أبو عمار زاه الراشدي في صحيفة " باكستان " اليومية بتاريخ 22 أبريل 2007م .
13 - جدير بالذكر أن هناك من سبق الشيخ عبد العزيز غازي في موضوع الهروب متخفياً في برقع تجنباً للقبض عليهم ، وهو ما فعله مولانا كوثر نيازي الوزير السابق ومولانا عبد الستار نيازي أنشط زعماء حركة ختم النبوة .
14 - راجع مقال للشيخ أبو عمار زاهد الراشدي عضو وفد المفاوضات في صحيفة ( باكستان ) اليومية بتاريخ 11 يوليو 2007م .