تنمية الاقتصاد الأمريكي في المجال الرياضي
بقلم الأستاذ :نعمان عبد الغني
namanea@yahoo.fr


أن التحدث عن أهمية تنمية الاقتصاد في المجال الرياضي يعتبر من أهم المواضيع التي ينبغي أن نقف عليها فأهمية الاقتصاد الرياضي يكمن في إيجاد قاعدة اقتصادية متينة نستطيع من خلالها تفعيل دور الاتحادات والأندية الرياضية في استقطاب البطولات والمسابقات الرياضية المختلفة وهذا بالتأكيد ينصب في تنمية الرياضة العراقية ويعود بالنفع إيجابياً على الاقتصاد الوطني نتيجة إقامة مثل هذه البطولات، كما أن نمو الرياضة واقتصادها مرتبط بدعم الشركات للمسابقات والفعاليات الرياضية وهو يعود إيجابياً للشركات التي تستطيع من خلاله إبراز أسمها ومنتجها على الإعلانات واللافتات التجارية وظهورها عبر الإعلانات التلفزيونية وهذا كله ينصب في مصلحة الشركات والرياضة.
كما وأن العلاقة بين الرياضة والاقتصاد تتصل برعاية المصالح التجارية والاستهلاكية أو بمفهوم أخر هو الجسر الخفي الذي تمر من خلاله الشركات لترويج الإعلانات والسلع للمشاهدين والمتابعين للمباريات والأحداث الرياضية بكافة أشكالها، وقد أصبحت الرياضة في الوقت الحالي مصدر دخل ثابت لمعظم بلدان العالم. ولا سيما وأن الرياضة ساهمت في نمو اقتصاديات بعض الدول بل وأصبح دخلاً بعض اللاعبين وأبرزهم لاعبي القارة الإفريقية والذي سجل لهم التاريخ سجل من الشهرة والثروة ليصبحوا أغنى من دولهم بفضل الرياضة التي تدر لهم مدخولا مهما.

تتميز المجتمعات التي تتخذ من نمط الاقتصاد الحر بديناميكية التفاعل المتعدد الجوانب بين المفردات الأساسية المحركة للاقتصاد، حيث تتعدد وسائل الابتكار والتجديد، بالسعي الحثيث إلى ولوج عوالم جديدة بهدف تحقيق الأرباح، ذلك الهدف الذي شغل بال الاقتصاديين في زمن العولمة عن كل ما سواه، حتى عدت حركة العالم الحر هذه في بعض الأحيان جزء من مشاكله في الوقت ذاته عُدّت إحدى مزاياه وحلوله السحرية لكسب المزيد من المال، ومن هذا المنطلق نجد أن حركة الجماعات الرياضية وكثرة تجمعاتها فضلا عن أن الذاكرة الجمعية للمجتمع تشكل مفردات أخرى كمعادل شكلي لمعنى ومضمون الرياضة الحديثة.
ولابد هنا للاقتصادي أن يتوقف كثيرا عند هذه الحركة ذات الأثر العظيم في سلوك المجتمعات الحديثة والتي ساهمت في إنضاجها جميع العلوم موظفة في خدمتها الدوافع والأهداف السياسية والتربوية فضلا عن الاقتصادية مدار البحث.
ونظرا لغياب الدراسات الحديثة والإحصاءات الرصينة عن حجم الاستثمار في الحقل الرياضي في بلداننا العربية. آثرنا أن نأخذ نموذجا من بلدان أخرى يتحقق فيه فرص تحقق حب الرياضة بأعلى مستوياته أسوة بتلك المجتمعات على الرغم من تخلف الثقافة الرياضية عندنا.
وتستفيد الكثير من المؤسسات غير الربحية من الرياضة في تحقيق بعض الأرباح فالجامعات مثلا تستفيد كثيرا من واردات الرياضة في تنمية مرافقها الأخرى وتحسين الخدمات المقدمة للطلبة والموظفين. ففي إحدى الجامعات الأمريكية كان مدخول كرة السلة لوحدها بمقدار خمسين مليون دولار أمريكي في العام الواحد.
وعند إلقاء نظر على الرياضات في الولايات المتحدة نجد مثلا، في فصل الخريف في تكساس، يصبح الفوتبول الأميركي ظاهرة أسطورية في أمسيات أيام الجمعة في المدارس الثانوية. فكما قال فريد آكرز، المدرب السابق لكرة القدم في إحدى الجامعات لمجلة سبورتس إليستريتد (المجلة الأشهر في مجال الرياضة في الولايات المتحدة والتي احتفلت في العام 2003 بمرور نصف قرن على تغطيتها الألعاب في الولايات المتحدة كافة)، "من الصعب تفسير هذه الظاهرة، لكنها تكمن في عظامنا". فقد تصل نسبة الطلبة المشاركين في برنامج الفوتبول الأميركي الرسمي في أية مدرسة ثانوية عادية في الولاية إلى حوالي 10% من عدد الطلاب في الولاية، ولنا أن نتوقع عدد المتتبعين لهكذا أحداث وما تدره من أرباح.
وفي شهر آب/أغسطس من كل عام يشارك في ولاية مريلاند، أكثر من ألف لاعب، تتراوح أعمارهم ما بين سن المراهقة والستينات من العمر، في مباراة اللاكروس المسماة "أوشين سيتي لاكروس كلاسيك. (Ocean City Lacrosse Classic)
فتتحول لعبة اللاكروس هذه، التي لا تمارس على نطاق واسع في الكثير من مناطق الولايات المتحدة، إلى هاجس رياضي يسيطر على تفكير الولاية. وفي لقاء لمجلة سبورتس إليستريتد مع السكان كان رأيهم: "الفكرة هي جعل (الأطفال حديثي الولادة) يجيدون قذف الكرة والتقاطها حتى قبل مغادرتهم لغرفة الولادة."
أما بلدة مُواب، في ولاية يوتا، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها 4.800 نسمة، استُخدمت كمسرح لأحداث الكثير من الأفلام الهوليودية مثل فيلم "فورست غامب" Forrest Gump، فتستقطب هواة ركوب الدراجات الهوائية الجبلية من كل أنحاء البلاد للمشاركة في سباق فائق الشعبية في شهر تشرين الأول/أكتوبر من كل عام. كما تُعتبر منطقة نيو ريفر غوردج في ولاية وست فرجينيا والتي تعرف، كما تقول مجلة سبورتس إلستريتد، باسم "غرب الشرق"، إحدى أكثر المناطق جاذبية في الولايات المتحدة الأمريكية لعشاق رياضة المغامرة، مثل هواية رياضة تسلق الجبال، وركوب طوافات الأنهر، والدراجات الهوائية. ويقول كريس بالارد، في سياق مقال كتبه عن مجتمع بلدة فايتفيل الصغير، إن "متسلقي الصخور وجرذان الأنهر مندسين في مدينة استخراج الفحم الحجري السابقة هذه، مثل المسمار المُلولب في صخر الغرانيت (الصّوان)".
وفي ولاية فرجينيا، المستغرقة في هواية الفوتبول الأميركي في فصل الخريف، توجه اهتمامها في شهر أيار/مايو من كل عام نحو حدثي فروسية شهيرين من مسابقات الحواجز للخيول، هما كأس فرجينيا الذهبية، والكأس الذهبية الدولية. فالهضاب الريفية المتماوجة في الولاية، حيث جرت معارك ضارية خلال الحرب الثورية والحرب الأهلية الأمريكيتين في أواسط القرن التاسع عشر، تُعرّف عادة بـ"بلاد الخيل" الغنية بتربية الجياد الأصيلة. وقد ظل سباق الحواجز للخيول أحد المشاهد الرياضية المألوفة في فرجينيا منذ القرن الثامن عشر.
في حين تستضيف ولاية أوهايو ما يُسميه المحرر في مجلة سبورتس إلستريتد، فرانك ليدز، "العالم الصغير لسباقات سيارات الأحداث"، وهو سباق "دربي سوب بوكس لكل الأميركيين"، الذي يقام في مدينة آكرون. ويقول ليدز، إن هذا السباق يجعل من ولاية أوهايو، للحظة عابرة في كل عام، "قلب العالم الرياضي". ويستقطب هذا الحدث، الذي بدأ خلال فترة الركود الاقتصادي العظيم في الولايات المتحدة الأمريكية في الثلاثينيات من القرن الماضي، المئات من الأحداث، من ذكور وإناث، الذين تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة والسابعة عشرة للمشاركة في سباق سيارات طوله 989 قدماً في سيارات مصنوعة من الزجاج الليفي اللمّاع بدون محرك وتسير بسرعة حوالي 30 ميلاً في الساعة بفعل الجاذبية. ويبلغ المتبارون مرحلة سباق الدربي بعد الفوز في سباقات محلية في مختلف المناطق عبر أنحاء الولايات المتحدة، مما يعني، حسب تعبير مشارك في سباق آكرون يبلغ الحادية عشرة من العمر، "إننا جميعاً أبطال."
ومن الجائز القول إن الحدث الرياضي الذي يأسر السكان في ولاية بنسلفانيا أكثر من أي نشاط رياضي آخر هو مباريات البيسبول التي تنظم في شهر آب/أغسطس من كل عام، والمسماة سلسلة مباريات البايسبول العالمية للاتحادات الصغرى (Little League World Series)، التي جرت لأول مرة قبل 65 عاما. وهي عبارة عن مباريات بايسبول تدوم عشرة أيام وتشكل سبب شهرة بلدة وليامزبورت. وفي عام 1906 كتب هوريس تراوبل عن رأي الشاعر والت وايتمان قوله: "حسناً، (البايسبول) هي لعبتنا؛ هذه هي الحقيقة الرئيسة في ما يتعلق بها. إنها لعبة أمريكا التي تمتلك حدّة وانطلاق واندفاع الجو الأميركي.. وهي تخص مؤسساتنا، وتتلاءم معها بنفس الأهمية التي تتلاءم فيها مع دستورنا، وقوانيننا؛ ولها نفس الأهمية في المجموع الإجمالي لحياتنا التاريخية". ومما سبق لنا أن نتوقع أن المدخول الذي تقدمه العديد من هذه الأحداث والذي ينظم في الغالب بالتعاون مع البلديات مبالغ كبيرة للولايات ذاتها، لما تستحصله من رسوم وضرائب، ووظائف مؤقتة، والشركات من إعلانات مدفوعة، والشركات والمكاتب الصغيرة كمكاتب السياحة والفنادق والموتيلات ومطاعم الوجبات السريعة، هذا بالإضافة إلى الأكشاك المتحركة التي تنصب لأجل هكذا أحداث، فيكون الهدف المشترك المتحقق من الاستثمار في المجال الرياضي قد تم واكبر دليل هي المردودات المالية المتأتية منه، وأعمال الصغيرة والوظائف المؤقتة التي نتجت عن هذه الأحداث الرياضية.