شاهد عيان يحب باكستان
الفصل الثاني عشر
رفقاً بالقوارير
قانون الحدود في باكستان
شق " الحفاظ على حقوق النساء " (1)
من القضايا التي ظلت ساخنة على الساحة السياسية في باكستان لفترة كبيرة ، واستحوذت فيها على اهتمام رجال الدين ووسائل الإعلام المختلفة بحيث لا تفتح جريدة أو مجلة إلا وجدت أخبارها تغطي عدداً من الصفحات بها قضية قانون الحفاظ على حقوق النساء ، وهو جزء من قانون الحدود ، وقد أثار هذا القانون جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والدينية في باكستان عكسته صفحات الجرائد والمجلات وشاشة التلفاز بقنواته العديدة المتنوعة ، وأدت موافقة مجلس الشعب الباكستاني عليه إلى أن اتخذت المعارضة الباكستانية ، وخاصة جبهة المعارضة المتحدة – أكبر الجبهات المعارضة في باكستان في وقتها – قراراً بتقديم أعضائها في البرلمان استقالاتهم احتجاجاً على هذه الموافقة بحجة أن هذا القانون يخالف القرآن والسنة ، ويفتح الباب على مصراعيه أمام الانحرافات الخلقية وانتشار الأمراض الاجتماعية بين الناس ، بينما ترى الحكومة الباكستانية حينذاك ممثلة في حزب الأغلبية – مسلم ليك ( قائد أعظم ) – والرئيس الباكستاني برويز مشرف أنهم بتمرير هذا القانون والموافقة عليه قد قضوا على عيب كبير في قانون الحدود ، وأعادوا إلى النساء حقوقهن المسلوبة ، ورفعوا عنهن ظلماً كبيراً كان واقعاً عليهن بسبب تطبيق القانون بصورته السابقة على التعديل .
وقانون الحدود بما فيه الشق الخاص بالنساء قانون معمول به منذ فترة ، وما حدث هو تعديل وتغيير للشق الخاص بحقوق النساء . فما هو هذا القانون، وكيف كان ، وكيف أصبح ، ولماذا أثار كل هذا الجدل والخلاف الذي هدد المنظر السياسي العام في باكستان .
لقد قامت باكستان على أساس الدين ، وهو الأساس الذي كلف المسلمين ثمناً غالياً من أرواحهم التي بذلوها عن رضى ليؤسسوا وطناً يعبدون الله على أرضه بكل حرية ، وينفذون فيه شرع الله تعالى دون أن يمنعهم أحد ، ولهذا قال القائد المؤسس محمد علي جناح : " هذه الدولة الوليدة ستكون مختبراً للإسلام ، حيث سنجرب ونطبق فيه المبادئ الإسلامية " . وقال أيضاً : " إن الإسلام هو المصدر الأساسي لوجودنا وحياتنا " . وهكذا كان تطبيق الشريعة الإسلامية أحد الأهداف الرئيسية لدولة باكستان منذ قيامها ، ونص دستورها على ذلك قائلاً إن القرآن والسنة هما مصدر التشريع في باكستان ، وطبقاً لدستور عام 1973م الشق الثالث فيه فإن رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء الاتحاديين ووزراء الدولة ورئيس مجلس الشعب والشيوخ ونوابهما وأعضاء مجلسي الشعب والشيوخ ، وحكام الأقاليم والوزراء الإقليميين ومجالس الشعب الإقليمية بأعضائها ورؤسائها يقولون في أداء القسم : " أقسم أن أبذل كل جهدي في الحفاظ على النظرية الإسلامية التي هي أساس قيام وتأسيس دولة باكستان " .
وموضوع الزنا بشقيه ، أي الزنا برضى الطرفين والاغتصاب أو الزنا بالإكره هما الموضوعان الأساسيان في القوانين التي تم تعديلها . ولو عدنا إلى ما قبل قيام باكستان عام 1947م لوجدنا أن هذه الموضوعات كانت تعالج من خلال قانون عقوبات الهند ( تعزيرات هند ) والذي صدر عام 1860م ، وخاصة البند رقم 497 ، وهو المتعلق بموضوع الزنا وتعريفه وعقابه ، وهذا هو القانون الذي تم إلغاؤه عام 1979م عندما بدأ تطبيق الحدود الإسلامية في عهد الرئيس الراحل ضياء الحق ، وكان هذا القانون ينص على : " إذا جامع أحد زوجة رجل آخر ، وكان يعلم ، أو كانت لديه من القرائن ما يؤكد له أنها زوجة رجل آخر ، وأنه جامعها بغير إذن زوجها وبغير علمه ، فإنه في هذه الحالة يعدّ زان ، ويكون عقابه السجن بحد أقصى خمس سنوات ، أو الغرامة ، أو كليهما معاً " ، أي :
1 – أن يجامع أحد زوجة رجل آخر وهو على يقين من ذلك .
2 – أن يكون هذا الجماع بغير إذن الزوج وبغير علمه .
3 – هذا الجماع لا يعد زنا بالإكره أو اغتصاباً .
وطبقاً للمادة رقم 497 سابقة الذكر فإن العقاب في مثل هذا الزنا الذي يحدث برضى الطرفين ( الرجل والمرأة ) يكون للرجل فقط ، ولم تتحدث المادة عن أية عقوبة للمرأة التي ارتكبت هذا الفعل مع رجل غير زوجها ، أو مع رجل لا حق له فيها إن كانت غير متزوجة ، أي أن المرأة في هذه الأحوال لم تكن تعد زانية ، وبالتالي لا عقاب عليها .
طبعاً هذا القانون كان يطبق على أهل شبه القارة الهندو باكستانية قبل قيام باكستان سواء منهم المسلمون أو غيرهم ، وهم طوائف كثيرة من ديانات مختلفة متعددة ، وكان المبرر في عدم معاقبة المرأة الزانية في ذلك الوقت هو أن وضع النساء في هذا البلد ( الهند قبل التقسيم ) كان وضعاً سيئاً للغاية ، ويختلف تمام الاختلاف عن وضع نظيرتها في بريطانيا وفرنسا ، حيث يتم تزويجهن وهن لا يزلن أطفالاً ، ويهملها زوجها في شبابها ، وينشغل بزوجاته السابقات ، وبالتالي لا تحظى بوقت كاف من زوجها لإشباع رغبتها الفطريـة ، بمعنى أن المرأة كانت مظلومة للغاية ، ولا يمكن تحميلها عبء عقوبة الزنا أيضاً ، فنثقل كاهلها أكثر مما هوعليه . وقد تم إلغاء هذه المادة عام 1979م في باكستان ، بينما لا تزال تنفذ في الهند ، وهي تقريباً التعديل الذي تم إجراؤه مرة أخرى طبقاً لما سنوضح فيما بعد .
في عام 1973م كانت حركة المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في باكستان ( تحريك نظام مصطفى ) في أوج نشاطها ، وكانت هذه الحركة تنادي بإلغاء قانون العقوبات الإنجليزي الذي أشرنا إليه سابقاً ، وتنفيذ الحدود الشرعية ، وتم تطبيق حد الزنا بالفعل في عام 1979م ( الجلد لغير المحصن والرجم للمحصن ) ، واستمر الحال على هذا المنوال منذ ذلك الوقت وحتى الآن بما يشوب ذلك بطبيعة الحال من أخطاء في التطبيق أو استغلال الثغرات مثلما يحدث في كل قانون ينفذ ، واتفقت الأكثرية الباكستانية على أن قانون الحدود هذا به أخطاء وثغرات كثيرة ، وينبغي إصلاحها والقضاء عليها حتى لا يساء استغلاله ، وبالتالي تقدمت الحكومة بالتعديل الذي تمت الموافقة عليه في 2 / 8 / 2006م ، ثم قدم إلى مجلس الشعب فوافق عليه بالأغلبية في 15 / 11 / 2006م ، ثم وافق عليه مجلس الشيوخ في 23 / 11 / 2006م بشكل نهائي .
والاعتراض على القانون الجديد أو التعديل جاء على أساس أن هذا القانون فرق في موضوع الزنا على أساس الإكراه من عدمه ، وتغاضى عن التفريق باعتبار الإحصان أو عدم الإحصان ، وهو تفريق تترتب عليه نتائج كبيرة في الحكم ، وهذا التقسيم الذي اعتمده التعديل يطابق ما يجري في أوروبا ، باعتبار أن الزنا بالرضا لا يعد جرما في أوروبا ، وإن كان يتم الإشارة إليه للتفريق بينه وبين الاغتصاب .
وطبقاً للتعديل الجديد فإن عقاب الزنا بالرضا هو السجن بحد أقصى خمس سنوات ، أو الغرامة عشرة آلاف روبية ( ألف جنيه مصري ) ، أو كليهما دون تمييز بين محصن أو غيره ، وعقاب الزنا بالإكراه أو الاغتصاب هو الإعدام ودون تفرقة أيضاً بين محصن أو غيره .
والاعتراض الأول جاء على أساس أن حد الزنا سواء بالرضا أو بالإكراه ذكره العلماء تفصيلاً على أساس الإحصان من عدمه ، ويعترض العلماء على إدراج الزنا بالإكراه ضمن باب الإكراه وحد الحرابة ( الذي هو إما حد أو تعزير بما يراه القاضي ) وإخراجه من باب الحدود ، ويقول العلماء إن الإسلام قال إن حد الزنا بالإكراه هو نفسه حد الزنا ، بالإضافة إلى معاقبة الجاني على جريمة التشدد والعنف الذي وقع منه تجاه المجني عليها ، بمعنى أن جريمة الزنا بالإكراه كما يقول العلماء ( وهم جبهة المعارضة الرئيسية ) هي في الحقيقة جريمتان الأولى هي جريمة الزنا ، وفيها يقام الحد على الزاني ( طبقاً للإحصان من عدمه ) ، والثانية هي جريمة العنف ( وما ينتج عنها من ضرر يصيب المجني عليها ) ، وهذه لها عقاب آخر في شكل الضمان ، أي أن يضمن الجاني ما نتج عن فعله أو صاحبه من ضرر في شكل التعويض أو الدية .
أما الاعتراض الثاني فهو أن هذه الحدود يسري عليها ما يسري على الجرائم الأخرى من أن رئيس الدولة طبقاً للمادة رقم 45 من الدستور الباكستاني من حقه العفو عن أي مجرم في أي مجال إذا رفع إليه طلب بذلك ورأى الرئيس أيضاً ذلك ، وللرئيس كذلك سلطة تأجيل تنفيذ أي حكم صادر من أية محكمة في البلاد أو العفو عنه أو إعادة النظر في القضية في محكمة أخرى ، كما أن له سلطة وقف الحكم وتغييره .
وهذا يعني أن الرئيس يستطيع العفو عن مرتكب الزنا والاغتصاب أيضاً ، وهذا من سلطته دستورياً ، في حين أن الحدود لا تقبل العفو ( حد الزنا ) وليس من حق أحد أن يعفو عن هذه الجريمة .
على أية حال ملأت أخبار هذا التعديل الجرائد والمجلات ، واتهم الرئيس برويز مشرف بأنه فعل ذلك بناءا على ضغط من الرئيس الأمريكي جورج بوش ، وخاصة أن برويز مشرف زار أمريكا والتقى بوش قبل تقديم الموضوع إلى مجلس الشعب للموافقة عليه مباشرة ..... وبعد كل شيء ، ورغم كل شيء تمت الموافقة على التعديل ، وأخذ شكل قانون بداية من 24 / 11 / 2006م .
هوامش :
1 - كتب هذا المقال في 13 / 12 / 2006م .