خطاب من حمار حالي إلى حمار سابق
عثرت على هذا الخطاب بمحض الصدفة حيث كان من مقتنيات أحد الكتاب المجهولين الذين ينتمون إلى مملكة حمارونيا العربية الرئاسية الإشتراكية الرأسمالية الديمقراطية ، وكان قد شرع فى إرساله إلى أحد أصدقائه المهاجرين إلى بلاد الأفرنجة ، إلا أن شيئاً ما قد منعه من إرساله ، فاحتفظ به بين أوراقه ثم شاءت المقادير أن يقع هذا الخطاب بين يدي فقرأت فيه إحباطات كاتب وإخفاقات جيل ، ويبدو أن صديق هذا الكاتب كان يسأله النصيحة بشأن العودة إلى( بلاد العُرب أوطاني من الشام لأااه ياني ) والاستقرار فيها فقال له الكاتب المجهول فى خطابه:
(( لا كنت إن عدت إلى حمارونيا ، فحمارونيا لم تعد كما كانت ، هل تذكر أيام البهجة ، والحلم ، والطفولة ، والصبا ، والشباب؟ ... هل تذكر أيام أن كانت قلوبنا تهتف لحمارونيا قبل أن تنطق ألسنتنا؟ هل تذكر النقاء إذ يتمازج مع أرواحنا؟ والشهامة إذ تلتصق برجالنا؟ والرجولة إذ تحرك ضمائرنا؟ كنا نتضاحك ونحن نذكر تلك القصة التى تروى فى الأثر من أن "الذوق لم يخرج من حمارونيا " ولكن ياصديقي الآن خرج الكل من حمارونيا ... لم يبق فيها إلا الجرذان والبوم والثعابين ، حتى الكرم الذى اشتهرنا به بين الأمم ... أصبح الآن من الصفات والخصال الذميمة والمستقبحة ... إى والله إنها أيام البؤس والنكد .... أعرف طبعاً أنك تذكر تلك القصة التى رواها لنا فى يوم من سالف الأيام أحد رفقاءنا الكبار – وبالمناسبة لقد مات فى مستشفى الأمراض العقلية بعد أن نهق تنهيقته الأخيرة – والتى قال فيها إن العز بن عبد السلام سلطان العلماء كان قد أفتى ببيع المملوك الذى كان يحكم حمارونيا ، لأن هذا المملوك لم يعتقه أحد ، فضلاً عن أنه من ممتلكات بيت مال المسلمين ، فلما رفض المملوك هذه الفتوى خرج العز بن عبد السلام من حمارونيا غاضباً من عدم إنفاذ فتواه ، فإذا بأهل البلاد كلهم يخرجون خلف سلطان العلماء يريدون مغادرة البلاد غضباً ممن تعدى على مقام ذلك الشيخ الكبير ، فما كان من الحاكم المملوك إلا أن خرج مسرعاً يترجى العز بن عبد السلام فى العودة إلى البلاد على أن يتم إنفاذ الفتوى !!! كانت قصة محيرة يا صديقي ، لماذا كان الشعب بأكمله وقتها شعباً إيجابياً فاعلاً؟ ولماذا أصبحنا الآن شعوباً من خيالات المآتة التى لا تتحرك ولا تغادر موقعها قيد أنملة ؟ من الذى سحبنا إلى السلبية والخضوع والذلة والاستكانة؟ من الذى أغرقنا فى مستنقعات البلادة والنفاق والمحسوبية والنفعية؟ من الذى غير المنظومة الأخلاقية لنا؟ ستجد أسئلتي كثيرة ولكنك لن تجد إجابة , فماذا نملك الآن غير أن نسأل وقد جحظت عيوننا من شدة الدهشة !!! بل لا أريد أن أقول لك أنك إذا مشيت الآن فى شوارعنا العربية ستجد رجالنا وقد استطالت أقفيتهم وتدلت ألسنتهم ، وليس من الغريب أن تجد بعض الرجال وقد نبت لهم فى مؤخرتهم ذيل صغير ، وأعرف بعضهم وقد إهتم إهتماماً كبيراً بالذيل الذى نبت له حتى أنه يشترى له من باريس "شامبو" مخصوص لكى يزيده جمالاً ونعومة ـ ومن حبنا للذيل أصبحنا في ذيل الأمم !!مكاننا المفضل ـ، وفى فترة من الفترات كان البعض قد أنشأ عيادات تجميل غرضها "إطالة الأذن" كى تكون شبيهة بأذن الحمار ، فمع تغير الزمن تغيرت مقاييس الجمال وأصبحت أذن الحمار موضة يسعى الشباب إليها سعياً حثيثاً ، ولكن على حين غرة إستيقظ الناس من نومهم ذات صباح فإذا بأذنهم وقد تحولت إلى أذن حمار ، فحار الناس فى تفسير هذه الظاهرة ، وأفلست عيادات التجميل ،بل إن رئيسا لإحدى دولنا قال لأحد الصحفيين الأجانب أمام الجميع : كلي آذان صاغية .. (أنظر من فرط إستطالة أذنه أصبح الرئيس أذنـــاً ) وللإحتفاء بالأذن قال بعض أهل الأدب ( الأذن تعشق قبل العين أحيانا ) ولعلك تذكر تلك الجمعية التى أنشأها البعض حيث جعلوا "حمار الحكيم" رمزاً لهم ، إلا أنك لا تعرف أن أعضاء هذه الجمعية وضعوا مع الحمار شعاراً آخراً هو "عصى موسى" وكان منطقهم فى هذا أن الحمار لا يسير إلا بالعصى ، وأن مجموعة الخراف لابد أن يقوم راعيها بهشها وتنظيم سيرها بعصاه ، وقد استدل الفقهاء والشيوخ على شرعية ضرب الناس بالعصا بل ووجوبه أحياناً بهذا الحوار الذى أجراه رب العزة مع موسى عليه السلام عندما سأله عن عصاه فقال سيدنا موسى "وأهش بها على غنمي" ونحن غنم !! وأعرف عالماً استبط تخريجاً من هذه الآية الكريمة فقال :إن ضرب الشعب بالعصى فرض كفاية إذا فعله حاكم سقط عن باقى الحكام!! ولكن أحدهم تشدد وقال: إنه فرض عين يجب أن يفعله كل حاكم بنفسه ولا يجوز الإنابة فيه !!... هل تأنف ياصديقي من أن تكون حماراً أو خروفاً؟ لا تمتعض كثيراً فلربما يكون الخروف أكرم منا ، على الأقل فإن الخروف عندما يذبح يكون ذلك لإقامة سنة من سنن الإسلام أو لإطعام جائع من لحم حلال ، أما أنت فإنك تذبح ذبح الإبل والخراف كل يوم مائة مرة ... مرة من أجل أن تنتفخ كروشهم من دمك .... ومرة من أجل أن تفرش قصورهم بجلدك المدبوغ .... ومرة من أجل أن يصنع أثاثهم من عظامك الهشة ... وهكذا دواليك ... والحقيقة أنهم لا يذبحوننا لينتفعوا ولكنهم يذبحوننا ليتمتعوا ، ولذلك نرجوا من الله أن يتركوا لنا "لية الخروف" حتى نصنع منها مرقاً لأولادنا ، وبمناسبة ذكر الشيوخ هل أتاك نبأ الشيخ الذى امتعض من الرسوم التى كانت تسخر من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم والمنشورة فى جريدة دينماركية فقال تنديداً بهذه الفعلة الشائنة "ليس لكم حق فى هذا فرسول المسلمين ميت لا يستطيع الدفاع عن نفسه" هل تعرف ياصديقي لماذا رسولنا صلى الله عليه وسلم أضحى ميتاً فى عيون الشيخ الكبير ؟ ميتاً لأن سنته وعقيدته ماتت فى نفس هذا الشيخ فلم ير في الرسول صلى الله عليه وسلم إلا رجلاً ميتاً !! قبحاً لهذا الشيخ ، وقبحاً لمن هم على شاكلته.
لاكنت إن عدت إلى بلادنا ، فبلادنا لم تعد كما كانت ، هل رأيت أحداً يرقص على جثة أخيه ؟ أنت لم تر ولكننا الآن فى بلادنا يرقص الأحياء منا على جثث الأموات فرحاً وطرباً ، خذ عندك هذا الخبر المبهج ... قامت في بلادنا مظاهرات صاخبة عنيفة .. لا لاتذهب لبعيد .. لم يثر أحد على حاكمه .. ولم ينتفض أحد ضد المستعمر الأمريكي الحديث ولم ينتفض أحد ضد الفساد .. ولكن بلادنا فازت .. إي والله .. فازت .. فازت في كرة القدم .. لذلك قامت تلك الشعوب المقهورة المحرومة من الفرحة بمظاهرات صاخبة للتعبير عن فرحتها ،ماذا تريد ياصديقي من شعب محبط من الفشل ، محطم من الإخفاقات ؟ لم يكن أمام الشعب إلا الخروج فرادى وجماعات لكى يرقص فى الشوارع فى مظاهرات لم نر لها مثيلاً من قبل ... شعب فرحان بالنصر .. من حقه أن يفرح ، هل يستطيع أحد أن يلومه؟ ... ولكن للأسف قبل هذا النصر بيوم كانت سفينة السلام قد غرقت ... لا تذهب بفكرك إلى بعيد ، فسفينة السلام مع إسرائيل مستمرة فى الطفو ولم تغرق فهذا خيار إستراتيجي !!! ولكن السفينة التى غرقت هى سفينة السلام التى تقل الركاب من ميناء "ضبا" بالسعودية إلى "سفاجة" فى مصر ، وهى سفينة مصرية لم يتم تدريبها جيداً على السباحة ، كما أنها لم تعرف قانون الطفو "لأرشميدس" ونظراً لأن ربانها جاءوا به قائداً للمسيرة .... مسيرة السفينة .... إعتماداً على أنه هو الذى حقق النصر لمصر فى موقعة "مرج دابق" ونظراً لأن ربان السفينة كانت كل معلوماته عن قيادة السفن قد استقاها من مشاهدته لفيلم "تيتانيك" فما كان منه إلا أن أغرقها فى وسط البحر الأحمر ، فى الوقت الذى كنا فيه نرفع أعلام الفرحة الحمراء والبيضاء ابتهاجاً بانتصارات الكرة !!! غرق ألف ومائة إنسان .... ألف ومائة مصري ... هلك من هلك .... ونجى من نجى ... وعن هذه الكارثة حدث ولا حرج ، لا إشارات استغاثة ولا إغاثة ، إنها ليست سفينة .... إنها ياصديقي بلاد العُرب أوطاني ، كما يحدث فى بلاد العُرب حدث فى السفينة ، ماذا تريدون إذن ... ولكن الأنكى أن تقام فى بيوتنا المآتم على من فقدنا من أهلنا وإخواننا فى الوقت الذى نخرج فيه إلى الشوارع لكى نرقص فرحاً على هدف كرة القدم الأستراتيجي، قل شيزوفرينيا ، أو إنفصام فى المشاعر ، أو بلادة فى الأحاسيس ، قل ماشئت ولكن لا تقل أننا كنا كذلك ... لا لمن نكن كذلك ، لم نرقص أبداً على أشلاء أبنائنا ,نرقص فرحا وبغداد تتمزق .. نرقص طربا ولبنان تختنق ،نرقص بهستيريا والقدس تنتهك ... والقدس تبكي بين أيدينا ...لاتعد فليست هذه هى بلادنا... وليست تلك هي شعوبنا .
لا كنت إن عدت إلى بلادنا ، فبلادنا لم تعد كما كانت ، إحذر ياصديقي من العودة ، وخذ أبناءك معك كى تنقذهم من مجتمع الذئاب ، فإذا عدت فلا تلومن إلا نفسك ، لن تسلم ياصديقي من لدغات العقارب ، وإذا وقعت فى ضائقة فلن يمد أحدهم يده لينقذك ، فإذا جاء أجلك ومت فلن يشيعك أحد ، وسوف تتأذى أذنك بفاحش القول ، وتتأذى عينك من كآبة المنظر ، وتتحطم رئتك من سحب الدخان الملوث ، وستصبح فى النهاية حطام رجل ، إذا حدثتك نفسك بالعودة فلن تجد أصدقاءك الذين كانوا ، وستعجب عندما تراهم يسعون إلى نهش لحمك ، وتلويث سمعتك ، وتحطيم آدميتك ، سيقولون عنك أنك إمبريالي وصهيوني ورجعي وعميل للمخابرات الأمريكية ورفيق للمخابرات الروسية ، سيضعون أياديهم فى جيوبك يستولون على ما بها ، ثم يتضاحكون ويقولون فيما بينهم هذا غر أحمق حلال فيه السرقة ، ولكنهم سيخرجون أمام الناس ويتصايحون عليك ويرجمونك بالحجارة وهم يقولون: عاد يهوذا الأسخريوطي ، أو يقولون: هذا هو المسيخ الدجال.
فإذا عدت فذنبك على جنبك !!( قد يقدمونك لمحكمة عسكرية )، حينذاك أنصحك بشراء نظارة "أشعة إكس" التى تخترق الحجب ، فلا قدرة لك بالحياة فى بلادنا إلا بها ... فمن خلالها سترى أشخاصاً تظنهم ملائكة ، فإذا بك عندما تنظر إليهم من خلال نظارة إكس ستجدهم شياطين مردة ، ومن هنا ستتعلم عدم أخذ الناس بظاهرهم ، فلو كانت للذنوب رائحة لفررنا من جوار من كنا نظن أنهم أتقى الناس !!
لا تعد إلى بلادنا فبلادنا لم تعد لنا ، لن أقول لك غابت مكارم الأخلاق ، لن أقول لك غابت القدوة ، لن أقول لك إن بطن الأرض أصبح خيراً من ظهرها ، ولكني سأقول لك غابت بلادنا عنا ... فلمن تعود إذن؟ ))
والغريب أننى وجدت الكاتب المجهول قد وقع خطابه تحت إسم "صديقك الذى يشتاق إليك ... حمار حصاوي" دولة حمارونيا
ثروت الخرباوي
المفضلات